أسلوبُ الدَّعوةِ بين الكلمةِ الطيّبةِ والجدالِ بالأحسن

أسلوبُ الدَّعوةِ بين الكلمةِ الطيّبةِ والجدالِ بالأحسن

يقول الله سبحانه في كتابه المجيد في آخر سورة النّحل: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[النّحل: 125].
أهميّة الأسلوب
في هذه الآية، يقول الله للنَّبيّ (ص) الَّذي أرسله {شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا}[الأحزاب: 45 -46]، كيف يحرّك الأسلوب في الدَّعوة، لأنَّ قضيَّة الإنسان في علاقته مع الآخرين، سواء كان يريد أن يقنعهم بالهدى بدلاً من الضَّلال، أو بالإيمان بدلاً من الكفر، أو أراد أن يقنعهم بقضيَّة خاصَّة أو عامَّة تتعلَّق بواقع اجتماعيّ أو سياسيّ أو اقتصاديّ أو عاطفيّ، لأنّ كلّ إنسان يعمل على أساس أن ينقل فكره ووجهة نظره إلى الإنسان الآخر، فيما يختلف فيه النّاس، وفيما يحتاج فيه النّاس بعضهم إلى بعض، إنّ القضيّة كلّها هي في الأسلوب. فالمسألة الأساس في الوصول إلى النّتائج الإيجابيَّة، هي الأسلوب، حتّى إنَّ بعضهم قال إنَّ "الأسلوب هو الرَّجل"، والمقصود بالرَّجل الإنسان، لا فرق بين الرَّجل والمرأة في ذلك، فالإنسان بحاجة إلى أسلوب، وإلى طريقة كلام، إلى طريقة تحريك الفكرة، وطريقة تقديمها، وإلى الأجواء الَّتي يجب أن يهيّئها الإنسان حتَّى يوصل الفكرة.
وهذه مسألة أساسيّة في عمليَّة الإقناع، وعمليَّة تغيير الإنسان الآخر والفكر الآخر. هناك أناس يتحركون في القضايا الَّتي ينطلقون فيها، كما يقول المثل الشَّعبي "خبط لصق"، بالتَّدفيش والصّراخ، كما الكثير من الآباء والأمَّهات الَّذين يريدون أن يقنعوا أولادهم بفكرة معيَّنة، فيستعملون التَّهديد والصّراخ.
وغالباً، مثل هذه الأمور لا تغيّر الإنسان في تفكيره، والسَّبب أنَّ الإنسان يبقى إنساناً، فكما أنّنا عندما نريد أن نقدّم إلى النَّاس أكلة معيَّنة، فيجب أن نرتّبها من كلّ شيء، بعناصرها وبهاراتها، بالصَّحن الَّذي نقدّمها فيه، وبالجوّ المناسب، حتَّى نقنع النَّاس أن يأكلوا منها، وإلَّا تصوَّروا أن نقدّم إلى النَّاس أكلة طيّبة بصحن متَّسخ! كذلك عندما نريد أن نقنعهم بفكرة معيَّنة.
الفرق بين أن يأكل الإنسان في بيته أو على نهر أو في البرّ، هو الجوّ الّذي له دور، والأسلوب الّذي له دور، لأنَّ الإنسان مجموعة أحاسيس، فكما عنده فكر، عنده إحساس وشعور. وفي كثير من الحالات، يستطيع الإنسان أن يربح عقل الإنسان الآخر بأسلوبٍ عاطفيّ، وهذا واقعنا في الحياة، وأنا دائماً أقول إنَّ أقرب طريقٍ إلى عقل الإنسان هو قلبه، فعندما نربح قلبَ إنسانٍ نربح عقله، لأنَّ الإنسان إذا أَلِفَ إنساناً آخر وأحبَّه، فإنَّه يحبّ كلّ الأشياء الَّتي عنده، والعكسُ صحيح، فإذا أبغض إنساناً، فإنَّه يبغض تفكيره وأهله وكلّ ما يتعلَّق به.
لهذا، علينا أن نعرف الطَّريقة التي نقدّم فيها الأشياء، والّتي نعالج فيها المشاكل، الطَّريقة الَّتي نتحرَّك فيها وننشئ فيها العلاقات، فالله سبحانه وتعالى يقول: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.
مفاتيح القلوب
إذا أردت أن تدعو إنساناً لأن يسير معك في طريق الله، طريق الإيمان، طريق الخير، طريق المحبَّة، فادعه بالحكمة. والحكمة هي وضع الشَّيء في موضعه، كما تفعلون في البيت، ألا تنظّمون الأشياء في بيوتكم، فتضعون الزجاجيَّات في مكان، والمونة في مكان، وكلّ شيء في مكانه المناسب؟ وعندما نضع كلّ شيء في مكانه، يكون البيت منظّماً، ويسهّل علينا أن نأخذ حاجاتنا من مكانها، أمَّا لو وزّعنا الأغراض بطريقة الفوضى والعشوائيَّة، فعندها سنضطرّ إلى أن نفتش كلَّ البيت لكي نجدها.
وكذلك الكلمة لها مكانها، بعض النَّاس قد يحتاج إلى كلمة رقيقة ليّنة، وبعض النَّاس قد يحتاج إلى كلمة قويَّة، وبعضهم قد يحتاج إلى كلمة بين التَّرغيب والتَّرهيب، كلّ إنسان له مفتاح لشخصيَّته، والقلوب لها مفاتيح، ليست مفاتيحَ من حديد أو نحاس، بل هي مفاتيح فكر وكلمة، مفاتيح جوّ، القلوب لها مفاتيح، والعقول لها مفاتيح.. ونحن نحتاج حتّى نرتاح في حياتنا، ونصل إلى أهدافنا، أن نكتشف مفاتيح قلوب الآخرين وعقولهم، أن نهندس الطَّريق إلى قناعاتهم، وهذه تحتاج إلى دراسة، أن يدرس بعضنا بعضاً، كلّ واحد فينا عبارة عن صندوق مقفل؛ عقله مقفل، وقلبه مقفل، وعلينا أن نفهم قلوب النَّاس؛ ما الأشياء الّتي تجذبها، وما الأشياء الّتي تغلقها. هناك مثل شعبيّ – والأمثال الشَّعبيَّة عبارة عن تجارب الماضين، وتجارب الأجيال – يقول: "كلمة تحنّن وكلمة تجنّن"، نقطة واحدة بين الكلمتين تصنع الفرق، والمعنى ذاته قد نقوله بكلمة نفتح بها قلب الآخر، وقد نقولها بطريقة ثانية نغلق بها قلبه. قد نقول للإنسان، مثلاً، أنت لا تفهم وأنت مخطئ، وقد نقول له إنَّ هذه الفكرة هناك من له رأي آخر حولها.. المعنى واحد، ولكنَّ الكلمة الأولى تتحدّاه، والكلمة الثّانية تبيّن أنَّ هناك خطأً، ولكن بطريقة تحترمه ولا تهين كرامته.
الحكمة والموعظة الحسنة
لذلك {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ}. والحكمة هي أن يضع الإنسان الأشياء في مواضعها، أن نعرف مكان الكلمة وجوَّها وأسلوبها. وعلى الإنسان دائماً أن يدرّب نفسه على أن يكون حكيماً، أن يواجه الأمور بحكمة، أي بتدبّر ودراسة وتعمّق، أن لا يواجهها بانفعال، لأنّنا حسب تجاربنا في الحياة، نتعِبُ أنفسنا بسوء الأسلوب، لأنَّ الإنسان فينا عندما تخطر على باله كلمة، تراه يغضب ويتكلَّم بكلام كيفما كان، ولا يفكّر في نتائج هذه الكلمة وعواقبها.
{وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}. والموعظة الحسنة هي الموعظة الّتي ترغّب النّاس بالخير، بالأسلوب الطيّب، وبالكلمات الطيّبة الّتي تفتح قلبه، وهذا ما قاله لنا الله: {وَقُلْ لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[الإسراء: 53].
ولذلك، ينبغي أن يكون عندنا قاموسٌ للكلمات الاجتماعيَّة، بحيث نفكّر ما الكلمة الأفضل والأحسن الَّتي ينبغي أن نقولها في المجتمع الَّذي نعيش فيه؛ أن نفكّر في الكلمة الّتي لا تثير الحساسيَّة، ولا تؤذي الآخر، والّتي يمكن أن تفتح قلب الإنسان، كما في الفاكهة الَّتي نشتريها، ألا نختار الأفضل منها؟ وعندما نريد شراء ثياب، ألا نجول على عدّة محلّات لنختار الأفضل وما يناسبنا منها؟ فلماذا عندما نتكلَّم لا نفكّر في الأحسن؟! مع أنَّنا إذا اشترينا ثوباً لم يكن الأحسن، فإنَّ الأمر يمرّ دون عواقب وخيمة، ولكن إذا كانت الكلمة سيّئة، فإنّ عواقبها تكون سيّئة، قد تكسّر الرأس، وتخرّب البيت، وتقتل الإنسان.. لذلك، أن نتعلَّم الكلمة الأحسن قبل أن نتكلّم، كما نختار البضاعة الأفضل والأحسن.
الجدال بالأحسن
{وَجَادِلْهُم – في الحوار بينك وبينهم - بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، بالكلمة الأحسن، والأسلوب الأحسن، والجوّ الأحسن، والفكرة الأحسن.
فالله يقول للنَّبيّ (ص) إنَّ هذا تكليفك، أمَّا أن يقتنع النَّاس أو لا يقتنعوا، فهذا ليس تكليفك، أنت قم بواجبك، تحدَّث مع النّاس بحكمة، لتكن موعظتك حسنة، وليكن جدالك بالَّتي هي أحسن، وبهذا تنتهي مهمّتك، لأن لا سيطرة لك على عقول النّاس {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[البقرة: 272]. إنَّ ما علينا فعله، هو أن نحاول أن نجمّع كلّ العناصر الَّتي يمكن أن تقنع الإنسان الآخر، وإذا لم ننجح في ذلك، نكون قد قمنا بواجباتنا، ولذا يقول الله: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين}[القلم: 7].
هذا خطٌّ علينا أن نتحرَّك به في كلّ حياتنا؛ في حياتنا العائليَّة، فقد يختلف الأب والأمّ مع الأولاد، فعليهما أن يتّبعا أسلوب الحكمة معهم؛ أن ينصحا أولادهما بأسلوب حسن، وأن يفسحا لهم المجال للمناقشة، وأن تكون المناقشة بالَّتي هي أحسن، وبعدها، كلّ إنسان يتحمَّل مسؤوليَّة نفسه.
كذلك في علاقاتنا الاجتماعيَّة وعلاقاتنا السياسيَّة {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، عندما نختلف مع الآخرين، فليس بالضَّرورة أن نتعادى، فإذا كان لديَّ فكرة ولدى الآخر فكرة، فأحاول أن أقنعه، وهو يحاول أن يقنعني، وفي حال لم يقتنع أيّ منّا بفكر الآخر، فعلى الأقلّ نفهم بعضنا بعضاً جيّداً، يعني أن أعرف كيف يفكّر، ويعرف هو كيف أنا أفكّر، وعندما نفهم بعضنا بعضاً، فستقلّ العناصر والأسباب الَّتي تؤدّي إلى الاختلاف والتّنازع، لأنَّ أكثر الخلافات الَّتي تحدث بين النَّاس، سببها أنَّهم لا يفهم بعضهم بعضاً، فهذا الإنسان قد يفكّر بطريقة، وهو يظنّ أنّي أفكّر بطريقة ثانية، لهذا هو يتحدَّث معي على صورتي الَّتي هي في ذهنه، وأنا أتحدَّث معه على صورته الَّتي هي في ذهني، قد تكون الصّورة الّتي يحملها عنّي في ذهنه غير صحيحة، وقد تكون صورته الّتي في ذهني غير صحيحة أيضاً.
لذلك، قيمة الحوار أنّه إذا لم يقنع النَّاس، يجعلهم يفهمون بعضهم بعضاً، فهناك مرحلة الفهم المتبادل ومرحلة القناعة المتبادلة، فإذا وصلنا إلى درجة الفهم المتبادل، نستطيع حينها أن نقيم علاقاتنا بعضنا مع بعض على أساس، حتَّى ونحن مختلفون. وهذا الشَّيء مهمّ، أن نحاول أن نفهم بعضنا بعضاً جيّداً.
لذلك، أنا أقول إنَّ على كلّ واحد منَّا عندما يجالس شخصاً آخر أو يصادقه، أن يدرسه؛ أن يدرس الأصدقاءُ بعضهم بعضاً، ما أفكار صديقنا؟ ما الأشياء الّتي يحبّها أو يكرهها، أن ندرس علاقاته العائليَّة والاجتماعيَّة، فإذا درس بعضنا بعضاً، نعرف حينها كيف يتعامل بعضنا مع بعض.
التفحّص قبل الزّواج
وأخطر شيء في الواقع هو مسألة الزّواج، لأنّه يحتاج إلى دراسة، فعندما يريد الشَّخص – شابّاً كان أو فتاةً - أن يتزوَّج، فمعنى ذلك أنَّ شخصاً سيعيش مع شخص آخر لسنوات طويلة قد تمتدّ إلى خمسين سنة وأكثر، وفي اللَّيل والنَّهار؛ أكله مرتبط به، سهراته ونومه، وذهابه وإيابه، وهذا ليس شيئاً عاديّاً، وأفضل تعبير عن العلاقة الزَّوجيَّة هو التَّعبير القرآنيّ: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}[البقرة: 187]، وهذا كناية عن أنَّ علاقة الرّجل بالمرأة وعلاقتها به، هي كما علاقة الإنسان بثوبه الّذي يحيط به وبجسده.
إنَّ الإنسانَ الَّذي يريد أن يعيش مع إنسان آخر لسنين طويلة، يعني أنَّ حرّيته ستنقص، وستكون كلّ أوضاعه من دون أيّ حواجز مع الإنسان الآخر، فإذا أراد أن يتزوّج، فعليه أن يدرس هذا الآخر، ولا يكفي أن يكون من تريد الفتاة الارتباط به ابن فلان أو فلان، أو أن تكون الفتاة الَّتي يريد الارتباط بها ابنة فلان أو ابنة العالم الفلانيّ، مثلاً، لأنَّ الإنسان يتأثّر بالبيئة، وقد تكون ابنة عالم وتكون فاسقة، ونحن نعرف أنَّ أولاد الأنبياء أو بناتهم كان بعضهم فاسقين، وهذه قصَّة نوح (ع) مع ولده: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}[هود: 45 - 46].
لذلك، هذه القضايا تحتاج إلى حسابات دقيقة، وإلى دراسة أساسيَّة، وأنا أقول لكم إنَّ مسألة أن تجلس الفتاة إلى الشَّابّ فترة قصيرة، أو أن يجلس معها فترة، هو أمر غير كاف، لأنَّ العلاقة بين الفتاة والشّابّ في أيَّام الخطبة، وخصوصاً الخطبة الَّتي ليس فيها كتب كتاب، تكون الأمور فيها غير واضحة تماماً، فالشّابّ يكون ممثّلاً، وكذلك الفتاة، فهي تتصرَّف وكأنّها فاطمة الزّهراء، وهو يتصرّف وكأنّه عليّ بن أبي طالب.
لهذا، على الإنسان أن يحتاط لنفسه، أن يفهم الإنسان الَّذي يريد أن يعيش معه؛ ما هي أخلاقه، ثقافته، علاقاته الاجتماعيَّة، عاداته، ولا ينبغي أن نساير أحداً في هذا الأمر.
فهم الواقع الاجتماعيّ
هذه عمليَّة الفهم الاجتماعيّ، أن يفهم بعضنا بعضاً قبل أن ننشئ العلاقة، أن نفهم أولادنا. إنَّ الكثير من المشاكل الّتي تحدث بين الأهل والأولاد، إنّما هي نتيجة أنَّ الأهل لا يفهمون أولادهم، فالأمّ مثلاً، تفكّر كيف تطعم ولدها، وكيف تلبسه، وكيف تنظّفه، أمَّا كيف ينمو هذا الولد؟ ما الأشياء الّتي يتأثَّر بها؟ ما الكلمات الَّتي يحفظها؟ عندما يلعب، من هم الرّفاق الّذين يلعب معهم، ما العادات الَّتي اكتسبها منهم؟... فهذا كلّه قد يكون مغيّباً عنها.
وهكذا، غالباً عندما يمرض ولدنا ويصاب بالحمَّى، نهتمّ به ونرعاه، ولكن عندما يصبح عنده حمّى بعقله وأخلاقه، وميكروب بعاداته، فهل نفكّر فيه كما عندما يصاب بحمَّى الجسد؟ الآن، لو أجرينا استفتاءً، فسنرى أنَّ اهتمام الكثير من الأهل سيكون حول صحَّة أولادهم، وهل سينجحون ويحصلون على شهادة وينتجون المال؟ أمَّا أنَّ أولادنا سيكونون سيّئين أو صالحين، سيسرقون النَّاس أو يؤذوهم، قد نتأذَّى لذلك، ولكن لا نحاول أن نعالجهم.
ولذلك، علينا أن نفهم أولادنا منذ طفولتهم، وأن نتعامل معهم على أساس فهمنا لعقولهم وطباعهم ومشاعرهم، أن نحافظ على مشاعرهم وكرامتهم، لا أن نتعاطى مع الطّفل على أساس أن لا كرامة له، لأنَّ هذا غير صحيح. فالطّفل لديه كرامة وإحساس. إنَّ علينا أن نفهم أولادنا، حتّى نعرف كيف نوجّههم ونداويهم ونحلّ لهم مشاكلهم.
وهكذا أيضاً أن لا نكون مفصولين عن الواقع الاجتماعيّ، فعندما ندخل المجتمع، فإنَّ علينا أن نحاول أن نفهم ما طبيعة المشاكل الاجتماعيَّة فيه؛ ففي المجتمع تنوّعات اجتماعيَّة، وتنوّعات سياسيَّة، هذا من حزب معيَّن وذاك من حركة معيَّنة، وهناك تنوعات مذهبيَّة، هذا سنّي وذاك شيعي، وهناك تنوّعات طائفيَّة بين المسلم والمسيحي، فعندما نعيش في مجتمع له تنوّعاته، فإنّ علينا أن نفهم هذه التنوّعات، حتَّى نعرف كيف نوازن بين هذه العائلة وتلك العائلة، وبين هذا الحزب وذاك الحزب، وبين المسلم والمسيحي، وبين السّنيّ والشّيعي، فإذا لم نستطع أن نفهم التنوّعات الاجتماعيّة، فلن نستطيع أن ننجح في تجربتنا الاجتماعيَّة.
لهذا، ونحن نعيش مع النَّاس، ونحن نزورهم ويزوروننا، علينا أن نقوم بدراسة، حتَّى نعرف كيف نستطيع أن ندخل مجتمعنا، وكيف نعالج مشاكله ونواجه التحدّيات فيه.
لا حيادَ أمامَ السياسة
وهكذا، لا بدَّ لنا أن نتعرَّف بشكل جيّد أيضاً الواقع السياسيَّ. نحن الآن في المجتمع رجالاً ونساءً، لا يمكن أن نكون حياديّين أمام السياسة، قد لا تعجبنا السياسة، ولكن لا نستطيع أن ننفصل عنها، لأنَّ السياسة العادلة تصنع مجتمعاً عادلاً، لأنَّ النَّاس حينها يصبح عندهم رخاء ورخص في الأسعار، وتتحسَّن أمورهم، لأنَّ الجانب السياسيَّ، بحسب طبيعته، ينعكس سلباً أو إيجاباً على الجانب الاقتصاديّ، فإذا كان الحكم عادلاً، فستكون حياتنا في خطّ العدل، أمَّا إذا كان الحكم ظالماً، فسنجوع ونعرى ونفقد الكثير من عناصر حياتنا، فنحن في كلّ الحالات سنتأثَّر بالواقع السياسيّ، سواء كنَّا خارجه أو داخله.
لذلك، لا نستطيع أن نكون حياديّين، علينا أن نفهم مَن هو الإنسان الطيّب لنؤيّده، ومَن هو الإنسان الخبيث لنرفضه، أن نفهم أيّ خطّ سياسيّ يرفع من مستوى الأمَّة ويعطيها حرَّيتها ويمنحها العدالة، وأيّ خطّ سياسيّ يسقط الأمَّة ويجعلها في مستوى الانحطاط.
أن نحاول أن نفهم الخطوط السياسيَّة، وأن يكون لدينا وعي سياسيّ لكلّ القضايا الإقليميَّة والسياسيَّة، أن نفهم أنَّ إسرائيل عندما تنطلق، ويصبح هناك تسوية، ما التَّأثير السَّلبي للتسوية في اقتصادنا وأمننا وسياستنا، كيف ستكون علاقتنا مع هذه الدَّولة وتلك الدَّولة، ما النتائج الإيجابيَّة والسلبيَّة لذلك...
هذا كلّه يؤثّر في حياتنا؛ تغيّرُ السياسة الدّوليّة في العالم يؤثّر في حياتنا، تغيّرُ السياسة الإقليميَّة في هذا البلد العربيّ أو ذاك يؤثّر في حياتنا. العالم لم يعد كما كان سابقاً، في السَّابق، كانت كلّ قرية منفصلة عن الأخرى، فما يجري في مكان لا يؤثّر في المكان الآخر، الآن، إذا حدث تغيّر اقتصاديّ في اليابان أو في أوروبّا، ترى الأسعار عندنا ترتفع ونحن في بيوتنا. العالم أصبح قريةً واحدة، وأصبح اقتصاد العالم مرتبطاً بعضه ببعض، وكذلك سياسة العالم وأمنه، ليس هناك من شعب يستطيع العيش بمفرده.
لذلك، يجب أن يكون لنا رأي في كلّ التطوّرات الموجودة في العالم، حتّى نكون شعباً واعياً نفهم ماذا يجري في بلدنا، وماذا يجري في محيطنا، ونفهم الواقع الدّولي الّذي نعيش فيه.
لذلك، كما ينبغي أن يكون لدينا وعي إسلاميّ، ووعي ثقافيّ وروحيّ، ينبغي أن يكون لنا وعي إسلاميّ سياسيّ أيضاً، لأنَّ السياسة تترك تأثيراتها السَّلبيَّة والإيجابيَّة على النَّاس كلّهم.
ولهذا، فإنَّ الّذي يقول أنا لا يعنيني أحد، ولست مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، هذا شيء خطأ، هناك كلمة للإمام موسى الكاظم (ع) يقول فيها: "أبلِغْ خَيراً، وَقُلْ خَيراً، وَلا تَكُن إمَّعَةً. قلتُ: وما الإمَّعَةُ؟ قالَ: لا تَقُلْ: أنا مَعَ النَّاسِ، وأنا كَواحِدٍ مِن النَّاسِ – فما تقوله العائلة أقوله، وما يقوله أهل الضَّيعة أنا معهم فيه، ولكن أين عقلك؟ وهل عقولهم أفضل من عقلك؟ وكما هم يختارون، عليك أنت أيضاً أن تختار - إنَّ رسولَ اللّه (ص) قالَ: يا أيُّها النَّاسُ، إنّما هُما نَجدانِ - {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد: 10] - نَجدُ خَيرٍ ونَجدُ شَرٍّ، فلا يَكُن نَجدُ الشَّرِّ أحَبَّ إلَيكُم مِن نَجدِ الخَيرِ"، فينبغي أن يكون لنا رأينا، لأنَّ الله لن يسأل أحداً عنّا، {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا}[النّحل: 111].
المشاركة في بناء الحياة
لهذا، علينا أن نشارك جميعاً في بناء مجتمعنا، وفي بناء الحياة، أن نعيش الإرادة الحرَّة، والفكر الحرّ المستقلّ، والمواقف الَّتي تنطلق من قناعات محسوبة، حتّى لا يكون الإنسان خشبةً في مجرى التيّار، ولا يكون ريشةً في مهبّ الريح. نحن عندنا إنسانيَّتنا، والإنسانيَّة عقل وقلب وإرادة وحركة، لذلك على الإنسان أن يبني إنسانيَّته وأن يركّزها، سواء كان رجلاً أو امرأة.
أنا دائماً أقول إنَّ المرأة في الإسلام ليست كميَّة مهملة، ولا إنساناً خارج نطاق المسؤوليَّة، ولا إنساناً منفعلاً، بل هي إنسان فاعل كما الرَّجل. علينا أن نكون فاعلين في الحياة، أن نترك بصماتنا وفكرنا فيها، وعلى المرأة أن تبني عقلها وفكرها، وأن تقوّي إرادتها، وأنا دائماً أقول إنَّ الضّعف ليس قضاء المرأة وقدرها، فإذا كانت هناك عناصر ضعف في شخصيَّتها، فإنّها تستطيع أن تعطي عناصر الضّعف جرعةً من عناصر القوَّة، إنَّ الضّعف ليس فقط عند المرأة، فالله يقول في القرآن الكريم: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}[النّساء: 28]، فالرَّجل عنده نقطة ضعف، والمرأة كذلك، لكنَّ الله أراد لنا نقوّي أنفسنا.
وعلى الإنسان أن يحاول أن يعطي الحياة من عقله وإرادته وقراراته وحركته، أن تكون الحياة عندما ندخلها شيئاً، وعندما نخرج منها، تكون أحسن، أن نعطي الحياة، ليس فقط من جهدنا الجسديّ، بل أن نعطيها عقلاً وقوّة وحياةً وحركةً واستقامة، فالحياة تبنى من عقلي وعقول الآخرين، ومن قوَّتي وقوَّة الآخرين.
لذلك، لا نريد أن نكون تنابل، ننتظر الآخرين ليطعمونا ويفكّروا عنَّا، بل علينا أن نسعى لننتج ونأكل من نتاجنا؛ أن ننتج الفكر والسياسة والأمن، حتَّى نكون جديرين بإنسانيَّتنا، وبالخلافة في الأرض {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}[التّوبة: 105].
***
أسئلة المحاضرة:
 
شوكولا بمادّة الإيلاستين
س: بعض أنواع الشّوكولا تحتوي على مادَّة مستخرجة من عصب الحيوان، فإذا كان الحيوان ميتةً أو غير مذكَّى، فهل تعتبر الشّوكولا حلالاً، علماً أنَّه يوجد إيلاستين نباتيّ، وهناك إيلاستين حيواني؟
ج: إذا عرف أنَّه إيلاستين حيواني، فلا يجوز أكل الشّوكولا، ولكن مع الشّكّ كونه حيوانيّاً أو نباتيّاً، فيجوز أكله.
المنفحة من الميتة!
س: إذا كان الحيوان الّذي تُؤخَذ منه المنفحة ميتة، فهل تعتبر طاهرة؟
ج: الظَّاهر أنّه طاهر حتَّى لو كان مأخوذاً من الميتة، ولكن مع الشَّكّ في كونه من ميتة أو غير ميتة، يحكم بطهارته.
حكم كثير الشّكّ
س: أنا كثيرة الشّكّ في صلاتي، من تكبيرة الإحرام إلى السّجود، فماذا عليَّ أن أفعل؟
ج: عليك أن لا تعتني بشكّك، لأنَّه لا شكّ لكثير الشّكّ، فكثير الشّكّ لا يعتني بشكّه، ويبني على صحَّة صلاته في كلّ ما شكّ فيه.
س: أخت كثيرة الشّكّ في الطَّهارة، بحيث تطهّر الشَّيء، ثمَّ يوسوس لها الشَّيطان بأنَّه لم يطهر. فما الحلّ لهذه المشكلة؟
ج: أن تبني على طهارته، ولا تعتني بالوسوسة.
تخميس الذّهب
س: أملك قطعتين من الذَّهب؛ إحداهما من مهري، والثَّانية من زوجي، وذلك منذ عشرين عاماً، فهل يجب فيهما الخمس؟ ومن أيّ مال أدفعه؟
ج: أمّا ما كان من مهرك، فلا يجب فيه الخمس، وأمَّا ما كان من زوجك، فإذا كنت قد لبسته نتيجة حاجتك إلى أن تلبسي بعض الزّينة، فلا خمس فيه، أمَّا إذا كانت قطعة ذهبيَّة ليست للزّينة، أو لم تلبس، أو ليست حاجة، فيجب تخميسها.
من جهاد المرأة
س: لقد تحدّثتم في محاضرة الرّجال أنَّه يجب على الإنسان أن لا يجلس في منزله يدعو ربَّه دون أن يتدخَّل في الأمور السياسيَّة، كمقاومة العدوّ، والعمل من أجل نشر الإسلام وتعاليمه، فهل هذا يقتصر على الرّجال؟ وإذا كان الجواب نفياً، فماذا تفعل النّسوة اللَّاتي يعملن في بيوتهنّ؟
ج: طبعاً هذا عامّ للرّجال والنّساء، وعمل المرأة في بيتها، إنّما هو نوع من أنواع الجهاد، ولكن يبقى لها أوقات خارج نطاق عملها في البيت، يمكنها أن تخصّصه للدَّعوة إلى الله، وللتَّوعية الاجتماعيَّة أو السياسيَّة، وما إلى ذلك.
نصيحةٌ للدّعاة
س: كثير من النَّاس يدَّعون أنَّهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولكنَّهم يهينون الآخرين، ويجرحون شعورهم، ويتدخَّلون في أمور كثيرة لا تعنيهم. ماذا تنصحون هؤلاء؟ وما الطَّريقة الَّتي يجب اتّباعها في عمليَّة النَّهي عن المنكر والأمر بالمعروف؟
ج: إنَّ مَن يأمر بالمعروف عليه أن يكون فاعلاً له، ومن ينهى عن المنكر عليه أن يكون تاركاً له، ومن يؤذي النَّاس معناه أنّه يفعل المنكر، فلا بدَّ أن ينهى نفسه عن المنكر حتَّى يكون منسجماً مع دعوته.
أمَّا الطريقة الَّتي يجب اتّباعها، فهي ما ذكرناه: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ}[النّحل: 125]، {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[الإسراء: 53]، يعني بالأسلوب الطيّب اللَّطيف.
معنى سورة الكوثر
س: ما معنى هذه السّورة: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}[سورة الكوثر]؟
ج: يقال إنَّ الكوثر صيغة من صيغ المبالغة، وتعني النَّسل الكثير، لأنَّ هذه الآية نزلت عندما كانت قريش تقول عن النَّبيّ محمَّد (ص) إنّه أبتر، أي لا نسل له، لأنَّه لم يكن له ولد ذكر، فنزلت {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، أي النَّسل الكثير. أمَّا الأبتر، فهو الَّذي انقطع نسله ولا امتداد له من خلاله، {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}، أي أنَّ مبغضك هو الأبتر وليس أنت. وهناك تفسير بأنَّ الكوثر هو نهر الكوثر.
رخصةٌ للعراقيّين
س: لماذا لا تقومون بتأسيس صندوق تبرّعات خاصّ بالشّعوب المستضعفة في العراق أو البوسنة وغيرهما، ليشعر المسلمون بأنَّهم شعب واحد، وإن فرَّقت بينهم الحدود الدّوليَّة، وذلك لكي نمهّد لظهور صاحب العصر والزّمان (عج)؟
ج: الواقع أنَّ مشكلة العراق هي أكبر من الحلّ، ونحن أعطينا رخصةً عامَّة لأغلب العراقيّين حول العالم بصرف حقوقهم الشَّرعيَّة لذويهم وأقربائهم، سواء سهم السَّادة أو الإمام.
مؤمنٌ بلا صلاة؟!
س: أخي في السَّابعة والعشرين من عمره، شاهد في منامه النَّبيّ محمّداً (ص) يركب فرساً، وقال له اذهب الله معك، وفي منام ثان شاهد في السَّماء قمرين، ودائماً يشاهد في مناماته أنّه في المروج والجبال الخضراء وبين الأغنام، مع العلم أنَّ أخي لا يصلّي، ودائماً نطلب منه أن يصلّي، فيقول أنا مؤمن بلا صلاة، وليس كلّ شيء بالصَّلاة، فأنا لا أفعل المحرَّمات، ولو لم أكن مؤمناً، لما كنت أشاهد هذه المنامات الجميلة.
ما رأيكم في هذه المنامات؟ وبماذا تنصحون أخي؟ وما رأيكم في كلامه حول الصَّلاة؟

ج: أمَّا هذه المنامات، فهي دعوة له، وإقامةٌ للحجَّة عليه، بأنَّ هذا الجوَّ اللَّطيف سوف تفقده إذا لم تصلّ، فهذه دعوة له إلى أن يصلّي، وليس ذلك كرامة له لعدم صلاته.
أمَّا قوله إنَّه مؤمن بلا صلاة، فالإنسان التَّارك للصَّلاة هو تقريباً إلى جانب الكافر، لأنَّ "الصَّلاة عَمُودُ الدّينِ؛ إِنْ قُبِلَتْ قُبِلَ مَا سِوَاها، وَإِنْ رُدَّتْ رُدَّ مَا سِوَاها"، وجاء في القرآن أنَّ المؤمنين يتساءلون يوم القيامة: {عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}[المدّثّر: 42 - 44]. فالإنسان الَّذي لا يصلّي مكانه سقر.
ولذلك، إذا كان يحبّ أن ينتقل من المروج الخضراء الّتي رآها في منامه إلى سقر، فليبقَ بلا صلاة. وأن لا يصلّي الإنسان، معناه أنّه لا يشكر ربَّه على نعمه، وأنَّه قاطعٌ للعلاقات الدبلوماسيّة معه، فالصَّلاة هي هويَّة المؤمن. ولذلك، فقضيَّة أن يكون الإنسان شريفاً ولا يصلّي، أمران لا ينسجمان، لأنَّ "الآدمي" هو الّذي يصلّي، والشَّريف هو الّذي يصلّي، والشَّاكر لله هو الّذي يصلّي.
وعدٌ بالزّواج!
س: تقدَّم لي شخصٌ من أقاربي للزّواج، ووافقت عليه بسرعة، ولكن بعد فترة من التَّعارف، تبيَّن لي أنَّنا لسنا متفاهمين، فرفضت الزّواج منه. هل أنا مأثومة لأنّي لم أفِ بوعدي له؟
ج: هذه القضايا ليس فيها وعد، فالوعد يكون في قضايا المال أو غيره، ولكن في الزّواج، إذا كانت الفتاة تشعر بأنّها لا يمكن أن تتفاهم مع هذا الشَّخص أو أن تعيش معه، فهي تكون قد خدمت نفسها بذلك، وهي ليست مأثومة.
خالتي تعمل بالحجابات
س: خالتي امرأة غير ملتزمة، لكنَّها تتعامل بأمور الحجابات وما شابه ذلك، أحاول دائماً أن أبيّن لها أنَّ الإسلام ليس كذلك، وأنَّه نظام شامل ويوصل الإنسان إلى السَّعادة، ولكنَّها تجيبني بأنّي محرّفة للدّين. فماذا أردّ عليها، وأنا أخاف أن أجرح مشاعرها؟
ج: إذا كانت تعمل بالحجابات، وفيها أسماء الله، فإنّي أخاف على من تعطيهم هذه الحجابات أن تنقلب عليهم، فمن يكتب الحجابات ولا يكون متّقياً لله، يمكن أن تنقلب عليه وعلى من يأخذها منه.
لذلك، ننصح النَّاس الَّذين يأخذون منها حجابات أن لا يأخذوها، لأنّها ما دامت غير ملتزمة بالدّين، فلا بركة في يدها، ولا بركة فيما تعطيه.
حقُّ الأمّ على أولادها
س: امرأة أرملة عندها أربع بنات سيدخلون المبرّة في القسم الدّاخلي. فما حقّ الأمّ على الأولاد؟
ج: حقّها عليهم أن يحسنوا إليها، وحقّهم عليها أن تعمل على أساس رعايتهم في حياتها.
حكمُ هبةِ الرَّحمِ
س: كتبت لي أمّي غرفةً باسمي عند كاتب العدل، ولم أستخرج لها سنداً، وبعد فترة، كتبتها باسم أخي، فاستخرج لها سنداً باسمه. فما حكم ذلك؟
ج: الهبة الثَّانية للأخ لا تجوز، لأنَّ هبة الرَّحم لازمة، فالأمُّ إذا وهبت ابنتها أو ابنها شيئاً، فليس لها الحقّ أن ترجع في الهبة. ولذلك، فإنَّ المال للأخ يكون مالاً حراماً، على حسب السّؤال.
تقليدٌ مبرئٌ للذّمَّة
س: كنت أقلّد السيّد الخوئي، والآن أريد أن أقلّدك، فهل يجوز لي ذلك؟
ج: بحسب نظري، أرى أنَّه مبرئ للذمَّة، إن شاء الله.
حكم اللّقطة من المال
س: وجد زوجي مبلغاً من المال في البناية الَّتي نسكن فيها، وسأل السكَّان عنه، ولم يعرف صاحبه، وذلك منذ شهر، كما أنَّه وضع ورقة للتَّعريف عنه، فماذا يتوجَّب عليه فعله؟
ج: إذا فرضنا أنَّ المال له علامة، فيضع الورقة مدَّة سنة، أمَّا إذا لم يكن له علامة، فيتصدَّق به عن صاحبه.
أخذُ الفائدة مِنَ البنك
س: عندي مبلغٌ في البنك، هل يحقّ لي أن آخذ فائدة هذا المال لأنفقه على نفسي، علماً أنَّه لا مدخول لي سواه، وإذا كان لا يحقّ لي أخذ الفائدة، فهل يجوز أن أعطيها للفقراء؟
ج: إذا لم تشترط الأخت الفائدة على البنك، فيجوز لها أخذها.
معنى العبارة
س: هل قول: "سمع الله لمن حمده" أثناء الصَّلاة قبل الانتصاب غير جائز، أم يجوز قوله لمجرَّد الرّفع.
ج: عندما يكون مستعدّاً فلا مشكلة، فهذه العبارة تعني اللَّهمَّ اسمع لمن حمدك، فلا مشكلة في ذلك.
أحكامٌ في الصّيام
س: رجل ليس له سوى كلية واحدة، وعليه أن يشرب ماءً بشكل دائم، فما حكم صيامه؟ وهل إذا أفطر يكون مأثوماً؟
ج: بل إذا صام يكون مأثوماً، إذا كان الصّيام يضرّ بالكلية، باعتبار أنَّه يحتاج إلى شرب الماء دائماً، فإذا صام وكان الصّيام مضرّاً به، يكون صومه محرَّماً وباطلاً، ويجب عليه الإفطار.
س: أخت تتقيَّأ كثيراً وهي صائمة، فهل يبقى صيامها قائماً إذا استطاعت أن تكمل يومها؟
ج: إذا لم تتعمَّد القيء فلا مشكلة.
س: نذرت صيام سبعة أيَّام متتالية، فصمت خمسة أيَّام ومرضت، ثمَّ صمت ثلاثة أيّام ومرضت، فماذا يتوجَّب عليَّ؟
ج: إذا كان النّذر لسبعة أيَّام متتالية، فيجب عليها أن تصوم سبعةً متتالية، إلَّا في حال كان المرض شديداً، فلا مانع من ذلك.
س: إحدى الأخوات عندها حماوة في الدَّم، وهي بحاجة إلى شرب الماء دائماً، فماذا يتوجَّب عليها في شهر رمضان؟
ج: إذا كان هذا المرض يضرّ الصَّوم، فتفطر، ولا شيء عليها.
س: في أيَّام شهر رمضان الفائت، أفطرت 14 يوماً بسبب عارض صحّيّ، وقد تكرَّر هذا الأمر، فلم أستطع القضاء، حتَّى أتى رمضان الحاليّ، فهل عليَّ كفَّارة؟
ج: تدفع الأخت فديةً عن كلّ يوم ¾ كغ، ولا شيء عليها.
هل هي علاماتٌ للظّهور؟!
س: جاء في الحديث المتواتر عن ظهور الإمام المهديّ (عج) من العلائم حول الظّهور، أنَّه يظهر رجل صالح من خراسان، وهذه العلامة ظهرت في وليّ أمر المسلمين، سماحة آية الله السيّد علي الخامنئي، وأمَّا العلامة الثَّانية، فهي الحكم في الحجاز لرجل كبير اسمه عبد الله، وقد عيّن الملك فهد رجلاً في الحجاز اسمه عبدالله؟
ج: أوّلاً، لم يقل الحديث ما علامات هذا الرَّجل من خراسان وما صفاته. وثانياً، مسألة عبدالله في الحجاز، فهذا الرَّجل قبل أن يعيّنه أخوه الملك فهد، كان أساساً وليّاً للعهد، فلا جديد في ذلك، بل الجديد أنّه أعطاه صلاحيّات، فهذا ليس فيه دليل.
أحكامٌ في الحيض
س: ما نيَّة الاغتسال من الدَّورة الشَّهريَّة إذا كانت مدَّتها أكثر من سبعة أيَّام؟ وهل تبقى النّيَّة نفسها حتّى اليوم العاشر؟ وإذا كانت الدَّورة متقطّعة في اليومين الأخيرين، فهل توجب الصَّلاة؟
ج: إذا كانت دورتها عددها سبعة أيَّام، واستمرَّت بعد ذلك، وكانت بصفات دم العادة، فتبقى تحكم عليها بأنّها دم العادة إلى اليوم العاشر، فإذا تجاوز اليوم العاشر، فتحسب عادتها سبعة أيّام، وتقضي الصَّلوات الّتي تركتها في ذلك الوقت، وإذا كان متقطّعاً ولكنَّه مستمرّ، فحكمه حكم المستمرّ.
س: هل صحيح أنَّ رأيكم ببلوغ الفتاة، هو عندما تبدأ العادة الشَّهريَّة عندها؟
ج: رأيي العلميّ هو هذا، ولكنّي لم أصدر فتوى بذلك.
س: أخت ركَّبت لولباً، وهي منذ ذلك الحين ترى الدَّم لمدَّة 15 يوماً، فما حكم هذا الدَّم؟
ج: إذا فرضنا أنَّ هذا الدَّم كان من المنطقة الّتي تكون فيها العادة، وكان في أيَّام العادة، فتأخذ أيَّام العادة وتعتبره عادة، والباقي استحاضة.
س: أخت لديها عدَّة نفاس، وتطمئنّ لاستمرار الدَّم بعد العشرة أيّام، فهل يجب عليها الاغتسال حسب عدد عادتها، أم تستطيع الاستظهار لليوم العاشر، وهل إذا استظهرت تكون مأثومة شرعاً؟
ج: إذا كانت تقطع بأنَّ الدَّم سوف يستمرّ إلى ما بعد العاشر، فتغتسل في آخر أيَّام العادة، وتعمل عمل المستحاضة، أمَّا إذا كانت تشكّ فتستظهر.
حكم الإجهاض؟!
س: أنا من مقلّدي الإمام الخوئي (ره)، وأودّ استشارتكم ورأيكم أيضاً: في حال مرور 15 يوماً أو 20 يوماً على انعقاد النّطفة، هل يجوز أخذ دواء وصفة طبيَّة لمنع استمرار الحمل، وذلك بسبب الضَّرورة القصوى، لأنّي أتناول دواءً يوميّاً محظوراً في أثناء الحمل، لأنَّه يشكّل خطر التَّشويه الأكيد للجنين، حسب رأي الأطبَّاء، مع العلم بأخذ الاحتياطات لعدم الحمل، ولكن لا تأكيد بحصول الحمل، وإذا حصل، فيكون قد مرَّ 20 يوماً على ذلك؟
ج: إذا كان لا تأكيد للحمل فيجوز، أمَّا إذا تأكَّد الحمل، فلا يجوز الإجهاض في هذه الحالة، إلَّا إذا كان الحمل سيصيب المرأة بمرض بالغ جدّاً، فيجوز ذلك، أمَّا إذا كان مجرَّد احتمال تشوّه الجنين، فلا يكفي ذلك للإجهاض.
س: هل يجوز لي أن أعمل بتعليمات الطَّبيبة، وهي أخذ دواء لعدم بقاء النّطفة إن وجدت، بحسب رأي المرجع الّذي أقلّده؟ وإن حرم ذلك، فهل لي أن آخذ برأيكم إذا كان رأيكم الجواز به؟
ج: واقعاً، أنا لا أجيز ذلك، كما أنَّ السيّد الخوئي أيضاً لا يجيز ذلك، إلَّا في حال الضَّرر الشَّديد من الحمل.
نصيحةٌ لزوج
س: زوجي إنسان ملتزم، ومن الّذين يعتمدون أفكاركم وأقوالكم كمنهج له في الحياة، ولكنّه لا يحبّني أن أذهب إلى صلاة الجماعة، علماً أنّي أشعر بالحاجة الماسَّة إلى الأجواء الروحانيَّة الَّتي أعيشها في المسجد. فما نصيحتكم؟
ج: نصيحتي أن تتفاهمي معه، وإذا كان يسمع كلامي، فأقول له إنَّ مجيء زوجته إلى المسجد لاستماع المواعظ، ولتعيش الجوّ الرّوحانيّ، ربما يقوّي العلاقة الزَّوجيَّة أكثر، بدلاً من أن يضعفها.
زوجي يمنعني من الحجاب
س: أخت متزوّجة ولها ثلاثة أولاد، وتريد أن ترتدي الحجاب، ولكنَّ زوجها يمنعها، وهي تحاول معه قدر الإمكان، ولكنَّه يهدّدها دائمًا بالطَّلاق، وهي لا تستطيع أن تعيش بعيدة من أولادها، وكلّما فاتحته بالأمر يردعها. فهل هي مأثومة في عدم الحجاب، علماً أنَّها تعيش حالة يأس وقلق؟
ج: إذا كان الزّوج يهدّدها بالطَّلاق، ولم يكن جادّاً في ذلك، فعليها أن تلتزم بالحجاب، أمَّا إذا كان جادّاً في تهديده لها بالطَّلاق، وكان ذلك يؤثّر في حياتها وحياة أولادها، فتقتصر على المقدار الضّروريّ جدّاً من عدم الحجاب، كالّذي يضطرّ إلى أن يأكل لحم الميتة.
مطالبةٌ لمدارسَ إسلاميّة
س: ما رأيكم في المدارس المنسوبة إلى جهة إسلاميَّة، تأخذ ثمن طبابة وقرطاسيَّة مع القسط المدرسي، ولا يعطون التّلميذ ملعقة دواء أو أيّ شيء من القرطاسيَّة؟
ج: لا بدَّ من مطالبتهم في ذلك.
نشر راية الإسلام
س: في اليوم الثَّامن من شهر محرَّم، أبصرت في منامي أنّني في صحراء واسعة، وفجأةً، ظهر فارس على حصان يرتدي ثوباً أبيض، وترجّل عن جواده، وتوجّه نحوي، وكان يحمل رايةً لونها فيروزي، وقال هذه أمانة تسلّمينها ليد السيّد محمَّد حسين فضل الله، وقال إنّها راية الإسلام.
ج: إن شاء الله نكون معنيّين بحمل راية الإسلام.
 
*خطبة الجماعة للنساء، بتاريخ: 12/01/1996م.
 
يقول الله سبحانه في كتابه المجيد في آخر سورة النّحل: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[النّحل: 125].
أهميّة الأسلوب
في هذه الآية، يقول الله للنَّبيّ (ص) الَّذي أرسله {شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا}[الأحزاب: 45 -46]، كيف يحرّك الأسلوب في الدَّعوة، لأنَّ قضيَّة الإنسان في علاقته مع الآخرين، سواء كان يريد أن يقنعهم بالهدى بدلاً من الضَّلال، أو بالإيمان بدلاً من الكفر، أو أراد أن يقنعهم بقضيَّة خاصَّة أو عامَّة تتعلَّق بواقع اجتماعيّ أو سياسيّ أو اقتصاديّ أو عاطفيّ، لأنّ كلّ إنسان يعمل على أساس أن ينقل فكره ووجهة نظره إلى الإنسان الآخر، فيما يختلف فيه النّاس، وفيما يحتاج فيه النّاس بعضهم إلى بعض، إنّ القضيّة كلّها هي في الأسلوب. فالمسألة الأساس في الوصول إلى النّتائج الإيجابيَّة، هي الأسلوب، حتّى إنَّ بعضهم قال إنَّ "الأسلوب هو الرَّجل"، والمقصود بالرَّجل الإنسان، لا فرق بين الرَّجل والمرأة في ذلك، فالإنسان بحاجة إلى أسلوب، وإلى طريقة كلام، إلى طريقة تحريك الفكرة، وطريقة تقديمها، وإلى الأجواء الَّتي يجب أن يهيّئها الإنسان حتَّى يوصل الفكرة.
وهذه مسألة أساسيّة في عمليَّة الإقناع، وعمليَّة تغيير الإنسان الآخر والفكر الآخر. هناك أناس يتحركون في القضايا الَّتي ينطلقون فيها، كما يقول المثل الشَّعبي "خبط لصق"، بالتَّدفيش والصّراخ، كما الكثير من الآباء والأمَّهات الَّذين يريدون أن يقنعوا أولادهم بفكرة معيَّنة، فيستعملون التَّهديد والصّراخ.
وغالباً، مثل هذه الأمور لا تغيّر الإنسان في تفكيره، والسَّبب أنَّ الإنسان يبقى إنساناً، فكما أنّنا عندما نريد أن نقدّم إلى النَّاس أكلة معيَّنة، فيجب أن نرتّبها من كلّ شيء، بعناصرها وبهاراتها، بالصَّحن الَّذي نقدّمها فيه، وبالجوّ المناسب، حتَّى نقنع النَّاس أن يأكلوا منها، وإلَّا تصوَّروا أن نقدّم إلى النَّاس أكلة طيّبة بصحن متَّسخ! كذلك عندما نريد أن نقنعهم بفكرة معيَّنة.
الفرق بين أن يأكل الإنسان في بيته أو على نهر أو في البرّ، هو الجوّ الّذي له دور، والأسلوب الّذي له دور، لأنَّ الإنسان مجموعة أحاسيس، فكما عنده فكر، عنده إحساس وشعور. وفي كثير من الحالات، يستطيع الإنسان أن يربح عقل الإنسان الآخر بأسلوبٍ عاطفيّ، وهذا واقعنا في الحياة، وأنا دائماً أقول إنَّ أقرب طريقٍ إلى عقل الإنسان هو قلبه، فعندما نربح قلبَ إنسانٍ نربح عقله، لأنَّ الإنسان إذا أَلِفَ إنساناً آخر وأحبَّه، فإنَّه يحبّ كلّ الأشياء الَّتي عنده، والعكسُ صحيح، فإذا أبغض إنساناً، فإنَّه يبغض تفكيره وأهله وكلّ ما يتعلَّق به.
لهذا، علينا أن نعرف الطَّريقة التي نقدّم فيها الأشياء، والّتي نعالج فيها المشاكل، الطَّريقة الَّتي نتحرَّك فيها وننشئ فيها العلاقات، فالله سبحانه وتعالى يقول: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.
مفاتيح القلوب
إذا أردت أن تدعو إنساناً لأن يسير معك في طريق الله، طريق الإيمان، طريق الخير، طريق المحبَّة، فادعه بالحكمة. والحكمة هي وضع الشَّيء في موضعه، كما تفعلون في البيت، ألا تنظّمون الأشياء في بيوتكم، فتضعون الزجاجيَّات في مكان، والمونة في مكان، وكلّ شيء في مكانه المناسب؟ وعندما نضع كلّ شيء في مكانه، يكون البيت منظّماً، ويسهّل علينا أن نأخذ حاجاتنا من مكانها، أمَّا لو وزّعنا الأغراض بطريقة الفوضى والعشوائيَّة، فعندها سنضطرّ إلى أن نفتش كلَّ البيت لكي نجدها.
وكذلك الكلمة لها مكانها، بعض النَّاس قد يحتاج إلى كلمة رقيقة ليّنة، وبعض النَّاس قد يحتاج إلى كلمة قويَّة، وبعضهم قد يحتاج إلى كلمة بين التَّرغيب والتَّرهيب، كلّ إنسان له مفتاح لشخصيَّته، والقلوب لها مفاتيح، ليست مفاتيحَ من حديد أو نحاس، بل هي مفاتيح فكر وكلمة، مفاتيح جوّ، القلوب لها مفاتيح، والعقول لها مفاتيح.. ونحن نحتاج حتّى نرتاح في حياتنا، ونصل إلى أهدافنا، أن نكتشف مفاتيح قلوب الآخرين وعقولهم، أن نهندس الطَّريق إلى قناعاتهم، وهذه تحتاج إلى دراسة، أن يدرس بعضنا بعضاً، كلّ واحد فينا عبارة عن صندوق مقفل؛ عقله مقفل، وقلبه مقفل، وعلينا أن نفهم قلوب النَّاس؛ ما الأشياء الّتي تجذبها، وما الأشياء الّتي تغلقها. هناك مثل شعبيّ – والأمثال الشَّعبيَّة عبارة عن تجارب الماضين، وتجارب الأجيال – يقول: "كلمة تحنّن وكلمة تجنّن"، نقطة واحدة بين الكلمتين تصنع الفرق، والمعنى ذاته قد نقوله بكلمة نفتح بها قلب الآخر، وقد نقولها بطريقة ثانية نغلق بها قلبه. قد نقول للإنسان، مثلاً، أنت لا تفهم وأنت مخطئ، وقد نقول له إنَّ هذه الفكرة هناك من له رأي آخر حولها.. المعنى واحد، ولكنَّ الكلمة الأولى تتحدّاه، والكلمة الثّانية تبيّن أنَّ هناك خطأً، ولكن بطريقة تحترمه ولا تهين كرامته.
الحكمة والموعظة الحسنة
لذلك {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ}. والحكمة هي أن يضع الإنسان الأشياء في مواضعها، أن نعرف مكان الكلمة وجوَّها وأسلوبها. وعلى الإنسان دائماً أن يدرّب نفسه على أن يكون حكيماً، أن يواجه الأمور بحكمة، أي بتدبّر ودراسة وتعمّق، أن لا يواجهها بانفعال، لأنّنا حسب تجاربنا في الحياة، نتعِبُ أنفسنا بسوء الأسلوب، لأنَّ الإنسان فينا عندما تخطر على باله كلمة، تراه يغضب ويتكلَّم بكلام كيفما كان، ولا يفكّر في نتائج هذه الكلمة وعواقبها.
{وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}. والموعظة الحسنة هي الموعظة الّتي ترغّب النّاس بالخير، بالأسلوب الطيّب، وبالكلمات الطيّبة الّتي تفتح قلبه، وهذا ما قاله لنا الله: {وَقُلْ لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[الإسراء: 53].
ولذلك، ينبغي أن يكون عندنا قاموسٌ للكلمات الاجتماعيَّة، بحيث نفكّر ما الكلمة الأفضل والأحسن الَّتي ينبغي أن نقولها في المجتمع الَّذي نعيش فيه؛ أن نفكّر في الكلمة الّتي لا تثير الحساسيَّة، ولا تؤذي الآخر، والّتي يمكن أن تفتح قلب الإنسان، كما في الفاكهة الَّتي نشتريها، ألا نختار الأفضل منها؟ وعندما نريد شراء ثياب، ألا نجول على عدّة محلّات لنختار الأفضل وما يناسبنا منها؟ فلماذا عندما نتكلَّم لا نفكّر في الأحسن؟! مع أنَّنا إذا اشترينا ثوباً لم يكن الأحسن، فإنَّ الأمر يمرّ دون عواقب وخيمة، ولكن إذا كانت الكلمة سيّئة، فإنّ عواقبها تكون سيّئة، قد تكسّر الرأس، وتخرّب البيت، وتقتل الإنسان.. لذلك، أن نتعلَّم الكلمة الأحسن قبل أن نتكلّم، كما نختار البضاعة الأفضل والأحسن.
الجدال بالأحسن
{وَجَادِلْهُم – في الحوار بينك وبينهم - بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، بالكلمة الأحسن، والأسلوب الأحسن، والجوّ الأحسن، والفكرة الأحسن.
فالله يقول للنَّبيّ (ص) إنَّ هذا تكليفك، أمَّا أن يقتنع النَّاس أو لا يقتنعوا، فهذا ليس تكليفك، أنت قم بواجبك، تحدَّث مع النّاس بحكمة، لتكن موعظتك حسنة، وليكن جدالك بالَّتي هي أحسن، وبهذا تنتهي مهمّتك، لأن لا سيطرة لك على عقول النّاس {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[البقرة: 272]. إنَّ ما علينا فعله، هو أن نحاول أن نجمّع كلّ العناصر الَّتي يمكن أن تقنع الإنسان الآخر، وإذا لم ننجح في ذلك، نكون قد قمنا بواجباتنا، ولذا يقول الله: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين}[القلم: 7].
هذا خطٌّ علينا أن نتحرَّك به في كلّ حياتنا؛ في حياتنا العائليَّة، فقد يختلف الأب والأمّ مع الأولاد، فعليهما أن يتّبعا أسلوب الحكمة معهم؛ أن ينصحا أولادهما بأسلوب حسن، وأن يفسحا لهم المجال للمناقشة، وأن تكون المناقشة بالَّتي هي أحسن، وبعدها، كلّ إنسان يتحمَّل مسؤوليَّة نفسه.
كذلك في علاقاتنا الاجتماعيَّة وعلاقاتنا السياسيَّة {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، عندما نختلف مع الآخرين، فليس بالضَّرورة أن نتعادى، فإذا كان لديَّ فكرة ولدى الآخر فكرة، فأحاول أن أقنعه، وهو يحاول أن يقنعني، وفي حال لم يقتنع أيّ منّا بفكر الآخر، فعلى الأقلّ نفهم بعضنا بعضاً جيّداً، يعني أن أعرف كيف يفكّر، ويعرف هو كيف أنا أفكّر، وعندما نفهم بعضنا بعضاً، فستقلّ العناصر والأسباب الَّتي تؤدّي إلى الاختلاف والتّنازع، لأنَّ أكثر الخلافات الَّتي تحدث بين النَّاس، سببها أنَّهم لا يفهم بعضهم بعضاً، فهذا الإنسان قد يفكّر بطريقة، وهو يظنّ أنّي أفكّر بطريقة ثانية، لهذا هو يتحدَّث معي على صورتي الَّتي هي في ذهنه، وأنا أتحدَّث معه على صورته الَّتي هي في ذهني، قد تكون الصّورة الّتي يحملها عنّي في ذهنه غير صحيحة، وقد تكون صورته الّتي في ذهني غير صحيحة أيضاً.
لذلك، قيمة الحوار أنّه إذا لم يقنع النَّاس، يجعلهم يفهمون بعضهم بعضاً، فهناك مرحلة الفهم المتبادل ومرحلة القناعة المتبادلة، فإذا وصلنا إلى درجة الفهم المتبادل، نستطيع حينها أن نقيم علاقاتنا بعضنا مع بعض على أساس، حتَّى ونحن مختلفون. وهذا الشَّيء مهمّ، أن نحاول أن نفهم بعضنا بعضاً جيّداً.
لذلك، أنا أقول إنَّ على كلّ واحد منَّا عندما يجالس شخصاً آخر أو يصادقه، أن يدرسه؛ أن يدرس الأصدقاءُ بعضهم بعضاً، ما أفكار صديقنا؟ ما الأشياء الّتي يحبّها أو يكرهها، أن ندرس علاقاته العائليَّة والاجتماعيَّة، فإذا درس بعضنا بعضاً، نعرف حينها كيف يتعامل بعضنا مع بعض.
التفحّص قبل الزّواج
وأخطر شيء في الواقع هو مسألة الزّواج، لأنّه يحتاج إلى دراسة، فعندما يريد الشَّخص – شابّاً كان أو فتاةً - أن يتزوَّج، فمعنى ذلك أنَّ شخصاً سيعيش مع شخص آخر لسنوات طويلة قد تمتدّ إلى خمسين سنة وأكثر، وفي اللَّيل والنَّهار؛ أكله مرتبط به، سهراته ونومه، وذهابه وإيابه، وهذا ليس شيئاً عاديّاً، وأفضل تعبير عن العلاقة الزَّوجيَّة هو التَّعبير القرآنيّ: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}[البقرة: 187]، وهذا كناية عن أنَّ علاقة الرّجل بالمرأة وعلاقتها به، هي كما علاقة الإنسان بثوبه الّذي يحيط به وبجسده.
إنَّ الإنسانَ الَّذي يريد أن يعيش مع إنسان آخر لسنين طويلة، يعني أنَّ حرّيته ستنقص، وستكون كلّ أوضاعه من دون أيّ حواجز مع الإنسان الآخر، فإذا أراد أن يتزوّج، فعليه أن يدرس هذا الآخر، ولا يكفي أن يكون من تريد الفتاة الارتباط به ابن فلان أو فلان، أو أن تكون الفتاة الَّتي يريد الارتباط بها ابنة فلان أو ابنة العالم الفلانيّ، مثلاً، لأنَّ الإنسان يتأثّر بالبيئة، وقد تكون ابنة عالم وتكون فاسقة، ونحن نعرف أنَّ أولاد الأنبياء أو بناتهم كان بعضهم فاسقين، وهذه قصَّة نوح (ع) مع ولده: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}[هود: 45 - 46].
لذلك، هذه القضايا تحتاج إلى حسابات دقيقة، وإلى دراسة أساسيَّة، وأنا أقول لكم إنَّ مسألة أن تجلس الفتاة إلى الشَّابّ فترة قصيرة، أو أن يجلس معها فترة، هو أمر غير كاف، لأنَّ العلاقة بين الفتاة والشّابّ في أيَّام الخطبة، وخصوصاً الخطبة الَّتي ليس فيها كتب كتاب، تكون الأمور فيها غير واضحة تماماً، فالشّابّ يكون ممثّلاً، وكذلك الفتاة، فهي تتصرَّف وكأنّها فاطمة الزّهراء، وهو يتصرّف وكأنّه عليّ بن أبي طالب.
لهذا، على الإنسان أن يحتاط لنفسه، أن يفهم الإنسان الَّذي يريد أن يعيش معه؛ ما هي أخلاقه، ثقافته، علاقاته الاجتماعيَّة، عاداته، ولا ينبغي أن نساير أحداً في هذا الأمر.
فهم الواقع الاجتماعيّ
هذه عمليَّة الفهم الاجتماعيّ، أن يفهم بعضنا بعضاً قبل أن ننشئ العلاقة، أن نفهم أولادنا. إنَّ الكثير من المشاكل الّتي تحدث بين الأهل والأولاد، إنّما هي نتيجة أنَّ الأهل لا يفهمون أولادهم، فالأمّ مثلاً، تفكّر كيف تطعم ولدها، وكيف تلبسه، وكيف تنظّفه، أمَّا كيف ينمو هذا الولد؟ ما الأشياء الّتي يتأثَّر بها؟ ما الكلمات الَّتي يحفظها؟ عندما يلعب، من هم الرّفاق الّذين يلعب معهم، ما العادات الَّتي اكتسبها منهم؟... فهذا كلّه قد يكون مغيّباً عنها.
وهكذا، غالباً عندما يمرض ولدنا ويصاب بالحمَّى، نهتمّ به ونرعاه، ولكن عندما يصبح عنده حمّى بعقله وأخلاقه، وميكروب بعاداته، فهل نفكّر فيه كما عندما يصاب بحمَّى الجسد؟ الآن، لو أجرينا استفتاءً، فسنرى أنَّ اهتمام الكثير من الأهل سيكون حول صحَّة أولادهم، وهل سينجحون ويحصلون على شهادة وينتجون المال؟ أمَّا أنَّ أولادنا سيكونون سيّئين أو صالحين، سيسرقون النَّاس أو يؤذوهم، قد نتأذَّى لذلك، ولكن لا نحاول أن نعالجهم.
ولذلك، علينا أن نفهم أولادنا منذ طفولتهم، وأن نتعامل معهم على أساس فهمنا لعقولهم وطباعهم ومشاعرهم، أن نحافظ على مشاعرهم وكرامتهم، لا أن نتعاطى مع الطّفل على أساس أن لا كرامة له، لأنَّ هذا غير صحيح. فالطّفل لديه كرامة وإحساس. إنَّ علينا أن نفهم أولادنا، حتّى نعرف كيف نوجّههم ونداويهم ونحلّ لهم مشاكلهم.
وهكذا أيضاً أن لا نكون مفصولين عن الواقع الاجتماعيّ، فعندما ندخل المجتمع، فإنَّ علينا أن نحاول أن نفهم ما طبيعة المشاكل الاجتماعيَّة فيه؛ ففي المجتمع تنوّعات اجتماعيَّة، وتنوّعات سياسيَّة، هذا من حزب معيَّن وذاك من حركة معيَّنة، وهناك تنوعات مذهبيَّة، هذا سنّي وذاك شيعي، وهناك تنوّعات طائفيَّة بين المسلم والمسيحي، فعندما نعيش في مجتمع له تنوّعاته، فإنّ علينا أن نفهم هذه التنوّعات، حتَّى نعرف كيف نوازن بين هذه العائلة وتلك العائلة، وبين هذا الحزب وذاك الحزب، وبين المسلم والمسيحي، وبين السّنيّ والشّيعي، فإذا لم نستطع أن نفهم التنوّعات الاجتماعيّة، فلن نستطيع أن ننجح في تجربتنا الاجتماعيَّة.
لهذا، ونحن نعيش مع النَّاس، ونحن نزورهم ويزوروننا، علينا أن نقوم بدراسة، حتَّى نعرف كيف نستطيع أن ندخل مجتمعنا، وكيف نعالج مشاكله ونواجه التحدّيات فيه.
لا حيادَ أمامَ السياسة
وهكذا، لا بدَّ لنا أن نتعرَّف بشكل جيّد أيضاً الواقع السياسيَّ. نحن الآن في المجتمع رجالاً ونساءً، لا يمكن أن نكون حياديّين أمام السياسة، قد لا تعجبنا السياسة، ولكن لا نستطيع أن ننفصل عنها، لأنَّ السياسة العادلة تصنع مجتمعاً عادلاً، لأنَّ النَّاس حينها يصبح عندهم رخاء ورخص في الأسعار، وتتحسَّن أمورهم، لأنَّ الجانب السياسيَّ، بحسب طبيعته، ينعكس سلباً أو إيجاباً على الجانب الاقتصاديّ، فإذا كان الحكم عادلاً، فستكون حياتنا في خطّ العدل، أمَّا إذا كان الحكم ظالماً، فسنجوع ونعرى ونفقد الكثير من عناصر حياتنا، فنحن في كلّ الحالات سنتأثَّر بالواقع السياسيّ، سواء كنَّا خارجه أو داخله.
لذلك، لا نستطيع أن نكون حياديّين، علينا أن نفهم مَن هو الإنسان الطيّب لنؤيّده، ومَن هو الإنسان الخبيث لنرفضه، أن نفهم أيّ خطّ سياسيّ يرفع من مستوى الأمَّة ويعطيها حرَّيتها ويمنحها العدالة، وأيّ خطّ سياسيّ يسقط الأمَّة ويجعلها في مستوى الانحطاط.
أن نحاول أن نفهم الخطوط السياسيَّة، وأن يكون لدينا وعي سياسيّ لكلّ القضايا الإقليميَّة والسياسيَّة، أن نفهم أنَّ إسرائيل عندما تنطلق، ويصبح هناك تسوية، ما التَّأثير السَّلبي للتسوية في اقتصادنا وأمننا وسياستنا، كيف ستكون علاقتنا مع هذه الدَّولة وتلك الدَّولة، ما النتائج الإيجابيَّة والسلبيَّة لذلك...
هذا كلّه يؤثّر في حياتنا؛ تغيّرُ السياسة الدّوليّة في العالم يؤثّر في حياتنا، تغيّرُ السياسة الإقليميَّة في هذا البلد العربيّ أو ذاك يؤثّر في حياتنا. العالم لم يعد كما كان سابقاً، في السَّابق، كانت كلّ قرية منفصلة عن الأخرى، فما يجري في مكان لا يؤثّر في المكان الآخر، الآن، إذا حدث تغيّر اقتصاديّ في اليابان أو في أوروبّا، ترى الأسعار عندنا ترتفع ونحن في بيوتنا. العالم أصبح قريةً واحدة، وأصبح اقتصاد العالم مرتبطاً بعضه ببعض، وكذلك سياسة العالم وأمنه، ليس هناك من شعب يستطيع العيش بمفرده.
لذلك، يجب أن يكون لنا رأي في كلّ التطوّرات الموجودة في العالم، حتّى نكون شعباً واعياً نفهم ماذا يجري في بلدنا، وماذا يجري في محيطنا، ونفهم الواقع الدّولي الّذي نعيش فيه.
لذلك، كما ينبغي أن يكون لدينا وعي إسلاميّ، ووعي ثقافيّ وروحيّ، ينبغي أن يكون لنا وعي إسلاميّ سياسيّ أيضاً، لأنَّ السياسة تترك تأثيراتها السَّلبيَّة والإيجابيَّة على النَّاس كلّهم.
ولهذا، فإنَّ الّذي يقول أنا لا يعنيني أحد، ولست مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، هذا شيء خطأ، هناك كلمة للإمام موسى الكاظم (ع) يقول فيها: "أبلِغْ خَيراً، وَقُلْ خَيراً، وَلا تَكُن إمَّعَةً. قلتُ: وما الإمَّعَةُ؟ قالَ: لا تَقُلْ: أنا مَعَ النَّاسِ، وأنا كَواحِدٍ مِن النَّاسِ – فما تقوله العائلة أقوله، وما يقوله أهل الضَّيعة أنا معهم فيه، ولكن أين عقلك؟ وهل عقولهم أفضل من عقلك؟ وكما هم يختارون، عليك أنت أيضاً أن تختار - إنَّ رسولَ اللّه (ص) قالَ: يا أيُّها النَّاسُ، إنّما هُما نَجدانِ - {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد: 10] - نَجدُ خَيرٍ ونَجدُ شَرٍّ، فلا يَكُن نَجدُ الشَّرِّ أحَبَّ إلَيكُم مِن نَجدِ الخَيرِ"، فينبغي أن يكون لنا رأينا، لأنَّ الله لن يسأل أحداً عنّا، {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا}[النّحل: 111].
المشاركة في بناء الحياة
لهذا، علينا أن نشارك جميعاً في بناء مجتمعنا، وفي بناء الحياة، أن نعيش الإرادة الحرَّة، والفكر الحرّ المستقلّ، والمواقف الَّتي تنطلق من قناعات محسوبة، حتّى لا يكون الإنسان خشبةً في مجرى التيّار، ولا يكون ريشةً في مهبّ الريح. نحن عندنا إنسانيَّتنا، والإنسانيَّة عقل وقلب وإرادة وحركة، لذلك على الإنسان أن يبني إنسانيَّته وأن يركّزها، سواء كان رجلاً أو امرأة.
أنا دائماً أقول إنَّ المرأة في الإسلام ليست كميَّة مهملة، ولا إنساناً خارج نطاق المسؤوليَّة، ولا إنساناً منفعلاً، بل هي إنسان فاعل كما الرَّجل. علينا أن نكون فاعلين في الحياة، أن نترك بصماتنا وفكرنا فيها، وعلى المرأة أن تبني عقلها وفكرها، وأن تقوّي إرادتها، وأنا دائماً أقول إنَّ الضّعف ليس قضاء المرأة وقدرها، فإذا كانت هناك عناصر ضعف في شخصيَّتها، فإنّها تستطيع أن تعطي عناصر الضّعف جرعةً من عناصر القوَّة، إنَّ الضّعف ليس فقط عند المرأة، فالله يقول في القرآن الكريم: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}[النّساء: 28]، فالرَّجل عنده نقطة ضعف، والمرأة كذلك، لكنَّ الله أراد لنا نقوّي أنفسنا.
وعلى الإنسان أن يحاول أن يعطي الحياة من عقله وإرادته وقراراته وحركته، أن تكون الحياة عندما ندخلها شيئاً، وعندما نخرج منها، تكون أحسن، أن نعطي الحياة، ليس فقط من جهدنا الجسديّ، بل أن نعطيها عقلاً وقوّة وحياةً وحركةً واستقامة، فالحياة تبنى من عقلي وعقول الآخرين، ومن قوَّتي وقوَّة الآخرين.
لذلك، لا نريد أن نكون تنابل، ننتظر الآخرين ليطعمونا ويفكّروا عنَّا، بل علينا أن نسعى لننتج ونأكل من نتاجنا؛ أن ننتج الفكر والسياسة والأمن، حتَّى نكون جديرين بإنسانيَّتنا، وبالخلافة في الأرض {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}[التّوبة: 105].
***
أسئلة المحاضرة:
 
شوكولا بمادّة الإيلاستين
س: بعض أنواع الشّوكولا تحتوي على مادَّة مستخرجة من عصب الحيوان، فإذا كان الحيوان ميتةً أو غير مذكَّى، فهل تعتبر الشّوكولا حلالاً، علماً أنَّه يوجد إيلاستين نباتيّ، وهناك إيلاستين حيواني؟
ج: إذا عرف أنَّه إيلاستين حيواني، فلا يجوز أكل الشّوكولا، ولكن مع الشّكّ كونه حيوانيّاً أو نباتيّاً، فيجوز أكله.
المنفحة من الميتة!
س: إذا كان الحيوان الّذي تُؤخَذ منه المنفحة ميتة، فهل تعتبر طاهرة؟
ج: الظَّاهر أنّه طاهر حتَّى لو كان مأخوذاً من الميتة، ولكن مع الشَّكّ في كونه من ميتة أو غير ميتة، يحكم بطهارته.
حكم كثير الشّكّ
س: أنا كثيرة الشّكّ في صلاتي، من تكبيرة الإحرام إلى السّجود، فماذا عليَّ أن أفعل؟
ج: عليك أن لا تعتني بشكّك، لأنَّه لا شكّ لكثير الشّكّ، فكثير الشّكّ لا يعتني بشكّه، ويبني على صحَّة صلاته في كلّ ما شكّ فيه.
س: أخت كثيرة الشّكّ في الطَّهارة، بحيث تطهّر الشَّيء، ثمَّ يوسوس لها الشَّيطان بأنَّه لم يطهر. فما الحلّ لهذه المشكلة؟
ج: أن تبني على طهارته، ولا تعتني بالوسوسة.
تخميس الذّهب
س: أملك قطعتين من الذَّهب؛ إحداهما من مهري، والثَّانية من زوجي، وذلك منذ عشرين عاماً، فهل يجب فيهما الخمس؟ ومن أيّ مال أدفعه؟
ج: أمّا ما كان من مهرك، فلا يجب فيه الخمس، وأمَّا ما كان من زوجك، فإذا كنت قد لبسته نتيجة حاجتك إلى أن تلبسي بعض الزّينة، فلا خمس فيه، أمَّا إذا كانت قطعة ذهبيَّة ليست للزّينة، أو لم تلبس، أو ليست حاجة، فيجب تخميسها.
من جهاد المرأة
س: لقد تحدّثتم في محاضرة الرّجال أنَّه يجب على الإنسان أن لا يجلس في منزله يدعو ربَّه دون أن يتدخَّل في الأمور السياسيَّة، كمقاومة العدوّ، والعمل من أجل نشر الإسلام وتعاليمه، فهل هذا يقتصر على الرّجال؟ وإذا كان الجواب نفياً، فماذا تفعل النّسوة اللَّاتي يعملن في بيوتهنّ؟
ج: طبعاً هذا عامّ للرّجال والنّساء، وعمل المرأة في بيتها، إنّما هو نوع من أنواع الجهاد، ولكن يبقى لها أوقات خارج نطاق عملها في البيت، يمكنها أن تخصّصه للدَّعوة إلى الله، وللتَّوعية الاجتماعيَّة أو السياسيَّة، وما إلى ذلك.
نصيحةٌ للدّعاة
س: كثير من النَّاس يدَّعون أنَّهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولكنَّهم يهينون الآخرين، ويجرحون شعورهم، ويتدخَّلون في أمور كثيرة لا تعنيهم. ماذا تنصحون هؤلاء؟ وما الطَّريقة الَّتي يجب اتّباعها في عمليَّة النَّهي عن المنكر والأمر بالمعروف؟
ج: إنَّ مَن يأمر بالمعروف عليه أن يكون فاعلاً له، ومن ينهى عن المنكر عليه أن يكون تاركاً له، ومن يؤذي النَّاس معناه أنّه يفعل المنكر، فلا بدَّ أن ينهى نفسه عن المنكر حتَّى يكون منسجماً مع دعوته.
أمَّا الطريقة الَّتي يجب اتّباعها، فهي ما ذكرناه: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ}[النّحل: 125]، {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[الإسراء: 53]، يعني بالأسلوب الطيّب اللَّطيف.
معنى سورة الكوثر
س: ما معنى هذه السّورة: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}[سورة الكوثر]؟
ج: يقال إنَّ الكوثر صيغة من صيغ المبالغة، وتعني النَّسل الكثير، لأنَّ هذه الآية نزلت عندما كانت قريش تقول عن النَّبيّ محمَّد (ص) إنّه أبتر، أي لا نسل له، لأنَّه لم يكن له ولد ذكر، فنزلت {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، أي النَّسل الكثير. أمَّا الأبتر، فهو الَّذي انقطع نسله ولا امتداد له من خلاله، {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}، أي أنَّ مبغضك هو الأبتر وليس أنت. وهناك تفسير بأنَّ الكوثر هو نهر الكوثر.
رخصةٌ للعراقيّين
س: لماذا لا تقومون بتأسيس صندوق تبرّعات خاصّ بالشّعوب المستضعفة في العراق أو البوسنة وغيرهما، ليشعر المسلمون بأنَّهم شعب واحد، وإن فرَّقت بينهم الحدود الدّوليَّة، وذلك لكي نمهّد لظهور صاحب العصر والزّمان (عج)؟
ج: الواقع أنَّ مشكلة العراق هي أكبر من الحلّ، ونحن أعطينا رخصةً عامَّة لأغلب العراقيّين حول العالم بصرف حقوقهم الشَّرعيَّة لذويهم وأقربائهم، سواء سهم السَّادة أو الإمام.
مؤمنٌ بلا صلاة؟!
س: أخي في السَّابعة والعشرين من عمره، شاهد في منامه النَّبيّ محمّداً (ص) يركب فرساً، وقال له اذهب الله معك، وفي منام ثان شاهد في السَّماء قمرين، ودائماً يشاهد في مناماته أنّه في المروج والجبال الخضراء وبين الأغنام، مع العلم أنَّ أخي لا يصلّي، ودائماً نطلب منه أن يصلّي، فيقول أنا مؤمن بلا صلاة، وليس كلّ شيء بالصَّلاة، فأنا لا أفعل المحرَّمات، ولو لم أكن مؤمناً، لما كنت أشاهد هذه المنامات الجميلة.
ما رأيكم في هذه المنامات؟ وبماذا تنصحون أخي؟ وما رأيكم في كلامه حول الصَّلاة؟

ج: أمَّا هذه المنامات، فهي دعوة له، وإقامةٌ للحجَّة عليه، بأنَّ هذا الجوَّ اللَّطيف سوف تفقده إذا لم تصلّ، فهذه دعوة له إلى أن يصلّي، وليس ذلك كرامة له لعدم صلاته.
أمَّا قوله إنَّه مؤمن بلا صلاة، فالإنسان التَّارك للصَّلاة هو تقريباً إلى جانب الكافر، لأنَّ "الصَّلاة عَمُودُ الدّينِ؛ إِنْ قُبِلَتْ قُبِلَ مَا سِوَاها، وَإِنْ رُدَّتْ رُدَّ مَا سِوَاها"، وجاء في القرآن أنَّ المؤمنين يتساءلون يوم القيامة: {عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}[المدّثّر: 42 - 44]. فالإنسان الَّذي لا يصلّي مكانه سقر.
ولذلك، إذا كان يحبّ أن ينتقل من المروج الخضراء الّتي رآها في منامه إلى سقر، فليبقَ بلا صلاة. وأن لا يصلّي الإنسان، معناه أنّه لا يشكر ربَّه على نعمه، وأنَّه قاطعٌ للعلاقات الدبلوماسيّة معه، فالصَّلاة هي هويَّة المؤمن. ولذلك، فقضيَّة أن يكون الإنسان شريفاً ولا يصلّي، أمران لا ينسجمان، لأنَّ "الآدمي" هو الّذي يصلّي، والشَّريف هو الّذي يصلّي، والشَّاكر لله هو الّذي يصلّي.
وعدٌ بالزّواج!
س: تقدَّم لي شخصٌ من أقاربي للزّواج، ووافقت عليه بسرعة، ولكن بعد فترة من التَّعارف، تبيَّن لي أنَّنا لسنا متفاهمين، فرفضت الزّواج منه. هل أنا مأثومة لأنّي لم أفِ بوعدي له؟
ج: هذه القضايا ليس فيها وعد، فالوعد يكون في قضايا المال أو غيره، ولكن في الزّواج، إذا كانت الفتاة تشعر بأنّها لا يمكن أن تتفاهم مع هذا الشَّخص أو أن تعيش معه، فهي تكون قد خدمت نفسها بذلك، وهي ليست مأثومة.
خالتي تعمل بالحجابات
س: خالتي امرأة غير ملتزمة، لكنَّها تتعامل بأمور الحجابات وما شابه ذلك، أحاول دائماً أن أبيّن لها أنَّ الإسلام ليس كذلك، وأنَّه نظام شامل ويوصل الإنسان إلى السَّعادة، ولكنَّها تجيبني بأنّي محرّفة للدّين. فماذا أردّ عليها، وأنا أخاف أن أجرح مشاعرها؟
ج: إذا كانت تعمل بالحجابات، وفيها أسماء الله، فإنّي أخاف على من تعطيهم هذه الحجابات أن تنقلب عليهم، فمن يكتب الحجابات ولا يكون متّقياً لله، يمكن أن تنقلب عليه وعلى من يأخذها منه.
لذلك، ننصح النَّاس الَّذين يأخذون منها حجابات أن لا يأخذوها، لأنّها ما دامت غير ملتزمة بالدّين، فلا بركة في يدها، ولا بركة فيما تعطيه.
حقُّ الأمّ على أولادها
س: امرأة أرملة عندها أربع بنات سيدخلون المبرّة في القسم الدّاخلي. فما حقّ الأمّ على الأولاد؟
ج: حقّها عليهم أن يحسنوا إليها، وحقّهم عليها أن تعمل على أساس رعايتهم في حياتها.
حكمُ هبةِ الرَّحمِ
س: كتبت لي أمّي غرفةً باسمي عند كاتب العدل، ولم أستخرج لها سنداً، وبعد فترة، كتبتها باسم أخي، فاستخرج لها سنداً باسمه. فما حكم ذلك؟
ج: الهبة الثَّانية للأخ لا تجوز، لأنَّ هبة الرَّحم لازمة، فالأمُّ إذا وهبت ابنتها أو ابنها شيئاً، فليس لها الحقّ أن ترجع في الهبة. ولذلك، فإنَّ المال للأخ يكون مالاً حراماً، على حسب السّؤال.
تقليدٌ مبرئٌ للذّمَّة
س: كنت أقلّد السيّد الخوئي، والآن أريد أن أقلّدك، فهل يجوز لي ذلك؟
ج: بحسب نظري، أرى أنَّه مبرئ للذمَّة، إن شاء الله.
حكم اللّقطة من المال
س: وجد زوجي مبلغاً من المال في البناية الَّتي نسكن فيها، وسأل السكَّان عنه، ولم يعرف صاحبه، وذلك منذ شهر، كما أنَّه وضع ورقة للتَّعريف عنه، فماذا يتوجَّب عليه فعله؟
ج: إذا فرضنا أنَّ المال له علامة، فيضع الورقة مدَّة سنة، أمَّا إذا لم يكن له علامة، فيتصدَّق به عن صاحبه.
أخذُ الفائدة مِنَ البنك
س: عندي مبلغٌ في البنك، هل يحقّ لي أن آخذ فائدة هذا المال لأنفقه على نفسي، علماً أنَّه لا مدخول لي سواه، وإذا كان لا يحقّ لي أخذ الفائدة، فهل يجوز أن أعطيها للفقراء؟
ج: إذا لم تشترط الأخت الفائدة على البنك، فيجوز لها أخذها.
معنى العبارة
س: هل قول: "سمع الله لمن حمده" أثناء الصَّلاة قبل الانتصاب غير جائز، أم يجوز قوله لمجرَّد الرّفع.
ج: عندما يكون مستعدّاً فلا مشكلة، فهذه العبارة تعني اللَّهمَّ اسمع لمن حمدك، فلا مشكلة في ذلك.
أحكامٌ في الصّيام
س: رجل ليس له سوى كلية واحدة، وعليه أن يشرب ماءً بشكل دائم، فما حكم صيامه؟ وهل إذا أفطر يكون مأثوماً؟
ج: بل إذا صام يكون مأثوماً، إذا كان الصّيام يضرّ بالكلية، باعتبار أنَّه يحتاج إلى شرب الماء دائماً، فإذا صام وكان الصّيام مضرّاً به، يكون صومه محرَّماً وباطلاً، ويجب عليه الإفطار.
س: أخت تتقيَّأ كثيراً وهي صائمة، فهل يبقى صيامها قائماً إذا استطاعت أن تكمل يومها؟
ج: إذا لم تتعمَّد القيء فلا مشكلة.
س: نذرت صيام سبعة أيَّام متتالية، فصمت خمسة أيَّام ومرضت، ثمَّ صمت ثلاثة أيّام ومرضت، فماذا يتوجَّب عليَّ؟
ج: إذا كان النّذر لسبعة أيَّام متتالية، فيجب عليها أن تصوم سبعةً متتالية، إلَّا في حال كان المرض شديداً، فلا مانع من ذلك.
س: إحدى الأخوات عندها حماوة في الدَّم، وهي بحاجة إلى شرب الماء دائماً، فماذا يتوجَّب عليها في شهر رمضان؟
ج: إذا كان هذا المرض يضرّ الصَّوم، فتفطر، ولا شيء عليها.
س: في أيَّام شهر رمضان الفائت، أفطرت 14 يوماً بسبب عارض صحّيّ، وقد تكرَّر هذا الأمر، فلم أستطع القضاء، حتَّى أتى رمضان الحاليّ، فهل عليَّ كفَّارة؟
ج: تدفع الأخت فديةً عن كلّ يوم ¾ كغ، ولا شيء عليها.
هل هي علاماتٌ للظّهور؟!
س: جاء في الحديث المتواتر عن ظهور الإمام المهديّ (عج) من العلائم حول الظّهور، أنَّه يظهر رجل صالح من خراسان، وهذه العلامة ظهرت في وليّ أمر المسلمين، سماحة آية الله السيّد علي الخامنئي، وأمَّا العلامة الثَّانية، فهي الحكم في الحجاز لرجل كبير اسمه عبد الله، وقد عيّن الملك فهد رجلاً في الحجاز اسمه عبدالله؟
ج: أوّلاً، لم يقل الحديث ما علامات هذا الرَّجل من خراسان وما صفاته. وثانياً، مسألة عبدالله في الحجاز، فهذا الرَّجل قبل أن يعيّنه أخوه الملك فهد، كان أساساً وليّاً للعهد، فلا جديد في ذلك، بل الجديد أنّه أعطاه صلاحيّات، فهذا ليس فيه دليل.
أحكامٌ في الحيض
س: ما نيَّة الاغتسال من الدَّورة الشَّهريَّة إذا كانت مدَّتها أكثر من سبعة أيَّام؟ وهل تبقى النّيَّة نفسها حتّى اليوم العاشر؟ وإذا كانت الدَّورة متقطّعة في اليومين الأخيرين، فهل توجب الصَّلاة؟
ج: إذا كانت دورتها عددها سبعة أيَّام، واستمرَّت بعد ذلك، وكانت بصفات دم العادة، فتبقى تحكم عليها بأنّها دم العادة إلى اليوم العاشر، فإذا تجاوز اليوم العاشر، فتحسب عادتها سبعة أيّام، وتقضي الصَّلوات الّتي تركتها في ذلك الوقت، وإذا كان متقطّعاً ولكنَّه مستمرّ، فحكمه حكم المستمرّ.
س: هل صحيح أنَّ رأيكم ببلوغ الفتاة، هو عندما تبدأ العادة الشَّهريَّة عندها؟
ج: رأيي العلميّ هو هذا، ولكنّي لم أصدر فتوى بذلك.
س: أخت ركَّبت لولباً، وهي منذ ذلك الحين ترى الدَّم لمدَّة 15 يوماً، فما حكم هذا الدَّم؟
ج: إذا فرضنا أنَّ هذا الدَّم كان من المنطقة الّتي تكون فيها العادة، وكان في أيَّام العادة، فتأخذ أيَّام العادة وتعتبره عادة، والباقي استحاضة.
س: أخت لديها عدَّة نفاس، وتطمئنّ لاستمرار الدَّم بعد العشرة أيّام، فهل يجب عليها الاغتسال حسب عدد عادتها، أم تستطيع الاستظهار لليوم العاشر، وهل إذا استظهرت تكون مأثومة شرعاً؟
ج: إذا كانت تقطع بأنَّ الدَّم سوف يستمرّ إلى ما بعد العاشر، فتغتسل في آخر أيَّام العادة، وتعمل عمل المستحاضة، أمَّا إذا كانت تشكّ فتستظهر.
حكم الإجهاض؟!
س: أنا من مقلّدي الإمام الخوئي (ره)، وأودّ استشارتكم ورأيكم أيضاً: في حال مرور 15 يوماً أو 20 يوماً على انعقاد النّطفة، هل يجوز أخذ دواء وصفة طبيَّة لمنع استمرار الحمل، وذلك بسبب الضَّرورة القصوى، لأنّي أتناول دواءً يوميّاً محظوراً في أثناء الحمل، لأنَّه يشكّل خطر التَّشويه الأكيد للجنين، حسب رأي الأطبَّاء، مع العلم بأخذ الاحتياطات لعدم الحمل، ولكن لا تأكيد بحصول الحمل، وإذا حصل، فيكون قد مرَّ 20 يوماً على ذلك؟
ج: إذا كان لا تأكيد للحمل فيجوز، أمَّا إذا تأكَّد الحمل، فلا يجوز الإجهاض في هذه الحالة، إلَّا إذا كان الحمل سيصيب المرأة بمرض بالغ جدّاً، فيجوز ذلك، أمَّا إذا كان مجرَّد احتمال تشوّه الجنين، فلا يكفي ذلك للإجهاض.
س: هل يجوز لي أن أعمل بتعليمات الطَّبيبة، وهي أخذ دواء لعدم بقاء النّطفة إن وجدت، بحسب رأي المرجع الّذي أقلّده؟ وإن حرم ذلك، فهل لي أن آخذ برأيكم إذا كان رأيكم الجواز به؟
ج: واقعاً، أنا لا أجيز ذلك، كما أنَّ السيّد الخوئي أيضاً لا يجيز ذلك، إلَّا في حال الضَّرر الشَّديد من الحمل.
نصيحةٌ لزوج
س: زوجي إنسان ملتزم، ومن الّذين يعتمدون أفكاركم وأقوالكم كمنهج له في الحياة، ولكنّه لا يحبّني أن أذهب إلى صلاة الجماعة، علماً أنّي أشعر بالحاجة الماسَّة إلى الأجواء الروحانيَّة الَّتي أعيشها في المسجد. فما نصيحتكم؟
ج: نصيحتي أن تتفاهمي معه، وإذا كان يسمع كلامي، فأقول له إنَّ مجيء زوجته إلى المسجد لاستماع المواعظ، ولتعيش الجوّ الرّوحانيّ، ربما يقوّي العلاقة الزَّوجيَّة أكثر، بدلاً من أن يضعفها.
زوجي يمنعني من الحجاب
س: أخت متزوّجة ولها ثلاثة أولاد، وتريد أن ترتدي الحجاب، ولكنَّ زوجها يمنعها، وهي تحاول معه قدر الإمكان، ولكنَّه يهدّدها دائمًا بالطَّلاق، وهي لا تستطيع أن تعيش بعيدة من أولادها، وكلّما فاتحته بالأمر يردعها. فهل هي مأثومة في عدم الحجاب، علماً أنَّها تعيش حالة يأس وقلق؟
ج: إذا كان الزّوج يهدّدها بالطَّلاق، ولم يكن جادّاً في ذلك، فعليها أن تلتزم بالحجاب، أمَّا إذا كان جادّاً في تهديده لها بالطَّلاق، وكان ذلك يؤثّر في حياتها وحياة أولادها، فتقتصر على المقدار الضّروريّ جدّاً من عدم الحجاب، كالّذي يضطرّ إلى أن يأكل لحم الميتة.
مطالبةٌ لمدارسَ إسلاميّة
س: ما رأيكم في المدارس المنسوبة إلى جهة إسلاميَّة، تأخذ ثمن طبابة وقرطاسيَّة مع القسط المدرسي، ولا يعطون التّلميذ ملعقة دواء أو أيّ شيء من القرطاسيَّة؟
ج: لا بدَّ من مطالبتهم في ذلك.
نشر راية الإسلام
س: في اليوم الثَّامن من شهر محرَّم، أبصرت في منامي أنّني في صحراء واسعة، وفجأةً، ظهر فارس على حصان يرتدي ثوباً أبيض، وترجّل عن جواده، وتوجّه نحوي، وكان يحمل رايةً لونها فيروزي، وقال هذه أمانة تسلّمينها ليد السيّد محمَّد حسين فضل الله، وقال إنّها راية الإسلام.
ج: إن شاء الله نكون معنيّين بحمل راية الإسلام.
 
*خطبة الجماعة للنساء، بتاريخ: 12/01/1996م.
 
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية