هناك ظاهرة منتشرة في الشَّرق كلّه، وهي ظاهرة العصبيَّة، بكلّ أنواعها: العصبيَّة الشَّخصيَّة، العصبيَّة العائليَّة، العصبيَّة المذهبيَّة، العصبيَّة الدّينيَّة، العصبيَّة الحزبيَّة، إلى آخر ما هنالك من عصبيّات.
والنّصوص الَّتي وردت في العصبيَّة، تدلُّ على أنَّها من الأمور الَّتي تصل إلى حدّ الكبائر.
حميَّة الجاهليَّة
وفي الآية القرآنيَّة الّتي تحدَّثت عن حميَّة العصبيَّة، الَّتي هي حميَّة الجاهليَّة، والَّتي تعني التصرّف على أساس التعصّب، يقول تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ - بحيث يعيشون الجوَّ العقلانيَّ والجوَّ النَّفسيَّ الهادئ الَّذي لا ينفعل بالمشاعر والأحاسيس وما إلى ذلك.
- وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ - فلا يتحركون إلَّا على أساس وضوح الطَّريق الَّذي يسيرون فيه، أو وضوح التصرّف الَّذي يقومون به، لأنَّ التَّقوى معناها أن يضع الإنسان الأمور في مواضعها بحسب طبيعتها الواقعيَّة، فلا يتعصَّب لنفسه أو يتعصَّب للآخرين دون حساب - وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}[الفتح: 26].
وفي الحديث عن رسول الله (ص): "مَنْ تَعَصَّبَ أو تُعُصِّبَ لَهُ - يعني من شجَّع النَّاس على العصبيَّة، وأراد لهم أن يتعصَّبوا له - فقَد خَلَعَ رِبْقَةَ الإيمانِ مِن عُنُقِهِ"(1)، وفي صيغة أخرى: "فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ".
وعنه (ص): "منَ كانَ في قَلبِهِ حَبَّةٌ مِن خَردَلٍ مِن عَصَبِيَّةٍ، بَعَثَهُ اللّهُ يَومَ القِيامَةِ مَعَ أعرابِ الجاهِلِيَّةِ"(2)، لأنَّها من حميَّة الجاهليَّة.
وإذا أردنا أن نحلّل قوله (ص): "فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإيمانِ مِنْ عُنُقِهِ"، فباعتبار أنَّ العصبيَّة بحسب خلفيَّتها النَّفسيَّة وحركيَّتها الواقعيَّة، تمثّل حالة صنميَّة، لأنَّ الإنسان عندما يتعصَّب لشخصه، فكأنَّه يجعل شخصه صنمًا يعبده، فشخصه عنده هو الأساس، هو الَّذي يخشع له، ويخضع له، ويسقط أمامه، أو عندما يتعصَّب لعائلته، يجعل عائلته صنمًا يعبده من دون الله، بحيث إذا وقف الإنسان بين القضايا الَّتي تتعلَّق بعائلته وبين أمر الله، اختار عائلته. وهكذا العصبيَّة الحزبيَّة، والعصبيَّة الطائفيَّة والمذهبيَّة والقوميَّة، إلى آخر ما هنالك من عصبيَّات. فكأنَّ العصبيَّة نوع من أنواع الصَّنميَّة، فإذا تعصَّب الإنسان، فكأنَّه يجعل من تعصَّب له أو ما تعصَّب له صنمًا يعبده، وكذلك الَّذي يُتعَصَّبُ له، ويشجّع النّاس على ذلك، فكأنَّه يجعل من نفسه صنمًا يريد للنَّاس أن يعبدوه، وهكذا.
وعن الإمام الصَّادق: "مَن تَعَصَّبَ، عَصَبَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعِصَابَةٍ مِن نَارٍ"(3).
وعن رسول الله (ص): "لَيْسَ مِنَّا مَن دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَن قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَن مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ"(4). فكلُّ حركيَّة تعصّب، تجعل الإنسان يفقد عمق انتمائه إلى الإسلام، لأنَّ معنى أن يكون الإنسان مسلمًا، أن يلتزم بالإسلام بكلّ شروطه وأحكامه ومناهجه وما إلى ذلك.
معنى العصبيَّة
فالعصبيَّة، في جوهرها، هي استغراق في الشَّخص، أو استغراق في العائلة، أو الحزب، أو القوميَّة، أو ما أشبه ذلك، بحيث يكون تعصّبه هو الأساس عنده لا الإسلام، لأنَّ التَّعصّب يجعلك مستغرقًا فيما تعصَّبت له، أو فيمن تعصَّبت له.
الإمام عليّ (ع) يقول: "إنَّ اللهَ تبارَكَ وتَعَالى يُعذّبُ السّتَّةَ بالسّتَّةِ – منها - العربَ بالعصَبيَّةِ - باعتبار أنَّ العصبيَّة ظاهرة في العرب، وإن كانت تمتدّ أيضًا إلى غيرهم - والدَّهاقنةَ بالكبر..."(5)، وهم الَّذين يمثّلون وجهاء البلد أو زعماءه.
وعنه (ع) من كتابه للأشتر: "امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ، وَسَوْرَةَ حَدِّكَ، وَسَطْوَةَ يَدِكَ، وَغَرْبَ لِسَانِكَ"(6). و"حميَّة أنفك"، أي الَّتي تجعل الإنسان يعيش العصبيَّة لنفسه.
ويقول الإمام زين العابدين (ع) في كلمة هي من أروع كلماته، وأنا دائمًا أكرّرها، ونقلتها إلى الكثير من العلمانيّين الّذين اعتبروا أنَّ هذه الكلمة للإمام (ع) تصلح أن تكون برنامجًا للقوميَّة الإنسانيَّة ولكلّ التزام إنسانيّ.
يقول (ع) لما سئل عن العصبيَّة: "العَصَبِيَّةُ الّتي يَأثَمُ عَلَيها صاحِبُها، أن يَرَى الرَّجُلُ شِرارَ قَومِهِ خَيراً مِن خِيارِ قَومٍ آخَرينَ"، بحيث إنَّ الإنسان عندما يتعصَّب لعائلته، يفضّل شرار قومه على خيار قوم آخرين، يعني أنَّه يرى شرار قومه خيارًا. وهكذا الَّذي يتعصَّب لحزب أو لبلد أو لقوميَّة أو ما إلى ذلك.
فـ"العصبيَّة الَّتي يأثم عليها صاحبها، أن يرى الرَّجل شرار قومه خيرًا من خيار قوم آخرين"، كما في شعار: "وطني دائمًا على حقّ"، وعلى نسقها، تأتي أيضاً شعارات: "عائلتي دائمًا على حقّ"، "حزبي دائمًا على حقّ"، "طائفتي دائمًا على حقّ"، وهكذا. فالعصبيَّة هي الَّتي تجعلك تتعصَّب لهذا الشَّخص، بحيث تعتبر أنَّ خياراته دائماً هي الحقّ.
ويكمل الإمامُ (ع): "وَلَيسَ مِنَ العَصَبِيَّةِ أن يُحِبَّ الرَّجُلُ قَومَهُ"، لأنَّ الإنسان مفطور على أن يحبّ عائلته، وأن يحبَّ أهل وطنه، وأن يحبَّ الَّذي يتكلَّم لغته... هذا شيء معلوم، فالإسلام لا يمنعك أن تعيش المشاعر الحميمة تجاه قومك، أيًّا كان قومك؛ قومك في العائلة، أو قومك في الوطن، أو في القوميَّة...
"وَلَكِنْ مِنَ العَصَبِيَّةِ أن يُعينَ قَومَهُ عَلَى الظُّلمِ"(7)، بحيث يخرج عن المبادئ.. فمن الطّبيعيّ أن تحبّ قومك، ولكن إذا تعارضَ ذلك مع مبادئك، فعليك أن تترك قومك وتنطلق مع مبادئك. فإذا كنت تعيش إنسانيَّتك، وتعيش دينك، وتعيش أخلاقيَّتك، ومن الأخلاق العدل، فإذا انطلق قومك بالظّلم، فإنَّ عليك أن لا تعينهم عليه، وإلَّا كنت متعصّبًا. وقد ورد عن رسول الله (ص) أنَّ العصبيَّة أَنْ تُعِينَ قَوْمَكَ عَلَى الظُّلْمِ.
وقد سئل النَّبيّ (ص) عن الكلمة الّتي كانت شائعة عند الجاهليّين: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمـًا أَوْ مَظْلُومًا"، والنَّبيّ (ص) تبنَّى هذه الكلمة، ولكنَّه حاول أن يعطيها مفهومًا آخر. فسأله شخص: "يا رسولَ اللَّهِ، هذا نَصرتُهُ مظلومًا، فَكَيفَ أنصرُهُ إذا كانَ ظالـمًا؟ قال: تحجِزُهُ وتمنعُهُ منَ الظُّلمِ، فذاكَ نَصْرُهُ"(8).
إمام المتعصّبين
ويقول الإمام عليّ (ع) في ذمّ إبليس: "اعْتَرَضَتْهُ الْحَمِيَّةُ، فَافْتَخَرَ عَلَى آدَمَ بِخَلْقِهِ، وَتَعَصَّبَ عَلَيْهِ لِأَصْلِهِ؛ فَعَدُوُّ اللَّهِ إِمَامُ الْمُتَعَصِّبِينَ - وهذه مسألة خطرة جدًّا؛ أنَّ كلَّ إنسان يعيش العصبيَّة، فإمامه إبليس، لأنَّ إبليس هو الَّذي ركَّز قواعد العصبيَّة.
- وَسَلَفُ الْمُسْتَكْبِرِينَ – لأنَّ إبليس أوَّل من سنَّ طريق الاستكبار، وهو الّذي تقدَّم كلّ المستكبرين - الَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ الْعَصَبِيَّةِ، وَنَازَعَ اللَّهَ رِدَاءَ الْجَبْرِيَّةِ، وَادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّزِ، وَخَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّلِ"(9).
وعنه (ع) أيضًا: "اعْتَرَتْهُ الْحَمِيَّةُ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ الشِّقْوَةُ، وَتَعَزَّزَ بِخِلْقَةِ النَّارِ، وَاسْتَوْهَنَ خَلْقَ الصَّلْصَالِ"(10).
وعن الإمام الصَّادق (ع): "إنَّ المَلائكَةَ كانوا يَحسَبونَ أنَّ إبليسَ مِنهُم، وكانَ في عِلْمِ اللّهِ أنَّهُ لَيسَ مِنْهُم، فاستَخرَجَ ما في نَفسِهِ بِالحَمِيَّةِ والغَضَبِ، فقالَ: خَلَقْتَني مِنْ نَارٍ وخَلَقْتَهُ مِنْ طينٍ"(11).
ويقول الإمام عليّ (ع) في الخطبة القاصعة: "وَلَقَدْ نَظَرْتُ، فَمَا وَجَدْتُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ يَتَعَصَّبُ لِشَيْء مِنَ الأشْيَاءِ إِلاَّ عَنْ عِلَّة تَحْتَمِلُ تَمْوِيهَ الْجُهَلاَءِ - بمعنى أنَّ الإنسان تختلط عليه الأمور - أَوْ حُجَّة تَلِيطُ بِعُقُولِ السُّفَهَاءِ غَيْرَكُمْ، فَإِنَّكُمْ تَتَعَصَّبُونَ لأمْرٍ مَا يُعْرَفُ لَهُ سَبَبٌ وَلاَ عِلَّةٌ. أَمَّا إِبْلِيسُ، فَتَعَصَّبَ عَلَى آدَمَ لأَصْلِهِ، وَطَعَنَ عَلَيْهِ فِي خِلْقَتِهِ، فَقَالَ: أَنَا نَارِيٌّ وَأَنْتَ طِينِيٌّ. وَأَمَّا الأَغْنِيَاءُ مِنْ مُتْرَفَة الأُمَمِ، فَتَعَصَّبُوا لآثَارِ مَوَاقِعِ النِّعَمِ، فَـ {قَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}[سبأ: 35].
فَإنْ كَانَ لاَ بُدَّ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ، فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُهُمْ لِمَكَارِمِ الْخِصَالِ، وَمَحَامِدِ الأَفْعَالِ، وَمَحَاسِنِ الأمُورِ، الَّتِي تَفَاضَلَتْ فِيهَا الْـمُجَدَاءُ وَالنُّجَدَاءُ مِنْ بُيُوتَاتِ الْعَرَبِ، وَيَعَاسِيبِ الْقَبَائِلِ، بِالأخْلاَقِ الرَّغِيبَةِ، وَالأَحْلاَمِ الْعَظِيمَةِ، وَالأَخْطَارِ الْجَلِيلَةِ، وَالآثَارِ الَمحْمُودَةِ.
فَتَعَصَّبُوا لِخِلاَلِ الْحَمْدِ مِنَ الْحِفْظِ لِلْجِوَارِ، وَالْوَفَاءِ بِالذِّمَامِ، وَالطَّاعَةِ لِلْبِرِّ، وَالْمَعْصِيَةِ لِلْكِبْرِ، وَالأَخْذِ بِالْفَضْلِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْبَغْيِ، وَالإعْظَامِ لِلْقَتْلِ، وَالإنْصَافِ لِلْخَلْقِ، وَالْكَظْمِ لِلْغَيْظِ، وَاجْتِنَابِ الْفَسَادِ فِي الاْرْضِ"(12).
بين العصبيَّة والالتزام
وهناك فرق بين العصبيَّة والالتزام، فالالتزام أن تلتزم بخطٍّ نتيجة اقتناعك به، باعتبار أنَّك درسته، ورأيت أنّه ينسجم مع مبادئك ودينك وتقواك، بينما العصبيَّة أن تتعصَّب لشيء حتّى لو كان بعيدًا من التزامك ومبادئك. يقول رسول الله (ص): "خَيرُكمُ المُدافِعُ عن عَشيرتِه ما لم يأثَمْ"(13)، بأن يدافع عن أرحامه مثلاً.
والإمام عليّ (ع) يقول: "إنْ كُنْتُمْ لَا مُحالَةَ مُتَعَصّبينَ، فَتَعَصَّبُوا لِنُصْرَةِ الْحَقِّ، وإغاثَةِ الْمَلْهُوفِ"(14).
ويقول الإمام زين العابدين (ع): "لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ حَمِيَّةٌ غَيرُ حَمِيَّةِ حَمزَةَ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ، وذلكَ حينَ أسلَمَ غَضَبًا لِلنَّبِيِّ (ص)، في حَديثِ السَّلا الَّذي ألقِيَ عَلَى النَّبِيِّ (ص)"(15)، والسّلا هي أمْعاء الشَّاة.
وهكذا عندما أراد الإمام عليّ (ع) أن يستنهض النَّاس لنصرته، قال: "ما تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ رَبَّكُمْ؟ أَمَا دينٌ يَجْمَعُكُمْ؟ وَلَا حَمِيَّةٌ تُحْمِشُكُمْ؟"(16)، يعني تدفعكم إلى حماية الحقّ.
محاسبة النَّفس
وعلى هذا الأساس، نحن، كما قلنا، بلينا في هذا الشَّرق بالعصبيَّة، فكأنَّ التّعصّب هويّة شرقيّة، ونحن نتربّى على التعصّب، وهو ما يدخل في ممارساتنا الدّينيَّة، وفي ممارساتنا الاجتماعيَّة، وفي ممارساتنا السياسيَّة. والإنسان قد يبني في كثير من الأحيان على أنّه يتعصَّب للحقّ، والواقع أنّ تعصّبه يكون لنفسه، أو لعشيرته، أو لبلده، وهكذا.
لذا، على كلّ واحد منّا أن يحاسب نفسه، حتَّى لا يخلط بين العصبيّة والالتزام، لأنَّ الله أرادنا أن نلزم كلمة التَّقوى لنكون أحقّ بها. وإذا كان بإمكاننا في هذه الدّنيا أن نعتذر، وأن نقول لم أكن أقصد وإنّما قصدت الحقّ، وكذا، ولكنَّ الله الَّذي {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر: 19] يعلم ذلك كلَّه. وغدًا يوم القيامة، {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}[الطّارق: 9]، {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا}[النّحل: 111]، سيكون على الإنسان أن يقدّم حسابه أمام الله سبحانه وتعالى.
نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا بما يعين به الصَّالحين على أنفسهم.
والحمد لله ربّ العالمين. والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* الدَّرس الفقهيّ لسماحته، بتاريخ: 31-2-2002 م.
***
[1] أمالي الصدوق، ص 509، حديث 702؛ تحف العقول لابن شعبة الحرّاني، ص 31.
[2] الكافي للكليني، ج 2، ص 308، حديث 2؛ وسائل الشيعة للحرّ العاملي، ج 15، ص 336، حديث 20645.
[3] الكافي للكليني، ج 2، ص 308، حديث 3.
[4] بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج31، ص40.
[5] أمالي الصدوق، ص 343، حديث 413؛ الخصال للصدوق، ج 1، ص 327، حديث 20.
[6] نهج البلاغة، الكتاب 53.
[7] الكافي للكليني، ج 2، ص 308.
[8] عيون أخبار الرّضا للصّدوق، ج 2، ص 64، حديث 277.
[9] نهج البلاغة، الخطبة 192 (الخطبة القاصعة).
[10] نهج البلاغة، الخطبة 192 (الخطبة القاصعة).
[11] الكافي للكليني، ج 8، ص 115، حديث 92.
[12] نهج البلاغة، الخطبة 192 (الخطبة القاصعة).
[13] الخصال للصدوق، ج 2، ص 574، حديث 1؛ تحف العقول لابن شعبة الحراني، ص 31.
[14] غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي، حديث 3816؛ مستدرك الوسائل للميرزا حسين النوري الطبرسي، ج 12، ص 320، حديث 14227.
[15] الكافي للكليني، ج 2، ص 308، حديث 4؛ وسائل الشيعة للحر العاملي، ج 15، ص 337، حديث 20646.
[16] نهج البلاغة، الخطبة 169.
هناك ظاهرة منتشرة في الشَّرق كلّه، وهي ظاهرة العصبيَّة، بكلّ أنواعها: العصبيَّة الشَّخصيَّة، العصبيَّة العائليَّة، العصبيَّة المذهبيَّة، العصبيَّة الدّينيَّة، العصبيَّة الحزبيَّة، إلى آخر ما هنالك من عصبيّات.
والنّصوص الَّتي وردت في العصبيَّة، تدلُّ على أنَّها من الأمور الَّتي تصل إلى حدّ الكبائر.
حميَّة الجاهليَّة
وفي الآية القرآنيَّة الّتي تحدَّثت عن حميَّة العصبيَّة، الَّتي هي حميَّة الجاهليَّة، والَّتي تعني التصرّف على أساس التعصّب، يقول تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ - بحيث يعيشون الجوَّ العقلانيَّ والجوَّ النَّفسيَّ الهادئ الَّذي لا ينفعل بالمشاعر والأحاسيس وما إلى ذلك.
- وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ - فلا يتحركون إلَّا على أساس وضوح الطَّريق الَّذي يسيرون فيه، أو وضوح التصرّف الَّذي يقومون به، لأنَّ التَّقوى معناها أن يضع الإنسان الأمور في مواضعها بحسب طبيعتها الواقعيَّة، فلا يتعصَّب لنفسه أو يتعصَّب للآخرين دون حساب - وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}[الفتح: 26].
وفي الحديث عن رسول الله (ص): "مَنْ تَعَصَّبَ أو تُعُصِّبَ لَهُ - يعني من شجَّع النَّاس على العصبيَّة، وأراد لهم أن يتعصَّبوا له - فقَد خَلَعَ رِبْقَةَ الإيمانِ مِن عُنُقِهِ"(1)، وفي صيغة أخرى: "فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ".
وعنه (ص): "منَ كانَ في قَلبِهِ حَبَّةٌ مِن خَردَلٍ مِن عَصَبِيَّةٍ، بَعَثَهُ اللّهُ يَومَ القِيامَةِ مَعَ أعرابِ الجاهِلِيَّةِ"(2)، لأنَّها من حميَّة الجاهليَّة.
وإذا أردنا أن نحلّل قوله (ص): "فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإيمانِ مِنْ عُنُقِهِ"، فباعتبار أنَّ العصبيَّة بحسب خلفيَّتها النَّفسيَّة وحركيَّتها الواقعيَّة، تمثّل حالة صنميَّة، لأنَّ الإنسان عندما يتعصَّب لشخصه، فكأنَّه يجعل شخصه صنمًا يعبده، فشخصه عنده هو الأساس، هو الَّذي يخشع له، ويخضع له، ويسقط أمامه، أو عندما يتعصَّب لعائلته، يجعل عائلته صنمًا يعبده من دون الله، بحيث إذا وقف الإنسان بين القضايا الَّتي تتعلَّق بعائلته وبين أمر الله، اختار عائلته. وهكذا العصبيَّة الحزبيَّة، والعصبيَّة الطائفيَّة والمذهبيَّة والقوميَّة، إلى آخر ما هنالك من عصبيَّات. فكأنَّ العصبيَّة نوع من أنواع الصَّنميَّة، فإذا تعصَّب الإنسان، فكأنَّه يجعل من تعصَّب له أو ما تعصَّب له صنمًا يعبده، وكذلك الَّذي يُتعَصَّبُ له، ويشجّع النّاس على ذلك، فكأنَّه يجعل من نفسه صنمًا يريد للنَّاس أن يعبدوه، وهكذا.
وعن الإمام الصَّادق: "مَن تَعَصَّبَ، عَصَبَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعِصَابَةٍ مِن نَارٍ"(3).
وعن رسول الله (ص): "لَيْسَ مِنَّا مَن دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَن قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَن مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ"(4). فكلُّ حركيَّة تعصّب، تجعل الإنسان يفقد عمق انتمائه إلى الإسلام، لأنَّ معنى أن يكون الإنسان مسلمًا، أن يلتزم بالإسلام بكلّ شروطه وأحكامه ومناهجه وما إلى ذلك.
معنى العصبيَّة
فالعصبيَّة، في جوهرها، هي استغراق في الشَّخص، أو استغراق في العائلة، أو الحزب، أو القوميَّة، أو ما أشبه ذلك، بحيث يكون تعصّبه هو الأساس عنده لا الإسلام، لأنَّ التَّعصّب يجعلك مستغرقًا فيما تعصَّبت له، أو فيمن تعصَّبت له.
الإمام عليّ (ع) يقول: "إنَّ اللهَ تبارَكَ وتَعَالى يُعذّبُ السّتَّةَ بالسّتَّةِ – منها - العربَ بالعصَبيَّةِ - باعتبار أنَّ العصبيَّة ظاهرة في العرب، وإن كانت تمتدّ أيضًا إلى غيرهم - والدَّهاقنةَ بالكبر..."(5)، وهم الَّذين يمثّلون وجهاء البلد أو زعماءه.
وعنه (ع) من كتابه للأشتر: "امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ، وَسَوْرَةَ حَدِّكَ، وَسَطْوَةَ يَدِكَ، وَغَرْبَ لِسَانِكَ"(6). و"حميَّة أنفك"، أي الَّتي تجعل الإنسان يعيش العصبيَّة لنفسه.
ويقول الإمام زين العابدين (ع) في كلمة هي من أروع كلماته، وأنا دائمًا أكرّرها، ونقلتها إلى الكثير من العلمانيّين الّذين اعتبروا أنَّ هذه الكلمة للإمام (ع) تصلح أن تكون برنامجًا للقوميَّة الإنسانيَّة ولكلّ التزام إنسانيّ.
يقول (ع) لما سئل عن العصبيَّة: "العَصَبِيَّةُ الّتي يَأثَمُ عَلَيها صاحِبُها، أن يَرَى الرَّجُلُ شِرارَ قَومِهِ خَيراً مِن خِيارِ قَومٍ آخَرينَ"، بحيث إنَّ الإنسان عندما يتعصَّب لعائلته، يفضّل شرار قومه على خيار قوم آخرين، يعني أنَّه يرى شرار قومه خيارًا. وهكذا الَّذي يتعصَّب لحزب أو لبلد أو لقوميَّة أو ما إلى ذلك.
فـ"العصبيَّة الَّتي يأثم عليها صاحبها، أن يرى الرَّجل شرار قومه خيرًا من خيار قوم آخرين"، كما في شعار: "وطني دائمًا على حقّ"، وعلى نسقها، تأتي أيضاً شعارات: "عائلتي دائمًا على حقّ"، "حزبي دائمًا على حقّ"، "طائفتي دائمًا على حقّ"، وهكذا. فالعصبيَّة هي الَّتي تجعلك تتعصَّب لهذا الشَّخص، بحيث تعتبر أنَّ خياراته دائماً هي الحقّ.
ويكمل الإمامُ (ع): "وَلَيسَ مِنَ العَصَبِيَّةِ أن يُحِبَّ الرَّجُلُ قَومَهُ"، لأنَّ الإنسان مفطور على أن يحبّ عائلته، وأن يحبَّ أهل وطنه، وأن يحبَّ الَّذي يتكلَّم لغته... هذا شيء معلوم، فالإسلام لا يمنعك أن تعيش المشاعر الحميمة تجاه قومك، أيًّا كان قومك؛ قومك في العائلة، أو قومك في الوطن، أو في القوميَّة...
"وَلَكِنْ مِنَ العَصَبِيَّةِ أن يُعينَ قَومَهُ عَلَى الظُّلمِ"(7)، بحيث يخرج عن المبادئ.. فمن الطّبيعيّ أن تحبّ قومك، ولكن إذا تعارضَ ذلك مع مبادئك، فعليك أن تترك قومك وتنطلق مع مبادئك. فإذا كنت تعيش إنسانيَّتك، وتعيش دينك، وتعيش أخلاقيَّتك، ومن الأخلاق العدل، فإذا انطلق قومك بالظّلم، فإنَّ عليك أن لا تعينهم عليه، وإلَّا كنت متعصّبًا. وقد ورد عن رسول الله (ص) أنَّ العصبيَّة أَنْ تُعِينَ قَوْمَكَ عَلَى الظُّلْمِ.
وقد سئل النَّبيّ (ص) عن الكلمة الّتي كانت شائعة عند الجاهليّين: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمـًا أَوْ مَظْلُومًا"، والنَّبيّ (ص) تبنَّى هذه الكلمة، ولكنَّه حاول أن يعطيها مفهومًا آخر. فسأله شخص: "يا رسولَ اللَّهِ، هذا نَصرتُهُ مظلومًا، فَكَيفَ أنصرُهُ إذا كانَ ظالـمًا؟ قال: تحجِزُهُ وتمنعُهُ منَ الظُّلمِ، فذاكَ نَصْرُهُ"(8).
إمام المتعصّبين
ويقول الإمام عليّ (ع) في ذمّ إبليس: "اعْتَرَضَتْهُ الْحَمِيَّةُ، فَافْتَخَرَ عَلَى آدَمَ بِخَلْقِهِ، وَتَعَصَّبَ عَلَيْهِ لِأَصْلِهِ؛ فَعَدُوُّ اللَّهِ إِمَامُ الْمُتَعَصِّبِينَ - وهذه مسألة خطرة جدًّا؛ أنَّ كلَّ إنسان يعيش العصبيَّة، فإمامه إبليس، لأنَّ إبليس هو الَّذي ركَّز قواعد العصبيَّة.
- وَسَلَفُ الْمُسْتَكْبِرِينَ – لأنَّ إبليس أوَّل من سنَّ طريق الاستكبار، وهو الّذي تقدَّم كلّ المستكبرين - الَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ الْعَصَبِيَّةِ، وَنَازَعَ اللَّهَ رِدَاءَ الْجَبْرِيَّةِ، وَادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّزِ، وَخَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّلِ"(9).
وعنه (ع) أيضًا: "اعْتَرَتْهُ الْحَمِيَّةُ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ الشِّقْوَةُ، وَتَعَزَّزَ بِخِلْقَةِ النَّارِ، وَاسْتَوْهَنَ خَلْقَ الصَّلْصَالِ"(10).
وعن الإمام الصَّادق (ع): "إنَّ المَلائكَةَ كانوا يَحسَبونَ أنَّ إبليسَ مِنهُم، وكانَ في عِلْمِ اللّهِ أنَّهُ لَيسَ مِنْهُم، فاستَخرَجَ ما في نَفسِهِ بِالحَمِيَّةِ والغَضَبِ، فقالَ: خَلَقْتَني مِنْ نَارٍ وخَلَقْتَهُ مِنْ طينٍ"(11).
ويقول الإمام عليّ (ع) في الخطبة القاصعة: "وَلَقَدْ نَظَرْتُ، فَمَا وَجَدْتُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ يَتَعَصَّبُ لِشَيْء مِنَ الأشْيَاءِ إِلاَّ عَنْ عِلَّة تَحْتَمِلُ تَمْوِيهَ الْجُهَلاَءِ - بمعنى أنَّ الإنسان تختلط عليه الأمور - أَوْ حُجَّة تَلِيطُ بِعُقُولِ السُّفَهَاءِ غَيْرَكُمْ، فَإِنَّكُمْ تَتَعَصَّبُونَ لأمْرٍ مَا يُعْرَفُ لَهُ سَبَبٌ وَلاَ عِلَّةٌ. أَمَّا إِبْلِيسُ، فَتَعَصَّبَ عَلَى آدَمَ لأَصْلِهِ، وَطَعَنَ عَلَيْهِ فِي خِلْقَتِهِ، فَقَالَ: أَنَا نَارِيٌّ وَأَنْتَ طِينِيٌّ. وَأَمَّا الأَغْنِيَاءُ مِنْ مُتْرَفَة الأُمَمِ، فَتَعَصَّبُوا لآثَارِ مَوَاقِعِ النِّعَمِ، فَـ {قَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}[سبأ: 35].
فَإنْ كَانَ لاَ بُدَّ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ، فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُهُمْ لِمَكَارِمِ الْخِصَالِ، وَمَحَامِدِ الأَفْعَالِ، وَمَحَاسِنِ الأمُورِ، الَّتِي تَفَاضَلَتْ فِيهَا الْـمُجَدَاءُ وَالنُّجَدَاءُ مِنْ بُيُوتَاتِ الْعَرَبِ، وَيَعَاسِيبِ الْقَبَائِلِ، بِالأخْلاَقِ الرَّغِيبَةِ، وَالأَحْلاَمِ الْعَظِيمَةِ، وَالأَخْطَارِ الْجَلِيلَةِ، وَالآثَارِ الَمحْمُودَةِ.
فَتَعَصَّبُوا لِخِلاَلِ الْحَمْدِ مِنَ الْحِفْظِ لِلْجِوَارِ، وَالْوَفَاءِ بِالذِّمَامِ، وَالطَّاعَةِ لِلْبِرِّ، وَالْمَعْصِيَةِ لِلْكِبْرِ، وَالأَخْذِ بِالْفَضْلِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْبَغْيِ، وَالإعْظَامِ لِلْقَتْلِ، وَالإنْصَافِ لِلْخَلْقِ، وَالْكَظْمِ لِلْغَيْظِ، وَاجْتِنَابِ الْفَسَادِ فِي الاْرْضِ"(12).
بين العصبيَّة والالتزام
وهناك فرق بين العصبيَّة والالتزام، فالالتزام أن تلتزم بخطٍّ نتيجة اقتناعك به، باعتبار أنَّك درسته، ورأيت أنّه ينسجم مع مبادئك ودينك وتقواك، بينما العصبيَّة أن تتعصَّب لشيء حتّى لو كان بعيدًا من التزامك ومبادئك. يقول رسول الله (ص): "خَيرُكمُ المُدافِعُ عن عَشيرتِه ما لم يأثَمْ"(13)، بأن يدافع عن أرحامه مثلاً.
والإمام عليّ (ع) يقول: "إنْ كُنْتُمْ لَا مُحالَةَ مُتَعَصّبينَ، فَتَعَصَّبُوا لِنُصْرَةِ الْحَقِّ، وإغاثَةِ الْمَلْهُوفِ"(14).
ويقول الإمام زين العابدين (ع): "لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ حَمِيَّةٌ غَيرُ حَمِيَّةِ حَمزَةَ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ، وذلكَ حينَ أسلَمَ غَضَبًا لِلنَّبِيِّ (ص)، في حَديثِ السَّلا الَّذي ألقِيَ عَلَى النَّبِيِّ (ص)"(15)، والسّلا هي أمْعاء الشَّاة.
وهكذا عندما أراد الإمام عليّ (ع) أن يستنهض النَّاس لنصرته، قال: "ما تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ رَبَّكُمْ؟ أَمَا دينٌ يَجْمَعُكُمْ؟ وَلَا حَمِيَّةٌ تُحْمِشُكُمْ؟"(16)، يعني تدفعكم إلى حماية الحقّ.
محاسبة النَّفس
وعلى هذا الأساس، نحن، كما قلنا، بلينا في هذا الشَّرق بالعصبيَّة، فكأنَّ التّعصّب هويّة شرقيّة، ونحن نتربّى على التعصّب، وهو ما يدخل في ممارساتنا الدّينيَّة، وفي ممارساتنا الاجتماعيَّة، وفي ممارساتنا السياسيَّة. والإنسان قد يبني في كثير من الأحيان على أنّه يتعصَّب للحقّ، والواقع أنّ تعصّبه يكون لنفسه، أو لعشيرته، أو لبلده، وهكذا.
لذا، على كلّ واحد منّا أن يحاسب نفسه، حتَّى لا يخلط بين العصبيّة والالتزام، لأنَّ الله أرادنا أن نلزم كلمة التَّقوى لنكون أحقّ بها. وإذا كان بإمكاننا في هذه الدّنيا أن نعتذر، وأن نقول لم أكن أقصد وإنّما قصدت الحقّ، وكذا، ولكنَّ الله الَّذي {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر: 19] يعلم ذلك كلَّه. وغدًا يوم القيامة، {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}[الطّارق: 9]، {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا}[النّحل: 111]، سيكون على الإنسان أن يقدّم حسابه أمام الله سبحانه وتعالى.
نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا بما يعين به الصَّالحين على أنفسهم.
والحمد لله ربّ العالمين. والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* الدَّرس الفقهيّ لسماحته، بتاريخ: 31-2-2002 م.
***
[1] أمالي الصدوق، ص 509، حديث 702؛ تحف العقول لابن شعبة الحرّاني، ص 31.
[2] الكافي للكليني، ج 2، ص 308، حديث 2؛ وسائل الشيعة للحرّ العاملي، ج 15، ص 336، حديث 20645.
[3] الكافي للكليني، ج 2، ص 308، حديث 3.
[4] بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج31، ص40.
[5] أمالي الصدوق، ص 343، حديث 413؛ الخصال للصدوق، ج 1، ص 327، حديث 20.
[6] نهج البلاغة، الكتاب 53.
[7] الكافي للكليني، ج 2، ص 308.
[8] عيون أخبار الرّضا للصّدوق، ج 2، ص 64، حديث 277.
[9] نهج البلاغة، الخطبة 192 (الخطبة القاصعة).
[10] نهج البلاغة، الخطبة 192 (الخطبة القاصعة).
[11] الكافي للكليني، ج 8، ص 115، حديث 92.
[12] نهج البلاغة، الخطبة 192 (الخطبة القاصعة).
[13] الخصال للصدوق، ج 2، ص 574، حديث 1؛ تحف العقول لابن شعبة الحراني، ص 31.
[14] غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي، حديث 3816؛ مستدرك الوسائل للميرزا حسين النوري الطبرسي، ج 12، ص 320، حديث 14227.
[15] الكافي للكليني، ج 2، ص 308، حديث 4؛ وسائل الشيعة للحر العاملي، ج 15، ص 337، حديث 20646.
[16] نهج البلاغة، الخطبة 169.