كتابات
25/11/2020

هل شاء الله ألّا يسجد إبليس لآدم؟!

هل شاء الله ألّا يسجد إبليس لآدم؟!

"البعض يقول، ومنهم د. صادق جلال العظم، إنَّ الله يأمر بأوامر، ولكن تكون له مشيئة أخرى، وهو سبحانه عندما طلب من إبليس أن يسجد لآدم، كانت مشيئته ألا يسجد، ولذلك عاش إبليس "مأساة" عندما رفض السّجود لآدم، فلأنّه يرفض السّجود لغير الله، رفض السّجود لبشر. ما تعليقكم على ذلك؟".

سؤال أجاب عنه سماحة العلّامة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله (رض) بالقول:

"الواقع أنَّني عالجت هذه القضيّة في بعض أبحاثي، وأعتقد أنّ د. العظم لم يبحثها عن وعي للمفردات الفلسفيّة..

على أيّ حال، أمامنا نقطتان: نقطة تجاذب بين المشيئة والأمر، فالمشيئة تفرض حتميّتها في أن يختار إبليس الشرّ ـــ إذا صحّ التّعبير ـــ أي الرّفض. والأمر يفرض عليه أن يختار الإيجاب. هذه المسألة تحتاج إلى أن نفهم المشيئة. فالمشيئة معناها أنَّ الله في تخطيطه للوجود، سواء وجود الإنسان أو وجود الطبيعة، يعلم بما سيحدث في المستقبل من خلال العناصر التي تؤثّر في حركة المستقبل، يعني أنَّ الله يعرف أنّ الزلزال سيكون في مرحلة معيَّنة، في سنة كذا، ويوم كذا، من خلال علمه بالأسباب التي تُنتج الزلزال، وأنّها سوف تكون جاهزةً في ذلك الوقت، ولكن ليس معناه أنّ المشيئة اقتضت الزّلزال، بل إنَّ المشيئة انطلقت في خطّ الحكمة من خلال أنّها انطلقت من علاقة المسبِّبات بالأسباب.. وعلى هذا، فإنَّ الله تعالى عَلِمَ أنَّ إبليس لن يسجد، وسوف يختار عدم السجود من خلال نوازعه الذاتيّة.

أمّا إنّ الله شاء ذلك، فليس بمعنى أنَّه أراد ذلك بشكلٍ مباشر.. معنى (شاء ذلك)، أنّ الله سبحانه ربط حركة المخلوق الحيّ فيما يتعلَّق بإرادته. وعلى هذا، فإنَّه سبحانه علم أنّ إبليس سوف لن يسجد انطلاقاً من كبريائه. فإذاً، ليس هناك تنافٍ بين المشيئة وبين الأمر، فالله يريد له أن يختار ذلك، ولكنّه سبحانه علم أنّه سيعصيه، فليس رفض إبليس السجود لآدم أنّ الله أراده بمشيئته أن يرفض، بل لأنّه هو اختار ذلك.

الله يريد للإنسان أن يفعل، أو يريد للشّيطان أن يفعل، ولكن خلق عنده حريّة الاختيار، فالمشيئة تابعة للأسباب، فالله يشاء الأشياء بأسبابها، ومن أسبابها، اختيار الإنسان، أو اختيار الشّيطان.

إذاً، هناك مشيئة تتّصل بالأشياء بشكلٍ مباشر، الله خلق الكون، وخلق آدم وعلم أنّه سيعصيه، وهنا تتَّصل المشيئة بالأفعال، وتكون المشيئة بالنّسبة إلى الأفعال بلحاظ علاقة الأفعال بالاختيار الإنسانيّ.. وليس ذلك كما يقول البعض، إنَّ هذا ممّا كتبه الله. نحن نقول كتبه الله، لأنّه يعلم أنّ فلاناً سيفعله، ولم يفعله لأنّ الله كتبه، إنَّ الله كتبه، معناه أنَّ الله يعلم المستقبل، ويعلم تحقّق هذا الشّيء بأسبابه.

أمّا النقطة الثانية في السؤال، وهي الحديث عن "مأساة" إبليس، وأنّه مخلوق موحِّد، يحبّ الله، وأنّ الله يفرض عليه أن يسجد لآدم، وهو لم يعتد ذلك.. نحن نسأل د. العظم: مسألة إبليس من أين جاءت؟ جاءت من التراث الدّيني، هي غيبٌ من غيب الله، فطريق معرفتنا بإبليس هو النصّ القرآني، الذي يقول بأنَّه رفض السّجود لآدم كبرياءً، ولم يرفض السّجود له إخلاصاً لله. فالقرآن يقول أيضاً فيما هي قصَّة إبليس: {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}(1).

فإبليس تعبَّد لذاته، وعلى هذا الأساس، فليست مسألته مسألةً مأساويّة، لأنَّ المأساة تنطلق من أنّ الله أراد أن يفرض على إبليس شيئاً على خلاف حُبّه له، وهذا ما لم يكن". 


 سورة الأعراف، الآية:12.(1)

"البعض يقول، ومنهم د. صادق جلال العظم، إنَّ الله يأمر بأوامر، ولكن تكون له مشيئة أخرى، وهو سبحانه عندما طلب من إبليس أن يسجد لآدم، كانت مشيئته ألا يسجد، ولذلك عاش إبليس "مأساة" عندما رفض السّجود لآدم، فلأنّه يرفض السّجود لغير الله، رفض السّجود لبشر. ما تعليقكم على ذلك؟".

سؤال أجاب عنه سماحة العلّامة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله (رض) بالقول:

"الواقع أنَّني عالجت هذه القضيّة في بعض أبحاثي، وأعتقد أنّ د. العظم لم يبحثها عن وعي للمفردات الفلسفيّة..

على أيّ حال، أمامنا نقطتان: نقطة تجاذب بين المشيئة والأمر، فالمشيئة تفرض حتميّتها في أن يختار إبليس الشرّ ـــ إذا صحّ التّعبير ـــ أي الرّفض. والأمر يفرض عليه أن يختار الإيجاب. هذه المسألة تحتاج إلى أن نفهم المشيئة. فالمشيئة معناها أنَّ الله في تخطيطه للوجود، سواء وجود الإنسان أو وجود الطبيعة، يعلم بما سيحدث في المستقبل من خلال العناصر التي تؤثّر في حركة المستقبل، يعني أنَّ الله يعرف أنّ الزلزال سيكون في مرحلة معيَّنة، في سنة كذا، ويوم كذا، من خلال علمه بالأسباب التي تُنتج الزلزال، وأنّها سوف تكون جاهزةً في ذلك الوقت، ولكن ليس معناه أنّ المشيئة اقتضت الزّلزال، بل إنَّ المشيئة انطلقت في خطّ الحكمة من خلال أنّها انطلقت من علاقة المسبِّبات بالأسباب.. وعلى هذا، فإنَّ الله تعالى عَلِمَ أنَّ إبليس لن يسجد، وسوف يختار عدم السجود من خلال نوازعه الذاتيّة.

أمّا إنّ الله شاء ذلك، فليس بمعنى أنَّه أراد ذلك بشكلٍ مباشر.. معنى (شاء ذلك)، أنّ الله سبحانه ربط حركة المخلوق الحيّ فيما يتعلَّق بإرادته. وعلى هذا، فإنَّه سبحانه علم أنّ إبليس سوف لن يسجد انطلاقاً من كبريائه. فإذاً، ليس هناك تنافٍ بين المشيئة وبين الأمر، فالله يريد له أن يختار ذلك، ولكنّه سبحانه علم أنّه سيعصيه، فليس رفض إبليس السجود لآدم أنّ الله أراده بمشيئته أن يرفض، بل لأنّه هو اختار ذلك.

الله يريد للإنسان أن يفعل، أو يريد للشّيطان أن يفعل، ولكن خلق عنده حريّة الاختيار، فالمشيئة تابعة للأسباب، فالله يشاء الأشياء بأسبابها، ومن أسبابها، اختيار الإنسان، أو اختيار الشّيطان.

إذاً، هناك مشيئة تتّصل بالأشياء بشكلٍ مباشر، الله خلق الكون، وخلق آدم وعلم أنّه سيعصيه، وهنا تتَّصل المشيئة بالأفعال، وتكون المشيئة بالنّسبة إلى الأفعال بلحاظ علاقة الأفعال بالاختيار الإنسانيّ.. وليس ذلك كما يقول البعض، إنَّ هذا ممّا كتبه الله. نحن نقول كتبه الله، لأنّه يعلم أنّ فلاناً سيفعله، ولم يفعله لأنّ الله كتبه، إنَّ الله كتبه، معناه أنَّ الله يعلم المستقبل، ويعلم تحقّق هذا الشّيء بأسبابه.

أمّا النقطة الثانية في السؤال، وهي الحديث عن "مأساة" إبليس، وأنّه مخلوق موحِّد، يحبّ الله، وأنّ الله يفرض عليه أن يسجد لآدم، وهو لم يعتد ذلك.. نحن نسأل د. العظم: مسألة إبليس من أين جاءت؟ جاءت من التراث الدّيني، هي غيبٌ من غيب الله، فطريق معرفتنا بإبليس هو النصّ القرآني، الذي يقول بأنَّه رفض السّجود لآدم كبرياءً، ولم يرفض السّجود له إخلاصاً لله. فالقرآن يقول أيضاً فيما هي قصَّة إبليس: {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}(1).

فإبليس تعبَّد لذاته، وعلى هذا الأساس، فليست مسألته مسألةً مأساويّة، لأنَّ المأساة تنطلق من أنّ الله أراد أن يفرض على إبليس شيئاً على خلاف حُبّه له، وهذا ما لم يكن". 


 سورة الأعراف، الآية:12.(1)

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية