كتابات
26/10/2018

الدين وأصول الاعتقاد

الدين وأصول الاعتقاد

يتناول العلامة الشيخ محمد جواد مغنية "رض" أصول الاعتقاد التي يتم بها الإسلام، وأقل ما يصبح به المسلم مسلماً، لافتاً إلى أهمية التصديق بالقناعة التي تستحثّ الإنسان على التفاعل أكثر مع قضاياه، وتبعده عن التلقين الذي لا يترك الأثر المطلوب في شخصيته.

ولأخذ هذه الأصول الاعتقادية أساليب مختلفة، تتنوع بحسب القابليات الذهنية والقدرات الفكرية والعقلية والملكات النفسانية للإنسان، إذ يتفاوت المعتقدون في درجات المعرفة التفصيلية أو العامة لأصول الاعتقاد، ومادامت في المحصلة هذه الأصول في أخذها وتلقيها والتفاعل معها متوافقة ومنسجمة مع الحق والواقع، فالحق والواقع هما الميزان، لأنه لا شيء غير الحق والواقع يمكن البناء عليهما، ومن خلال قناعة تامة، إذ يخرج من الاعتقادات بذلك ما كان من صنيعة مخيال الناس وأساطيرهم وثقافتهم الشعبية التي تأخذ طابعاً متافيزيقياً، فلا أمكنة ضبابية أو قابلة للمساومة في هكذا أحوال متصلة باعتقاد الإنسان وهويته الدينية الراسخة، ومن دون قناعة تبرز اعتقاده وتؤكد توجهاته.

قال الشيخ مغنية "رض": "المسلم من صدّق مقتنعاً بكل ما اعتبره الإسلام من الأصول والفروع. والأصول ثلاثة: التوحيد، والنبوّة، والمعاد، فمن شكّ في أصل منها، أو ذهل عنه قاصراً أو مقصراً، فليس بمسلم، ومن آمن بها جميعاً جازماً فهو مسلم، سواء كان إيمانه عن نظر واجتهاد، أو عن التقليد والعدوى، على شريطة أن يكون وفق الحق والواقع".

وبما أن درجات الوعي والعلم وتحصيلها متفاوتة بحسب الملكات والقابليات، وبما أن نسبة لا يستهان بها من العامة يأخذون عقائدهم ليس بجهد خاص، بل تقليداً يفتح لهم أبواب التصديق من دون غوص في العمليات الذهنية والعقلية والتفصيلات التي لا تهمهم مادامت العناوين الكبرى للعقيدة قد تلقوها بالقبول والاطمئنان، فإذا كان أخذ العقيدة حصراً عبر عمليات فكرية وعقلية تفصيلية واستدلالية، فلن يبقى معتقد واحد، وسيصبح الأمر حكراً على قلة قليلة خصها تعالى بقدرات عقلية واجتهادية متقدمة، وهذا ينافي سنة الله في خلقه، من إيجاد التنوع الطبيعي بين البشر في كلّ شيء بغية التعارف والتكامل...

قال العلامة مغنية: "أما ما ذكره العلامة الحلي، والشهيد الثاني، وغيرهما، من وجوب الاستدلال والنظر في الأمور والعقائد، وعدم كفاية التقليد فيهما، فإن المقصود منه التقليد الذي لا يوصل إلى الواقع، أما إذا كان سبيلاً للتصديق بالحقّ، فلا ريب في إجزائه وكفايته، وإلا لم يبق من المسلمين سوى واحد من كلّ مائة، ولذا قال العلامة الأنصاري في كتاب الفرائد: "والأقوى كفاية الجزم الحاصل من التقليد". ويكفي من التوحيد الإيمان بوحدة الله تعالى، وقدرته وعلمه وحكمته، ولا تجب معرفة صفاته الثبوتية والسلبية بالتفصيل، ولا أنها عين ذاته أو غيرها، ويكفي من النبوة الإيمان بأنّ محمداً (ص) رسول من الله صادق فيما أخبر به، معصوم في تبليغ الأحكام، فإن الرسول قد يخبر عن الشيء بصفته الدينية المحضة، أي كونه رسولاً مبلَّغاً عن الله تعالى، وقد يخبر عنه بصفته الشخصية، أي كونه إنساناً من البشر، فما كان من النوع الأول، يجب التعبد به، وما كان من النوع الثاني فلا يجب".

ويتابع الشيخ مغنية، وبانسياب في العرض، وبساطة في الأسلوب، وباختصار بعض دقائق المسائل الاعتقادية، ضارباً أمثلة تلفت نظر الإنسان إلى ما ينبغي عليه التدين به، وقايةً له من منزلقات قد تشوّه الحقائق، وتخلط بين ما يجب وما لا يجب التدين به، مميزاً في الوقت عينه بين الأصول والفروع في العقيدة.

قال العلامة الشيخ مغنية :"أما التصديق والإيمان بأن النبي كان يسمع ويرى وهو نائم، كما يسمع ويرى وهو مستيقظ، وأنه يرى من خلفه كما يرى من أمامه، وأنه عالم بجميع اللغات، وأنه أول من تنشقّ عنه الأرض، فليس من ضرورات الدين ولا المذهب. ويكفي من المعاد الاعتقاد أن كل مكلَّف يحاسب بعد الموت على ما اكتسبه في حياته، وأنه ملاق جزاء عمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، أما أنه كيف يحاسب العبد؟ وعلى أية صورة بالتحديد يكون ثواب المحسن؟ وبأيّ لون يعاقب المسيء؟ فلا يجب التدين بشيء من ذلك، فالتوحيد، والنبوّة، والمعاد، دعائم ضرورية لدين الإسلام، فمن أنكر واحداً منها، أو جهله، فلا يعد مسلما شيعياً، ولا سنياً.

أما الفروع التي هي من ضرورات الدين، فهي كل حكم اتفقت عليه المذاهب الإسلامية كافة من غير فرق بين مذهب ومذهب، كوجوب الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، وحرمة زواج الأمّ والأخت، وما إلى ذلك مما لا يختلف فيه رجلان من المسلمين، فضلاً عن طائفتين منهم، فإنكار حكم من هذه الأحكام إنكار للنبوّة، وتكذيب لما ثبت في دين الإسلام بالضرورة.

والفرق بين الأصول والفروع الضرورية، أن الذي لا يدين بأحد الأصول، يكون خارجاً عن الإسلام، جاهلاً كان أو غير جاهل، أما الذي لا يدين بفرع ضروري، كالصلاة والزكاة، فإن كان ذلك مع العلم بصدوره عن الرسول (ص) فهو غير مسلم، لأنه إنكار للنبوة نفسها، وإن كان جاهلاً بصدوره عن الرسالة، كما لو نشأ في بيئة بعيدة عن الإسلام والمسلمين، فلا يضر ذلك بإسلاميته إذا كان ملتزماً بكل ما جاء به الرسول، ولو على سبيل الإجمال، فالتدين بالأصول أمر لا بدّ منه للمسلم، ولا يعذر فيها الجاهل، أما إنكار الأحكام الفرعية الضرورية، فلا يضر بإسلامية المسلم، إلا مع العلم بأنها من الدين، فالإمامة ليست أصلاً من أصول دين الإسلام، وإنما هي أصل لمذهب التشيع، فمنكرها مسلم إذا اعتقد بالتوحيد، والنبوة، والمعاد، ولكنه ليس شيعيا."..

ضرورات المذهب:

ضرورات المذهب عند الشيعة على نوعين

"النوع الأول يعود إلى الأصول، وهي الإمامة، فيجب على كل شيعي إمامي أن يعتقد بإمامة الإثني عشر إماماً، ومن ترك التدين بإمامتهم عالماً كان أو جاهلاً، واعتقد بالأصول الثلاثة، فهو عند الشيعة مسلم غير شيعي، له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم، فالإمامة أصل لمذهب التشيع الذي يرجع معناه ودليله إلى حديث الثقلين: "مثل أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق".

النوع الثاني من ضرورات مذهب الشيعة يرجع إلى الفروع، كنفي العول، والتعصيب، ووجوب الإشهاد على الطلاق، وفتح باب الاجتهاد، وما إلى ذلك مما اختصّوا به دون سائر المذاهب الإسلامية، فمن أنكر فرعاً منها مع علمه بثبوته في مذهب التشيع، لم يكن شيعياً."

بعد هذا الكلام، يشير الشيخ مغنية إلى رفض محاولات البعض اتهام الشيعة بالأخذ الأعمى بما في كتبهم الحديثية، فذلك ليس من ديدن الواعين والغيورين على الدين، فهم متفقون على وجود الضعيف فيها، لذا يدعو إلى تصدي من له أهلية الاجتهاد لهذه الأحاديث وتمحيصها، لما لذلك من أهمية على مستوى النتائج الفقهية والعقيدية، فدعوته تستبطن توصية لأهل العلم كي لا يقعوا في محذور تلقّف الأحاديث وقبولها، بل بذل الجهد من أجل تصفيتها من الشوائب. وهنا نلحظ منهجه لجهة الدقة في توظيف الحديث الثابت بأمانة وموضوعيّة .

قال الشيخ مغنيّة: "وأغتنم هذه المناسبة لألفت نظر من يحتجّ على الشيعة ببعض الأحاديث الموجودة في كتب بعض علمائهم، ألفت نظره إلى أن الشيعة تعتقد أن كتب الحديث الموجودة في مكتباتهم، ومنها الكافي، والاستبصار، والتهذيب، ومن لا يحضره الفقيه، فيها الصحيح والضعيف، وأن كتب الفقه التي ألّفها علماؤهم فيها الخطأ والصواب، فليس عند الشيعة كتاب يؤمنون بأنّ كل ما فيه حق وصواب من أوله إلى آخره غير القرآن الكريم، فالأحاديث الموجودة في كتب الشيعة لا تكون حجّة على مذهبهم، ولا على أي شيعي بصفته المذهبية الشيعية، وإنما يكون الحديث حجّة على الشيعي الذي ثبت عنده الحديث بصفته الشخصية.

وهذه نتيجة طبيعية لفتح باب الاجتهاد لكلّ من له الأهلية، فإن الاجتهاد يكون في صحة السند وضعفه، كما يكون في استخراج الحكم من آية أو رواية. ولا أغالي إذا قلت: إن الاعتقاد بوجود الكذب والدسّ بين الأحاديث ضرورة من ضرورات دين الإسلام، من غير فرق بين مذهب ومذهب، حيث اتفقت على ذلك كلمة جميع المذاهب الإسلاميّة"....[المصدر لكلام الشيخ مغنيه (رحمه الله)، مجلّة "رسالة الإسلام"/ مقالات].

والملاحظ أن الشيخ مغنيّة عرض للرأي التقليدي في مسألة الضرورة المذهبيّة، من دون الغوص في تفاصيلها وأصلها وحيثيّاتها. وفي الآراء المعاصرة (رأي السيد كمال الحيدري/ دروس بحث الخارج) تعدّ الضرورة الدينية أو المذهبية مكبّلة للعقل الشيعي، وقد منعته من التحرر الفكري، وشكلت ضغطاً على إنتاجه ونشاطه، إذ لا بدّ من الرجوع إلى النصوص الثابتة، وما يترتب عليها من أثر فكري وعقيدي في الواقع، ودعوة العقل للاشتغال بها والتأسيس عليها القناعة اللازمة، من دون التقيّد بمصطلح الضرورة الذي لا أساس له، فلفظ الضرورة كمصطلح لم يرد في الكتاب ولا في الأحاديث ولا في المتون الفقهية، وإن كان قد ورد بمعناه عند البعض، وقد أوقع العلماء والناس في إشكالات كثيرة. ومن هنا الدعوة إلى التوسع في التحقق التاريخي لهذا المصطلح، كي نتعرف أكثر عما دار ويدور في فلكه، وما نتج من تطور أو خلط في المفاهيم المرتبطة به

ويأخذنا البحث إلى سؤال عن الفرق بين ضروري المذهب وأصول المذهب، فالأول هو ربما من المسلَّمات التي لا تحتاج إلى نظر لوضوحها، والثاني هو ما يتحقق به الانتماء العقيدي بالمعنى الخاص، كالإمامة بالمعنى الأخص عند الشيعة .

وفي سياق متصل بالإمامة، والمفاضلة بينها وبين النبوّة، يشير المرجع السيد محمد حسين فضل الله "رض" إلى أنّ "هذا ليس من ثوابت المذهب الإمامي، بل رأي قد يوافق عليه العلماء وقد يخالفونه، ونحن نخالفه، لأنّ درجة النبوة التي هي التلقّي مباشرةً من الله تعالى، أعلى من درجة الوصاية عنها والخلافة لها، والإمام يأخذ عن النبي ويبلّغ عنه، وقد أشير إلى ذلك في حديث الإمام الرّضا (ع) الذي رواه الصدوق في "عيون أخبار الرضا"، حيث سأل الإمام (ع) من اعترض على ولايته للعهد: يا هذا، أيّهما أفضل؛ النبي أو الوصي؟ فقال: لا بل النبي". [استفتاءات عقيدية].

من هنا، ربما نستوحي نحن أنّ الإمامة من جهة كونها وراثة لنبوّة الرسول الأكرم الذي اجتمعت فيه النبوة والإمامة، قد اكتسب مكانتها وفضلها من هذه الحيثيّة.

يتناول العلامة الشيخ محمد جواد مغنية "رض" أصول الاعتقاد التي يتم بها الإسلام، وأقل ما يصبح به المسلم مسلماً، لافتاً إلى أهمية التصديق بالقناعة التي تستحثّ الإنسان على التفاعل أكثر مع قضاياه، وتبعده عن التلقين الذي لا يترك الأثر المطلوب في شخصيته.

ولأخذ هذه الأصول الاعتقادية أساليب مختلفة، تتنوع بحسب القابليات الذهنية والقدرات الفكرية والعقلية والملكات النفسانية للإنسان، إذ يتفاوت المعتقدون في درجات المعرفة التفصيلية أو العامة لأصول الاعتقاد، ومادامت في المحصلة هذه الأصول في أخذها وتلقيها والتفاعل معها متوافقة ومنسجمة مع الحق والواقع، فالحق والواقع هما الميزان، لأنه لا شيء غير الحق والواقع يمكن البناء عليهما، ومن خلال قناعة تامة، إذ يخرج من الاعتقادات بذلك ما كان من صنيعة مخيال الناس وأساطيرهم وثقافتهم الشعبية التي تأخذ طابعاً متافيزيقياً، فلا أمكنة ضبابية أو قابلة للمساومة في هكذا أحوال متصلة باعتقاد الإنسان وهويته الدينية الراسخة، ومن دون قناعة تبرز اعتقاده وتؤكد توجهاته.

قال الشيخ مغنية "رض": "المسلم من صدّق مقتنعاً بكل ما اعتبره الإسلام من الأصول والفروع. والأصول ثلاثة: التوحيد، والنبوّة، والمعاد، فمن شكّ في أصل منها، أو ذهل عنه قاصراً أو مقصراً، فليس بمسلم، ومن آمن بها جميعاً جازماً فهو مسلم، سواء كان إيمانه عن نظر واجتهاد، أو عن التقليد والعدوى، على شريطة أن يكون وفق الحق والواقع".

وبما أن درجات الوعي والعلم وتحصيلها متفاوتة بحسب الملكات والقابليات، وبما أن نسبة لا يستهان بها من العامة يأخذون عقائدهم ليس بجهد خاص، بل تقليداً يفتح لهم أبواب التصديق من دون غوص في العمليات الذهنية والعقلية والتفصيلات التي لا تهمهم مادامت العناوين الكبرى للعقيدة قد تلقوها بالقبول والاطمئنان، فإذا كان أخذ العقيدة حصراً عبر عمليات فكرية وعقلية تفصيلية واستدلالية، فلن يبقى معتقد واحد، وسيصبح الأمر حكراً على قلة قليلة خصها تعالى بقدرات عقلية واجتهادية متقدمة، وهذا ينافي سنة الله في خلقه، من إيجاد التنوع الطبيعي بين البشر في كلّ شيء بغية التعارف والتكامل...

قال العلامة مغنية: "أما ما ذكره العلامة الحلي، والشهيد الثاني، وغيرهما، من وجوب الاستدلال والنظر في الأمور والعقائد، وعدم كفاية التقليد فيهما، فإن المقصود منه التقليد الذي لا يوصل إلى الواقع، أما إذا كان سبيلاً للتصديق بالحقّ، فلا ريب في إجزائه وكفايته، وإلا لم يبق من المسلمين سوى واحد من كلّ مائة، ولذا قال العلامة الأنصاري في كتاب الفرائد: "والأقوى كفاية الجزم الحاصل من التقليد". ويكفي من التوحيد الإيمان بوحدة الله تعالى، وقدرته وعلمه وحكمته، ولا تجب معرفة صفاته الثبوتية والسلبية بالتفصيل، ولا أنها عين ذاته أو غيرها، ويكفي من النبوة الإيمان بأنّ محمداً (ص) رسول من الله صادق فيما أخبر به، معصوم في تبليغ الأحكام، فإن الرسول قد يخبر عن الشيء بصفته الدينية المحضة، أي كونه رسولاً مبلَّغاً عن الله تعالى، وقد يخبر عنه بصفته الشخصية، أي كونه إنساناً من البشر، فما كان من النوع الأول، يجب التعبد به، وما كان من النوع الثاني فلا يجب".

ويتابع الشيخ مغنية، وبانسياب في العرض، وبساطة في الأسلوب، وباختصار بعض دقائق المسائل الاعتقادية، ضارباً أمثلة تلفت نظر الإنسان إلى ما ينبغي عليه التدين به، وقايةً له من منزلقات قد تشوّه الحقائق، وتخلط بين ما يجب وما لا يجب التدين به، مميزاً في الوقت عينه بين الأصول والفروع في العقيدة.

قال العلامة الشيخ مغنية :"أما التصديق والإيمان بأن النبي كان يسمع ويرى وهو نائم، كما يسمع ويرى وهو مستيقظ، وأنه يرى من خلفه كما يرى من أمامه، وأنه عالم بجميع اللغات، وأنه أول من تنشقّ عنه الأرض، فليس من ضرورات الدين ولا المذهب. ويكفي من المعاد الاعتقاد أن كل مكلَّف يحاسب بعد الموت على ما اكتسبه في حياته، وأنه ملاق جزاء عمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، أما أنه كيف يحاسب العبد؟ وعلى أية صورة بالتحديد يكون ثواب المحسن؟ وبأيّ لون يعاقب المسيء؟ فلا يجب التدين بشيء من ذلك، فالتوحيد، والنبوّة، والمعاد، دعائم ضرورية لدين الإسلام، فمن أنكر واحداً منها، أو جهله، فلا يعد مسلما شيعياً، ولا سنياً.

أما الفروع التي هي من ضرورات الدين، فهي كل حكم اتفقت عليه المذاهب الإسلامية كافة من غير فرق بين مذهب ومذهب، كوجوب الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، وحرمة زواج الأمّ والأخت، وما إلى ذلك مما لا يختلف فيه رجلان من المسلمين، فضلاً عن طائفتين منهم، فإنكار حكم من هذه الأحكام إنكار للنبوّة، وتكذيب لما ثبت في دين الإسلام بالضرورة.

والفرق بين الأصول والفروع الضرورية، أن الذي لا يدين بأحد الأصول، يكون خارجاً عن الإسلام، جاهلاً كان أو غير جاهل، أما الذي لا يدين بفرع ضروري، كالصلاة والزكاة، فإن كان ذلك مع العلم بصدوره عن الرسول (ص) فهو غير مسلم، لأنه إنكار للنبوة نفسها، وإن كان جاهلاً بصدوره عن الرسالة، كما لو نشأ في بيئة بعيدة عن الإسلام والمسلمين، فلا يضر ذلك بإسلاميته إذا كان ملتزماً بكل ما جاء به الرسول، ولو على سبيل الإجمال، فالتدين بالأصول أمر لا بدّ منه للمسلم، ولا يعذر فيها الجاهل، أما إنكار الأحكام الفرعية الضرورية، فلا يضر بإسلامية المسلم، إلا مع العلم بأنها من الدين، فالإمامة ليست أصلاً من أصول دين الإسلام، وإنما هي أصل لمذهب التشيع، فمنكرها مسلم إذا اعتقد بالتوحيد، والنبوة، والمعاد، ولكنه ليس شيعيا."..

ضرورات المذهب:

ضرورات المذهب عند الشيعة على نوعين

"النوع الأول يعود إلى الأصول، وهي الإمامة، فيجب على كل شيعي إمامي أن يعتقد بإمامة الإثني عشر إماماً، ومن ترك التدين بإمامتهم عالماً كان أو جاهلاً، واعتقد بالأصول الثلاثة، فهو عند الشيعة مسلم غير شيعي، له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم، فالإمامة أصل لمذهب التشيع الذي يرجع معناه ودليله إلى حديث الثقلين: "مثل أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق".

النوع الثاني من ضرورات مذهب الشيعة يرجع إلى الفروع، كنفي العول، والتعصيب، ووجوب الإشهاد على الطلاق، وفتح باب الاجتهاد، وما إلى ذلك مما اختصّوا به دون سائر المذاهب الإسلامية، فمن أنكر فرعاً منها مع علمه بثبوته في مذهب التشيع، لم يكن شيعياً."

بعد هذا الكلام، يشير الشيخ مغنية إلى رفض محاولات البعض اتهام الشيعة بالأخذ الأعمى بما في كتبهم الحديثية، فذلك ليس من ديدن الواعين والغيورين على الدين، فهم متفقون على وجود الضعيف فيها، لذا يدعو إلى تصدي من له أهلية الاجتهاد لهذه الأحاديث وتمحيصها، لما لذلك من أهمية على مستوى النتائج الفقهية والعقيدية، فدعوته تستبطن توصية لأهل العلم كي لا يقعوا في محذور تلقّف الأحاديث وقبولها، بل بذل الجهد من أجل تصفيتها من الشوائب. وهنا نلحظ منهجه لجهة الدقة في توظيف الحديث الثابت بأمانة وموضوعيّة .

قال الشيخ مغنيّة: "وأغتنم هذه المناسبة لألفت نظر من يحتجّ على الشيعة ببعض الأحاديث الموجودة في كتب بعض علمائهم، ألفت نظره إلى أن الشيعة تعتقد أن كتب الحديث الموجودة في مكتباتهم، ومنها الكافي، والاستبصار، والتهذيب، ومن لا يحضره الفقيه، فيها الصحيح والضعيف، وأن كتب الفقه التي ألّفها علماؤهم فيها الخطأ والصواب، فليس عند الشيعة كتاب يؤمنون بأنّ كل ما فيه حق وصواب من أوله إلى آخره غير القرآن الكريم، فالأحاديث الموجودة في كتب الشيعة لا تكون حجّة على مذهبهم، ولا على أي شيعي بصفته المذهبية الشيعية، وإنما يكون الحديث حجّة على الشيعي الذي ثبت عنده الحديث بصفته الشخصية.

وهذه نتيجة طبيعية لفتح باب الاجتهاد لكلّ من له الأهلية، فإن الاجتهاد يكون في صحة السند وضعفه، كما يكون في استخراج الحكم من آية أو رواية. ولا أغالي إذا قلت: إن الاعتقاد بوجود الكذب والدسّ بين الأحاديث ضرورة من ضرورات دين الإسلام، من غير فرق بين مذهب ومذهب، حيث اتفقت على ذلك كلمة جميع المذاهب الإسلاميّة"....[المصدر لكلام الشيخ مغنيه (رحمه الله)، مجلّة "رسالة الإسلام"/ مقالات].

والملاحظ أن الشيخ مغنيّة عرض للرأي التقليدي في مسألة الضرورة المذهبيّة، من دون الغوص في تفاصيلها وأصلها وحيثيّاتها. وفي الآراء المعاصرة (رأي السيد كمال الحيدري/ دروس بحث الخارج) تعدّ الضرورة الدينية أو المذهبية مكبّلة للعقل الشيعي، وقد منعته من التحرر الفكري، وشكلت ضغطاً على إنتاجه ونشاطه، إذ لا بدّ من الرجوع إلى النصوص الثابتة، وما يترتب عليها من أثر فكري وعقيدي في الواقع، ودعوة العقل للاشتغال بها والتأسيس عليها القناعة اللازمة، من دون التقيّد بمصطلح الضرورة الذي لا أساس له، فلفظ الضرورة كمصطلح لم يرد في الكتاب ولا في الأحاديث ولا في المتون الفقهية، وإن كان قد ورد بمعناه عند البعض، وقد أوقع العلماء والناس في إشكالات كثيرة. ومن هنا الدعوة إلى التوسع في التحقق التاريخي لهذا المصطلح، كي نتعرف أكثر عما دار ويدور في فلكه، وما نتج من تطور أو خلط في المفاهيم المرتبطة به

ويأخذنا البحث إلى سؤال عن الفرق بين ضروري المذهب وأصول المذهب، فالأول هو ربما من المسلَّمات التي لا تحتاج إلى نظر لوضوحها، والثاني هو ما يتحقق به الانتماء العقيدي بالمعنى الخاص، كالإمامة بالمعنى الأخص عند الشيعة .

وفي سياق متصل بالإمامة، والمفاضلة بينها وبين النبوّة، يشير المرجع السيد محمد حسين فضل الله "رض" إلى أنّ "هذا ليس من ثوابت المذهب الإمامي، بل رأي قد يوافق عليه العلماء وقد يخالفونه، ونحن نخالفه، لأنّ درجة النبوة التي هي التلقّي مباشرةً من الله تعالى، أعلى من درجة الوصاية عنها والخلافة لها، والإمام يأخذ عن النبي ويبلّغ عنه، وقد أشير إلى ذلك في حديث الإمام الرّضا (ع) الذي رواه الصدوق في "عيون أخبار الرضا"، حيث سأل الإمام (ع) من اعترض على ولايته للعهد: يا هذا، أيّهما أفضل؛ النبي أو الوصي؟ فقال: لا بل النبي". [استفتاءات عقيدية].

من هنا، ربما نستوحي نحن أنّ الإمامة من جهة كونها وراثة لنبوّة الرسول الأكرم الذي اجتمعت فيه النبوة والإمامة، قد اكتسب مكانتها وفضلها من هذه الحيثيّة.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية