يطلب القرآن الكريم من النّاس أن يعيشوا الأسلوب التربويّ الإيماني الذي يريد
الله لهم أن يأخذوا به، فيقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا
الله ذِكْراً كَثِيراً*وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب : 41 ـــ 42].
وأن يذكروا الله تعالى، هو أن يعيشوا مع الله سبحانه، فيذكروه في عقولهم وقلوبهم
وألسنتهم في كلِّ حركة حياتهم، لأنَّ مشكلة الإنسان في ضلاله وكفره وفسقه وفجوره،
هي نسيانه لله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا الله فَأَنسَاهُمْ
أَنفُسَهُمْ}[الحشر: 19]. فالإنسان الذي ينسى الله ويغفل عنه ولا يذكره، هو إنسانٌ
ينسى خطَّ التّوازن في حياته، وينسى الضّوابط التي تضبط حركته، ولكنَّه عندما يذكر
الله في عقله في كلِّ مواقع عظمته، فإنَّ عقله يمتلئ بعظمة الله، وعندما يتذكَّر
الله في مواقع نعمته، فإنَّ قلبه يمتلئ بشكر الله، وعندما يتذكَّر الله في كلِّ ما
يريده منه ممّا يأمره به ليفعله، وممّا ينهاه عنه ليجتنبه، فإنَّ حياته تطفح بحبّ
الله تعالى، وهذا هو ما يجعله إنسانَ الله الّذي يعيش إنسانيّته من حيث إنّها هبة
من الله له في وجوده، ويجعله يتحسّس عبوديّته لله، فإذا ما أحسَّ بذلك، فإنّه يدرك
بأنَّ الله يملك وجوده كلَّه.
وعلى هذا، فالإنسان يأخذ حريّته فيما يملكه، أمّا فيما لا يملكه، فكيف له أن يأخذ
حريّته فيه؟ فأنتَ كإنسان، هل تستطيع أن تأخذ حريّتك في أملاك الناس، فتشعر بقدرتك
على أن تتصرّف بأموالهم كما تريد؟ إنَّ الناسَ يقولون لك، تصرَّف في ملكك، أمّا في
أموال الناس، فأنتَ لا تملك الحريّة في ذلك، لأنّك لا تملك شرعيّة التصرّف بما
يملكون، وإذا كنت لا تشعر بحريّتك أن تتصرَّف في أموال النّاس، فكيف تملك حريّتك في
أن تتصرّف بمال الله؟ فعيناك وأُذناك ويداك ورجلاك وكلُّ أجهزة جسمك، هي مُلك الله،
فكيف تسخِّر مُلْكَ الله بمعصية الله؟ وقد قلناها مراراً على لسان عليّ بن أبي طالب
(عليه السلام): "أقلّ ما يَلْزَمُكُمْ لله، ألا تستعينوا بِنِعْمَتِه على معاصيه".
إنْ أردت أن تعصيَ الله، فاعصِ اللهَ بشيء لم يمنحك الله عطاءه، أمَّا أن تعصيه بما
أعطاك سبحانه، فإنَّ ذلك يمثّل منتهى الوحشيّة والتمرّد عليه تعالى.
ولذلك، فإنّنا عندما نذكر الله، نذكر أنّه خلقنا ورزقنا، وأنَّه هو المهيمن علينا
في كلِّ أمورنا، وهو الّذي يُحيينا ويُميتُنا، وأنّنا لا نملك من أمرنا شيئاً إلاّ
بما ملَّكنا.
فوعي الذّكر لله، هو الّذي يجعلك تتحسَّس وجودك لتعرف معنى هذا الوجود ومعنى
مسؤوليّته، ولتعرف حركة الوجود كلّه {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً
وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون: 115]. تذكّر أنَّ الله تعالى لم
يخلقك لتعبث وتشتهي ولتأكل وتشرب ثمّ تموت، ولكن لتعيش مسؤوليّتك تجاه الله وتجاه
نفسك وتجاه الحياة من حولك.
فمسألة ذكر الله هي الّتي تجعلك تذكر كلَّ حركة حياتك من حيث هي مشدودةٌ إلى
مسؤوليّتك بين يدي الله، وأن تذكر كلَّ ما تُقبل عليه في آخرتك، من حيث إنّها
السّاحة التي تقف فيها لتواجه كلَّ حسابات حياتك الّتي مضت بين يدي الله، ولتواجه
مصيرك من خلال حساباتك.
وعندما يؤكِّد القرآن الكريم على ذكر الله {اذْكُرُوا الله ذِكْراً
كَثِيراً}[الأحزاب: 41] فليس هو الذّكر اللّساني والذّكر القلبيّ فقط، بل هو أيضاً
الذّكر العمليّ، وذلك كما ورد عن الإمام الصّادق (عليه السلام) فيما رُويَ عنه
أنَّه قال: "ليس سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر، ولكنْ أن
تذكر الله عند كلّ حرام فتتركه، وأن تذكر الله عند كلّ واجب فتفعله". فالمقصود
بالذّكر، هو الذي يجعلك تشعر بأنَّ الله مسيطرٌ على كلِّ كيانك، هو الذكر الذي يهزُّ
عقلك ليفتح قلبك ويركّز جوارحك، ويمهّد دربك، ويحدِّد لك هدفك، لتكون بكلِّك مع
الله سبحانه وتعالى.
*من كتاب "عرفان القرآن".
يطلب القرآن الكريم من النّاس أن يعيشوا الأسلوب التربويّ الإيماني الذي يريد
الله لهم أن يأخذوا به، فيقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا
الله ذِكْراً كَثِيراً*وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب : 41 ـــ 42].
وأن يذكروا الله تعالى، هو أن يعيشوا مع الله سبحانه، فيذكروه في عقولهم وقلوبهم
وألسنتهم في كلِّ حركة حياتهم، لأنَّ مشكلة الإنسان في ضلاله وكفره وفسقه وفجوره،
هي نسيانه لله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا الله فَأَنسَاهُمْ
أَنفُسَهُمْ}[الحشر: 19]. فالإنسان الذي ينسى الله ويغفل عنه ولا يذكره، هو إنسانٌ
ينسى خطَّ التّوازن في حياته، وينسى الضّوابط التي تضبط حركته، ولكنَّه عندما يذكر
الله في عقله في كلِّ مواقع عظمته، فإنَّ عقله يمتلئ بعظمة الله، وعندما يتذكَّر
الله في مواقع نعمته، فإنَّ قلبه يمتلئ بشكر الله، وعندما يتذكَّر الله في كلِّ ما
يريده منه ممّا يأمره به ليفعله، وممّا ينهاه عنه ليجتنبه، فإنَّ حياته تطفح بحبّ
الله تعالى، وهذا هو ما يجعله إنسانَ الله الّذي يعيش إنسانيّته من حيث إنّها هبة
من الله له في وجوده، ويجعله يتحسّس عبوديّته لله، فإذا ما أحسَّ بذلك، فإنّه يدرك
بأنَّ الله يملك وجوده كلَّه.
وعلى هذا، فالإنسان يأخذ حريّته فيما يملكه، أمّا فيما لا يملكه، فكيف له أن يأخذ
حريّته فيه؟ فأنتَ كإنسان، هل تستطيع أن تأخذ حريّتك في أملاك الناس، فتشعر بقدرتك
على أن تتصرّف بأموالهم كما تريد؟ إنَّ الناسَ يقولون لك، تصرَّف في ملكك، أمّا في
أموال الناس، فأنتَ لا تملك الحريّة في ذلك، لأنّك لا تملك شرعيّة التصرّف بما
يملكون، وإذا كنت لا تشعر بحريّتك أن تتصرَّف في أموال النّاس، فكيف تملك حريّتك في
أن تتصرّف بمال الله؟ فعيناك وأُذناك ويداك ورجلاك وكلُّ أجهزة جسمك، هي مُلك الله،
فكيف تسخِّر مُلْكَ الله بمعصية الله؟ وقد قلناها مراراً على لسان عليّ بن أبي طالب
(عليه السلام): "أقلّ ما يَلْزَمُكُمْ لله، ألا تستعينوا بِنِعْمَتِه على معاصيه".
إنْ أردت أن تعصيَ الله، فاعصِ اللهَ بشيء لم يمنحك الله عطاءه، أمَّا أن تعصيه بما
أعطاك سبحانه، فإنَّ ذلك يمثّل منتهى الوحشيّة والتمرّد عليه تعالى.
ولذلك، فإنّنا عندما نذكر الله، نذكر أنّه خلقنا ورزقنا، وأنَّه هو المهيمن علينا
في كلِّ أمورنا، وهو الّذي يُحيينا ويُميتُنا، وأنّنا لا نملك من أمرنا شيئاً إلاّ
بما ملَّكنا.
فوعي الذّكر لله، هو الّذي يجعلك تتحسَّس وجودك لتعرف معنى هذا الوجود ومعنى
مسؤوليّته، ولتعرف حركة الوجود كلّه {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً
وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون: 115]. تذكّر أنَّ الله تعالى لم
يخلقك لتعبث وتشتهي ولتأكل وتشرب ثمّ تموت، ولكن لتعيش مسؤوليّتك تجاه الله وتجاه
نفسك وتجاه الحياة من حولك.
فمسألة ذكر الله هي الّتي تجعلك تذكر كلَّ حركة حياتك من حيث هي مشدودةٌ إلى
مسؤوليّتك بين يدي الله، وأن تذكر كلَّ ما تُقبل عليه في آخرتك، من حيث إنّها
السّاحة التي تقف فيها لتواجه كلَّ حسابات حياتك الّتي مضت بين يدي الله، ولتواجه
مصيرك من خلال حساباتك.
وعندما يؤكِّد القرآن الكريم على ذكر الله {اذْكُرُوا الله ذِكْراً
كَثِيراً}[الأحزاب: 41] فليس هو الذّكر اللّساني والذّكر القلبيّ فقط، بل هو أيضاً
الذّكر العمليّ، وذلك كما ورد عن الإمام الصّادق (عليه السلام) فيما رُويَ عنه
أنَّه قال: "ليس سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر، ولكنْ أن
تذكر الله عند كلّ حرام فتتركه، وأن تذكر الله عند كلّ واجب فتفعله". فالمقصود
بالذّكر، هو الذي يجعلك تشعر بأنَّ الله مسيطرٌ على كلِّ كيانك، هو الذكر الذي يهزُّ
عقلك ليفتح قلبك ويركّز جوارحك، ويمهّد دربك، ويحدِّد لك هدفك، لتكون بكلِّك مع
الله سبحانه وتعالى.
*من كتاب "عرفان القرآن".