لا إيمانَ إلَّا بالتَّسليمِ لحكمِ اللهِ ورسولِهِ

لا إيمانَ إلَّا بالتَّسليمِ لحكمِ اللهِ ورسولِهِ

يقول تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمً}[النّساء: 65].

يقول الله سبحانه وتعالى في هذه الآية، إنّ الإيمان الحقّ هو أن ينطلق النّاس فيما يتنازعون فيه، سواء كان النزاع في تفاصيل العقيدة أو في الشَّريعة، أو النّزاع فيما يختلف فيه النّاس من أمورهم، [بالرّجوع إلى الله ورسوله]، بحيث إنَّك تقبل على رسوله (ص) عندما تكون في عصره، أو تقبل على شريعة رسول الله (ص) التي يمثّلها القائمون الأمناء على الرّسول الَّذين هم ورثةُ الأنبياء المؤتمنون... فالعلماء أمناء الرّسل، ومن مقتضيات الإيمان أن ترجع في غياب رسول الله (ص) إلى العلماء الأمناء...

هنا، يقول المولى عزَّ وجلَّ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ}، فإذا قال لك شخص: تعال لأفضّ نزاعك على رأيي، قل له كما قال الله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}[النساء: 59]، {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ}، ذلك أنَّ بعض النَّاس عندما يعاني مشكلة، فإنَّه يذهب ليسأل العالم، قائلاً إني اختلفت مع آخرين في قضيَّة، فمع من يكون الحقّ؟ فإذا قال له إنَّ الحقَّ معك، يأتي ليقول نحن ليس لنا إلَّا الشَّرع والإسلام، وأنا لا أقبل الذَّهاب إلى أيِّ جهة أخرى، لكن إذا قال له إنَّ الحقَّ ليس معك، قال أنا لا أتصرَّف وفقاً للشَّرع، بل أمشي وفق القانون: {وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[النور: 48 – 50].

{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَ}[النّور: 51]. هذا هو المؤمن إذا دعي إلى الله ورسوله، فعندما يحصل أيّ نزاع في مفهوم فكريّ أو عقيديّ أو شرعيّ أو سياسيّ أو اجتماعيّ، يرجع فيه إلى الله تعالى ورسوله (ص) {إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَ}، لأنَّ التزامنا بالله ورسوله، من خلال التزامنا بالإسلام، يفرض علينا أن نخضع لله ولرسوله فيما يقوله الله في كتابه، وفيما يقوله النبي في سنَّته.

{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ}. فليصلّوا ما يشاؤون، وليصوموا ما يشاؤون، وليحجّوا ما يشاؤون، فإنَّه إذا فقدوا التَّسليم لله ولرسوله فيما يتنازعون فيه، فلا إيمان لهم، لأنَّ الإيمان إنما ينطلق من عمق القضيَّة التي تهزُّ اهتمامك، لا من خلال القضايا السطحيَّة الطّارئة التي لا تكلِّفك شيئاً. فالمهمّ هو أنك عندما يمكن أن تخسر القضيَّة، ويكون الحكم ضدّك، ويتعيَّن عليك أن تدفع الألوف أو الملايين، تقول أسلّم أمري إلى الله تسليماً. أمَّا إذا كنت مؤمناً ولا تريد أن تخسر شيئاً، لأنَّ الإيمان قد يخسرك بعض الأشياء من خلال التزاماتك مع الآخرين، فقد تتراجع، والمتنبّي يقول:

إذا اشتبكت دموعٌ في خدود تبيّن مَن بكى ممّن تباكى

فالذي يحزن بشكل جدّيّ، لا يمسك دموعه بحيث تشتبك بعضها ببعض، ولكن الَّذي لا يحزن بشكل جدّي، يعصر عيونه لإنزال الدّموع، وهو متباكٍ يبكي بصوته أكثر من دموعه. كذلك يُعرف المؤمن بالتَّجربة عندما تكون هناك قضيَّة يمكن أن يخسر فيها {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}. ثم لو كان الحقّ عليك فلا تنزعج، بل لا بدَّ أن تتقبَّل الأمر برحابة صدر، لأنَّ هذا هو حكم الله، وأنت تطيع الله في تنفيذ حكمه، وقد استطعت أن تعرف الحقَّ والباطل من خلال ما عندك وعند الآخر {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمً}.

هذا هو الإسلام، وهذا هو الإيمان.

ثم إنَّ الله سبحانه وتعالى يعبّر عن ذلك بطريقة أخرى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}[الأحزاب: 36]، فقد تقول لبعض النّاس افعل كذا، فيقول لك أنا حرّ، وتقول له: اترك هذا، فيقول لك أنا حرّ، لكنَّ الله يقول لك: إذا كنت مؤمناً كرجل، أو كنتِ مؤمنةً كامرأة، فليس من حقِّكما أن تعيشا الحريَّة أمام ما قضاه الله ورسوله، ذلك أنَّ بعض الناس يقول: أنا مؤمن، لكنني لست مقتنعاً بالصَّلاة، وأنا مؤمنة، ولكنّني لست مقتنعة بالحجاب. فأن تقتنع أو لا تقتنع، فذلك نابع من اقتناعك بالإسلام، فعليك أن تقتنع بكلّ أحكام الإسلام بعد فهمها، وإن لم تفهمها، فأرجع الأمر إلى الله...

* من كتاب "النّدوة"، ج 4.

يقول تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمً}[النّساء: 65].

يقول الله سبحانه وتعالى في هذه الآية، إنّ الإيمان الحقّ هو أن ينطلق النّاس فيما يتنازعون فيه، سواء كان النزاع في تفاصيل العقيدة أو في الشَّريعة، أو النّزاع فيما يختلف فيه النّاس من أمورهم، [بالرّجوع إلى الله ورسوله]، بحيث إنَّك تقبل على رسوله (ص) عندما تكون في عصره، أو تقبل على شريعة رسول الله (ص) التي يمثّلها القائمون الأمناء على الرّسول الَّذين هم ورثةُ الأنبياء المؤتمنون... فالعلماء أمناء الرّسل، ومن مقتضيات الإيمان أن ترجع في غياب رسول الله (ص) إلى العلماء الأمناء...

هنا، يقول المولى عزَّ وجلَّ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ}، فإذا قال لك شخص: تعال لأفضّ نزاعك على رأيي، قل له كما قال الله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}[النساء: 59]، {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ}، ذلك أنَّ بعض النَّاس عندما يعاني مشكلة، فإنَّه يذهب ليسأل العالم، قائلاً إني اختلفت مع آخرين في قضيَّة، فمع من يكون الحقّ؟ فإذا قال له إنَّ الحقَّ معك، يأتي ليقول نحن ليس لنا إلَّا الشَّرع والإسلام، وأنا لا أقبل الذَّهاب إلى أيِّ جهة أخرى، لكن إذا قال له إنَّ الحقَّ ليس معك، قال أنا لا أتصرَّف وفقاً للشَّرع، بل أمشي وفق القانون: {وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[النور: 48 – 50].

{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَ}[النّور: 51]. هذا هو المؤمن إذا دعي إلى الله ورسوله، فعندما يحصل أيّ نزاع في مفهوم فكريّ أو عقيديّ أو شرعيّ أو سياسيّ أو اجتماعيّ، يرجع فيه إلى الله تعالى ورسوله (ص) {إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَ}، لأنَّ التزامنا بالله ورسوله، من خلال التزامنا بالإسلام، يفرض علينا أن نخضع لله ولرسوله فيما يقوله الله في كتابه، وفيما يقوله النبي في سنَّته.

{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ}. فليصلّوا ما يشاؤون، وليصوموا ما يشاؤون، وليحجّوا ما يشاؤون، فإنَّه إذا فقدوا التَّسليم لله ولرسوله فيما يتنازعون فيه، فلا إيمان لهم، لأنَّ الإيمان إنما ينطلق من عمق القضيَّة التي تهزُّ اهتمامك، لا من خلال القضايا السطحيَّة الطّارئة التي لا تكلِّفك شيئاً. فالمهمّ هو أنك عندما يمكن أن تخسر القضيَّة، ويكون الحكم ضدّك، ويتعيَّن عليك أن تدفع الألوف أو الملايين، تقول أسلّم أمري إلى الله تسليماً. أمَّا إذا كنت مؤمناً ولا تريد أن تخسر شيئاً، لأنَّ الإيمان قد يخسرك بعض الأشياء من خلال التزاماتك مع الآخرين، فقد تتراجع، والمتنبّي يقول:

إذا اشتبكت دموعٌ في خدود تبيّن مَن بكى ممّن تباكى

فالذي يحزن بشكل جدّيّ، لا يمسك دموعه بحيث تشتبك بعضها ببعض، ولكن الَّذي لا يحزن بشكل جدّي، يعصر عيونه لإنزال الدّموع، وهو متباكٍ يبكي بصوته أكثر من دموعه. كذلك يُعرف المؤمن بالتَّجربة عندما تكون هناك قضيَّة يمكن أن يخسر فيها {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}. ثم لو كان الحقّ عليك فلا تنزعج، بل لا بدَّ أن تتقبَّل الأمر برحابة صدر، لأنَّ هذا هو حكم الله، وأنت تطيع الله في تنفيذ حكمه، وقد استطعت أن تعرف الحقَّ والباطل من خلال ما عندك وعند الآخر {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمً}.

هذا هو الإسلام، وهذا هو الإيمان.

ثم إنَّ الله سبحانه وتعالى يعبّر عن ذلك بطريقة أخرى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}[الأحزاب: 36]، فقد تقول لبعض النّاس افعل كذا، فيقول لك أنا حرّ، وتقول له: اترك هذا، فيقول لك أنا حرّ، لكنَّ الله يقول لك: إذا كنت مؤمناً كرجل، أو كنتِ مؤمنةً كامرأة، فليس من حقِّكما أن تعيشا الحريَّة أمام ما قضاه الله ورسوله، ذلك أنَّ بعض الناس يقول: أنا مؤمن، لكنني لست مقتنعاً بالصَّلاة، وأنا مؤمنة، ولكنّني لست مقتنعة بالحجاب. فأن تقتنع أو لا تقتنع، فذلك نابع من اقتناعك بالإسلام، فعليك أن تقتنع بكلّ أحكام الإسلام بعد فهمها، وإن لم تفهمها، فأرجع الأمر إلى الله...

* من كتاب "النّدوة"، ج 4.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية