كتابات
11/06/2019

معرفة الإسلام

معرفة الإسلام

موضوع حديثنا وسلسلة محاضراتنا كيف يمكننا أن نعرف الإسلام أحسن؟ لأن هذه المشكلة الأساسية التي نعانيها؛ عندنا دين باسم دين الإسلام، ومذهبنا - المذهب يعني الطريق إلى الدّين- التشيع. نعيش هذا الدين ولا نعرفه. أنا متأكّد أنه غالبًا نحن لا نعرف حقيقة الإسلام، نعرف أكثر عن الكثير من المبادئ الأخرى غير الإسلام. والكثير منا أيضًا يعرف الكثير عن المسيحيّة، باعتبار أن بعضنا درس في المدارس المسيحيّة، ربما يعرف عن المسيحية أكثر مما يعرف عن الإسلام، كما شاهدت أنا في كثير من مقابلاتي مع كثير من شبابنا. فَلْنعرف الإسلام.

ما هو الإسلام؟:

الإسلام كما يظهر من لفظه ومن لغته، يعني التسليم. التّسليم لمن؟ طبعًا لله. يعني نحن نستسلم ونطيع ونخضع لله ربّ العالمين.

الإسلام بالقلب وبالعقل وبالجسد؛ الإسلام بالعقل، يعني نحن نتيجة لدراستنا ومشاهداتنا نقتنع، وعقلنا يصدّق أنّ الله موجود. قلبنا، عاطفتنا تصدّق وتشعر أنّ الله موجود، وتحبّ الله وتطيعه. وجسمنا أيضًا يسلم لله ربّ العالمين، يعني يطيع الله: نصلّي، نصوم، نخدم، نساعد، نعمل الخير، نجاهد وأمثال ذلك. المهم أننا نخضع للقوانين الإلهية.

الله نعتبره خالق الكون، ونؤمن بهذا الخالق ونخضع له بعقلنا وبقلبنا وبجسمنا. فإذًا، الإسلام يعني التّسليم. التّسليم لمن؟ لله. كيف نسلم لله؟ بعقولنا، يعني نفتّش وندرس ونقتنع بأنّ الله موجود بقلوبنا وعاطفتنا، يعني نشعر بأنّ الله هو خير وهو حقّ وهو في صالحنا وفي عملنا أيضًا، نطيع الله سبحانه وتعالى، يعني ننفّذ أوامره.

أذكر لكم مثالًا: شخص يريد أن يعيش في وطن، مثلًا، يريد أن يعيش في لبنان، في لبنان يوجد حكم (هذا الحكم عندما كان مفيدًا وخادمًا للنّاس)، نحن بحسب جسدنا وجسمنا ننفّذ القوانين، ندفع الضّرائب، نتجنّب المخالفات، نقوم بالواجبات... هذا بحسب الجسم، وبحسب العقل والقلب، ولاؤنا للوطن، يعني نحبّه وندافع عنه بوجودنا وبقلوبنا وبعقولنا. فإذًا، هذا التحديد بإمكاننا أن نركّز عليه ونعرفه. الإسلام هو التسليم لله بالعقل وبالقلب وبالجسد. والإسلام أيضًا هو دين الله الواحد، يعني جميع الأنبياء من آدم إلى محمد بن عبد الله، كلّهم رسل ربّ واحد؛ يعني ليس هناك أديان مختلفة.

ربما تجدون أنّ هذا شيئًا جديدًا، لكن هذا هو الواقع. الدّين واحد، يعني أن آدم (ع) النبيّ الأوّل، ونوح، وإبراهيم، وإسماعيل، وموسى، وعيسى ومحمّد كلّهم رسل ربّ واحد، حملوا الأمانة من إله واحد، وبلّغوا النّاس دينًا واحدًا؛ الفرق بينهم في المنهاج والشّرائع.

يعني اليوم أنتم تدرسون الكيمياء في المدرسة، في الصفّ الأوّل يعطونكم شيئًا من الدرس، في الصفّ الثاني أكثر، في الصفّ الثالث أكثر، في المتوسط أكثر، في الثانوية أكثر، في الجامعة أكثر، كلّه كيمياء، وكله علم واحد، ولكن الفرق في الكميّة والمنهاج. طبعًا، طالب الصف الأول لا يطيق أن يعرف من الكيمياء ما يعرفه طالب الجامعة، يجب أن يكون بمقدار فهمه، بمقدار وعيه، بمقدار استعداده. الأنبياء هكذا كانوا، دين الله واحد، بشّر بهذا الدين وبلّغ هذا الدين جميع الأنبياء، دين واحد بلّغه جميع الأنبياء من آدم إلى محمّد بن عبد الله، كلّ بمستوى عصره، وكلّ حسب منهاج خاصّ. حينما بلغ الدّين إلى محمد بن عبد الله الّذي هو رسولنا، بلّغ جميع الدّين، يعني ما بقي شيء خافيًا، قال كلّ شيء؛ مثل الطالب الذي يدرس ما فوق الجامعة يعلمونه كلّ شيء، ويتضح له كلّ شيء. فإذًا، كل نبي يقول ما يقوله النبي الآخر، أو حسب تعبير القرآن، كلّ نبيّ مصدّق للأنبياء السابقين، ومبشّر بالأنبياء الذين يأتون؛ كلّ نبيّ هو أستاذ من الله لتعليم مادّة معيّنة هي مادة الدين والدين واحد، لا فرق بينهم. فإذًا، ما الفرق بين هذه الأديان التي نراها نحن؟

الفرق في المنهاج والكمية، يعني هذا كمن يجرب الكيمياء في الفصل الأوّل، ويجرّب الكيمياء في الجامعة، ما الفرق بينهما؟ هذا هو الفرق: أسلوب، فكر، طرق الرياضات، الوسائل تختلف، لكن الجوهر واحد، وطبعًا نحن حينما وصلنا إلى أكمل منهاج، ونعيش القرون المتأخرة التي وصل البشر فيها إلى أرقى درجات الفكر، بطبيعة الحال، نحن نعتزّ بديننا، ونعتبر أنه أكمل مرحلة من مراحل التدين، هذه النقطة الثانية.

فإذًا، الإسلام هو التسليم لله والإطاعة لله. والإسلام هو دين الله الواحد، بشّر به جميع الأنبياء، لا فرق في حقيقة الدين بين الأنبياء المختلفين، دين واحد، بدأ كلّ نبيّ بمقدار من المعلومات، وبمنهاج معيَّن يبشّر، ووصل الأمر إلى محمد بن عبد الله الذي بشّر بجميع الدين، وختم الرّسالة.

فإذًا، الإسلام الذي هو الدّين الواحد، هو رابطة الإنسان مع الله، هو وسيلة سعادة الإنسان الواحدة في الوجود: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ﴾[آل عمران، 19]. ماذا يعمل الدّين؟ هذه النقطة الثالثة أقولها لكم، ثم ندخل في تفصيل الحديث. الدين ماذا يعمل للإنسان؟

أذكر لكم مثالاً، الإنسان حينما يشتري برّادًا، أو يشتري ماكينة خياطة، أو يشتري سيارة، الشّركة تعطيه تعليمات. هذه تعليمات مثلًا بالنّسبة إلى السيارة، أن السيارة بحاجة إلى تمرين روداج، لا تطلع على الجبل، وتمشي بسرعة معيّنة، وكلّ خمسين كيلومتراً يغيرون الزيت أو السيارة، وبعدما انتهى دور الرّوداج، مثلًا، حينما يريد أن يوقف السيارة في مكان يسمونه (فرامل)، يجب على الشخص أن يضع رجله على (الفرامل)، وحين يريد أن يمشي بسرعة، يجب أن يضغط على [دوّاسة] البنزين. وعندما يطلع لفوق يجب أن يطلع بالدّرجة الأولى أو الثانية وأمثال ذلك... هذه التعليمات. البراد، يعطيك معلومات عن كيفيّة تشغيله، حين تريده أن يكون باردًا كثيرًا، تضعه على الدرجة الفلانيّة، وحين تكون الكهرباء ضعيفة لا يشتغل، يجب أن تضع له ترانساً (مقوّيًا)، أو تضع شريطًا خاصًا للساعة وأمثال ذلك. هذه التعليمات التي تعطيها الشّركة.

إذا اشترى الإنسان سيارة، وقال أنا لا يهمّني هذه التعليمات، أنا حرّ، أريد أن آخذ سيارتي، وأول ساعة أطلع إلى الجبل. ماذا يصير؟ السيارة تخرب طبعًا. من الذي يخسر؟ أنا أخسر، سيارتي تخسر. السيارة أريد أن أوقفها، وبدل أن أضع رجلي على الفرامل، أضعها على [دوّاسة] البنزين، بطبيعة الحال، السيارة لن تقف، ستصطدم، وستعمل accident وأمثال ذلك. من الذي يخسر؟ أنا. حسنًا! لماذا الشركة تعطيني هذه التعليمات، بأيّ حقّ؟ لأنّ الشركة تعرف ماذا يوجد في هذه السيارة. الشركة تعرف ماذا صنعت، وماذا يوجد بباطن هذه الماكينة. الشركة تعرف. وحتى تعرّفني أنّ التركيب يحتاج إلى دراسة واسعة، لأنّ الذي يعرف هذا الشيء، المفروض أنه يعرف بالكهرباء، ويعرف الفنّ، ويعرف بالعلوم الخاصّة حتى يعرف هذا الشيء. لا يوجد مجال يعلّمني الآن على كلّ هذه المسائل؛ يعطيني معلومات عامّة. حين تريد أن تشغل هذه المسجّلة، تكبس على هذا الزر الفلاني.

هذا المثل الصغير يعطينا معلومات عن الدّين، ما هو الدين؟ ما هي حقيقة الدين؟ ما هي حقيقة الدين على هذا الأساس؟ حقيقة الدين هي تعليمات يعطينا [إياها] الله سبحانه وتعالى حتى نعيش في هذه الماكينة الكبيرة التي اسمها الكون. الله سبحانه وتعالى خلق هذه الأرض، خلق السماء، خلق الشجر والنبات، خلق الموجودات، خلق كل شيء، وهو يعرف كل شيء وخواصّ كل شيء، وخلق الإنسان أيضًا، ويعرف ما هي حقيقة الإنسان، ماذا في قلبه، ما حاجاته، ما وسيلة سعادته، كيف ينمو الإنسان، كيف يخفق الإنسان، كيف يتعذب الإنسان وهكذا... وضع الله لعلاقاتنا مع الكون تنظيمات وخطوطًا، قال إذا كنت تريد أن تعيش حياة سعيدة... هذا الخطّ، مثل التعليمات التي تعطيها الشركة أيضًا، إذا طبقت هذه التعليمات، أنت تستفيد من حياتك، تنمو وتسعد، وتعيش براحة؛ وإذا خالفت هذه التعليمات، مثل الشّخص الذي يخالف تعليمات الشّركة في الاستفادة من السيارة.

فإذًا، الدين هو تنظيم العلاقات بين الإنسان وبين العالم، بين الإنسان وبين الكون الذي يعيش فيه. وعلى هذا الأساس، طالما أنّ الإنسان واحد، والكون واحد، يجب أن يكون دين الله أيضًا واحد؛ ولكنّ هذا الدين يكتمل ويتطوَّر ويتحسّن حسب ارتفاع وعي الإنسان وشعور الإنسان؛ لأنّ الإنسان كما يتصوّر في الحقل العلمي، ويفهم كلّ يوم شيئًا جديدًا من هذا العالم، هكذا يتصوّر في الحقل الديني وكلّ يوم يفهم شيئًا جديدًا من الدين. على هذا الأساس، نحن فسَّرنا هذه النقاط الثلاث، الإسلام دين الله، ودين الله هو سبب سعادة الإنسان في هذه الحياة، وتنظيم علاقات الإنسان مع هذا الكون. هذا أولًا.

النقطة الثانية، ما معنى الإسلام؟ الإطاعة بقلبنا وعقلنا وجسدنا. والأنبياء كلهم دينهم واحد، شرائعهم ومناهجهم تختلف. فإذًا، نحن علينا أن نعرف التفاصيل بعد ذلك، وهي تفاصيل أولًا، أن نؤمن بالله بعقولنا وليس بتقاليدنا، ليس بتراثنا. نحن ولدنا في بيوت المؤمنين، والحمد لله، أخذنا الإيمان كما نأخذ الملابس من أبينا وأمنا. هذا لا يكفي في الدّين، لماذا؟ لأن هذا الأخذ الوراثي لا يملأ عقلنا. نحن عقلنا يجب أن يقتنع بوجود الله. كيف يمكن لعقلنا أن يقتنع بوجود الله؟ طبعًا هذا بحاجة إلى دراسة، وبحاجة إلى مطالعة. فإذًا، نحن في أوّل الخط نتحدّث في قضية الإيمان. كيف نؤمن بالله؟ هل الله موجود؟ قال لي أبي إن الله موجود، وقالت لي أمّي إن الله موجود. هل هذا هو الصّحيح؟ هل هو مخطئ كما كان مخطئًا في كثير من الأشياء؟ آباؤنا وأمّهاتنا لهم أخطاء، ربما يكونون مخطئين في هذه العمليّة، نحن نفتّش وحدنا ونرى هل الله موجود أو لا؟

هذا الفصل الأوّل من حديثنا، ونحن قلنا الإسلام هو الإيمان والإطاعة بالعقل. الإطاعة بالعقل ماذا تعني؟ يعني نحن نصدّق في عقولنا أنّ الله موجود. نصدّق، نقتنع، أول شيء نريد أن نقتنع بهذا الموضوع [بأنّ] الله موجود أو لا؟ المعاد، الآخرة يعني الدّنيا الآخرة موجودة أو لا؟ الأنبياء، صحيح حديثهم أو غير صحيح؟ هذه المسائل أوّل شيء ندرسها بحسب العقل، وبحسب التفكير وبحسب الحجج، بعد ذلك، ننتقل إلى الإيمان القلبي، وبعد ذلك ننتقل إلى الأحكام والإسلام العملي الذي هو إطاعة، تنفيذ الأوامر، أداء الواجبات، اجتناب المحرمات وأمثال ذلك...

فإذًا، نحن في هذا اليوم، ذكرنا المقدمات الملخصة السهلة، وفهمنا أن الإسلام لا يعني أن الواحد يصلّي ويصوم، الإسلام لا يعني أن الإنسان يُكتب في هويته مسلم، الإسلام لا يعني هذه المسائل التقليدية؛ هذا الإسلام هو الإسلام الجغرافي. أتعرف ما هو الإسلام الجغرافي؟ يعني كما أنه في مناطق في الدنيا حارّة ومناطق باردة، هناك مناطق مسلمة ومناطق غير مسلمة؛ هذا ليس له فضل، ولا يوجد فيه شيء. مثلما هنالك بشر أبيض وبشر أسود، هناك إنسان مسلم وإنسان غير مسلم. الإسلام ليس كذلك. الإسلام مسلك، الإسلام خطّ، الإسلام مبدأ ورسالة. الإسلام الإطاعة والتسليم لله بالعقول والقلوب والأجساد، وهو دين الله الواحد بشّر به جميع الأنبياء، وكلّ نبيّ مصدّق لما بين يديه من الأنبياء ومبشّر بالرسول الذي يأتي من بعده. نحن نصدّق بجميع الأنبياء ﴿لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ﴾[البقرة، 285] كما نقول.

وهذا الدّين هو تنظيم العلاقات بين الإنسان وبين الحياة: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾[النحل، 97]. إذا كنت تريد أن تعيش حياة مرتاحة سعيدة، يجب أن تكون متدينًا. لماذا الناس المتدينون غير سعداء؟ يجب أن نفتش عن السبب، نعرف. الواحد يقول والله أنا آمنت بالله، وصليت لله، ولكن ابني مات، أو تمرضتُ، أو أنا مريض من بعد ذلك، مع أنه آمنت. طيّب! هل هذا نحس في الإسلام أو لا؟ لماذا؟ لماذا المسلمون اليوم متخلّفون في الدنيا، مع أنّ الإسلام وسيلة السعادة؟ لماذا؟ ما السّبب؟ هذه المسائل يجب أن نبحث عن الجواب فيها.

*تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصّدر للأبحاث والدراسات (د.ت).

موضوع حديثنا وسلسلة محاضراتنا كيف يمكننا أن نعرف الإسلام أحسن؟ لأن هذه المشكلة الأساسية التي نعانيها؛ عندنا دين باسم دين الإسلام، ومذهبنا - المذهب يعني الطريق إلى الدّين- التشيع. نعيش هذا الدين ولا نعرفه. أنا متأكّد أنه غالبًا نحن لا نعرف حقيقة الإسلام، نعرف أكثر عن الكثير من المبادئ الأخرى غير الإسلام. والكثير منا أيضًا يعرف الكثير عن المسيحيّة، باعتبار أن بعضنا درس في المدارس المسيحيّة، ربما يعرف عن المسيحية أكثر مما يعرف عن الإسلام، كما شاهدت أنا في كثير من مقابلاتي مع كثير من شبابنا. فَلْنعرف الإسلام.

ما هو الإسلام؟:

الإسلام كما يظهر من لفظه ومن لغته، يعني التسليم. التّسليم لمن؟ طبعًا لله. يعني نحن نستسلم ونطيع ونخضع لله ربّ العالمين.

الإسلام بالقلب وبالعقل وبالجسد؛ الإسلام بالعقل، يعني نحن نتيجة لدراستنا ومشاهداتنا نقتنع، وعقلنا يصدّق أنّ الله موجود. قلبنا، عاطفتنا تصدّق وتشعر أنّ الله موجود، وتحبّ الله وتطيعه. وجسمنا أيضًا يسلم لله ربّ العالمين، يعني يطيع الله: نصلّي، نصوم، نخدم، نساعد، نعمل الخير، نجاهد وأمثال ذلك. المهم أننا نخضع للقوانين الإلهية.

الله نعتبره خالق الكون، ونؤمن بهذا الخالق ونخضع له بعقلنا وبقلبنا وبجسمنا. فإذًا، الإسلام يعني التّسليم. التّسليم لمن؟ لله. كيف نسلم لله؟ بعقولنا، يعني نفتّش وندرس ونقتنع بأنّ الله موجود بقلوبنا وعاطفتنا، يعني نشعر بأنّ الله هو خير وهو حقّ وهو في صالحنا وفي عملنا أيضًا، نطيع الله سبحانه وتعالى، يعني ننفّذ أوامره.

أذكر لكم مثالًا: شخص يريد أن يعيش في وطن، مثلًا، يريد أن يعيش في لبنان، في لبنان يوجد حكم (هذا الحكم عندما كان مفيدًا وخادمًا للنّاس)، نحن بحسب جسدنا وجسمنا ننفّذ القوانين، ندفع الضّرائب، نتجنّب المخالفات، نقوم بالواجبات... هذا بحسب الجسم، وبحسب العقل والقلب، ولاؤنا للوطن، يعني نحبّه وندافع عنه بوجودنا وبقلوبنا وبعقولنا. فإذًا، هذا التحديد بإمكاننا أن نركّز عليه ونعرفه. الإسلام هو التسليم لله بالعقل وبالقلب وبالجسد. والإسلام أيضًا هو دين الله الواحد، يعني جميع الأنبياء من آدم إلى محمد بن عبد الله، كلّهم رسل ربّ واحد؛ يعني ليس هناك أديان مختلفة.

ربما تجدون أنّ هذا شيئًا جديدًا، لكن هذا هو الواقع. الدّين واحد، يعني أن آدم (ع) النبيّ الأوّل، ونوح، وإبراهيم، وإسماعيل، وموسى، وعيسى ومحمّد كلّهم رسل ربّ واحد، حملوا الأمانة من إله واحد، وبلّغوا النّاس دينًا واحدًا؛ الفرق بينهم في المنهاج والشّرائع.

يعني اليوم أنتم تدرسون الكيمياء في المدرسة، في الصفّ الأوّل يعطونكم شيئًا من الدرس، في الصفّ الثاني أكثر، في الصفّ الثالث أكثر، في المتوسط أكثر، في الثانوية أكثر، في الجامعة أكثر، كلّه كيمياء، وكله علم واحد، ولكن الفرق في الكميّة والمنهاج. طبعًا، طالب الصف الأول لا يطيق أن يعرف من الكيمياء ما يعرفه طالب الجامعة، يجب أن يكون بمقدار فهمه، بمقدار وعيه، بمقدار استعداده. الأنبياء هكذا كانوا، دين الله واحد، بشّر بهذا الدين وبلّغ هذا الدين جميع الأنبياء، دين واحد بلّغه جميع الأنبياء من آدم إلى محمّد بن عبد الله، كلّ بمستوى عصره، وكلّ حسب منهاج خاصّ. حينما بلغ الدّين إلى محمد بن عبد الله الّذي هو رسولنا، بلّغ جميع الدّين، يعني ما بقي شيء خافيًا، قال كلّ شيء؛ مثل الطالب الذي يدرس ما فوق الجامعة يعلمونه كلّ شيء، ويتضح له كلّ شيء. فإذًا، كل نبي يقول ما يقوله النبي الآخر، أو حسب تعبير القرآن، كلّ نبيّ مصدّق للأنبياء السابقين، ومبشّر بالأنبياء الذين يأتون؛ كلّ نبيّ هو أستاذ من الله لتعليم مادّة معيّنة هي مادة الدين والدين واحد، لا فرق بينهم. فإذًا، ما الفرق بين هذه الأديان التي نراها نحن؟

الفرق في المنهاج والكمية، يعني هذا كمن يجرب الكيمياء في الفصل الأوّل، ويجرّب الكيمياء في الجامعة، ما الفرق بينهما؟ هذا هو الفرق: أسلوب، فكر، طرق الرياضات، الوسائل تختلف، لكن الجوهر واحد، وطبعًا نحن حينما وصلنا إلى أكمل منهاج، ونعيش القرون المتأخرة التي وصل البشر فيها إلى أرقى درجات الفكر، بطبيعة الحال، نحن نعتزّ بديننا، ونعتبر أنه أكمل مرحلة من مراحل التدين، هذه النقطة الثانية.

فإذًا، الإسلام هو التسليم لله والإطاعة لله. والإسلام هو دين الله الواحد، بشّر به جميع الأنبياء، لا فرق في حقيقة الدين بين الأنبياء المختلفين، دين واحد، بدأ كلّ نبيّ بمقدار من المعلومات، وبمنهاج معيَّن يبشّر، ووصل الأمر إلى محمد بن عبد الله الذي بشّر بجميع الدين، وختم الرّسالة.

فإذًا، الإسلام الذي هو الدّين الواحد، هو رابطة الإنسان مع الله، هو وسيلة سعادة الإنسان الواحدة في الوجود: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ﴾[آل عمران، 19]. ماذا يعمل الدّين؟ هذه النقطة الثالثة أقولها لكم، ثم ندخل في تفصيل الحديث. الدين ماذا يعمل للإنسان؟

أذكر لكم مثالاً، الإنسان حينما يشتري برّادًا، أو يشتري ماكينة خياطة، أو يشتري سيارة، الشّركة تعطيه تعليمات. هذه تعليمات مثلًا بالنّسبة إلى السيارة، أن السيارة بحاجة إلى تمرين روداج، لا تطلع على الجبل، وتمشي بسرعة معيّنة، وكلّ خمسين كيلومتراً يغيرون الزيت أو السيارة، وبعدما انتهى دور الرّوداج، مثلًا، حينما يريد أن يوقف السيارة في مكان يسمونه (فرامل)، يجب على الشخص أن يضع رجله على (الفرامل)، وحين يريد أن يمشي بسرعة، يجب أن يضغط على [دوّاسة] البنزين. وعندما يطلع لفوق يجب أن يطلع بالدّرجة الأولى أو الثانية وأمثال ذلك... هذه التعليمات. البراد، يعطيك معلومات عن كيفيّة تشغيله، حين تريده أن يكون باردًا كثيرًا، تضعه على الدرجة الفلانيّة، وحين تكون الكهرباء ضعيفة لا يشتغل، يجب أن تضع له ترانساً (مقوّيًا)، أو تضع شريطًا خاصًا للساعة وأمثال ذلك. هذه التعليمات التي تعطيها الشّركة.

إذا اشترى الإنسان سيارة، وقال أنا لا يهمّني هذه التعليمات، أنا حرّ، أريد أن آخذ سيارتي، وأول ساعة أطلع إلى الجبل. ماذا يصير؟ السيارة تخرب طبعًا. من الذي يخسر؟ أنا أخسر، سيارتي تخسر. السيارة أريد أن أوقفها، وبدل أن أضع رجلي على الفرامل، أضعها على [دوّاسة] البنزين، بطبيعة الحال، السيارة لن تقف، ستصطدم، وستعمل accident وأمثال ذلك. من الذي يخسر؟ أنا. حسنًا! لماذا الشركة تعطيني هذه التعليمات، بأيّ حقّ؟ لأنّ الشركة تعرف ماذا يوجد في هذه السيارة. الشركة تعرف ماذا صنعت، وماذا يوجد بباطن هذه الماكينة. الشركة تعرف. وحتى تعرّفني أنّ التركيب يحتاج إلى دراسة واسعة، لأنّ الذي يعرف هذا الشيء، المفروض أنه يعرف بالكهرباء، ويعرف الفنّ، ويعرف بالعلوم الخاصّة حتى يعرف هذا الشيء. لا يوجد مجال يعلّمني الآن على كلّ هذه المسائل؛ يعطيني معلومات عامّة. حين تريد أن تشغل هذه المسجّلة، تكبس على هذا الزر الفلاني.

هذا المثل الصغير يعطينا معلومات عن الدّين، ما هو الدين؟ ما هي حقيقة الدين؟ ما هي حقيقة الدين على هذا الأساس؟ حقيقة الدين هي تعليمات يعطينا [إياها] الله سبحانه وتعالى حتى نعيش في هذه الماكينة الكبيرة التي اسمها الكون. الله سبحانه وتعالى خلق هذه الأرض، خلق السماء، خلق الشجر والنبات، خلق الموجودات، خلق كل شيء، وهو يعرف كل شيء وخواصّ كل شيء، وخلق الإنسان أيضًا، ويعرف ما هي حقيقة الإنسان، ماذا في قلبه، ما حاجاته، ما وسيلة سعادته، كيف ينمو الإنسان، كيف يخفق الإنسان، كيف يتعذب الإنسان وهكذا... وضع الله لعلاقاتنا مع الكون تنظيمات وخطوطًا، قال إذا كنت تريد أن تعيش حياة سعيدة... هذا الخطّ، مثل التعليمات التي تعطيها الشركة أيضًا، إذا طبقت هذه التعليمات، أنت تستفيد من حياتك، تنمو وتسعد، وتعيش براحة؛ وإذا خالفت هذه التعليمات، مثل الشّخص الذي يخالف تعليمات الشّركة في الاستفادة من السيارة.

فإذًا، الدين هو تنظيم العلاقات بين الإنسان وبين العالم، بين الإنسان وبين الكون الذي يعيش فيه. وعلى هذا الأساس، طالما أنّ الإنسان واحد، والكون واحد، يجب أن يكون دين الله أيضًا واحد؛ ولكنّ هذا الدين يكتمل ويتطوَّر ويتحسّن حسب ارتفاع وعي الإنسان وشعور الإنسان؛ لأنّ الإنسان كما يتصوّر في الحقل العلمي، ويفهم كلّ يوم شيئًا جديدًا من هذا العالم، هكذا يتصوّر في الحقل الديني وكلّ يوم يفهم شيئًا جديدًا من الدين. على هذا الأساس، نحن فسَّرنا هذه النقاط الثلاث، الإسلام دين الله، ودين الله هو سبب سعادة الإنسان في هذه الحياة، وتنظيم علاقات الإنسان مع هذا الكون. هذا أولًا.

النقطة الثانية، ما معنى الإسلام؟ الإطاعة بقلبنا وعقلنا وجسدنا. والأنبياء كلهم دينهم واحد، شرائعهم ومناهجهم تختلف. فإذًا، نحن علينا أن نعرف التفاصيل بعد ذلك، وهي تفاصيل أولًا، أن نؤمن بالله بعقولنا وليس بتقاليدنا، ليس بتراثنا. نحن ولدنا في بيوت المؤمنين، والحمد لله، أخذنا الإيمان كما نأخذ الملابس من أبينا وأمنا. هذا لا يكفي في الدّين، لماذا؟ لأن هذا الأخذ الوراثي لا يملأ عقلنا. نحن عقلنا يجب أن يقتنع بوجود الله. كيف يمكن لعقلنا أن يقتنع بوجود الله؟ طبعًا هذا بحاجة إلى دراسة، وبحاجة إلى مطالعة. فإذًا، نحن في أوّل الخط نتحدّث في قضية الإيمان. كيف نؤمن بالله؟ هل الله موجود؟ قال لي أبي إن الله موجود، وقالت لي أمّي إن الله موجود. هل هذا هو الصّحيح؟ هل هو مخطئ كما كان مخطئًا في كثير من الأشياء؟ آباؤنا وأمّهاتنا لهم أخطاء، ربما يكونون مخطئين في هذه العمليّة، نحن نفتّش وحدنا ونرى هل الله موجود أو لا؟

هذا الفصل الأوّل من حديثنا، ونحن قلنا الإسلام هو الإيمان والإطاعة بالعقل. الإطاعة بالعقل ماذا تعني؟ يعني نحن نصدّق في عقولنا أنّ الله موجود. نصدّق، نقتنع، أول شيء نريد أن نقتنع بهذا الموضوع [بأنّ] الله موجود أو لا؟ المعاد، الآخرة يعني الدّنيا الآخرة موجودة أو لا؟ الأنبياء، صحيح حديثهم أو غير صحيح؟ هذه المسائل أوّل شيء ندرسها بحسب العقل، وبحسب التفكير وبحسب الحجج، بعد ذلك، ننتقل إلى الإيمان القلبي، وبعد ذلك ننتقل إلى الأحكام والإسلام العملي الذي هو إطاعة، تنفيذ الأوامر، أداء الواجبات، اجتناب المحرمات وأمثال ذلك...

فإذًا، نحن في هذا اليوم، ذكرنا المقدمات الملخصة السهلة، وفهمنا أن الإسلام لا يعني أن الواحد يصلّي ويصوم، الإسلام لا يعني أن الإنسان يُكتب في هويته مسلم، الإسلام لا يعني هذه المسائل التقليدية؛ هذا الإسلام هو الإسلام الجغرافي. أتعرف ما هو الإسلام الجغرافي؟ يعني كما أنه في مناطق في الدنيا حارّة ومناطق باردة، هناك مناطق مسلمة ومناطق غير مسلمة؛ هذا ليس له فضل، ولا يوجد فيه شيء. مثلما هنالك بشر أبيض وبشر أسود، هناك إنسان مسلم وإنسان غير مسلم. الإسلام ليس كذلك. الإسلام مسلك، الإسلام خطّ، الإسلام مبدأ ورسالة. الإسلام الإطاعة والتسليم لله بالعقول والقلوب والأجساد، وهو دين الله الواحد بشّر به جميع الأنبياء، وكلّ نبيّ مصدّق لما بين يديه من الأنبياء ومبشّر بالرسول الذي يأتي من بعده. نحن نصدّق بجميع الأنبياء ﴿لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ﴾[البقرة، 285] كما نقول.

وهذا الدّين هو تنظيم العلاقات بين الإنسان وبين الحياة: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾[النحل، 97]. إذا كنت تريد أن تعيش حياة مرتاحة سعيدة، يجب أن تكون متدينًا. لماذا الناس المتدينون غير سعداء؟ يجب أن نفتش عن السبب، نعرف. الواحد يقول والله أنا آمنت بالله، وصليت لله، ولكن ابني مات، أو تمرضتُ، أو أنا مريض من بعد ذلك، مع أنه آمنت. طيّب! هل هذا نحس في الإسلام أو لا؟ لماذا؟ لماذا المسلمون اليوم متخلّفون في الدنيا، مع أنّ الإسلام وسيلة السعادة؟ لماذا؟ ما السّبب؟ هذه المسائل يجب أن نبحث عن الجواب فيها.

*تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصّدر للأبحاث والدراسات (د.ت).

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية