نموذجان لا يتساويان أمامَ الله

نموذجان لا يتساويان أمامَ الله

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ}[محمد: 14]. وقال سبحانه في آيةٍ أخرى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ}[الروم: 29] وفي آية أخرى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} [الفرقان: 43].

في هذه الآيات وفي غيرها، يتحدَّث الله سبحانه وتعالى عن الناس في ما يتحرَّكون به من أعمالٍ، وفي ما يتكلَّمون به من كلمات، وفي ما ينتمون إليه ممّا ينتسب إليه الناس من عقائد وأحزاب ومنظّمات وحركات وما إلى ذلك.

إنَّ الله يتحدَّث عن السلوك العام للإنسان، كيف يجب أن ينطلق، ومن أيّ قاعدة، فيحدّثنا عن وجود نماذج من الناس ـــ وهم الكثرة ـــ يتحرّكون في الحياة، من خلال أهوائهم، ومن خلال شهواتهم وغرائزهم؛ فهم عندما يريدون أن يتكلَّموا بكلمة، فإنّهم يراقبون أنفسهم ماذا تشتهي، وماذا تحبّ، ولا يراقبون عقولهم فيما تناقش وفي ما تفكِّر، وإذا أرادوا أن ينشئوا علاقة مع أيّ إنسان، سواء كانت علاقة شخصيّة أو علاقة عامّة، فإنّهم يفكِّرون في ما يتواصلون به وفي ما يتقاطعون فيه، في هوى أنفسهم: هل إنّ نفسي تشتهي أنْ أبني علاقة مع فلان أو مع فلانة، أو أنّها لا تشتهي ذلك؟ فتكون علاقات أحدهم خاضعة لهوى نفسه ولمشتهياتها.

وهكذا، عندما يتّخذ أيّ موقف في الحياة، سواء كان الموقف اجتماعياً أو سياسياً أو أيّ موقف من المواقف، فإنَّ الأساس عنده هو ما تحبّه نفسه وما تشتهيه. هؤلاء هم نماذج موجودة في كلّ زمان وفي كلّ مكان، وهؤلاء الذين يعتبرون أنَّ أقصى طموحاتهم في الحياة، هو أن يحصلوا على تلبية رغباتهم وشهواتهم؛ فالسَّعيد عندهم مَن حصل على ما يشتهي، والشقيّ عندهم هو الَّذي لا يحصل على ما يشتهي، والحياة عندهم تتحرّك في هذا الاتّجاه.

وهناك نماذج أخرى في الناس ـــ وقد تكون هذه النّماذج هي الأقليّة ـــ تتحرّك في الحياة من موقع علم ودراسة وفكر، فهؤلاء يفكّرون أنَّ النفس قد تشتهي شيئاً، ولكن قد يكون هلاكها في ما تشتهي؛ وقد تهوى أمراً، ولكن قد يكون حتفها في ما تهواه، لأنَّ النَّفس عندما ترتبط بالأشياء، فإنّها ترتبط بها من خلال غرائزها وانفعالاتها. ولهذا، فإنَّ النّفس تتحرّك نحو الشّيء من خلال سطحه لا من خلال عمقه.

راقبوا أنفسكم عندما تشتهون شيئاً تأكلونه أو شيئاً تشربونه أو شيئاً تمارسونه في مجال لذّاتكم.، راقبوا أنفسكم؛ هل تُقبلون على الشَّيء لتدرسوا عواقبه، أم أنَّ النفس تقبل عليه من بداياته؟!

غالباً ما نأكل الأكلة التي نشتهيها، دون أن نفكّر ما هو موقعها في حياة الجسد وفي صحّته. وهكذا عندما نمارس الشَّهوة التي نشتهيها، فإنّنا ندرس أحاسيسنا ولا ندرس النتائج العامّة أو الخاصّة التي تنتهي إليها هذه الشَّهوة أو هذه اللّذة. أَلَسْنا نرتبط بشهواتنا من هذه الجهة؟ هذا النَّموذج يرى ذلك، ولذلك، فهو يفهم جيداً قول الله سبحانه وتعالى في ما حكاه عن امرأة العزيز، وهو يريد أن يركّز حقيقة إنسانيّة: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيَ}[يوسف: 53].

لماذا تكون النّفس أمّارةً بالسوء؟ لأنّ النّفس تتحرّك في كلّ نشاطاتها، من موقع غرائزها، ومن موقع سطح الأشياء، لا من موقع عمقها. والإنسان إذا أراد أن يواجه المسألة على السَّطح، فإنَّه لا يواجه إلَّا الغرائز التي تقوده إلى الانحراف والمعصية، وإلى ما يورّطه في أشياء كثيرة من خلال النّتائج. فالله يقدِّم إلينا هؤلاء على أنّهم لا يخضعون لهوى أنفسهم، بل يدرسون المسألة عندما يشتهون شيئاً يأكلونه، يدرسون موقعه من تغذية الجسد، ومن سلامته، ومن مسألة الحلال والحرام، وفي سلامة الموقف أمام الله، وبعد أن يدرسوا ذلك ويعرفوا عمقه ويعرفوا نتائج الغذاء، فإنّهم يتناولونه إذا كان صالحاً، ويرفضونه إذا كان فاسداً.

وهكذا، إذا اشتهت أنفسهم شراباً، فإنَّهم يفكّرون في المسألة من ناحية علاقته بجسدهم، وبعقلهم، وبحياتهم، وبإيمانهم، وفي كلّ المجالات الأخرى. وهكذا ـــ أيضاً ـــ عندما ينطلقون في أيّ شهوة، سواء كانت شهوة جنس أو كانت شهوة جاه أو أيّ نوع من أنواع الشَّهوات؛ فإنّهم يراقبون نتائجها ولا يراقبون بداياتها فحسب. ولهذا، فإنَّ هؤلاء يتحرّكون في الحياة من موقع علم، فيدرسون المسألة ويعلمون طبيعتها، ويعلمون حقيقتها ثمّ يتحرّكون فيها.

أمّا أولئك، فإنّهم لا يتحرّكون من موقع علم، بل يتحرّكون من موقع جهل، لأنّهم يرتبطون بالأمور الحسيّة ولا يرتبطون بالأمور العقلية والفكرية. ومن هنا، فإنَّ الله سبحانه وتعالى عندما عرَّفنا هؤلاء، قال: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ}[محمّد: 14]، أي هل يمكن أن يستوي هذا الإنسان الَّذي إذا أراد أن يسير في أيّ طريق، فإنّه يحاول أن يدرس إذا كان عنده بيّنة واضحة من ربّه تبرّر له سلوك هذا الطريق أو تناول هذا الشّيء أو ممارسة هذه اللّذة، مع مَن ليس عنده بيّنة واضحة من ربّه على صلاح هذا الأمر، بل ينطلق من خلال انفعالاته وشهواته وأهوائه؟!

وهكذا، يقدّم الله لنا المسألة. وأيضاً عندما يتحدَّث الله لنا عن الظَّالمين، سواء هؤلاء الَّذين ظلموا أنفسهم بالكفر وبالمعصية، أو الَّذين ظلموا الناس بطغيانهم، فإنّه يحدِّثنا عنهم بأنَّ مشكلتهم هي: كيف صاروا ظالمين، وكيف ظلموا أنفسهم، وكيف ظلموا الناس. إنّ الله يقول إنّهم اتّبعوا أهواءهم {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ}[الرّوم: 29]. اتّبعوا أهواءهم، لأنّهم انطلقوا مع أهوائهم ومع انفعالاتهم فكفروا بالله، ليرضى عنهم النّاس من حولهم، أو لئلَّا يلتزموا الالتزامات الصَّعبة في الحياة. وهكذا أيضاً عندما يتحدَّث عنهم، يذكر أنّهم طغوا في البلاد حتّى يعوِّضوا عن عقدة الضَّعف التي يعيشونها ضدّ المظلومين، وحتّى يحاولوا أن يحصلوا على بعض اللّذّات وبعض المشتهيات.

* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ}[محمد: 14]. وقال سبحانه في آيةٍ أخرى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ}[الروم: 29] وفي آية أخرى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} [الفرقان: 43].

في هذه الآيات وفي غيرها، يتحدَّث الله سبحانه وتعالى عن الناس في ما يتحرَّكون به من أعمالٍ، وفي ما يتكلَّمون به من كلمات، وفي ما ينتمون إليه ممّا ينتسب إليه الناس من عقائد وأحزاب ومنظّمات وحركات وما إلى ذلك.

إنَّ الله يتحدَّث عن السلوك العام للإنسان، كيف يجب أن ينطلق، ومن أيّ قاعدة، فيحدّثنا عن وجود نماذج من الناس ـــ وهم الكثرة ـــ يتحرّكون في الحياة، من خلال أهوائهم، ومن خلال شهواتهم وغرائزهم؛ فهم عندما يريدون أن يتكلَّموا بكلمة، فإنّهم يراقبون أنفسهم ماذا تشتهي، وماذا تحبّ، ولا يراقبون عقولهم فيما تناقش وفي ما تفكِّر، وإذا أرادوا أن ينشئوا علاقة مع أيّ إنسان، سواء كانت علاقة شخصيّة أو علاقة عامّة، فإنّهم يفكِّرون في ما يتواصلون به وفي ما يتقاطعون فيه، في هوى أنفسهم: هل إنّ نفسي تشتهي أنْ أبني علاقة مع فلان أو مع فلانة، أو أنّها لا تشتهي ذلك؟ فتكون علاقات أحدهم خاضعة لهوى نفسه ولمشتهياتها.

وهكذا، عندما يتّخذ أيّ موقف في الحياة، سواء كان الموقف اجتماعياً أو سياسياً أو أيّ موقف من المواقف، فإنَّ الأساس عنده هو ما تحبّه نفسه وما تشتهيه. هؤلاء هم نماذج موجودة في كلّ زمان وفي كلّ مكان، وهؤلاء الذين يعتبرون أنَّ أقصى طموحاتهم في الحياة، هو أن يحصلوا على تلبية رغباتهم وشهواتهم؛ فالسَّعيد عندهم مَن حصل على ما يشتهي، والشقيّ عندهم هو الَّذي لا يحصل على ما يشتهي، والحياة عندهم تتحرّك في هذا الاتّجاه.

وهناك نماذج أخرى في الناس ـــ وقد تكون هذه النّماذج هي الأقليّة ـــ تتحرّك في الحياة من موقع علم ودراسة وفكر، فهؤلاء يفكّرون أنَّ النفس قد تشتهي شيئاً، ولكن قد يكون هلاكها في ما تشتهي؛ وقد تهوى أمراً، ولكن قد يكون حتفها في ما تهواه، لأنَّ النَّفس عندما ترتبط بالأشياء، فإنّها ترتبط بها من خلال غرائزها وانفعالاتها. ولهذا، فإنَّ النّفس تتحرّك نحو الشّيء من خلال سطحه لا من خلال عمقه.

راقبوا أنفسكم عندما تشتهون شيئاً تأكلونه أو شيئاً تشربونه أو شيئاً تمارسونه في مجال لذّاتكم.، راقبوا أنفسكم؛ هل تُقبلون على الشَّيء لتدرسوا عواقبه، أم أنَّ النفس تقبل عليه من بداياته؟!

غالباً ما نأكل الأكلة التي نشتهيها، دون أن نفكّر ما هو موقعها في حياة الجسد وفي صحّته. وهكذا عندما نمارس الشَّهوة التي نشتهيها، فإنّنا ندرس أحاسيسنا ولا ندرس النتائج العامّة أو الخاصّة التي تنتهي إليها هذه الشَّهوة أو هذه اللّذة. أَلَسْنا نرتبط بشهواتنا من هذه الجهة؟ هذا النَّموذج يرى ذلك، ولذلك، فهو يفهم جيداً قول الله سبحانه وتعالى في ما حكاه عن امرأة العزيز، وهو يريد أن يركّز حقيقة إنسانيّة: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيَ}[يوسف: 53].

لماذا تكون النّفس أمّارةً بالسوء؟ لأنّ النّفس تتحرّك في كلّ نشاطاتها، من موقع غرائزها، ومن موقع سطح الأشياء، لا من موقع عمقها. والإنسان إذا أراد أن يواجه المسألة على السَّطح، فإنَّه لا يواجه إلَّا الغرائز التي تقوده إلى الانحراف والمعصية، وإلى ما يورّطه في أشياء كثيرة من خلال النّتائج. فالله يقدِّم إلينا هؤلاء على أنّهم لا يخضعون لهوى أنفسهم، بل يدرسون المسألة عندما يشتهون شيئاً يأكلونه، يدرسون موقعه من تغذية الجسد، ومن سلامته، ومن مسألة الحلال والحرام، وفي سلامة الموقف أمام الله، وبعد أن يدرسوا ذلك ويعرفوا عمقه ويعرفوا نتائج الغذاء، فإنّهم يتناولونه إذا كان صالحاً، ويرفضونه إذا كان فاسداً.

وهكذا، إذا اشتهت أنفسهم شراباً، فإنَّهم يفكّرون في المسألة من ناحية علاقته بجسدهم، وبعقلهم، وبحياتهم، وبإيمانهم، وفي كلّ المجالات الأخرى. وهكذا ـــ أيضاً ـــ عندما ينطلقون في أيّ شهوة، سواء كانت شهوة جنس أو كانت شهوة جاه أو أيّ نوع من أنواع الشَّهوات؛ فإنّهم يراقبون نتائجها ولا يراقبون بداياتها فحسب. ولهذا، فإنَّ هؤلاء يتحرّكون في الحياة من موقع علم، فيدرسون المسألة ويعلمون طبيعتها، ويعلمون حقيقتها ثمّ يتحرّكون فيها.

أمّا أولئك، فإنّهم لا يتحرّكون من موقع علم، بل يتحرّكون من موقع جهل، لأنّهم يرتبطون بالأمور الحسيّة ولا يرتبطون بالأمور العقلية والفكرية. ومن هنا، فإنَّ الله سبحانه وتعالى عندما عرَّفنا هؤلاء، قال: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ}[محمّد: 14]، أي هل يمكن أن يستوي هذا الإنسان الَّذي إذا أراد أن يسير في أيّ طريق، فإنّه يحاول أن يدرس إذا كان عنده بيّنة واضحة من ربّه تبرّر له سلوك هذا الطريق أو تناول هذا الشّيء أو ممارسة هذه اللّذة، مع مَن ليس عنده بيّنة واضحة من ربّه على صلاح هذا الأمر، بل ينطلق من خلال انفعالاته وشهواته وأهوائه؟!

وهكذا، يقدّم الله لنا المسألة. وأيضاً عندما يتحدَّث الله لنا عن الظَّالمين، سواء هؤلاء الَّذين ظلموا أنفسهم بالكفر وبالمعصية، أو الَّذين ظلموا الناس بطغيانهم، فإنّه يحدِّثنا عنهم بأنَّ مشكلتهم هي: كيف صاروا ظالمين، وكيف ظلموا أنفسهم، وكيف ظلموا الناس. إنّ الله يقول إنّهم اتّبعوا أهواءهم {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ}[الرّوم: 29]. اتّبعوا أهواءهم، لأنّهم انطلقوا مع أهوائهم ومع انفعالاتهم فكفروا بالله، ليرضى عنهم النّاس من حولهم، أو لئلَّا يلتزموا الالتزامات الصَّعبة في الحياة. وهكذا أيضاً عندما يتحدَّث عنهم، يذكر أنّهم طغوا في البلاد حتّى يعوِّضوا عن عقدة الضَّعف التي يعيشونها ضدّ المظلومين، وحتّى يحاولوا أن يحصلوا على بعض اللّذّات وبعض المشتهيات.

* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية