حذّر من إرهاب إعلامي وسياسي يمارس ضد الإسلام والمسلمين في الغرب
فضل الله يدعو مرجعيات الأزهر والنجف وقم والحجاز إلى التحرك سريعاً ورفض الإهانة للرسول(ص)
أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً علّق فيه على ما أثارته إحدى الصحف الدانماركية من رسومات مهينة بحق الرسول(ص)، وعلى الهجمات المتواصلة ضد الإسلام في الغرب، قد جاء فيه:
إننا نضع ما أثارته إحدى الصحف الدانماركية من رسومات مهينة بحق الرسول الأكرم(ص)، ومن تصويره برجل ذي قنبلة في رأسه، أو برجل أشعث قد وضع امرأتين منقبتين خلفه، وأبرز خنجره أمامه، في سياق الحملة المتصاعدة ضد الإسلام في كثير من الدوائر السياسية والإعلامية الغربية، بهدف الإمعان في تشويه صورة الإسلام وتوجيه الإهانات لشخصية النبي(ص)، هذه الشخصية التي مثّلت في سيرتها وفي التعاليم الإسلامية التي نقلتها إلى الناس، وفي الرسالة السمحة، وفي المحبة التي بثتها على امتداد الأمم والعقود، رحمة مزجاة للبشرية كلها، انطلاقاً من حبها للناس، وحرصها عليهم، وتضحياتها الكبرى في سبيل صلاحهم، بصرف النظر عن إساءاتهم وظلمهم، أو حتى عن معتقداتهم وانتماءاتهم...
إنه لمن الغريب حقاً أن تنطلق هذه الإهانات الكبرى التي تستهدف شخصية الرسول الكريم(ص)، ولا تصدر مواقف ذات قيمة، ولا تنطلق حركة فاعلة على مستوى العالم الإسلامي ودوله، ولا تتداعى مرجعياته الدينية والسياسية إلى التحرك السريع لوضع حدّ لهذه الهجمة المتصاعدة ضد الإسلام، والتي بدأت تأخذ أبعاداً خطيرة، وتدخل في أساليب تشويهية جديدة.
كما إننا نستغرب أن تنطلق الأصوات هناك في الدانمارك أو في بعض المواقع الغربية لتستنكر ما يصدر من ردود فعلٍ إسلامية عادية على هذه الإهانة، ولتضع ردود الفعل هذه ـ مع كونها حييّة وخجولة وعادية ـ في سياق الاعتداء على حرية التعبير، ليغدو الدفاع عن نبي الإسلام اعتداءً على قوانين الحرية في الدانمارك وغيرها، بينما تضع هذه الدوائر أو غيرها النقد الموضوعي إلى المارسات الإسرائيلية بحق العرب والفلسطينيين في سياق "معاداة السامية"، وتنبري الأقلام والمنابر لتدافع عن إسرائيل بغير حق، أو لتقول بطريقة وبأخرى إنها بمنأى عن النقد، وأنه لا يُسمح لكم بفضح ممارساتها الإرهابية، وإلا فأنتم معادون للسامية، مع أننا ساميون؟!.
لقد كنّا نقول دائماً للغربيين وللشرقيين وغيرهم، إنّ شعارنا هو: "لا مقدّسات في الحوار"، وإن القرآن الكريم نفسه أثار الحوار والجدال حول شخصية النبي(ص) والاتهامات التي انطلقت ضده، ولكن الفرق كبير، بين من يحاورك من موقع المشكك الباحث عن الحقيقة، وبين الذي يضعك ويضع نبيك (ص) وإسلامك في موضع الانحراف والاتهام مسبقاً، ثم يقول لك إن الاعتراض على ذلك يمثل تحدياً سافراً لحرية التعبير، أو إنه لا يحق لك أن تحتكر قضية الرد على ذلك. ونحن لا نريد أن نحتكر الرد، بل نريد لكل العقلاء والحكماء في الدانمارك خصوصاً، وفي الغرب عموماً، أن يردوا بموضوعية على هذه الإهانات، ليقولوا لمطلقيها: إذا كان لديكم تصور معين حول الإسلام وحول الأنبياء وحول النبي محمد(ص)، فليس من حقكم إسقاط هذا التصور على الآخرين، وإن كان من حقكم إثارة الحوار الموضوعي حول هذا التصور.
ونحن في المقابل نقول للمسلمين جميعاً: لا يكفي أن تنطلقوا بالاحتجاجات على هذه الإهانات، بل لا بد لكم من أن تكتبوا المقالات التي تتّسم بالموضوعية، وتشرح الوقائع التاريخية، وتبين سماحة الإسلام في خطى نبيّه الأكرم(ص)، وأن تنطلق هذه المقالات إلى الصحيفة نفسها التي بدأت بالإهانة، لنرى هل إنها تنشر ذلك، وهل هي مع حرية التعبير حقاً، أو أن عنوان حرية التعبير لا يستخدم إلا في سياق تبرير الهجمة على الإسلام وتشويه مفاهيمه وتعاليمه وتشريعاته وسيرة نبيه(ص)؟!
إننا نلمح في كثير من الدوائر الإعلامية والسياسية الغربية إرهاباً إعلامياً وسياسياً يمارس ضد المسلمين وضد الإسلام وضد الجاليات الإسلامية، في الوقت الذي تعمل هذه الدوائر على احتضان الخرافة التي يطلقها الكثير من اليهود، والأساطير التي يفرضونها على العقل الغربي، لتبرير ظلمهم للفلسطينيين وهجومهم الإعلامي والسياسي، وحتى الأمني على العرب والمسلمين.
إننا نقول للمرجعيات الإسلامية في الأزهر الشريف، وفي النجف وقم والحجاز وغيرها، إن الهجمة وصلت إلى أقصى درجات الخطورة، وإن عليهم أن يتداركوا الأمر بخطوات سريعة، قبل أن تتجاوز الهجمة الخطوط الإعلامية والسياسية، لتصل إلى ملاحقة المسلمين كلهم كمتهمين حتى يثبت العكس، وللأسف، فإن ذلك انطلق في بعض الدوائر الغربية.
وعلى المثقفين والطليعيين من المسلمين ومن الشخصيات الواعية في الجاليات الإسلامية، أن تنطلق بحركة ثقافية وإعلامية وسياسية، وبأنشطة وزيارات إلى الشخصيات والدوائر السياسية والإعلامية ومراكز الدراسات الغربية، لإبراز الصورة الحقيقية حول مفاهيم الإسلام وشخصية النبي الأكرم(ص)، لأن الهجمة تجاوزت حدود المعقول، ولأن التشويه بلغ حدوداً كبرى، وعلى المسلمين أن يبرزوا بعلمهم وموضوعيتهم ووعيهم وانفتاحهم لمواجهة ذلك كله.
مكتب سماحة المرجع آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
بيروت: 9 ذو القعدة 1426هـ / الموافق: 11كانون الأول 2005م