في وداع سيد العقل والوحدة والحوار

في وداع سيد العقل والوحدة والحوار

في وداع سيد العقل والوحدة والحوار


قبل خمس عشرة سنة افتقدنا السيد الذي كان بالنّسبة لنا الأب والموجّه والمربّي والمرجع، والذي انطلق في كل مواقفه من خلال وعيه للإسلام الذي أخذه من ينابيعه الصافية، فرأى منه دعوة إلى إنسانيَّة الإنسان، لذلك قال: " أن تكون مسلماً، هو أن تكون إنساناً يعيش إنسانيّته في إنسانيّة الآخر ".
وقد جسّد السيد (رض) ذلك في الفقه، عندما أفتى بطهارة الإنسان والبرّ والقسط مع غير المسلمين وحرمة دمائهم وأموالهم وأعراضهم ما داموا مسالمين، وعندما دعا إلى احترام شخصية الطفل وإلى ضرورة أن يكون للمرأة حضورها في كل الميادين إلى جانب الرجل، وإلى التكافل بينهما وأن لا تكون على هامشه.
كان لا يرى الدّين في خطّ المواجهة مع العقل، ولطالما ردّد علينا الحديث النبويّ: «العقل رسولٌ من داخل، والرّسول عقلٌ من خارج». وألا يكون الإنسان صدى للآخرين ولذا كان دائماً يقول: فكّروا معي.. أريدكم أن تفكّروا في كلّ ما أقوله، ولا تقولوا سمعاً وطاعةً، ولطالما قال: لا تؤجّروا عقولكم لحساب أحد، ولا تعطوا عقولكم إجازة، فنتاج العقل يُناقش ولا يُصدّ أو يُرفض بالمطلق، وإنما يواجه بعقل آخر.
لم يتعامل السيِّد معنا كشخصية لا تقبل النقد، بل كان يقول انتقدوني حتَّى في حياتي الخاصَّة، فمن يعمل في الشَّأن العامّ لا حياة خاصَّة له، ولا بدَّ من أن يكون جاهزاً للنّقد في كلّ شيء.
كان للسيِّد موقف حاسم وحازم من كلِّ ما يعطِّل العقل أو يسمّمه، من خطاب الخرافة وخطاب الغلوّ وخطاب التعصّب.
لقد كسر السيِّد قاعدة تقديس ما ليس مقدَّساً، تقديس العادات والتّقاليد والمشهور والتّراث، وعرض كلّ شيء للمناقشة، فلا محرّمات في البحث والنّقاش «فليس هناك سؤال تافه وليس هناك سؤال محرج... والحقيقة بنت الحوار» مساحة القلب والعاطفة، فلم ينعكس جموداً أو جفافاً أو صعوبة أو نخبويّة، وطالما ردّد: أعطوا العقل جرعةً من العاطفة ليرقّ، والعاطفة جرعةً من العقل لتتوازن. وكثيراً ما كان يردّد إنّ أفضل مفتاح للعقل هو القلب والكلمة الطيّبة، عملاً بالآية: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}، وأجمل ما ترك فينا من خطابه كلمات الحب حيث كان يخاطبنا بكلمة: أيُّها الأحبَّة.
كان حريصاً على أن يوصل فكره إلى الجميع، وكلٌّ بلغته؛ تحدّث إلى المثقّفين بما يتناسب مع موقعهم، كما تحدّث إلى النّاس الصّغار والكبار على قدر عقولهم، مع اصطبار وطول بال على السّؤال...
وهذا التوجّه لدى السيّد جعله بعيداً عن كلّ الشكليّات التي يفرضها موقعه الديني، وحتى عند تصدّيه للمرجعيّة، لم يرضخ لبروتوكولاتها، بل بقي مع النّاس مقتدياً بالنّبي (صلى االله عليه وسلم) الذي قال عنه أصحابه: «كان فينا كأحدنا».. وكان شعاره: «البيت مفتوح، والعقل مفتوح، والقلب مفتوح ".

باب الحوار البنّاء

فتح السيّد الباب واسعاً أمام الحوار البنّاء، حيث لا مكان للتعصب والعصبيّات، ليس حوار الذّات للذّات، إنما حوار العقل للعقل، شرط أن يصاحب هذا الحوار حبّ لمن تحاور، فلا حوار مع الحقد...
أليست مشكلة المسلمين اليوم هي في انسداد منافذ الحوار، وغياب الحبّ والرّحمة، الّتي من شأنها أن ترطّب الأجواء، وتساهم في تلاقح الآراء، كي لا تتسمّم الأفكار، أو تبقى راكدة آسنة في مكانها، وكي لا تكبر الهواجس، وتشتدّ المخاوف، ويستغلّها من يستغلّها من دعاة العنف والقسوة والعتمة والإقصاء؟
لقد طرح السيّد الحوار كمبدأ في العلاقة مع الآخر كل الآخر، مارسه عمليًّا، ورفض الحوار الشّكليّ أو حوار الدّيكور أو الحوار لتقطيع الوقت، بل مارس الحوار الجدّيّ... وكان حريصاً على الوحدة الإسلاميَّة، واعتبر العمل للوحدة ديناً، خصوصاً أن ضرب هذه الوحدة هو هدف الأعداء الّذين يريدون لهذه الأمَّة أن تكون ساحة توتّر وانفعال، وهو من عمل على إخراج السّاحة الإسلاميّة من الهواجس والمخاوف المتبادلة، من خلال دعوته إلى التّواصل والتّلاقي، وعدم التّباعد والتّهاجر، وهذا التّلاقي هو ما دعا إليه المسيحيّين، وعمل على الدّعوة إلى مشروع مشترك معهم للنّهوض بالقيم الأخلاقيّة الّتي هي قاسم مشترك بين أتباع الرسالتين...
لقد آلم السيد (رض) إدخال الدين في لعبة المصالح، وتحويله إلى أداة في الصراعات الطائفية والفئوية، وفي سياق التنازع على الحصص والمواقع في الدولة، وهو الأمر الذي لا يمتّ إلى الأديان بصلة، ما دعاه إلى التشديد على أن للإنسان حقوقه انطلاقاً من إنسانيته بعيداً من طائفته أو مذهبه، وهو ما عمل له الرسل فهم لم يطالبوا بحقوق من معهم، بل بحقوق الإنسان كل الإنسان، ولقد أراد للتنوّع الديني والانساني الذي ينعم به لبنان أن يكون موقعاً لإظهار قدرة الأديان على التعايش والتفاعل والمساهمة الكبرى في بناء دولة الإنسان، دولة القيم والقانون، لا ساحة للصراع والتنازع بين الطوائف حيث يتحوّل الدين إلى عنصر استثمار وتأجيج الأحقاد وأداة تفجير للوطن.
كان واعياً لخطورة الكيان الصهيوني وكان يخشى على لبنان منه، ولذلك رفع شعار الدعوة إلى الحذر من هذا العدو وبناء كل عناصر القوة والاستعدادات الكفيلة بمواجهة عدوانه وأطماعه، ولذلك رفض مقولة قوة لبنان في ضعفه وأن العين لا تقاوم المخرز، ودعا إلى بناء جيش قوي للبنان قادر على مواجهة كل من يريد شراً بهذا البلد، والقيام بواجبه الوطني، ولكن مع الأسف لم يسمح له بأن يمتلك السلاح الذي يؤهّله لمواجهة هذا العدو.
لقد كان سنداً وملهماً للمقاومة منذ انطلاقتها، لا لعنوانها الطائفي، بل لأن قوتها قوة للبنان كل لبنان ولحسابه، فكان لا يراها ندّاً للجيش اللبناني أو سبباً لإضعافه بل أن واجبها أن تقوم بالدفاع عن لبنان إلى جانبه عندما تدعو الحاجة، وقد احتضن المقاومة ورعاها، وقدّم عصارة فكره لتعزيزها في وجدان الأمة والرهان عليها كسبيل رئيس لتحرير الأرض وحماية الوطن، وتلقّى بصدره الكثير من الطعنات التي شككت بها، فكان الدرع الذي حماها والصوت الهادر والحكيم في وجه من أرادوا تشويه صورتها، ممن لم يعوا دورها ومنطلقاتها وأهدافها وما تسعى إليه.

الوحدة والعمل المشترك

إننا نعيش في مرحلة عصيبة في هذا الوطن، على كل الصعد الاقتصادية والمعيشية والأمنية من خلال الضغوط الّتي تمارس على لبنان والتي يسعى من خلالها إلى تقديم التنازلات لحساب العدو الصهيوني والتعامل مع هذا البلد من موقع أنه المهزوم والتخلص من كل موقع قوة يمتلكها، والتي من الواضح أنه لا يمكن مواجهتها إلّا بتعاون اللبنانيين، وبوقوفهم معاً سدًّا منيعاً أمام من يريد العبث بأمن هذا الوطن وسيادته ما يدعو إلى اعتماد لغة الحوار الذي هو السبيل لإزالة الهواجس وردم الهوة الحاصلة بين اللبنانيين ورسم ملامح المرحلة والسماح بإيجاد مخارج للأزمة، واللبنانيون قادرون على ذلك إن أرادوا...
ونحن اليوم نطلق الصوت باسمك يا سيدي، لندعو إلى ما كنت تدعو إليه، إلى الوحدة وإلى العمل المشترك لبناء هذا الوطن الذي لن يبنى ويقوم ويزدهر ويعود إلّا بتعاون أبنائه وطوائفه ومذاهبه ومواقعه السياسية كلها بحيث لا يعزل فيه أحدٌ.
ونعدك بأننا سنكون أمناء على كل ما عملت له ولن نفرط فيه، بالعمل على تعزيز الوحدة الداخلية وإبقاء أيدينا ممدودة للآخر كل الآخر لا نعادي إلّا من هم أعداء هذا الوطن، ونبقى رواداً في التواصل والحوار الذي عملت ونظرت له، وحريصين على أمن هذا البلد وسيادته واستقلاله.
ونعمل بكل قوة لتوفير الظروف لبناء دولة عادلة قوية تضمن لمواطنيها العيش الكريم والمساواة بين أبنائه وتضمن استقلال البلد، دولة خالية من الفساد والارتهان للخارج، ومن عبث العابثين بها...
وأن نكون سنداً لكل مضطهد وفي نصرة المظلومين والمستضعفين مع القضية الفلسطينية التي يتعرض شعبها للإبادة، وقد اعتبرتها أم القضايا العربية والاسلامية، وأنها في انتصارها أو هزيمتها يتحدد نصر الوطن ونصر الأمة أو هزيمتها، ولذلك كان موقفك من الدول والأفرقاء السياسيين على ضوء موقفهم من هذه القضية.
نعاهدك يا سيدنا وأبانا سنعمل ليبقى فكرك رائداً لنا نعمل به وندعو إليه، ليكون حاضراً في كل الساحات وعلى مدى الزمن.

*سماحة العلامة السيد علي فضل الله
المصدر: جريدة اللواء.

في وداع سيد العقل والوحدة والحوار


قبل خمس عشرة سنة افتقدنا السيد الذي كان بالنّسبة لنا الأب والموجّه والمربّي والمرجع، والذي انطلق في كل مواقفه من خلال وعيه للإسلام الذي أخذه من ينابيعه الصافية، فرأى منه دعوة إلى إنسانيَّة الإنسان، لذلك قال: " أن تكون مسلماً، هو أن تكون إنساناً يعيش إنسانيّته في إنسانيّة الآخر ".
وقد جسّد السيد (رض) ذلك في الفقه، عندما أفتى بطهارة الإنسان والبرّ والقسط مع غير المسلمين وحرمة دمائهم وأموالهم وأعراضهم ما داموا مسالمين، وعندما دعا إلى احترام شخصية الطفل وإلى ضرورة أن يكون للمرأة حضورها في كل الميادين إلى جانب الرجل، وإلى التكافل بينهما وأن لا تكون على هامشه.
كان لا يرى الدّين في خطّ المواجهة مع العقل، ولطالما ردّد علينا الحديث النبويّ: «العقل رسولٌ من داخل، والرّسول عقلٌ من خارج». وألا يكون الإنسان صدى للآخرين ولذا كان دائماً يقول: فكّروا معي.. أريدكم أن تفكّروا في كلّ ما أقوله، ولا تقولوا سمعاً وطاعةً، ولطالما قال: لا تؤجّروا عقولكم لحساب أحد، ولا تعطوا عقولكم إجازة، فنتاج العقل يُناقش ولا يُصدّ أو يُرفض بالمطلق، وإنما يواجه بعقل آخر.
لم يتعامل السيِّد معنا كشخصية لا تقبل النقد، بل كان يقول انتقدوني حتَّى في حياتي الخاصَّة، فمن يعمل في الشَّأن العامّ لا حياة خاصَّة له، ولا بدَّ من أن يكون جاهزاً للنّقد في كلّ شيء.
كان للسيِّد موقف حاسم وحازم من كلِّ ما يعطِّل العقل أو يسمّمه، من خطاب الخرافة وخطاب الغلوّ وخطاب التعصّب.
لقد كسر السيِّد قاعدة تقديس ما ليس مقدَّساً، تقديس العادات والتّقاليد والمشهور والتّراث، وعرض كلّ شيء للمناقشة، فلا محرّمات في البحث والنّقاش «فليس هناك سؤال تافه وليس هناك سؤال محرج... والحقيقة بنت الحوار» مساحة القلب والعاطفة، فلم ينعكس جموداً أو جفافاً أو صعوبة أو نخبويّة، وطالما ردّد: أعطوا العقل جرعةً من العاطفة ليرقّ، والعاطفة جرعةً من العقل لتتوازن. وكثيراً ما كان يردّد إنّ أفضل مفتاح للعقل هو القلب والكلمة الطيّبة، عملاً بالآية: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}، وأجمل ما ترك فينا من خطابه كلمات الحب حيث كان يخاطبنا بكلمة: أيُّها الأحبَّة.
كان حريصاً على أن يوصل فكره إلى الجميع، وكلٌّ بلغته؛ تحدّث إلى المثقّفين بما يتناسب مع موقعهم، كما تحدّث إلى النّاس الصّغار والكبار على قدر عقولهم، مع اصطبار وطول بال على السّؤال...
وهذا التوجّه لدى السيّد جعله بعيداً عن كلّ الشكليّات التي يفرضها موقعه الديني، وحتى عند تصدّيه للمرجعيّة، لم يرضخ لبروتوكولاتها، بل بقي مع النّاس مقتدياً بالنّبي (صلى االله عليه وسلم) الذي قال عنه أصحابه: «كان فينا كأحدنا».. وكان شعاره: «البيت مفتوح، والعقل مفتوح، والقلب مفتوح ".

باب الحوار البنّاء

فتح السيّد الباب واسعاً أمام الحوار البنّاء، حيث لا مكان للتعصب والعصبيّات، ليس حوار الذّات للذّات، إنما حوار العقل للعقل، شرط أن يصاحب هذا الحوار حبّ لمن تحاور، فلا حوار مع الحقد...
أليست مشكلة المسلمين اليوم هي في انسداد منافذ الحوار، وغياب الحبّ والرّحمة، الّتي من شأنها أن ترطّب الأجواء، وتساهم في تلاقح الآراء، كي لا تتسمّم الأفكار، أو تبقى راكدة آسنة في مكانها، وكي لا تكبر الهواجس، وتشتدّ المخاوف، ويستغلّها من يستغلّها من دعاة العنف والقسوة والعتمة والإقصاء؟
لقد طرح السيّد الحوار كمبدأ في العلاقة مع الآخر كل الآخر، مارسه عمليًّا، ورفض الحوار الشّكليّ أو حوار الدّيكور أو الحوار لتقطيع الوقت، بل مارس الحوار الجدّيّ... وكان حريصاً على الوحدة الإسلاميَّة، واعتبر العمل للوحدة ديناً، خصوصاً أن ضرب هذه الوحدة هو هدف الأعداء الّذين يريدون لهذه الأمَّة أن تكون ساحة توتّر وانفعال، وهو من عمل على إخراج السّاحة الإسلاميّة من الهواجس والمخاوف المتبادلة، من خلال دعوته إلى التّواصل والتّلاقي، وعدم التّباعد والتّهاجر، وهذا التّلاقي هو ما دعا إليه المسيحيّين، وعمل على الدّعوة إلى مشروع مشترك معهم للنّهوض بالقيم الأخلاقيّة الّتي هي قاسم مشترك بين أتباع الرسالتين...
لقد آلم السيد (رض) إدخال الدين في لعبة المصالح، وتحويله إلى أداة في الصراعات الطائفية والفئوية، وفي سياق التنازع على الحصص والمواقع في الدولة، وهو الأمر الذي لا يمتّ إلى الأديان بصلة، ما دعاه إلى التشديد على أن للإنسان حقوقه انطلاقاً من إنسانيته بعيداً من طائفته أو مذهبه، وهو ما عمل له الرسل فهم لم يطالبوا بحقوق من معهم، بل بحقوق الإنسان كل الإنسان، ولقد أراد للتنوّع الديني والانساني الذي ينعم به لبنان أن يكون موقعاً لإظهار قدرة الأديان على التعايش والتفاعل والمساهمة الكبرى في بناء دولة الإنسان، دولة القيم والقانون، لا ساحة للصراع والتنازع بين الطوائف حيث يتحوّل الدين إلى عنصر استثمار وتأجيج الأحقاد وأداة تفجير للوطن.
كان واعياً لخطورة الكيان الصهيوني وكان يخشى على لبنان منه، ولذلك رفع شعار الدعوة إلى الحذر من هذا العدو وبناء كل عناصر القوة والاستعدادات الكفيلة بمواجهة عدوانه وأطماعه، ولذلك رفض مقولة قوة لبنان في ضعفه وأن العين لا تقاوم المخرز، ودعا إلى بناء جيش قوي للبنان قادر على مواجهة كل من يريد شراً بهذا البلد، والقيام بواجبه الوطني، ولكن مع الأسف لم يسمح له بأن يمتلك السلاح الذي يؤهّله لمواجهة هذا العدو.
لقد كان سنداً وملهماً للمقاومة منذ انطلاقتها، لا لعنوانها الطائفي، بل لأن قوتها قوة للبنان كل لبنان ولحسابه، فكان لا يراها ندّاً للجيش اللبناني أو سبباً لإضعافه بل أن واجبها أن تقوم بالدفاع عن لبنان إلى جانبه عندما تدعو الحاجة، وقد احتضن المقاومة ورعاها، وقدّم عصارة فكره لتعزيزها في وجدان الأمة والرهان عليها كسبيل رئيس لتحرير الأرض وحماية الوطن، وتلقّى بصدره الكثير من الطعنات التي شككت بها، فكان الدرع الذي حماها والصوت الهادر والحكيم في وجه من أرادوا تشويه صورتها، ممن لم يعوا دورها ومنطلقاتها وأهدافها وما تسعى إليه.

الوحدة والعمل المشترك

إننا نعيش في مرحلة عصيبة في هذا الوطن، على كل الصعد الاقتصادية والمعيشية والأمنية من خلال الضغوط الّتي تمارس على لبنان والتي يسعى من خلالها إلى تقديم التنازلات لحساب العدو الصهيوني والتعامل مع هذا البلد من موقع أنه المهزوم والتخلص من كل موقع قوة يمتلكها، والتي من الواضح أنه لا يمكن مواجهتها إلّا بتعاون اللبنانيين، وبوقوفهم معاً سدًّا منيعاً أمام من يريد العبث بأمن هذا الوطن وسيادته ما يدعو إلى اعتماد لغة الحوار الذي هو السبيل لإزالة الهواجس وردم الهوة الحاصلة بين اللبنانيين ورسم ملامح المرحلة والسماح بإيجاد مخارج للأزمة، واللبنانيون قادرون على ذلك إن أرادوا...
ونحن اليوم نطلق الصوت باسمك يا سيدي، لندعو إلى ما كنت تدعو إليه، إلى الوحدة وإلى العمل المشترك لبناء هذا الوطن الذي لن يبنى ويقوم ويزدهر ويعود إلّا بتعاون أبنائه وطوائفه ومذاهبه ومواقعه السياسية كلها بحيث لا يعزل فيه أحدٌ.
ونعدك بأننا سنكون أمناء على كل ما عملت له ولن نفرط فيه، بالعمل على تعزيز الوحدة الداخلية وإبقاء أيدينا ممدودة للآخر كل الآخر لا نعادي إلّا من هم أعداء هذا الوطن، ونبقى رواداً في التواصل والحوار الذي عملت ونظرت له، وحريصين على أمن هذا البلد وسيادته واستقلاله.
ونعمل بكل قوة لتوفير الظروف لبناء دولة عادلة قوية تضمن لمواطنيها العيش الكريم والمساواة بين أبنائه وتضمن استقلال البلد، دولة خالية من الفساد والارتهان للخارج، ومن عبث العابثين بها...
وأن نكون سنداً لكل مضطهد وفي نصرة المظلومين والمستضعفين مع القضية الفلسطينية التي يتعرض شعبها للإبادة، وقد اعتبرتها أم القضايا العربية والاسلامية، وأنها في انتصارها أو هزيمتها يتحدد نصر الوطن ونصر الأمة أو هزيمتها، ولذلك كان موقفك من الدول والأفرقاء السياسيين على ضوء موقفهم من هذه القضية.
نعاهدك يا سيدنا وأبانا سنعمل ليبقى فكرك رائداً لنا نعمل به وندعو إليه، ليكون حاضراً في كل الساحات وعلى مدى الزمن.

*سماحة العلامة السيد علي فضل الله
المصدر: جريدة اللواء.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية