لا تناقضَ عندَ المؤمنِ بينَ قولِهِ وفعلِهِ

لا تناقضَ عندَ المؤمنِ بينَ قولِهِ وفعلِهِ

من بين الآيات القرآنيّة الّتي تمثّل قضيّة مهمّة جداً في كلّ واقعنا على جميع المستويات، سواء كان هذا الواقع أخلاقياً في العلاقات الأخلاقية العامّة، أو كان تبليغياً بما يبلّغ به النّاس، أو سياسياً فيما يطلقه العاملون في السياسة من شعارات، أو في غير ذلك مما يريد الله للنَّاس أن يأخذوا به أو يتركوه، قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}[الصّف: 2 -3].

هاتان الآيتان تؤكّدان ردم المسافة بين القول والفعل، لأنَّ الإنسان - فيما يتحرَّك به - يملك تعبيرين عمّا في داخله مما يعتقده أو مما يتعاطف به أو مما ينهج به من نهج القول والفعل، فهما علامتان عمَّا في داخلك، فقولك هو صورة عمَّا تفكّر فيه وعمّا تحسّه، وفعلك صورة عمَّا تعيشه في داخل نفسك.

ومن هناك يحكم على النَّاس بأقوالهم وأفعالهم، حتى إنَّ الفقهاء جعلوا ظاهر الفعل علامة على عدالة الإنسان عندما يتحرَّك في خطّ الاستقامة، أو على فسقه عندما ينحرف عن هذا الخطّ، فكما أنّ القول كاشف عن عمقك، فالفعل أيضاً كاشف عن عمقك..

والإسلام يعتبر الإنسان في داخله وحدة واحدة، فأنت لست شيئين، بل أنت شيء واحد في وجودك، وهكذا أنت فكر واحد في عقلك الذي يفترض أن يؤكّد الرأي المحدَّد الذي لا يتلوّن في أيّ قضية من القضايا، كما لا يملك الإنسان قلبين، لأنّه لا يمكن أن يؤمن بالشَّيء وضدّه في الآن نفسه، أو أن يشعر بالشَّيء وضدّه في الوقت ذاته، وربما نستوحي ذلك في الجانب الفكريّ والعاطفيّ من قوله تعالى: {مَّا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِ}[الأحزاب: 4].

فأنت عقل واحد وقلب واحد، فإذا كنت واحداً في منطق عقلك، وكنت واحداً في منطق قلبك وإحساسك، فلا بدّ أن يكون التعبير واحداً، وإذا كانت لديك وسيلتان للتّعبير، فلا بدّ أن تتطابقا، وأن لا يختلف أحدهما عن الآخر، وإلا كنت كاذباً في أحاديثك، لأنَّ مسألة أن يتفقا معاً في التعبير عنك، وهما متناقضان، يعدّ مفارقة غريبة، إذ لا يمكن أن تكون متناقضاً في ذاتك يتجاذبك النقيضان، لأنَّ معنى ذلك أنك تكذب إمَّا في قولك، إن كان قولك مخالفاً لما تؤمن به، أو في فعلك، عندما يخالف فعلك ما تؤمن به.

فلذلك يخاطب الله المؤمنين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُو}، والإيمان حقّ، والإيمان صدق، والإيمان وحدة. لذلك عندما تكون مؤمناً، فإنَّ معنى ذلك أن يصبح عقلك عقل الإيمان، وقلبك قلب الإيمان، ونهجك نهج الإيمان، وعند ذلك، كيف يمكن أن تكون هناك مسافة بين القول والفعل.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ...}. وهنا نلاحظ أنّ هذا التعبير القرآني يوحي بخطورة موقف الإنسان أمام الله، فإذا كان الله يمقتنا فتلك الكارثة، وإذا كان الله يمقتنا أكبر المقت، فهناك الموت الروحي بكلّ معناه، ولذلك لم نجد القرآن الكريم قد عبّر مثل هذا التعبير إلَّا في المواقع التي تمثل الخطورة كلّ الخطورة.

{كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}. وعندما ندرس هذه المسألة، فإن إيحاءاتها وخطورتها تنطلق من أنها تتحرّك في خطَّين كلاهما خطر؛ الخطّ الأوّل، وهو أنك تزيّف نفسك لأنك تجعلها في حالة التناقض والازدواجيَّة، وبذلك تضيع، لأنَّ قولك حينذاك يعني شيئاً وفعلك يعني شيئاً آخر، وأنت تريد أن تنطلق في الحياة انطلاقة سويّة، فهل تنطلق من موقع فعلك أو من منطق قولك؟!

إنك عندما تعيش هذه الازدواجيَّة في موقفٍ ما، فإنَّ هذه الازدواجيَّة التي هي خُلق طارئ عندك، تعني أنك يمكن أن تقول قولك اليوم وتفعل ما يناقضه غداً، ثم تقول قولاً آخر وتفعل ما يناقضه بعد غد، ما يعني أنك تتحرَّك في خطّ الضّياع، فلا تجد نفسك التائهة، لأنَّ الإنسان يجد نفسه حيث هو في العمق، وحيث هو في العقل، وحيث هو في القلب، وحيث هو في الكيان والإحساس والشّعور، وعندما يتحرك ليعبّر عن نفسه بطريقة، ثم يعبِّر عنها بطريقة مناقضة أخرى، فإنه يعيش القلق واللا استقرار، وهكذا يبقى يتحرّك في خطّ التناقض، بحيث يصل إلى مرحلة لا يعرف فيها من هو عند نفسه قبل أن يفكِّر الآخرون فيه.

والخط الثاني الذي يمثّل الخطورة أيضاً، أنك عندما تباعد ما بين قولك وفعلك، فإنك تخدع الناس في ذلك، عندما يكون قولك، وهذا هو الغالب، في دائرة الإيجاب، وفعلك في دائرة السلب، بحيث يعطي قولك الناس أحلاماً ويعطيهم اطمئناناً وثقة، ولكنّ فعلك على العكس من ذلك، وبذلك فأنت تساهم في إضلال النَّاس عندما يتحركون مع أقوالك، فتخدعهم بذلك، وعندما تأتي أفعالك لتناقض أقوالك، يكون الناس قد وقعوا في التجربة الصَّعبة وهلكوا من حيث لا يعلمون.

ولهذا - أيُّها الأحبَّة - لا بدَّ لنا أن نربي أنفسنا على أساس أن يكون الصِّدق في العقل وفي القلب وفي الكلمة وفي العمل، حيث يعيش الإنسان ليكون صدقاً كلّه...

*من كتاب "النّدوة"، ج 4.

من بين الآيات القرآنيّة الّتي تمثّل قضيّة مهمّة جداً في كلّ واقعنا على جميع المستويات، سواء كان هذا الواقع أخلاقياً في العلاقات الأخلاقية العامّة، أو كان تبليغياً بما يبلّغ به النّاس، أو سياسياً فيما يطلقه العاملون في السياسة من شعارات، أو في غير ذلك مما يريد الله للنَّاس أن يأخذوا به أو يتركوه، قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}[الصّف: 2 -3].

هاتان الآيتان تؤكّدان ردم المسافة بين القول والفعل، لأنَّ الإنسان - فيما يتحرَّك به - يملك تعبيرين عمّا في داخله مما يعتقده أو مما يتعاطف به أو مما ينهج به من نهج القول والفعل، فهما علامتان عمَّا في داخلك، فقولك هو صورة عمَّا تفكّر فيه وعمّا تحسّه، وفعلك صورة عمَّا تعيشه في داخل نفسك.

ومن هناك يحكم على النَّاس بأقوالهم وأفعالهم، حتى إنَّ الفقهاء جعلوا ظاهر الفعل علامة على عدالة الإنسان عندما يتحرَّك في خطّ الاستقامة، أو على فسقه عندما ينحرف عن هذا الخطّ، فكما أنّ القول كاشف عن عمقك، فالفعل أيضاً كاشف عن عمقك..

والإسلام يعتبر الإنسان في داخله وحدة واحدة، فأنت لست شيئين، بل أنت شيء واحد في وجودك، وهكذا أنت فكر واحد في عقلك الذي يفترض أن يؤكّد الرأي المحدَّد الذي لا يتلوّن في أيّ قضية من القضايا، كما لا يملك الإنسان قلبين، لأنّه لا يمكن أن يؤمن بالشَّيء وضدّه في الآن نفسه، أو أن يشعر بالشَّيء وضدّه في الوقت ذاته، وربما نستوحي ذلك في الجانب الفكريّ والعاطفيّ من قوله تعالى: {مَّا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِ}[الأحزاب: 4].

فأنت عقل واحد وقلب واحد، فإذا كنت واحداً في منطق عقلك، وكنت واحداً في منطق قلبك وإحساسك، فلا بدّ أن يكون التعبير واحداً، وإذا كانت لديك وسيلتان للتّعبير، فلا بدّ أن تتطابقا، وأن لا يختلف أحدهما عن الآخر، وإلا كنت كاذباً في أحاديثك، لأنَّ مسألة أن يتفقا معاً في التعبير عنك، وهما متناقضان، يعدّ مفارقة غريبة، إذ لا يمكن أن تكون متناقضاً في ذاتك يتجاذبك النقيضان، لأنَّ معنى ذلك أنك تكذب إمَّا في قولك، إن كان قولك مخالفاً لما تؤمن به، أو في فعلك، عندما يخالف فعلك ما تؤمن به.

فلذلك يخاطب الله المؤمنين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُو}، والإيمان حقّ، والإيمان صدق، والإيمان وحدة. لذلك عندما تكون مؤمناً، فإنَّ معنى ذلك أن يصبح عقلك عقل الإيمان، وقلبك قلب الإيمان، ونهجك نهج الإيمان، وعند ذلك، كيف يمكن أن تكون هناك مسافة بين القول والفعل.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ...}. وهنا نلاحظ أنّ هذا التعبير القرآني يوحي بخطورة موقف الإنسان أمام الله، فإذا كان الله يمقتنا فتلك الكارثة، وإذا كان الله يمقتنا أكبر المقت، فهناك الموت الروحي بكلّ معناه، ولذلك لم نجد القرآن الكريم قد عبّر مثل هذا التعبير إلَّا في المواقع التي تمثل الخطورة كلّ الخطورة.

{كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}. وعندما ندرس هذه المسألة، فإن إيحاءاتها وخطورتها تنطلق من أنها تتحرّك في خطَّين كلاهما خطر؛ الخطّ الأوّل، وهو أنك تزيّف نفسك لأنك تجعلها في حالة التناقض والازدواجيَّة، وبذلك تضيع، لأنَّ قولك حينذاك يعني شيئاً وفعلك يعني شيئاً آخر، وأنت تريد أن تنطلق في الحياة انطلاقة سويّة، فهل تنطلق من موقع فعلك أو من منطق قولك؟!

إنك عندما تعيش هذه الازدواجيَّة في موقفٍ ما، فإنَّ هذه الازدواجيَّة التي هي خُلق طارئ عندك، تعني أنك يمكن أن تقول قولك اليوم وتفعل ما يناقضه غداً، ثم تقول قولاً آخر وتفعل ما يناقضه بعد غد، ما يعني أنك تتحرَّك في خطّ الضّياع، فلا تجد نفسك التائهة، لأنَّ الإنسان يجد نفسه حيث هو في العمق، وحيث هو في العقل، وحيث هو في القلب، وحيث هو في الكيان والإحساس والشّعور، وعندما يتحرك ليعبّر عن نفسه بطريقة، ثم يعبِّر عنها بطريقة مناقضة أخرى، فإنه يعيش القلق واللا استقرار، وهكذا يبقى يتحرّك في خطّ التناقض، بحيث يصل إلى مرحلة لا يعرف فيها من هو عند نفسه قبل أن يفكِّر الآخرون فيه.

والخط الثاني الذي يمثّل الخطورة أيضاً، أنك عندما تباعد ما بين قولك وفعلك، فإنك تخدع الناس في ذلك، عندما يكون قولك، وهذا هو الغالب، في دائرة الإيجاب، وفعلك في دائرة السلب، بحيث يعطي قولك الناس أحلاماً ويعطيهم اطمئناناً وثقة، ولكنّ فعلك على العكس من ذلك، وبذلك فأنت تساهم في إضلال النَّاس عندما يتحركون مع أقوالك، فتخدعهم بذلك، وعندما تأتي أفعالك لتناقض أقوالك، يكون الناس قد وقعوا في التجربة الصَّعبة وهلكوا من حيث لا يعلمون.

ولهذا - أيُّها الأحبَّة - لا بدَّ لنا أن نربي أنفسنا على أساس أن يكون الصِّدق في العقل وفي القلب وفي الكلمة وفي العمل، حيث يعيش الإنسان ليكون صدقاً كلّه...

*من كتاب "النّدوة"، ج 4.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية