عاش الإمام الرضا (ع) تجربة لم يعشها أحد من أئمة أهل البيت(ع)، حيث خاض المأمون العباسي الحرب ضد أخيه الأمين لنزاعهما على الخلافة، وأراد للإمام الرّضا أن يكون وليّ عهده، فرفض الإمام (ع) ذلك في البداية، ولكنّ الظروف المحيطة به آنذاك، سواء من خلال صفتها الخاصّة أو العامّة، جعلته يقبل بالأمر، وهو يعرف أن من الصعب أن يتمّ له المأمون ذلك.
وقد استفاد الإمام الرضا (ع) من هذه الفرصة التي فتحت له الساحة الإسلاميّة كلّها بعد أن سدّت بوجه آبائه، الذين تعرضوا للاضطهاد في فترتي حكم الأمويين والعباسيين، ومنعوا من الامتداد في إعطاء علومهم والانفتاح على الأمّة فيما تحتاجه من التوجيهات الفكرية والروحية والعمليّة.
فقد أخذ الإمام الرضا (ع) هذه الفرصة باعتبار أنه وليّ عهد الخلافة – بحسب الجانب الرسمي – وأفاض على الأمّة من علمه وروحه، حتى استطاع أن يُدخل علوم أهل البيت (ع) إلى الساحة الإسلامية في كل رحابتها، وكان رواة الأحاديث يجتمعون عليه ليحدثهم بما يحمله من علم رسول الله (ص)، وكان عندما يبدأ الحديث، يحاول أن يربط الناس بآبائه من الأئمة الذين سبقوه، ليذكّرهم بالموقع الإمامي والعلمي الذي اتصف به آباؤه، فكان (ع) يقول: "حدّثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمد، قال: حدّثني أبي محمد بن عليّ، قال: حدّثني أبي علي بن الحسين، قال: حدَّثني أبي الحسين بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب، قال: حدّثني رسول الله (ص) عن جبرائيل عن الله، وقد نُقل هذا السند إلى أحد أئمّة أهل السنّة، وهو "أحمد بن حنبل"، فعلّق على هذا السند وقال: "إن هذا الإسناد – هذه السلسلة المباركة - لو قُرئ على مجنون لأفاق"، لأنها تختزن في داخلها هذه الأسماء المشرقة بالعقل والروح والحركة الإسلامية في كلّ مجال، بحيث إن الإنسان إذا ذكرها، ذكر هذه الثروة الإسلامية الثقافية الروحية العلمية، وهذا ما ينبغي لنا أن نتعلَّمه في التزامنا بأهل البيت (ع)، أن لا يكون هذا الالتزام التزام النّبضة العاطفيّة، بل التزام الحركة العقليّة.
ولذلك، روي عن الإمام الرضا (ع) أنه قال: "أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا"، وعندما سئل عن الأسلوب في إحياء الأمر، قال: "يتعلَّم علومنا ويحدِّث بها الناس، فإنَّ الناس إذا عرفوا محاسن كلماتنا اتبعونا"، لأنّ مشكلة ابتعاد الناس عن أئمة أهل البيت (ع)، جعلهم لا يدركون الأبعاد الروحية والفكرية والعملية التي يتميَّزون بها، والإنسان إذا جهل شيئاً أنكره أو أهمله.
وهذا ما ينبغي للمسلمين جميعاً، ولا سيّما لأتباع أهل البيت (ع)، أن يتوفروا على دراسة علوم أهل البيت وكلماتهم التي حرّكوها في واقع الإنسان في نفسه وبيته وعلاقاته ومواقفه التي يقفها في الحياة.
وفي ضوء ذلك، إنّني أحبّ أن أنبّه إلى مسألة في تقاليدنا الدينيّة التي نتبعها ونمارسها، وهي تقاليد الزّيارة لرسول الله (ص) والأئمة من أهل البيت (ع) وأبنائهم، لنعرف أن الزيارة ليست مجرّد أن تدخل إلى حرم هذا الإمام وذاك، أو حرم ابنة هذا الإمام أو ذاك، لتقرأ الزيارة وتقبّل الضريح، بل أن تعيش أجواء هذا الإمام...
*من أرشيف خطب الجمعة لسماحته العام 2001.
عاش الإمام الرضا (ع) تجربة لم يعشها أحد من أئمة أهل البيت(ع)، حيث خاض المأمون العباسي الحرب ضد أخيه الأمين لنزاعهما على الخلافة، وأراد للإمام الرّضا أن يكون وليّ عهده، فرفض الإمام (ع) ذلك في البداية، ولكنّ الظروف المحيطة به آنذاك، سواء من خلال صفتها الخاصّة أو العامّة، جعلته يقبل بالأمر، وهو يعرف أن من الصعب أن يتمّ له المأمون ذلك.
وقد استفاد الإمام الرضا (ع) من هذه الفرصة التي فتحت له الساحة الإسلاميّة كلّها بعد أن سدّت بوجه آبائه، الذين تعرضوا للاضطهاد في فترتي حكم الأمويين والعباسيين، ومنعوا من الامتداد في إعطاء علومهم والانفتاح على الأمّة فيما تحتاجه من التوجيهات الفكرية والروحية والعمليّة.
فقد أخذ الإمام الرضا (ع) هذه الفرصة باعتبار أنه وليّ عهد الخلافة – بحسب الجانب الرسمي – وأفاض على الأمّة من علمه وروحه، حتى استطاع أن يُدخل علوم أهل البيت (ع) إلى الساحة الإسلامية في كل رحابتها، وكان رواة الأحاديث يجتمعون عليه ليحدثهم بما يحمله من علم رسول الله (ص)، وكان عندما يبدأ الحديث، يحاول أن يربط الناس بآبائه من الأئمة الذين سبقوه، ليذكّرهم بالموقع الإمامي والعلمي الذي اتصف به آباؤه، فكان (ع) يقول: "حدّثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمد، قال: حدّثني أبي محمد بن عليّ، قال: حدّثني أبي علي بن الحسين، قال: حدَّثني أبي الحسين بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب، قال: حدّثني رسول الله (ص) عن جبرائيل عن الله، وقد نُقل هذا السند إلى أحد أئمّة أهل السنّة، وهو "أحمد بن حنبل"، فعلّق على هذا السند وقال: "إن هذا الإسناد – هذه السلسلة المباركة - لو قُرئ على مجنون لأفاق"، لأنها تختزن في داخلها هذه الأسماء المشرقة بالعقل والروح والحركة الإسلامية في كلّ مجال، بحيث إن الإنسان إذا ذكرها، ذكر هذه الثروة الإسلامية الثقافية الروحية العلمية، وهذا ما ينبغي لنا أن نتعلَّمه في التزامنا بأهل البيت (ع)، أن لا يكون هذا الالتزام التزام النّبضة العاطفيّة، بل التزام الحركة العقليّة.
ولذلك، روي عن الإمام الرضا (ع) أنه قال: "أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا"، وعندما سئل عن الأسلوب في إحياء الأمر، قال: "يتعلَّم علومنا ويحدِّث بها الناس، فإنَّ الناس إذا عرفوا محاسن كلماتنا اتبعونا"، لأنّ مشكلة ابتعاد الناس عن أئمة أهل البيت (ع)، جعلهم لا يدركون الأبعاد الروحية والفكرية والعملية التي يتميَّزون بها، والإنسان إذا جهل شيئاً أنكره أو أهمله.
وهذا ما ينبغي للمسلمين جميعاً، ولا سيّما لأتباع أهل البيت (ع)، أن يتوفروا على دراسة علوم أهل البيت وكلماتهم التي حرّكوها في واقع الإنسان في نفسه وبيته وعلاقاته ومواقفه التي يقفها في الحياة.
وفي ضوء ذلك، إنّني أحبّ أن أنبّه إلى مسألة في تقاليدنا الدينيّة التي نتبعها ونمارسها، وهي تقاليد الزّيارة لرسول الله (ص) والأئمة من أهل البيت (ع) وأبنائهم، لنعرف أن الزيارة ليست مجرّد أن تدخل إلى حرم هذا الإمام وذاك، أو حرم ابنة هذا الإمام أو ذاك، لتقرأ الزيارة وتقبّل الضريح، بل أن تعيش أجواء هذا الإمام...
*من أرشيف خطب الجمعة لسماحته العام 2001.