كتابات
04/03/2014

الأساس الإسلاميّ لفكرة الحوار

الأساس الإسلاميّ لفكرة الحوار

قيمة العقل في الإسلام

انطلق الإسلام في حياة الناس من قاعدة أصيلة في تفكيره، وهي اعتبار العقل قوّة صالحة للحكم على الأشياء، وميزاناً لصحّة القضايا وفسادها، حتّى جاءت بعض الأحاديث الشّريفة، الّتي تتحدّث عن العقل لتقول إنّه الرّسول الباطني، بينما تصف الرّسول(ص) ـ في مقابل ذلك ـ بأنّه (عقل من خارج)، كأسلوب من أساليب التّركيز على احترام العقل ودوره في العقيدة والشّريعة.

وفي ضوء ذلك، اعتبر علماء الأصول الإسلاميّون العقل دليلاً على الحكم الشّرعي، في كثير من الحالات الّتي يكتشف فيها الأسس الّتي ترتكز عليها التّشريعات في الإسلام، حيث ينطلق من ذلك إلى اكتشاف الجعل الشّرعيّ. وهذا ما نلاحظه في حديثهم عن الأدلّة التي تكون أساساً للاستنباط، عندما يقولون إنّها "الكتاب والسنّة والعقل والإجماع"، وقد يزيدون على ذلك بعض الأشياء الأخرى، مما لا شأن لنا بالحديث عنه.

رفض التّقليد في العقيدة

وعلى هذا الأساس، كان لا بدّ للعقل من الحركة الدّائبة الّتي تصول وتجول وتحاكم وتجادل.. وكان لا بدّ للّدين الّذي يحترم العقل، أن يفسح المجال له، في ما يقدّم من عقائد وما يطرح من مفاهيم، ولهذا بدأ الإسلام حركته من موقع الحوار في اتجاهين، يرتبط أحدهما بحركة الدّعوة في مواجهة أفكار المعاندين لها، ويرتبط ثانيهما بحركة الدّعوة في الحياة، من حيث إفساحها المجال للطّريقة العقليّة في التّفكير، لتأخذ موقعها في الحياة في مرحلة تاريخيّة لم يكن فيها للمنهج العقليّ في التّفكير مجال للتواجد.

وكان من أوّليّات هذا المنهج، أن يطلب الإسلام من النّاس الإيمان به على أساس القناعة الذاتيّة، من خلال ما يقدّمه لهم من أدلّة وبراهين على الحقّ في دعوته، معتبراً ذلك هو السّبيل الصّحيح للعقيدة الحقّة، رافضاً التّقليد في العقيدة، سواء في الإيمان بعقيدته أو بعقيدة الآخرين، لأنّ في التّقليد ابتعاداً عن الخطّ السّليم للتَّفكير، وإبقاءً للخطأ والضَّلال في مجالهما المنحرف في الحياة، دون أيّ أمل في تصحيح الانحراف، ما يشكّل خطراً على الحياة نفسها في نهاية المطاف.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، نلاحظ أنّ العقيدة ـ أيّة عقيدة كانت ـ لا تقوى في امتدادها الزّمني بالأتباع المقلِّدين، لأنّ قوّة التقليد لا تستمرّ إلا باستمرار قداسة الماضي في نفوس النّاس، فإذا ضعفت القداسة أو انعدمت، انهار البناء كلّياً.. أمّا القناعة الفكريّة الذاتيّة، فإنها قوّة دائمة تنبع من قوّة الشخصيّة الفكريّة للعقيدة المتجذّرة في الأعماق.

وبذلك كان الحوار الّذي يلاحق الفكرة ويواجهها بالحركة المتنقّلة في أكثر من اتجاه، عنصراً أساسيّاً من عناصر تحريك العقيدة في اتجاه الكمال، لا مجرّد أسلوب من أساليب التّرف الذّهنيّ، الّذي يروّض الفكرة بسباق الجدل في ميادين الكرّ والفرّ، من دون فائدة تُذكر إلا ما يفيده العابث من عَبَثِه، أو الغالب بإسكات خصمه دون اقتناع.

الحجّة والبرهان أوّلاً

وقد انطلق الإسلام ـ في هذا الاتجاه ـ إلى أبعد حدّ، فأكّد في أكثر من مجال دور الحجّة في الإيمان وفي المسؤوليّة، فمن ذلك، ما جاء في القرآن الكريم عن الله تعالى، وهو يحدّثنا عن الحجّة البالغة التي أقامها على العباد، في ما يريدهم أن يؤمنوا به في قضيّة الكفر والإيمان، كما في قوله تعالى: {قُل فلِلَّهِ الحُجَّةُ البالغةُ فلَو شاء لهَدَاكُم أجمعين}[الأنعام، 149].

ويحدّثنا في بعض الآيات عن رفضه لوقوف المؤمنين موقف الضّعف أمام النّاس الّذين يحاولون أن يثيروا الحجج ضدّ الإيمان والمؤمنين، في قوله تعالى: {لِئَلاَّ يكُونَ للنّاس عليكُم حُجَّةٌ}[البقرة:150].

ونلتقي في بعض الآيات بالحديث عن إرسال الرّسل مبشّرين ومنذرين، ليبشّروا وينذروا، فيقيموا على النّاس الحجّة من الله، لأنّ الله لا يريد أن يجعل عليه حجّة للنّاس المنحرفين عن الخطّ في أيّ جانب من جوانب العقيدة والحياة، وذلك في قوله تعالى: {رُسُلاً مبشِّرين ومنذِرينَ لِئَلاَّ يكونَ للنّاسِ على الله حُجَّةٌ بعد الرُّسُل وكان الله عزيزاً حكيماً}[النساء: 165].

إنّ كلّ هذه الآيات الكريمة، توضع لنا الصّورة الحيّة للمنهج الإسلامي الّذي يجعل المركز الأوّل في العقيدة للحجّة والبرهان، فلا إيمان بدون حجّة، ولا مسؤوليّة إلا بعد إقامة الحجّة، وإثارة الأجواء الّتي تنطلق منها الحجج الإلهيّة، لتدفعهم إلى التّفكير والحوار في رحلة الإنسان من الشّكّ إلى الإيمان، ولذلك أراد الله أن يقيم على النَّاس الحجَّة البالغة، لئلا يكون لهم عليه حجَّة في انحرافهم عنه عندما ينحرفون عن الخطّ المستقيم، ولئلا يكون لهم حجَّة على المؤمنين عندما يدخل الإيمان المعركة في مقابل الكفر.

دفاع الإنسان أمام الله

... حتَّى يومَ القيامة، لا يقف الإنسان مكتوف اليدين أمام مصيره، بل يُترَك له مجال الدّخول في حوار وجدال، يدافع به عن نفسه، على أساسٍ من العدالة الّتي تحترم في الإنسان حقّه الطبيعيّ في الدّفاع عن نفسه، حتّى أمام الله الّذي يعلم كلّ شيء، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السّماء، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور، وذلك في قوله تعالى: {يومَ تأتي كلّ نفسٍ تجادلُ عن نفسها وتُوفّى كلُّ نفسٍ ما عمِلَت وهُمْ لا يُظْلمون}[النّحل: 111].

وخلاصة الفكرة، إنّ الإسلام يريد للإنسان أن يحصل على القناعة الذاتيّة، المرتكزة على الحجّة والبرهان، في إطار الحوار الهادئ العميق، سواء في ذلك قضايا العقيدة وقضايا الحساب والمسؤوليّة، فلكلّ سؤال جواب، ولكلّ علامة استفهام تواجه الإنسان في الطّريق، علامات من كلّ منعطف تشير إلى سواء السّبيل.

وهذا هو الأساس الإسلاميّ، في اعتبار الحوار قاعدة أساسيّة في دعوته النّاس إلى الإيمان بالله وعبادته...

*  من كتاب: الحوار في القرآن.

قيمة العقل في الإسلام

انطلق الإسلام في حياة الناس من قاعدة أصيلة في تفكيره، وهي اعتبار العقل قوّة صالحة للحكم على الأشياء، وميزاناً لصحّة القضايا وفسادها، حتّى جاءت بعض الأحاديث الشّريفة، الّتي تتحدّث عن العقل لتقول إنّه الرّسول الباطني، بينما تصف الرّسول(ص) ـ في مقابل ذلك ـ بأنّه (عقل من خارج)، كأسلوب من أساليب التّركيز على احترام العقل ودوره في العقيدة والشّريعة.

وفي ضوء ذلك، اعتبر علماء الأصول الإسلاميّون العقل دليلاً على الحكم الشّرعي، في كثير من الحالات الّتي يكتشف فيها الأسس الّتي ترتكز عليها التّشريعات في الإسلام، حيث ينطلق من ذلك إلى اكتشاف الجعل الشّرعيّ. وهذا ما نلاحظه في حديثهم عن الأدلّة التي تكون أساساً للاستنباط، عندما يقولون إنّها "الكتاب والسنّة والعقل والإجماع"، وقد يزيدون على ذلك بعض الأشياء الأخرى، مما لا شأن لنا بالحديث عنه.

رفض التّقليد في العقيدة

وعلى هذا الأساس، كان لا بدّ للعقل من الحركة الدّائبة الّتي تصول وتجول وتحاكم وتجادل.. وكان لا بدّ للّدين الّذي يحترم العقل، أن يفسح المجال له، في ما يقدّم من عقائد وما يطرح من مفاهيم، ولهذا بدأ الإسلام حركته من موقع الحوار في اتجاهين، يرتبط أحدهما بحركة الدّعوة في مواجهة أفكار المعاندين لها، ويرتبط ثانيهما بحركة الدّعوة في الحياة، من حيث إفساحها المجال للطّريقة العقليّة في التّفكير، لتأخذ موقعها في الحياة في مرحلة تاريخيّة لم يكن فيها للمنهج العقليّ في التّفكير مجال للتواجد.

وكان من أوّليّات هذا المنهج، أن يطلب الإسلام من النّاس الإيمان به على أساس القناعة الذاتيّة، من خلال ما يقدّمه لهم من أدلّة وبراهين على الحقّ في دعوته، معتبراً ذلك هو السّبيل الصّحيح للعقيدة الحقّة، رافضاً التّقليد في العقيدة، سواء في الإيمان بعقيدته أو بعقيدة الآخرين، لأنّ في التّقليد ابتعاداً عن الخطّ السّليم للتَّفكير، وإبقاءً للخطأ والضَّلال في مجالهما المنحرف في الحياة، دون أيّ أمل في تصحيح الانحراف، ما يشكّل خطراً على الحياة نفسها في نهاية المطاف.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، نلاحظ أنّ العقيدة ـ أيّة عقيدة كانت ـ لا تقوى في امتدادها الزّمني بالأتباع المقلِّدين، لأنّ قوّة التقليد لا تستمرّ إلا باستمرار قداسة الماضي في نفوس النّاس، فإذا ضعفت القداسة أو انعدمت، انهار البناء كلّياً.. أمّا القناعة الفكريّة الذاتيّة، فإنها قوّة دائمة تنبع من قوّة الشخصيّة الفكريّة للعقيدة المتجذّرة في الأعماق.

وبذلك كان الحوار الّذي يلاحق الفكرة ويواجهها بالحركة المتنقّلة في أكثر من اتجاه، عنصراً أساسيّاً من عناصر تحريك العقيدة في اتجاه الكمال، لا مجرّد أسلوب من أساليب التّرف الذّهنيّ، الّذي يروّض الفكرة بسباق الجدل في ميادين الكرّ والفرّ، من دون فائدة تُذكر إلا ما يفيده العابث من عَبَثِه، أو الغالب بإسكات خصمه دون اقتناع.

الحجّة والبرهان أوّلاً

وقد انطلق الإسلام ـ في هذا الاتجاه ـ إلى أبعد حدّ، فأكّد في أكثر من مجال دور الحجّة في الإيمان وفي المسؤوليّة، فمن ذلك، ما جاء في القرآن الكريم عن الله تعالى، وهو يحدّثنا عن الحجّة البالغة التي أقامها على العباد، في ما يريدهم أن يؤمنوا به في قضيّة الكفر والإيمان، كما في قوله تعالى: {قُل فلِلَّهِ الحُجَّةُ البالغةُ فلَو شاء لهَدَاكُم أجمعين}[الأنعام، 149].

ويحدّثنا في بعض الآيات عن رفضه لوقوف المؤمنين موقف الضّعف أمام النّاس الّذين يحاولون أن يثيروا الحجج ضدّ الإيمان والمؤمنين، في قوله تعالى: {لِئَلاَّ يكُونَ للنّاس عليكُم حُجَّةٌ}[البقرة:150].

ونلتقي في بعض الآيات بالحديث عن إرسال الرّسل مبشّرين ومنذرين، ليبشّروا وينذروا، فيقيموا على النّاس الحجّة من الله، لأنّ الله لا يريد أن يجعل عليه حجّة للنّاس المنحرفين عن الخطّ في أيّ جانب من جوانب العقيدة والحياة، وذلك في قوله تعالى: {رُسُلاً مبشِّرين ومنذِرينَ لِئَلاَّ يكونَ للنّاسِ على الله حُجَّةٌ بعد الرُّسُل وكان الله عزيزاً حكيماً}[النساء: 165].

إنّ كلّ هذه الآيات الكريمة، توضع لنا الصّورة الحيّة للمنهج الإسلامي الّذي يجعل المركز الأوّل في العقيدة للحجّة والبرهان، فلا إيمان بدون حجّة، ولا مسؤوليّة إلا بعد إقامة الحجّة، وإثارة الأجواء الّتي تنطلق منها الحجج الإلهيّة، لتدفعهم إلى التّفكير والحوار في رحلة الإنسان من الشّكّ إلى الإيمان، ولذلك أراد الله أن يقيم على النَّاس الحجَّة البالغة، لئلا يكون لهم عليه حجَّة في انحرافهم عنه عندما ينحرفون عن الخطّ المستقيم، ولئلا يكون لهم حجَّة على المؤمنين عندما يدخل الإيمان المعركة في مقابل الكفر.

دفاع الإنسان أمام الله

... حتَّى يومَ القيامة، لا يقف الإنسان مكتوف اليدين أمام مصيره، بل يُترَك له مجال الدّخول في حوار وجدال، يدافع به عن نفسه، على أساسٍ من العدالة الّتي تحترم في الإنسان حقّه الطبيعيّ في الدّفاع عن نفسه، حتّى أمام الله الّذي يعلم كلّ شيء، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السّماء، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور، وذلك في قوله تعالى: {يومَ تأتي كلّ نفسٍ تجادلُ عن نفسها وتُوفّى كلُّ نفسٍ ما عمِلَت وهُمْ لا يُظْلمون}[النّحل: 111].

وخلاصة الفكرة، إنّ الإسلام يريد للإنسان أن يحصل على القناعة الذاتيّة، المرتكزة على الحجّة والبرهان، في إطار الحوار الهادئ العميق، سواء في ذلك قضايا العقيدة وقضايا الحساب والمسؤوليّة، فلكلّ سؤال جواب، ولكلّ علامة استفهام تواجه الإنسان في الطّريق، علامات من كلّ منعطف تشير إلى سواء السّبيل.

وهذا هو الأساس الإسلاميّ، في اعتبار الحوار قاعدة أساسيّة في دعوته النّاس إلى الإيمان بالله وعبادته...

*  من كتاب: الحوار في القرآن.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية