معركتنا مع الاستكبار العالمي في مواجهة معركة حنين والأحزاب

معركتنا مع الاستكبار العالمي في مواجهة معركة حنين والأحزاب

معركتنا مع الاستكبار العالمي
في مواجهة معركة حنين والأحزاب(*)

الاستعمار وسياسة الفتن
نلتقي هذه الأيام بذكريات إسلامية في ما كان يخوضه رسول الله من معارك وحروب لمواجهة التحدّيات التي كان يفرضها الشرك عليه بكلّ ما للشرك من أحقاد وأضغان ضدّ المسلمين، وبكلّ ما يعيشه الشرك من قِيَم شرّيرة في السيطرة على حياة الناس وتضليلهم والبغي عليهم. وفي هذا الشهر شهر شوّال، نقف مع معركة حنين التي حدثت في السادس منه، ومعركة الخندق التي حدثت في العاشر منه، وكلتا المعركتين تعطينا دروساً عملية في طريقة مواجهتنا للتحدّيات وفي طريقة نظرتنا إلى الأمور وتقييمنا لموازين القوّة في حركة التحدّي، لأنّنا عندما نواجه هذه المعارك التي خاضها الإسلام ضدّ الشرك وكان موقفه موقف الدفاع وموقف ردّ التحدّي نجد أنّنا في مرحلتنا الحاضرة كمسلمين في كلّ المواقع في العالم نواجه شركاً عملياً من نوعٍ آخر، وهذا الشرك هو الاستعمار والصهيونية والذين يعملون معهما من أجل أن يسقطوا الإسلام فكراً وحركة، وأن يسقطوا الإسلام جهاداً، وأن يعبثوا في بلاد المسلمين فساداً ويعملوا على إثارة الفتن في داخل كلّ بلد إسلامي من خلال بعض الأوضاع القلقة التي تعيش في هذا الموقع وفي ذلك الموقع من أجل أن تستمرّ حروب المسلمين في ما بينهم وأن يكونوا رحماء على الكفَّار وأشدَّاء بعضهم على بعض، حتّى لا يبقى هناك للمسلمين قوّة ولا يبقى لهم قاعدة يستطيعون أن يواجهوا من خلالها الظلم كلّه والاستعمار كلّه في العالم في أكثر من صعيد ومستوى.
فنراهم في بعض المواقع يشغلون المسلمين بالخلافات الطائفية بين السُنّة والشيعة ليقاتل السنّة والشيعة وليقاتل الشيعة السُنّة، كما يحدث في هذه الأيام في باكستان، ونراهم في كثير من المواقع يثيرون النعرات الإقليمية والعصبيات العرقية حتّى يتصادم المسلمون على أساس إقليمي أو قومي أو على أيّ أساس من الأُسس التي يخضع لها الناس في غرائزهم وفي عصبيّاتهم. وهكذا نجد من خلال الحروب التي خاضها المسلمون في لبنان طيلة هذه الفتنة بعضهم ضدّ بعض، نجد أنّ الأوضاع السياسية القلقة والعصبيّات الحزبية المتخلِّفة والأجهزة المخابراتية التي تتوزَّع الأدوار عندما تنفذ في هذا المجتمع لتعمل لحساب قوى محليّة إقليمية أو دولية فتثير العصبيّات وتنشر الإشاعات وتشوّه الأوضاع وتحرّك الكلمات القاسية وتدعو فئة من الناس في المجتمع لتقهر فئة أخرى ولتصوّر للمجتمع أنّ المشكلة ليست "إسرائيل" بل هي هذا الفريق أو ذاك، وأنَّ المشكلة ليست الاستعمار ولكنّ المشكلة هذا الخصم أو ذاك حتى يضيع الناس ويضلُّوا وينسوا ربّهم وينسوا رسلهم وقرآنهم ووحدتهم الإسلامية والإيمانية لتنطلق المسألة أنّ هذا يريد أن يدافع عن نفسه ضدّ ذاك، وذاك يريد أن يدافع عن نفسه ضدّ هذا، وعند ذلك ما الحصيلة؟ أنّ الأعداء يقهقهون وأنّنا نستنزف دماءنا في الفتنة التي تحاصرنا من كلّ جانب والتي تتحرَّك في كلّ موقع. وكنّا قد حذّرنا مراراً من هذا الجو الذي نعيش فيه إلحاداً سياسياً وشركاً سياسياً وتحدّيات على مستوى العالم الذي يشغله هذا الإسلام الحركي الذي يريد أن يعيش نقاء الإسلام وصفاءه والذي لا يتحرّك في بلاطات أصحاب السيادة والجلالة والسموّ والفخامة، والإسلام الذي لا يكون موظَّفاً في دوائر الاستخبارات الدولية والإقليمية، والإسلام الذي لا يريد أن يكون أداة لظلم الناس وقهرهم.
الوسط السياسي يتحدّث عن الإسلاميين كمشكلة؛ ويعملون على أن يحاصروهم في كلّ المجالات وأن يدفعوهم إلى غير ساحاتهم الحقيقية ويعزلوهم عن ساحاتهم الحقيقيّة لتكون الحريّة كلّها للاستعمار وللصهيونية وللظلم الداخلي ولا يكون للإسلام أيّة حريّة في مواجهة ذلك كلّه، لأنَّ مواجهة الصهيونية في العمق تعتبر تطرُّفاً، ومواجهة الاستعمار في العمق تعتبر إرهاباً، ومواجهة الرجعية العربية وغير العربية في العمق تعتبر تدخُّلاً في الشؤون الداخلية وإثارة للفتنة وللضوضاء. هذه هي الشعارات المطروحة في وجه الذين يريدون أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الشيطان هي السفلى.
في الإعداد الجيد نصرٌ أكيد
في هذا الجوّ وفي المعارك الذي يُراد للمسلمين أن يدخلوها في الصراعات الصغيرة الداخلية لتشغلهم عن الصراعات الكبيرة، نلتقي بمعارك رسول الله وقد قال لنا الله عنه: {... لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب : 21] ونلتقي في كتاب الله وهو يحدّثنا عن معركة حنين التي خاضها رسول الله ضدّ العشائر المشتركة التي أرادت أن تقضي على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وعلى الإسلام كلّه، وانطلق النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى هؤلاء ومعه اثنا عشر ألف رجل، ولكنّ المسلمين واجهوا هذه المعركة باسترخاء لأنّهم كثر، وكانت الكثرة في جانب المسلمين تمثّل نقطة ضعف نفسية لأنّهم لم يعبؤوا لتخطيط العدوّ ولدقّة تحرّكه في المعركة، ولهذا سيطر هؤلاء المشركون على المسلمين في الجولة الأولى وانهزم المسلمون أمامهم وكانوا اثني عشر ألفاً حتّى إِنّ رسول الله بقي وحده في جماعة صغيرة من أصحابه، وهناك مَن كان يريد قتل رسول الله، واندفع البعض يتحدّث إلى المسلمين بطريقة عاطفية حتّى يتجمَّعوا من جديد وعندما عرفوا طبيعة الخطأ الذي ارتكبوه وانتبهوا إليه نصرهم الله بعد ذلك ليعرّفهم أنّ الكثرة لا تعطي نصراً وأنّ المعركة تحتاج إلى حركة وتخطيط وحذر يرصد الساحة كلّها، وإلى ثبات وصبر يركز الأقدام، تحدَّث الله عن معركة حنين {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} في بدر وفي خيبر وفي غيرها {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ*ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا}، هل أنزلهم ليقاتلوا أو أنزلهم ليجعلوا السكينة في قلوبهم؟ المهمّ أنّه أوحى لهم بذلك {وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ*ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التوبة : 25 ـــ 27].
معركة حنين تعطينا فكرة ونحن نواجه كمؤمنين مسلمين ملتزمين في كلّ مكان من مواقع الإسلام وفي كلّ موقع يتحرّك فيه التحدّي عندما يخوِّفوننا بالكثرة ليؤكّدوا أنّ المسلمين في العالم هم القلّة وأنّ الاستعمار والصهيونية والظلم يمثِّلون الكثرة... الله يريد أن يقول إنَّ المسلمين عندما غرَّتهم كثرتهم سقطوا في الهزيمة، لهذا إذا أراد المسلمون أن يخوضوا التحدّيات الكبيرة ضدّ كلّ الذين يريدون أن يسقطوا الإسلام في كلّ رحابته فعليهم أن يعتمدوا على النوعية لا على الكميّة وأن يعتمدوا على التخطيط لا على الفوضى، وعليهم أن يثقوا بالله ولا يثقوا بما هو دون الله مهما كان شأنه لأنَّ الله سبحانه وتعالى يصدق المؤمن بالنصر عندما يصدقه المؤمن بالإخلاص والتقوى في كلّ حياته.
في معركة الخندق برز الإيمان ضد الكفر
أمّا معركة الخندق التي سمّيت معركة الأحزاب لأنّ كلّ المحاور الموجودة في شبه الجزيرة تجمَّعت بكلّ عصبيّاتها من أجل أن تهجم هجمة واحدة على المركز الإسلامي في المدينة لتقضي عليه فلا يبقى للإسلام قائمة، فقد انطلق فيها اليهود إلى قريش وقالوا لهم إنّا نعاونكم على محمد فنحاصره من الجانبين نحن وأنتم، وعقدوا معهم عهداً ونقضوا عهدهم مع رسول الله وتجمَّعت مع قريش كلّ أحلاف قريش، وشعر المسلمون بالحصار وأرادوا أن يأخذوا وقتاً ليستعدّوا فحفروا الخندق بإشارة من سلمان الفارسي واندفعت قريش وأحلافها واليهود وحاصروا المدينة شهراً، وحانت التفاتة من عمرو بن عبد ودّ إلى الخندق فرأى مكاناً ضيّقاً فاندفع مع رهط من أصحابه بشكلٍ مفاجئ وإذا هم أمام أصحاب رسول الله، وبدأ ينادي ويقول: هل من مبارز؟ ولم يردّ عليه أحد، ونادى رسول الله: مَن لهذا وأنا أضمن له على الله الجنّة وقام عليّ (عليه السلام) ولكنَّ الرسول أجلسه، ثمّ يأتي النداء ثانية ولا يقوم غير عليّ (عليه السلام) وفي المرّة الثالثة قام عليّ (عليه السلام) وحده كالعادة، وهكذا قال له أنتَ له واندفع عليّ (عليه السلام) ورسول الله يدعو في سرّه "ربِّ لا تذرني فرداً وأنتَ خيرُ الوارثين"، وقال: "بَرَزَ الإيمان كلّه إلى الشِّرك كلّه"، لأنّ الموقف كان حاسماً؛ فلو انتصر عليّ (عليه السلام) لسقطت كلّ الأحزاب ولو انتصر عمرو لسقط الإسلام، وهكذا اندفع عليّ (عليه السلام) وقال له: يقال عنك إنّه لا يدعوك أحد إلى خصلتين، وفي رواية ثلاث خصال إلاَّ أجبت إحداها، قال: قل قال: أدعوك إلى الإسلام، قال: دع هذا قال له أدعوك إلى أن ترجع بالجيش من حيث أتيت، قال له: إذاً تتحدّث عنّي نساء قريش أنّي جئت بهذا الجيش ورجعت دون أن أنتصر فلن أحتمل حديث قريش. قال له: إذاً انزل إلى القتال لأقاتلك وتقاتلني، قال له: ما دعاني إلى ذلك أحد قبلك وإنّي لا أحبّ أن أقتلك لأنَّ أباك كان صديقاً لي، قال عليّ (عليه السلام): ولكن أحبّ أن أقتلك لا لأنّني أحبّ قتل الناس، ولكن لأنّك عدوّ لله وتريد أن تقف عثرة في طريق رسالة الإسلام، ولذلك ليست المسألة أن يكون أبي صديقاً لك أو لا يكون، إنّ مسألة الله تتقدَّم على كلّ القرابات والصداقات، وإنَّ الله أقرب إليَّ من أبي ومن أصدقائه، وأقرب إليَّ من أصدقائي وعواطفهم، عندما تكون الكلمة لله فلا مجال لأحد. فتجادلا وتصاولا ورد الله كيد عمرو وسقط قتيلاً، وقالها رسول الله: "ضربة عليّ يوم الخندق تعادل عبادة الثَقَلَيْن"(1) وأرسل الله بعد ذلك ريحاً عاتية ودبَّ الرُّعب في قلوبهم وانكفؤوا من حيث جاؤوا.
الله يحدّثنا عن معركة الخندق ليعرِّفنا كيف يمكن أن تزلزل التحدّيات إن لم يكن إيمانهم ثابتاً، وكيف يتحرّك الكافرون في كلّ مكان ليخذلوا المسلمين ويجنّبوهم وليخوِّفونهم وليسقطوا مواقعهم بالتهديد وبإثارة التهاويل هنا وهناك. استمعوا إلى الله كيف يتحدّث لنا ويؤرّخ لنا معركة الخندق والله أصدق من حدَّث بذلك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً*إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا*هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً*وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً*وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً*وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً*وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً*قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً*قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً*قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً*أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} [الأحزاب: 9 ـــ 19] ثمّ بعد ذلك يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب : 21] عندما يثبت رسول الله أثبتوا حيث يثبت، وقفوا حيث يقف، وتأسّوا به {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} [الأحزاب: 22] لقد حدَّثنا الله عن التحدّيات الكبيرة، وقد عشنا بعضها، وقد حدَّثنا الرسول عن ذلك وصدق الله ورسوله، إنَّنا نرى ما حدَّثنا الله ورسوله أمامنا، وما زادهم كلّ هذا الوضع وكلّ هذا الخوف وكلّ هذا الزلزال وكلّ هذا التحدّي، إلاّ إيماناً بالله وتسليماً له في كلّ الموقف، فكيف تعامل معهم الله، يقول سبحانه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 23] المسيرة طويلة والمؤمنون الصادقون يعتبرون أنَّ لهم دوراً في المسيرة. عندما نأخذ العهد من الله وعندما نثق بالله ونستقيم في طريقه فكيف نبدّل من الأحسن إلى الأسوأ، فكيف نبدّل من الله إلى غير الله، وماذا يملك لنا غير الله؟ ثمّ بعد ذلك {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً*وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} [الأحزاب: 24 ـــ 25].

معركة الأحزاب مستمرة
هذه معركة الأحزاب، وفي كلّ جيل للمسلمين معركة أحزاب، وفي كلّ موقع من مواقع المسلمين في العالم معركة أحزاب، فالذي يحدث في إيران معركة أحزاب دولية ومعركة أحزاب إقليمية ومعركة أحزاب سياسية وما إلى ذلك.
عندما انطلقت كلّ التهاويل لتطبق على المؤمنين هنا وهناك قال المؤمنون هذا ما وَعَدَنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله.
القضية هي أن نبقى مع وعد الله لأنّه الحبل الذي نعتصم به. ونحن نريد أن نقول لكلّ الناس الذين يلتزمون عليّاً (عليه السلام) كإمام وكبطل وكعظيم من عظماء الإسلام: لقد كان الإيمان كلّه مجتمعاً في عليّ (عليه السلام) وكان الحقّ كلّه يعيش في عمق شخصيّة عليّ (عليه السلام)، فتعالوا يا من تلتزمون عليّاً (عليه السلام) من موقع الإسلام، لأنَّنا لا نريد أن تلتزم عليّاً (عليه السلام) من موقع الطائفة بعيداً عن الإسلام، أن نتّفق على عليّ (عليه السلام) عندها نتّفق على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، لأنَّ عليّاً (عليه السلام) كان تلميذ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والمسلم الأول، تعالوا إذا اختلفنا على زيد أو على عمرو، تعالوا نتّفق على عليّ (عليه السلام)، على فكره على عقله، على واقعيّته، على قوّته، على انفتاحه على ذات الله، على أخلاقه للإسلام والمسلمين، على جهاده في سبيل الله، على موقفه الصلب الذي لا يهادن ولا يجامل أمام كلمة الله، عليّ (عليه السلام) الذي كان يقول "لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين"(1).
لننطلق في ما نلتقي عليه من أفكار ولنكن معه، وإذا اختلفنا فتعالوا إلى فكر عليّ (عليه السلام) كيف كان يقاوم الباطل وكيف حارَبَ اليهود وكيف كان حاسماً في حرب اليهود.
عليّ (عليه السلام) يمثّل ورقة قويّة في واقع الإنسان في كلّ حركة التحدّي من أجل الله ومن أجل الإيمان بالله، فلماذا لا نلتقي عليه ونتحرّك في هذا المجال مع وحدتنا مع عليّ الإسلام وعليّ القرآن وعليّ الحقّ هل نحتاج أن نقول: {... تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ...} [آل عمران: 64] لأنَّ الله أرادنا أن نقولها لأهل الكتاب، ليقل بعضكم لبعض ذلك، فلماذا لا يقولها المسلمون بعضهم لبعض، ولماذا لا يقولها المسلمون الشيعة؟
ندعو للحوار بين أمل وحزب الله
إنّكم ترون أنّ "إسرائيل" تقصف هذا وتقصف ذاك وتحتلّ بلد هذا وبلد ذاك، وتعمل على إضعاف هذا وإضعاف ذاك... ما الأرباح والمكاسب في أن يكون لك مكتب وأن يكون لذلك مكتب؟ لماذا تقهر أخاك أو يقهرك أخوك؟ لقد قلنا مراراً إنَّ مسألة القهر تمثّل الخوف ومسألة الخوف تزرع العقدة، ومسألة العقدة تفتح الحياة على كلّ ما هو شرّ، لماذا نحمل عقداً في أنفسنا تجاه الآخرين، وأتساءل أين حلاّلو العقد، ولماذا لا نرى إلاّ الذين يعقّدون الأمور أكثر ممّا هي معقّدة؛ كلمة غاضبة هنا وكلمة منفعلة هناك.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "النّاس صنفان؛ إمَّا أخٌ لكَ في الدِّين وإمّا نظيرٌ لكَ في الخَلْق"(1)، الله جعل الساحة للجميع وجعل الحياة تتّسع للجميع، فإذا كنتَ تملك فكراً في الساحة فإنَّ غيرك يملك فكراً أيضاً، وإذا كنتَ لا تريد الآخرين أن يلغوا فكرك فلماذا تريد أن تلغي فكر الآخرين؟ الله قال لنا لا تجادلوا إلاّ بالتي هي أحسن لماذا يتحدّث بعضنا مع بعض وعيوننا يملؤها الحقد؟ لماذا نختار من القاموس أقسى الكلمات الخبيثة، والكلمات الطيّبة كثيرة؟! {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً} [الإسراء : 53]. قتلتنا الأنانية الشخصية والحزبية والقيادية والطائفية، فلماذا نظلّ متمسّكين بها؟ اترك الناس يعرفوا حجمك وليس من الضروري أن تحدِّث الناس عن حجمك... رسول الله ـــ مَن يقترب في العظمة من رسول الله ـــ قال له الله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} فالله لا يريد من محمّد أن يلغي الذين معه؛ بل يريد منه أن يعايش مَن معه قال له: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ...} حتّى لو كان رأيك من الوحي، علِّمهم أن يفكِّروا {... فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ} [آل عمران : 159].
الاقتتال أسقط الكثير من قضايانا
إنَّنا نريد في هذا المجال، بعد كلّ هذه الدماء العزيزة علينا، وبعد كلّ هذا النزف الذي عملنا بكلّ ما عندنا من طاقة على أن يتوقّف، والذي لم ندَّخر جهداً في سبيل أن لا يكون، وعندما حدث لم ندّخر جهداً مع الجميع في سبيل أن يتوقّف، مهما قال القائلون ومهما افترى المفترون ومهما كذب الكاذبون، كنّا للجميع لأنَّ الله أَمَرَنا أن نكون للجميع، ولكن على أساس خطّ الإيمان والإسلام. لقد عملنا على أن يتوقّف النزف، ولكنَّ الساحة التي يعيش فيها الخوف لن يستطيع أحد أن يوقف النزف فيها، كانت الساحة محكومة لكثير من أفكار القهر والخوف ومن أفكار النظرة للمستقبل، والآن حدث ما حدث وقد سقطت كثير من قضايانا السياسية في هذا البلد من خلال هذا الاقتتال، وقد انعكست كثير من الطباع والنظرات على طبيعة الموقف، لا نريد أن ندخل في تقييم المسألة لأنَّنا مشغولون الآن بإطفاء النار وإيقاف النزف وإيقاف الاقتتال، لهذا لا بدّ لنا أن نعمل جميعاً على هذا الأساس، وأن نعمل جميعاً أيضاً على أن نثبّت الأرض الصلبة التي نقف عليها جميعاً، ونبحث عن الأُسس التي تمنعنا من أن نبدأ جولة جديدة في قتالٍ جديد في أوضاع سياسية تريد لنا أن نكون وقوداً للفتنة.
الحوار سبيل الحلّ
لقد قلنا ونكرِّر ما قلناه قبل أشهر؛ إنَّ المسألة تفرض أن يكون هناك حوار بين حزب الله وحركة أمل، لأنّهما يعيشان في بيتٍ واحدة في ساحة واحدة. قد يكون أخ ينتمي إلى الحزب وأخ إلى الحركة، قد يكون الأب ينتمي إلى جهة والابن إلى جهةٍ أخرى، لا يمكن أن تدوم حياة معقولة واقعية إلاّ إذا استطعنا أن نصل إلى قاعدة تضبط العلاقات في ما بينهم ليكون هناك أساس للتعاون وأساس للخلاف ـــ إذا كان هناك خلاف ـــ حتّى لا يتحوّل الخلاف إلى قتال. ونحن عملنا وفتحنا قلوبنا لكلّ الفاعليات وقلنا لهم تعالوا لنوقف هذا النزف ونتحدّث بلغة هادئة لا بلغة انفعالية، ولكن "على مَن تتلو مزاميرك يا داوود"، لقد عملت بكلّ طاقتي في أن أتَّصل بالجميع، ولكن لا أدري ماذا يملكون من ظروف تمنعهم من ذلك، كنّا نقول للنّاس وللقيادات ولكلّ الفاعليات؛ امتنعوا عن الكلمات المتشنِّجة والتي تدعو إلى التعقيد، ولكنَّنا نعيش في السّاحة رصاصاً يتفجَّر، ونعيش في الصحف وفي الخطب كلاماً يتفجَّر، فإذا هدأت الحرب في ساحة القتال انطلقت الحرب في الصحف والبيانات. ماذا يفيدنا الحقد والبغضاء، قد تسجّل نقطة على أخيك ويسجّل أخوك عليك نقطة، ولكن ما قيمة النقاط التي يسجّلها بعضكم على بعض إذا جاءت "إسرائيل" وأخذت كلّ النقاط لحسابها.
مع إيران الإسلام ضدّ الخطر الإسرائيلي
المسألة هي أنّه لا يجوز أن نعقّد القتال ضدّ "إسرائيل" ونسهِّل القتال في ما بيننا. لقد جاءت "إسرائيل" قبل المعركة إلى ميدون(1) وقالت إنّها تحتاج أن تقتلع جذور المقاومة الإسلامية، كانت تعمل لكي لا تكون مقاومة إسلامية، واستشهد أكثر من 18 شهيداً وجرح مَن جرح وفي الإعلام الذي بثّته الإذاعات الأميركية، لا مجرّد إعلام المجاهدين، قتل من "إسرائيل" ما يزيد على العشرين رجلاً... وبعد أن غرقنا في وحول الفتنة جاءت "إسرائيل" لتذكّرنا من جديد بأنَّ المعركة هناك، جاءت لتقول إنّها حطَّمت قواعد المجاهدين في ميدون وأنّها تريد أن تحطِّم قواعد المجاهدين في اللويزة وفي جبل صافي(2) وفي غيرهما من المواقع، وقد سمّت المقاومة الإسلامية بالاسم، ونحن نحترم كلّ أنواع المقاومة، لكن ما معنى ذلك؟ معنى ذلك أنّ "إسرائيل" تعتبر أنَّ المقاومة الإسلامية تمثّل الرقم الصعب في حياتها، لأنّها مقاومة حاسمة، وكما يقول الآخرون، مقاومة متطرِّفة، تملك فكراً وخطّاً وتملك رؤية في المستقبل، جاءت لتحطّم وغرقت في وحول اللويزة. وإذا كان الإعلام يتحدّث عن 25 قتيلاً و25 مفقوداً وما إلى ذلك، فإنَّ المعلومات الدقيقة جداً تقول لم يسقط للمقاومة الإسلامية على الرغم من كلّ شراسة القتال الجوي والبري إلاّ شهيد واحد وخمسة جرحى، وكلّكم يعرف صعوبة تلك المناطق. عندما أعلن عن مقتل 15 أو 16 كان الشباب مفقودين، ولكنّهم عندما رجعوا اكتشفوا أنّه ليس هناك إلاّ شهيد واحد أمام ألف جندي إسرائيلي ولحدي مع كلّ أسلحة الدبابات وأسلحة الطيران. ونحن عندما نريد أن نسجّل للمقاومة الإسلامية بطولتها، فإنَّنا أيضاً نريد أن نسجِّل للمقاومة المؤمنة أيضاً في حركة أمل موقفها الذي انضم إلى موقف المقاومة الإسلامية وانضمّت المقاومة الإسلامية إليه ليتشاركا في الموقف وليقولا إنّ الحرب الحقيقيّة هناك. إنَّ هذا التلاحم بين المجاهدين يؤكّد قضية أساسية وهي أنّ "إسرائيل" هي الخطر. ونقول للذين يتحدّثون عن الجمهورية الإسلامية في إيران بطريقة غير مسؤولة ويحمّلونها مسؤولية ما حصل في السّاحة من قتال، لا تخلطوا الأمور، ليست إيران الخطر، ولكنّ "إسرائيل" هي الخطر، لماذا تتحدّثون عن الجمهورية الإسلامية بهذه اللّغة ولا تتحدّثون عن "إسرائيل" بمثل هذه اللّغة، إنَّ إيران جاءت من موقع مسؤوليّتها لتؤكّد لنا أنّها معنا في قتال "إسرائيل" وقتال الاستعمار وقتال الظلم الداخلي، إنَّ الجمهورية الإسلامية في ما نعلمه من عمق قيادتها ترفض أيّ تقاتل بين الإخوة وتعمل على أن يصل الجميع إلى صيغة يتوحَّدون فيها فلا يبقى هناك أثنية بل يصبح هناك وحدة، ليس لإيران الإسلامية أيّ مطمع في لبنان أو في اللّعبة السياسية التقليدية داخل لبنان إذاً لا تخطئوا وتقولوا من خلال الانفعالات إنَّ معركتنا مع إيران(1). إذا كانت معركتنا مع إيران فما البديل عن الإمام الخميني وعن جهاده وعن إسلامه؟ لقد نادى مؤتمر ما سمّي بعلماء المسلمين في مكّة "أيُّها الشيعة ابرؤوا من الإمام الخميني" فقلنا إذا أردنا أن نبرأ من الإمام فمعنى ذلك أن نبرأ من الإسلام، لأنّه يمثّل الإسلام في نقائه وجهاده، إنَّ بعض الناس يتحدّث عن الإمام الخميني بفعل العصبيّة وبطريقة غير إسلامية، لهذا نقول: عودوا إلى ربّكم وإلى إسلامكم واعرفوا أنّ المسألة خطيرة عندما تكون بهذا الحجم، مَن هم الذين يتحدّثون عن إيران بالطريقة التي تحاول أن تُشوِّه صورتها من أميركا وأوروبا والرجعية العربية و"إسرائيل". مَن يتحدّث عن إيران ليسقط الخطّ السياسي الإسلامي في حركة الإسلام، فإنَّ عليه أن يضمّ كلامه إلى الكلام الذي يثور في السّاحة، إذا أردت أن تعرف نفسك فانظر قلبك فإذا كان قلبك يوالي أولياء الله ويعادي أعداء الله ففيك خير والله يحبّك، وإنْ كان قلبك يعادي أولياء الله ويحبّ أعداء الله فإنّه ليس فيك خير والله لا يحبّك، والمرء مع مَن أحبّ. إنَّنا نعلن... لسنا مع إيران الفارسية ولسنا مع إيران الإيرانية بل إنّنا مع إيران الإسلام، ونحن مع الإمام الخميني بصفته الإنسان الذي يدعو إلى الإسلام كما دعا النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى الإسلام وكما دعا عليّ (عليه السلام) إلى الإسلام، ليست لنا علاقة شخصية مع الإمام الخميني (قدِّس سرّه) بالمعنى الذاتي، وليست لنا علاقة سياسية مع إيران بالمعنى الفئوي؛ ولكن علاقتنا مع الإسلام المقاوم والمجاهد، ومع الإسلام الصافي أينما ذهب وأينما وقف وأينما سكن وأينما يتحرّك، لأنَّ الله أرادنا أن نكون أوّل المسلمين في هذا الاتجاه.
العلاقة الاستراتيجيّة بين إيران وسوريا
وعندما نتحدّث عن ساحة التحدّيات السياسية في المنطقة، فإنّنا نريد أن نقول لبعض الناس الذين يريدون أن يصوِّروا الصورة السياسية في السّاحة على أنّها صراع بين سوريا وإيران، وأنّ القتال بين جماعة إيران وجماعة سوريا، إنّنا نقول لهم لا تلعبوا بهذه اللّعبة و"لا تخيطوا بهذه المسألة" إنَّ مسألة ما بين إيران وسوريا تنطلق من نظرة استراتيجية في محاربة الصهيونية ومحاربة الاستعمار ولاسيّما الاستعمار الأميركي، وفي مواجهة كثير من خطوط الرجعية العربية. وعلى هذا الأساس، فإنَّنا عندما نواجه المسألة ونسمع أيضاً من القيادة العليا في سوريا أن لا يلعب أحد بعلاقتنا الاستراتيجية مع إيران، قد نختلف معهم في شيء ويختلفون معنا، قد ننظر إلى شيء وينظرون معنا بذلك، لكنَّ استراتيجيّتنا في القضايا المصيرية واحدة، لهذا فإنَّنا في الوقت الذي نتحرّك فيه في الخطوط الإسلامية التي تتحرّك فيها الجمهورية الإسلامية ويتحرّك فيها كلّ العاملين للإسلام في العالم، نشعر بأنّنا في القضايا الاستراتيجية نلتقي مع سوريا الأسد في ما يطرحه وفي ما يحرّكه من هذه القضايا. ونريد أن نقول في هذا المجال إنَّ الرئيسين السيّد خامنئي(1) والرئيس الأسد انطلقا من أجل أن يتعاونا ولكلٍّ منهما ممثّل في سبيل إيقاف هذا النزف، ونحن اعتبرنا ذلك ضمانة ما دام الوفاق على المسألة موجوداً. لهذا، نحن في هذه المرحلة نريد من كلّ أهلنا وكلّ إخواننا أن يتعاونوا من أجل إنجاح الخطّة ومن أجل إيجاد خطّ أمني متوازن يكون للجميع ولا يكون لفريق دون الآخر، وأن ينطلق ليجمع الجميع على قاعدة واحدة حتى لا يعود هناك قتال. في هذا الإطار الذي أعلن، ندعو كلّ الفرقاء في المنطقة الإسلامية إلى أن يلتقوا حتّى يستطيعوا أن يدرسوا طبيعة كل ما تختزنه الاستحقاقات الأساسية في هذا البلد، ونحن عندما نريد أن نثير المسألة، نشعر بأنَّ على الجميع أن يتعاونوا في سبيل إيجاد القواعد التي تحفظ للمسلمين قوّتهم وعزّتهم وكرامتهم، ونحن لا نريدها على حساب الآخرين، لكنّنا لا نريد أن نكون ضعفاء في هذا المجال.
الحرائق المتنقّلة على الساحة اللبنانية
هذه الحروب تضعف الموقف كلّه، ونحن لا بدّ من أن نكون واعين لكلّ أوضاع اللّعبة المعقّدة المخابراتية التي تتحرّك في الساحة اللبنانية في مسألة انتخابات رئاسة الجمهورية وفي ما بعد انتخابات رئاسة الجمهورية، لأنَّ هذه الرئاسة لن تكون رئاسة حلّ ولكنّها قد تكون رئاسة حلحلة، أو قد لا تكون كذلك أيضاً، لهذا لا بدّ من أن نواجه المسألة بوعي، لأنَّ هناك في داخل الواقع الذي يعيش في الساحة السياسية في لبنان حرائق جديدة متحرّكة لا ندري أين تكون، لم نكن ننتظر الحرائق عندنا وإذا بنا نفاجأ بها ونرى أنّ المؤامرة أكبر منّا، ولا ندري أين يكون الحريق الثاني والثالث.. لأنَّ المسألة اللبنانية والإقليمية لا يمكن أن تنضج إلاّ على وقود الإنسان في لبنان الذي توافق الجميع على أن يكون الحطب لكلّ طبخاتهم.
هناك قمّة كبرى تنعقد يوم الأحد في الجزائر، يضعون خريطة العالم أمامهم، ثمّ يحرِّكون النقاط كما يشاؤون، ماذا يقرِّرون في ما يسمّى بأزمة الشرق الأوسط، ولبنان ملحق أساس في مسألة الشرق الأوسط، ثمّ ماذا يقرِّر العرب "الأكارم" في قمّة الجزائر في السابع من حزيران، كيف يتصرَّفون أو ماذا يتحدّثون، هل يدعمون الانتفاضة أم يقتلونها أم يدجّنونها؟ ماذا يتحدّثون عن الواقع هنا في جبل عامل أو هنا في لبنان؟ لا بدّ من الوعي أمام كلّ هذا الواقع الذي ننتظره ولا ننتظر منه خيراً سواء في القمة الأميركية الروسية أو القمّة العربية في الجزائر، لأنَّ تاريخ القمم السابقة لم يُعْطِنا شيئاً.
ولا بدّ لنا من أن نحدِّق بالخطوات الإسرائيلية التي دخلت على الخطّ اللبناني السياسي والتي يمكن أن تحرّك آلاتها العسكرية بطريقةٍ وبأخرى في أجواء الانتخابات الأميركية التي تعطيها مزيداً من الحريّة لتلعب في لبنان أكثر من ورقة.
لهذا، لن نستطيع أن ننام على حرير، لأنَّ الفراش الذي ننام عليه الآن مملوء بكلّ المسامير الحادّة. علينا أن نتعلَّم كيف نصلّب أجسادنا حتى لا تخرقها المسامير، وعلينا أن نتعلّم كيف نثبّت إيماننا حتّى لا تهزّه الفتن، وعلينا أن نتعلّم كيف نحدِّد أصدقاءنا وأعداءنا حتى لا تنطلق الرؤية الضبابيّة لتجعل العدوّ صديقاً عندنا والصديق عدوّاً. كونوا الواعين على أكثر من مستوى، وانتفعوا من دروسكم، انطلقوا إلى الله من جديد لتشعروا أنَّ الله الرحيم يريد منكم أن تكونوا رحماء، وانطلقوا مع الله القويّ لتعرفوا أنّ الله القويّ يريدكم أن تكونوا الأقوياء، وانطلقوا مع الله العادل لتعلموا أنّ الله العادل يريدكم أن تكونوا العادلين حتّى مع أعدائكم، كونوا الواعين الذين لا ينظرون إلى السطح بل ينظرون إلى العمق، كونوا المنفتحين الذين ينظرون في الآفاق الكبيرة ولا يعيشون في الآفاق الصغيرة.
أيُّها الإخوة، إنّ الله خلق عقولكم في رؤوسكم ولم يخلقها في آذانكم، فلا تجعلوا عقولكم في آذانكم وتجعلوا آذانكم في رؤوسكم، لهذا حاذروا من كلّ كلمة تسمعونها، حاذروا من كلّ ما يقال لأنَّ المخابرات التي تتلوَّن بألف لون تريد أن تهزّ الثقة في نفوسكم بالذين يمثّلون عمق الثقة في حياتكم، ولأنّها تريد أن تربطكم بالذين تاجروا بدمائكم، لهذا كلّ ما أريده منكم ما يريده الله منكم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات : 6]، {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء : 36] كما قلت لكم سابقاً؛ تجلسون في سهراتكم وتتّهمون وتحكمون، وتنطلقون في تظاهراتكم وتهتفون وتتكلَّمون، وتعيشون في كواليسكم وتتحدّثون وتستأنسون، لقد أسقطنا فلاناً ورفعنا فلاناً، ولكن كيف تجلسون في قبوركم إذا سُئلتم عن كلماتكم، فبماذا تجيبون؟ كيف تقفون بين يديّ ربكّم عند من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟ فكِّروا جيداً عندما يُراد لكم أن تتحدّثوا عن القيادة الإسلامية العليا بطريقة غير صحيحة وعن القيادات الإسلامية المخلصة بطريقة غير مسؤولة.
مستعد للاستماع إلى نقدكم وملاحظاتكم
فكِّروا واعرفوا أيُّها الإخوة، إذا كان هناك مَن يتحدّث بكلمات غير مسؤولة فقد قلتها لكم وأقولها، إنّها ليست مشكلتي أن يتكلّم الناس بل مشكلتي أن يفهم الناس، ليست مشكلتي أن يتّهمني الناس بذلك بل مشكلتي أن يتّقي الناس الله بكلّ ما عندهم، وأقولها من موقع المسؤولية: ما زلت معكم منذ 22 سنة من النبعة إلى الجنوب إلى الضاحية، وقد عرفتم أنّي أطلب من الناس أن ينقدوني لأنّي أعتبر أنّ مسؤوليتي هي أن أسمع كلام الناس عنّي لِأُصَحِّح ما فَسَدَ منّي أو ما ليس صحيحاً، لأنّي لست بمعصوم كما أنّ الآخرين ليسوا بمعصومين، لقد عوّدتكم أن أتحدّث لكم عن خصوصيّاتي وأجيب عن كلّ سؤال، وإنّي أقول لكلّ الناس بكلّ محبّة حتى أقيم الحجّة عليهم لتتكامل الثقة في الساحة الإسلامية، مَن كان عنده نقد فإنّي مستعد لأنْ أسمعه، ومَن كان عنده ملاحظة فليأتِ إليّ لأستمع إليه وأنتفع بملاحظاته، ليست مشكلتي ما يقولون، ولكنّ مشكلتي أن أبقى معكم لنتعاون على السير في الصراط المستقيم، وقد قال الإمام عليّ (عليه السلام)، ونحن تراب أقدام عليّ (عليه السلام)، "ألاَ إنّكم ستُدْعَوْن إلى سَبِّي والبراءة منّي، فأمّا السبّ فسبُّوني فإنّه لي زكاة ولكم نجاة، وأمّا البراءة فلا تتبرَّؤوا منّي"(1) قالها عليّ (عليه السلام) ولا أقولها عن نفسي فــ "أنّي ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة"(2). ضعوا عقولكم في رؤوسكم وضعوا إيمانكم في عقولكم وضعوا مسؤوليّتكم في إيمانكم، وراقبوا الله واتّقوا الله واعرفوا أنّكم مسؤولون عن حماية القيادة الإسلامية العليا المتمثّلة بالإمام الخميني (حفظه الله) وأنّكم مسؤولون عن حماية كلّ قيادة إسلامية مخلصة {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام : 153].
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
27/5/1988
معركتنا مع الاستكبار العالمي
في مواجهة معركة حنين والأحزاب(*)

الاستعمار وسياسة الفتن
نلتقي هذه الأيام بذكريات إسلامية في ما كان يخوضه رسول الله من معارك وحروب لمواجهة التحدّيات التي كان يفرضها الشرك عليه بكلّ ما للشرك من أحقاد وأضغان ضدّ المسلمين، وبكلّ ما يعيشه الشرك من قِيَم شرّيرة في السيطرة على حياة الناس وتضليلهم والبغي عليهم. وفي هذا الشهر شهر شوّال، نقف مع معركة حنين التي حدثت في السادس منه، ومعركة الخندق التي حدثت في العاشر منه، وكلتا المعركتين تعطينا دروساً عملية في طريقة مواجهتنا للتحدّيات وفي طريقة نظرتنا إلى الأمور وتقييمنا لموازين القوّة في حركة التحدّي، لأنّنا عندما نواجه هذه المعارك التي خاضها الإسلام ضدّ الشرك وكان موقفه موقف الدفاع وموقف ردّ التحدّي نجد أنّنا في مرحلتنا الحاضرة كمسلمين في كلّ المواقع في العالم نواجه شركاً عملياً من نوعٍ آخر، وهذا الشرك هو الاستعمار والصهيونية والذين يعملون معهما من أجل أن يسقطوا الإسلام فكراً وحركة، وأن يسقطوا الإسلام جهاداً، وأن يعبثوا في بلاد المسلمين فساداً ويعملوا على إثارة الفتن في داخل كلّ بلد إسلامي من خلال بعض الأوضاع القلقة التي تعيش في هذا الموقع وفي ذلك الموقع من أجل أن تستمرّ حروب المسلمين في ما بينهم وأن يكونوا رحماء على الكفَّار وأشدَّاء بعضهم على بعض، حتّى لا يبقى هناك للمسلمين قوّة ولا يبقى لهم قاعدة يستطيعون أن يواجهوا من خلالها الظلم كلّه والاستعمار كلّه في العالم في أكثر من صعيد ومستوى.
فنراهم في بعض المواقع يشغلون المسلمين بالخلافات الطائفية بين السُنّة والشيعة ليقاتل السنّة والشيعة وليقاتل الشيعة السُنّة، كما يحدث في هذه الأيام في باكستان، ونراهم في كثير من المواقع يثيرون النعرات الإقليمية والعصبيات العرقية حتّى يتصادم المسلمون على أساس إقليمي أو قومي أو على أيّ أساس من الأُسس التي يخضع لها الناس في غرائزهم وفي عصبيّاتهم. وهكذا نجد من خلال الحروب التي خاضها المسلمون في لبنان طيلة هذه الفتنة بعضهم ضدّ بعض، نجد أنّ الأوضاع السياسية القلقة والعصبيّات الحزبية المتخلِّفة والأجهزة المخابراتية التي تتوزَّع الأدوار عندما تنفذ في هذا المجتمع لتعمل لحساب قوى محليّة إقليمية أو دولية فتثير العصبيّات وتنشر الإشاعات وتشوّه الأوضاع وتحرّك الكلمات القاسية وتدعو فئة من الناس في المجتمع لتقهر فئة أخرى ولتصوّر للمجتمع أنّ المشكلة ليست "إسرائيل" بل هي هذا الفريق أو ذاك، وأنَّ المشكلة ليست الاستعمار ولكنّ المشكلة هذا الخصم أو ذاك حتى يضيع الناس ويضلُّوا وينسوا ربّهم وينسوا رسلهم وقرآنهم ووحدتهم الإسلامية والإيمانية لتنطلق المسألة أنّ هذا يريد أن يدافع عن نفسه ضدّ ذاك، وذاك يريد أن يدافع عن نفسه ضدّ هذا، وعند ذلك ما الحصيلة؟ أنّ الأعداء يقهقهون وأنّنا نستنزف دماءنا في الفتنة التي تحاصرنا من كلّ جانب والتي تتحرَّك في كلّ موقع. وكنّا قد حذّرنا مراراً من هذا الجو الذي نعيش فيه إلحاداً سياسياً وشركاً سياسياً وتحدّيات على مستوى العالم الذي يشغله هذا الإسلام الحركي الذي يريد أن يعيش نقاء الإسلام وصفاءه والذي لا يتحرّك في بلاطات أصحاب السيادة والجلالة والسموّ والفخامة، والإسلام الذي لا يكون موظَّفاً في دوائر الاستخبارات الدولية والإقليمية، والإسلام الذي لا يريد أن يكون أداة لظلم الناس وقهرهم.
الوسط السياسي يتحدّث عن الإسلاميين كمشكلة؛ ويعملون على أن يحاصروهم في كلّ المجالات وأن يدفعوهم إلى غير ساحاتهم الحقيقية ويعزلوهم عن ساحاتهم الحقيقيّة لتكون الحريّة كلّها للاستعمار وللصهيونية وللظلم الداخلي ولا يكون للإسلام أيّة حريّة في مواجهة ذلك كلّه، لأنَّ مواجهة الصهيونية في العمق تعتبر تطرُّفاً، ومواجهة الاستعمار في العمق تعتبر إرهاباً، ومواجهة الرجعية العربية وغير العربية في العمق تعتبر تدخُّلاً في الشؤون الداخلية وإثارة للفتنة وللضوضاء. هذه هي الشعارات المطروحة في وجه الذين يريدون أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الشيطان هي السفلى.
في الإعداد الجيد نصرٌ أكيد
في هذا الجوّ وفي المعارك الذي يُراد للمسلمين أن يدخلوها في الصراعات الصغيرة الداخلية لتشغلهم عن الصراعات الكبيرة، نلتقي بمعارك رسول الله وقد قال لنا الله عنه: {... لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب : 21] ونلتقي في كتاب الله وهو يحدّثنا عن معركة حنين التي خاضها رسول الله ضدّ العشائر المشتركة التي أرادت أن تقضي على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وعلى الإسلام كلّه، وانطلق النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى هؤلاء ومعه اثنا عشر ألف رجل، ولكنّ المسلمين واجهوا هذه المعركة باسترخاء لأنّهم كثر، وكانت الكثرة في جانب المسلمين تمثّل نقطة ضعف نفسية لأنّهم لم يعبؤوا لتخطيط العدوّ ولدقّة تحرّكه في المعركة، ولهذا سيطر هؤلاء المشركون على المسلمين في الجولة الأولى وانهزم المسلمون أمامهم وكانوا اثني عشر ألفاً حتّى إِنّ رسول الله بقي وحده في جماعة صغيرة من أصحابه، وهناك مَن كان يريد قتل رسول الله، واندفع البعض يتحدّث إلى المسلمين بطريقة عاطفية حتّى يتجمَّعوا من جديد وعندما عرفوا طبيعة الخطأ الذي ارتكبوه وانتبهوا إليه نصرهم الله بعد ذلك ليعرّفهم أنّ الكثرة لا تعطي نصراً وأنّ المعركة تحتاج إلى حركة وتخطيط وحذر يرصد الساحة كلّها، وإلى ثبات وصبر يركز الأقدام، تحدَّث الله عن معركة حنين {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} في بدر وفي خيبر وفي غيرها {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ*ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا}، هل أنزلهم ليقاتلوا أو أنزلهم ليجعلوا السكينة في قلوبهم؟ المهمّ أنّه أوحى لهم بذلك {وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ*ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التوبة : 25 ـــ 27].
معركة حنين تعطينا فكرة ونحن نواجه كمؤمنين مسلمين ملتزمين في كلّ مكان من مواقع الإسلام وفي كلّ موقع يتحرّك فيه التحدّي عندما يخوِّفوننا بالكثرة ليؤكّدوا أنّ المسلمين في العالم هم القلّة وأنّ الاستعمار والصهيونية والظلم يمثِّلون الكثرة... الله يريد أن يقول إنَّ المسلمين عندما غرَّتهم كثرتهم سقطوا في الهزيمة، لهذا إذا أراد المسلمون أن يخوضوا التحدّيات الكبيرة ضدّ كلّ الذين يريدون أن يسقطوا الإسلام في كلّ رحابته فعليهم أن يعتمدوا على النوعية لا على الكميّة وأن يعتمدوا على التخطيط لا على الفوضى، وعليهم أن يثقوا بالله ولا يثقوا بما هو دون الله مهما كان شأنه لأنَّ الله سبحانه وتعالى يصدق المؤمن بالنصر عندما يصدقه المؤمن بالإخلاص والتقوى في كلّ حياته.
في معركة الخندق برز الإيمان ضد الكفر
أمّا معركة الخندق التي سمّيت معركة الأحزاب لأنّ كلّ المحاور الموجودة في شبه الجزيرة تجمَّعت بكلّ عصبيّاتها من أجل أن تهجم هجمة واحدة على المركز الإسلامي في المدينة لتقضي عليه فلا يبقى للإسلام قائمة، فقد انطلق فيها اليهود إلى قريش وقالوا لهم إنّا نعاونكم على محمد فنحاصره من الجانبين نحن وأنتم، وعقدوا معهم عهداً ونقضوا عهدهم مع رسول الله وتجمَّعت مع قريش كلّ أحلاف قريش، وشعر المسلمون بالحصار وأرادوا أن يأخذوا وقتاً ليستعدّوا فحفروا الخندق بإشارة من سلمان الفارسي واندفعت قريش وأحلافها واليهود وحاصروا المدينة شهراً، وحانت التفاتة من عمرو بن عبد ودّ إلى الخندق فرأى مكاناً ضيّقاً فاندفع مع رهط من أصحابه بشكلٍ مفاجئ وإذا هم أمام أصحاب رسول الله، وبدأ ينادي ويقول: هل من مبارز؟ ولم يردّ عليه أحد، ونادى رسول الله: مَن لهذا وأنا أضمن له على الله الجنّة وقام عليّ (عليه السلام) ولكنَّ الرسول أجلسه، ثمّ يأتي النداء ثانية ولا يقوم غير عليّ (عليه السلام) وفي المرّة الثالثة قام عليّ (عليه السلام) وحده كالعادة، وهكذا قال له أنتَ له واندفع عليّ (عليه السلام) ورسول الله يدعو في سرّه "ربِّ لا تذرني فرداً وأنتَ خيرُ الوارثين"، وقال: "بَرَزَ الإيمان كلّه إلى الشِّرك كلّه"، لأنّ الموقف كان حاسماً؛ فلو انتصر عليّ (عليه السلام) لسقطت كلّ الأحزاب ولو انتصر عمرو لسقط الإسلام، وهكذا اندفع عليّ (عليه السلام) وقال له: يقال عنك إنّه لا يدعوك أحد إلى خصلتين، وفي رواية ثلاث خصال إلاَّ أجبت إحداها، قال: قل قال: أدعوك إلى الإسلام، قال: دع هذا قال له أدعوك إلى أن ترجع بالجيش من حيث أتيت، قال له: إذاً تتحدّث عنّي نساء قريش أنّي جئت بهذا الجيش ورجعت دون أن أنتصر فلن أحتمل حديث قريش. قال له: إذاً انزل إلى القتال لأقاتلك وتقاتلني، قال له: ما دعاني إلى ذلك أحد قبلك وإنّي لا أحبّ أن أقتلك لأنَّ أباك كان صديقاً لي، قال عليّ (عليه السلام): ولكن أحبّ أن أقتلك لا لأنّني أحبّ قتل الناس، ولكن لأنّك عدوّ لله وتريد أن تقف عثرة في طريق رسالة الإسلام، ولذلك ليست المسألة أن يكون أبي صديقاً لك أو لا يكون، إنّ مسألة الله تتقدَّم على كلّ القرابات والصداقات، وإنَّ الله أقرب إليَّ من أبي ومن أصدقائه، وأقرب إليَّ من أصدقائي وعواطفهم، عندما تكون الكلمة لله فلا مجال لأحد. فتجادلا وتصاولا ورد الله كيد عمرو وسقط قتيلاً، وقالها رسول الله: "ضربة عليّ يوم الخندق تعادل عبادة الثَقَلَيْن"(1) وأرسل الله بعد ذلك ريحاً عاتية ودبَّ الرُّعب في قلوبهم وانكفؤوا من حيث جاؤوا.
الله يحدّثنا عن معركة الخندق ليعرِّفنا كيف يمكن أن تزلزل التحدّيات إن لم يكن إيمانهم ثابتاً، وكيف يتحرّك الكافرون في كلّ مكان ليخذلوا المسلمين ويجنّبوهم وليخوِّفونهم وليسقطوا مواقعهم بالتهديد وبإثارة التهاويل هنا وهناك. استمعوا إلى الله كيف يتحدّث لنا ويؤرّخ لنا معركة الخندق والله أصدق من حدَّث بذلك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً*إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا*هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً*وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً*وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً*وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً*وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً*قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً*قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً*قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً*أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} [الأحزاب: 9 ـــ 19] ثمّ بعد ذلك يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب : 21] عندما يثبت رسول الله أثبتوا حيث يثبت، وقفوا حيث يقف، وتأسّوا به {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} [الأحزاب: 22] لقد حدَّثنا الله عن التحدّيات الكبيرة، وقد عشنا بعضها، وقد حدَّثنا الرسول عن ذلك وصدق الله ورسوله، إنَّنا نرى ما حدَّثنا الله ورسوله أمامنا، وما زادهم كلّ هذا الوضع وكلّ هذا الخوف وكلّ هذا الزلزال وكلّ هذا التحدّي، إلاّ إيماناً بالله وتسليماً له في كلّ الموقف، فكيف تعامل معهم الله، يقول سبحانه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 23] المسيرة طويلة والمؤمنون الصادقون يعتبرون أنَّ لهم دوراً في المسيرة. عندما نأخذ العهد من الله وعندما نثق بالله ونستقيم في طريقه فكيف نبدّل من الأحسن إلى الأسوأ، فكيف نبدّل من الله إلى غير الله، وماذا يملك لنا غير الله؟ ثمّ بعد ذلك {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً*وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} [الأحزاب: 24 ـــ 25].

معركة الأحزاب مستمرة
هذه معركة الأحزاب، وفي كلّ جيل للمسلمين معركة أحزاب، وفي كلّ موقع من مواقع المسلمين في العالم معركة أحزاب، فالذي يحدث في إيران معركة أحزاب دولية ومعركة أحزاب إقليمية ومعركة أحزاب سياسية وما إلى ذلك.
عندما انطلقت كلّ التهاويل لتطبق على المؤمنين هنا وهناك قال المؤمنون هذا ما وَعَدَنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله.
القضية هي أن نبقى مع وعد الله لأنّه الحبل الذي نعتصم به. ونحن نريد أن نقول لكلّ الناس الذين يلتزمون عليّاً (عليه السلام) كإمام وكبطل وكعظيم من عظماء الإسلام: لقد كان الإيمان كلّه مجتمعاً في عليّ (عليه السلام) وكان الحقّ كلّه يعيش في عمق شخصيّة عليّ (عليه السلام)، فتعالوا يا من تلتزمون عليّاً (عليه السلام) من موقع الإسلام، لأنَّنا لا نريد أن تلتزم عليّاً (عليه السلام) من موقع الطائفة بعيداً عن الإسلام، أن نتّفق على عليّ (عليه السلام) عندها نتّفق على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، لأنَّ عليّاً (عليه السلام) كان تلميذ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والمسلم الأول، تعالوا إذا اختلفنا على زيد أو على عمرو، تعالوا نتّفق على عليّ (عليه السلام)، على فكره على عقله، على واقعيّته، على قوّته، على انفتاحه على ذات الله، على أخلاقه للإسلام والمسلمين، على جهاده في سبيل الله، على موقفه الصلب الذي لا يهادن ولا يجامل أمام كلمة الله، عليّ (عليه السلام) الذي كان يقول "لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين"(1).
لننطلق في ما نلتقي عليه من أفكار ولنكن معه، وإذا اختلفنا فتعالوا إلى فكر عليّ (عليه السلام) كيف كان يقاوم الباطل وكيف حارَبَ اليهود وكيف كان حاسماً في حرب اليهود.
عليّ (عليه السلام) يمثّل ورقة قويّة في واقع الإنسان في كلّ حركة التحدّي من أجل الله ومن أجل الإيمان بالله، فلماذا لا نلتقي عليه ونتحرّك في هذا المجال مع وحدتنا مع عليّ الإسلام وعليّ القرآن وعليّ الحقّ هل نحتاج أن نقول: {... تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ...} [آل عمران: 64] لأنَّ الله أرادنا أن نقولها لأهل الكتاب، ليقل بعضكم لبعض ذلك، فلماذا لا يقولها المسلمون بعضهم لبعض، ولماذا لا يقولها المسلمون الشيعة؟
ندعو للحوار بين أمل وحزب الله
إنّكم ترون أنّ "إسرائيل" تقصف هذا وتقصف ذاك وتحتلّ بلد هذا وبلد ذاك، وتعمل على إضعاف هذا وإضعاف ذاك... ما الأرباح والمكاسب في أن يكون لك مكتب وأن يكون لذلك مكتب؟ لماذا تقهر أخاك أو يقهرك أخوك؟ لقد قلنا مراراً إنَّ مسألة القهر تمثّل الخوف ومسألة الخوف تزرع العقدة، ومسألة العقدة تفتح الحياة على كلّ ما هو شرّ، لماذا نحمل عقداً في أنفسنا تجاه الآخرين، وأتساءل أين حلاّلو العقد، ولماذا لا نرى إلاّ الذين يعقّدون الأمور أكثر ممّا هي معقّدة؛ كلمة غاضبة هنا وكلمة منفعلة هناك.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "النّاس صنفان؛ إمَّا أخٌ لكَ في الدِّين وإمّا نظيرٌ لكَ في الخَلْق"(1)، الله جعل الساحة للجميع وجعل الحياة تتّسع للجميع، فإذا كنتَ تملك فكراً في الساحة فإنَّ غيرك يملك فكراً أيضاً، وإذا كنتَ لا تريد الآخرين أن يلغوا فكرك فلماذا تريد أن تلغي فكر الآخرين؟ الله قال لنا لا تجادلوا إلاّ بالتي هي أحسن لماذا يتحدّث بعضنا مع بعض وعيوننا يملؤها الحقد؟ لماذا نختار من القاموس أقسى الكلمات الخبيثة، والكلمات الطيّبة كثيرة؟! {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً} [الإسراء : 53]. قتلتنا الأنانية الشخصية والحزبية والقيادية والطائفية، فلماذا نظلّ متمسّكين بها؟ اترك الناس يعرفوا حجمك وليس من الضروري أن تحدِّث الناس عن حجمك... رسول الله ـــ مَن يقترب في العظمة من رسول الله ـــ قال له الله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} فالله لا يريد من محمّد أن يلغي الذين معه؛ بل يريد منه أن يعايش مَن معه قال له: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ...} حتّى لو كان رأيك من الوحي، علِّمهم أن يفكِّروا {... فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ} [آل عمران : 159].
الاقتتال أسقط الكثير من قضايانا
إنَّنا نريد في هذا المجال، بعد كلّ هذه الدماء العزيزة علينا، وبعد كلّ هذا النزف الذي عملنا بكلّ ما عندنا من طاقة على أن يتوقّف، والذي لم ندَّخر جهداً في سبيل أن لا يكون، وعندما حدث لم ندّخر جهداً مع الجميع في سبيل أن يتوقّف، مهما قال القائلون ومهما افترى المفترون ومهما كذب الكاذبون، كنّا للجميع لأنَّ الله أَمَرَنا أن نكون للجميع، ولكن على أساس خطّ الإيمان والإسلام. لقد عملنا على أن يتوقّف النزف، ولكنَّ الساحة التي يعيش فيها الخوف لن يستطيع أحد أن يوقف النزف فيها، كانت الساحة محكومة لكثير من أفكار القهر والخوف ومن أفكار النظرة للمستقبل، والآن حدث ما حدث وقد سقطت كثير من قضايانا السياسية في هذا البلد من خلال هذا الاقتتال، وقد انعكست كثير من الطباع والنظرات على طبيعة الموقف، لا نريد أن ندخل في تقييم المسألة لأنَّنا مشغولون الآن بإطفاء النار وإيقاف النزف وإيقاف الاقتتال، لهذا لا بدّ لنا أن نعمل جميعاً على هذا الأساس، وأن نعمل جميعاً أيضاً على أن نثبّت الأرض الصلبة التي نقف عليها جميعاً، ونبحث عن الأُسس التي تمنعنا من أن نبدأ جولة جديدة في قتالٍ جديد في أوضاع سياسية تريد لنا أن نكون وقوداً للفتنة.
الحوار سبيل الحلّ
لقد قلنا ونكرِّر ما قلناه قبل أشهر؛ إنَّ المسألة تفرض أن يكون هناك حوار بين حزب الله وحركة أمل، لأنّهما يعيشان في بيتٍ واحدة في ساحة واحدة. قد يكون أخ ينتمي إلى الحزب وأخ إلى الحركة، قد يكون الأب ينتمي إلى جهة والابن إلى جهةٍ أخرى، لا يمكن أن تدوم حياة معقولة واقعية إلاّ إذا استطعنا أن نصل إلى قاعدة تضبط العلاقات في ما بينهم ليكون هناك أساس للتعاون وأساس للخلاف ـــ إذا كان هناك خلاف ـــ حتّى لا يتحوّل الخلاف إلى قتال. ونحن عملنا وفتحنا قلوبنا لكلّ الفاعليات وقلنا لهم تعالوا لنوقف هذا النزف ونتحدّث بلغة هادئة لا بلغة انفعالية، ولكن "على مَن تتلو مزاميرك يا داوود"، لقد عملت بكلّ طاقتي في أن أتَّصل بالجميع، ولكن لا أدري ماذا يملكون من ظروف تمنعهم من ذلك، كنّا نقول للنّاس وللقيادات ولكلّ الفاعليات؛ امتنعوا عن الكلمات المتشنِّجة والتي تدعو إلى التعقيد، ولكنَّنا نعيش في السّاحة رصاصاً يتفجَّر، ونعيش في الصحف وفي الخطب كلاماً يتفجَّر، فإذا هدأت الحرب في ساحة القتال انطلقت الحرب في الصحف والبيانات. ماذا يفيدنا الحقد والبغضاء، قد تسجّل نقطة على أخيك ويسجّل أخوك عليك نقطة، ولكن ما قيمة النقاط التي يسجّلها بعضكم على بعض إذا جاءت "إسرائيل" وأخذت كلّ النقاط لحسابها.
مع إيران الإسلام ضدّ الخطر الإسرائيلي
المسألة هي أنّه لا يجوز أن نعقّد القتال ضدّ "إسرائيل" ونسهِّل القتال في ما بيننا. لقد جاءت "إسرائيل" قبل المعركة إلى ميدون(1) وقالت إنّها تحتاج أن تقتلع جذور المقاومة الإسلامية، كانت تعمل لكي لا تكون مقاومة إسلامية، واستشهد أكثر من 18 شهيداً وجرح مَن جرح وفي الإعلام الذي بثّته الإذاعات الأميركية، لا مجرّد إعلام المجاهدين، قتل من "إسرائيل" ما يزيد على العشرين رجلاً... وبعد أن غرقنا في وحول الفتنة جاءت "إسرائيل" لتذكّرنا من جديد بأنَّ المعركة هناك، جاءت لتقول إنّها حطَّمت قواعد المجاهدين في ميدون وأنّها تريد أن تحطِّم قواعد المجاهدين في اللويزة وفي جبل صافي(2) وفي غيرهما من المواقع، وقد سمّت المقاومة الإسلامية بالاسم، ونحن نحترم كلّ أنواع المقاومة، لكن ما معنى ذلك؟ معنى ذلك أنّ "إسرائيل" تعتبر أنَّ المقاومة الإسلامية تمثّل الرقم الصعب في حياتها، لأنّها مقاومة حاسمة، وكما يقول الآخرون، مقاومة متطرِّفة، تملك فكراً وخطّاً وتملك رؤية في المستقبل، جاءت لتحطّم وغرقت في وحول اللويزة. وإذا كان الإعلام يتحدّث عن 25 قتيلاً و25 مفقوداً وما إلى ذلك، فإنَّ المعلومات الدقيقة جداً تقول لم يسقط للمقاومة الإسلامية على الرغم من كلّ شراسة القتال الجوي والبري إلاّ شهيد واحد وخمسة جرحى، وكلّكم يعرف صعوبة تلك المناطق. عندما أعلن عن مقتل 15 أو 16 كان الشباب مفقودين، ولكنّهم عندما رجعوا اكتشفوا أنّه ليس هناك إلاّ شهيد واحد أمام ألف جندي إسرائيلي ولحدي مع كلّ أسلحة الدبابات وأسلحة الطيران. ونحن عندما نريد أن نسجّل للمقاومة الإسلامية بطولتها، فإنَّنا أيضاً نريد أن نسجِّل للمقاومة المؤمنة أيضاً في حركة أمل موقفها الذي انضم إلى موقف المقاومة الإسلامية وانضمّت المقاومة الإسلامية إليه ليتشاركا في الموقف وليقولا إنّ الحرب الحقيقيّة هناك. إنَّ هذا التلاحم بين المجاهدين يؤكّد قضية أساسية وهي أنّ "إسرائيل" هي الخطر. ونقول للذين يتحدّثون عن الجمهورية الإسلامية في إيران بطريقة غير مسؤولة ويحمّلونها مسؤولية ما حصل في السّاحة من قتال، لا تخلطوا الأمور، ليست إيران الخطر، ولكنّ "إسرائيل" هي الخطر، لماذا تتحدّثون عن الجمهورية الإسلامية بهذه اللّغة ولا تتحدّثون عن "إسرائيل" بمثل هذه اللّغة، إنَّ إيران جاءت من موقع مسؤوليّتها لتؤكّد لنا أنّها معنا في قتال "إسرائيل" وقتال الاستعمار وقتال الظلم الداخلي، إنَّ الجمهورية الإسلامية في ما نعلمه من عمق قيادتها ترفض أيّ تقاتل بين الإخوة وتعمل على أن يصل الجميع إلى صيغة يتوحَّدون فيها فلا يبقى هناك أثنية بل يصبح هناك وحدة، ليس لإيران الإسلامية أيّ مطمع في لبنان أو في اللّعبة السياسية التقليدية داخل لبنان إذاً لا تخطئوا وتقولوا من خلال الانفعالات إنَّ معركتنا مع إيران(1). إذا كانت معركتنا مع إيران فما البديل عن الإمام الخميني وعن جهاده وعن إسلامه؟ لقد نادى مؤتمر ما سمّي بعلماء المسلمين في مكّة "أيُّها الشيعة ابرؤوا من الإمام الخميني" فقلنا إذا أردنا أن نبرأ من الإمام فمعنى ذلك أن نبرأ من الإسلام، لأنّه يمثّل الإسلام في نقائه وجهاده، إنَّ بعض الناس يتحدّث عن الإمام الخميني بفعل العصبيّة وبطريقة غير إسلامية، لهذا نقول: عودوا إلى ربّكم وإلى إسلامكم واعرفوا أنّ المسألة خطيرة عندما تكون بهذا الحجم، مَن هم الذين يتحدّثون عن إيران بالطريقة التي تحاول أن تُشوِّه صورتها من أميركا وأوروبا والرجعية العربية و"إسرائيل". مَن يتحدّث عن إيران ليسقط الخطّ السياسي الإسلامي في حركة الإسلام، فإنَّ عليه أن يضمّ كلامه إلى الكلام الذي يثور في السّاحة، إذا أردت أن تعرف نفسك فانظر قلبك فإذا كان قلبك يوالي أولياء الله ويعادي أعداء الله ففيك خير والله يحبّك، وإنْ كان قلبك يعادي أولياء الله ويحبّ أعداء الله فإنّه ليس فيك خير والله لا يحبّك، والمرء مع مَن أحبّ. إنَّنا نعلن... لسنا مع إيران الفارسية ولسنا مع إيران الإيرانية بل إنّنا مع إيران الإسلام، ونحن مع الإمام الخميني بصفته الإنسان الذي يدعو إلى الإسلام كما دعا النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى الإسلام وكما دعا عليّ (عليه السلام) إلى الإسلام، ليست لنا علاقة شخصية مع الإمام الخميني (قدِّس سرّه) بالمعنى الذاتي، وليست لنا علاقة سياسية مع إيران بالمعنى الفئوي؛ ولكن علاقتنا مع الإسلام المقاوم والمجاهد، ومع الإسلام الصافي أينما ذهب وأينما وقف وأينما سكن وأينما يتحرّك، لأنَّ الله أرادنا أن نكون أوّل المسلمين في هذا الاتجاه.
العلاقة الاستراتيجيّة بين إيران وسوريا
وعندما نتحدّث عن ساحة التحدّيات السياسية في المنطقة، فإنّنا نريد أن نقول لبعض الناس الذين يريدون أن يصوِّروا الصورة السياسية في السّاحة على أنّها صراع بين سوريا وإيران، وأنّ القتال بين جماعة إيران وجماعة سوريا، إنّنا نقول لهم لا تلعبوا بهذه اللّعبة و"لا تخيطوا بهذه المسألة" إنَّ مسألة ما بين إيران وسوريا تنطلق من نظرة استراتيجية في محاربة الصهيونية ومحاربة الاستعمار ولاسيّما الاستعمار الأميركي، وفي مواجهة كثير من خطوط الرجعية العربية. وعلى هذا الأساس، فإنَّنا عندما نواجه المسألة ونسمع أيضاً من القيادة العليا في سوريا أن لا يلعب أحد بعلاقتنا الاستراتيجية مع إيران، قد نختلف معهم في شيء ويختلفون معنا، قد ننظر إلى شيء وينظرون معنا بذلك، لكنَّ استراتيجيّتنا في القضايا المصيرية واحدة، لهذا فإنَّنا في الوقت الذي نتحرّك فيه في الخطوط الإسلامية التي تتحرّك فيها الجمهورية الإسلامية ويتحرّك فيها كلّ العاملين للإسلام في العالم، نشعر بأنّنا في القضايا الاستراتيجية نلتقي مع سوريا الأسد في ما يطرحه وفي ما يحرّكه من هذه القضايا. ونريد أن نقول في هذا المجال إنَّ الرئيسين السيّد خامنئي(1) والرئيس الأسد انطلقا من أجل أن يتعاونا ولكلٍّ منهما ممثّل في سبيل إيقاف هذا النزف، ونحن اعتبرنا ذلك ضمانة ما دام الوفاق على المسألة موجوداً. لهذا، نحن في هذه المرحلة نريد من كلّ أهلنا وكلّ إخواننا أن يتعاونوا من أجل إنجاح الخطّة ومن أجل إيجاد خطّ أمني متوازن يكون للجميع ولا يكون لفريق دون الآخر، وأن ينطلق ليجمع الجميع على قاعدة واحدة حتى لا يعود هناك قتال. في هذا الإطار الذي أعلن، ندعو كلّ الفرقاء في المنطقة الإسلامية إلى أن يلتقوا حتّى يستطيعوا أن يدرسوا طبيعة كل ما تختزنه الاستحقاقات الأساسية في هذا البلد، ونحن عندما نريد أن نثير المسألة، نشعر بأنَّ على الجميع أن يتعاونوا في سبيل إيجاد القواعد التي تحفظ للمسلمين قوّتهم وعزّتهم وكرامتهم، ونحن لا نريدها على حساب الآخرين، لكنّنا لا نريد أن نكون ضعفاء في هذا المجال.
الحرائق المتنقّلة على الساحة اللبنانية
هذه الحروب تضعف الموقف كلّه، ونحن لا بدّ من أن نكون واعين لكلّ أوضاع اللّعبة المعقّدة المخابراتية التي تتحرّك في الساحة اللبنانية في مسألة انتخابات رئاسة الجمهورية وفي ما بعد انتخابات رئاسة الجمهورية، لأنَّ هذه الرئاسة لن تكون رئاسة حلّ ولكنّها قد تكون رئاسة حلحلة، أو قد لا تكون كذلك أيضاً، لهذا لا بدّ من أن نواجه المسألة بوعي، لأنَّ هناك في داخل الواقع الذي يعيش في الساحة السياسية في لبنان حرائق جديدة متحرّكة لا ندري أين تكون، لم نكن ننتظر الحرائق عندنا وإذا بنا نفاجأ بها ونرى أنّ المؤامرة أكبر منّا، ولا ندري أين يكون الحريق الثاني والثالث.. لأنَّ المسألة اللبنانية والإقليمية لا يمكن أن تنضج إلاّ على وقود الإنسان في لبنان الذي توافق الجميع على أن يكون الحطب لكلّ طبخاتهم.
هناك قمّة كبرى تنعقد يوم الأحد في الجزائر، يضعون خريطة العالم أمامهم، ثمّ يحرِّكون النقاط كما يشاؤون، ماذا يقرِّرون في ما يسمّى بأزمة الشرق الأوسط، ولبنان ملحق أساس في مسألة الشرق الأوسط، ثمّ ماذا يقرِّر العرب "الأكارم" في قمّة الجزائر في السابع من حزيران، كيف يتصرَّفون أو ماذا يتحدّثون، هل يدعمون الانتفاضة أم يقتلونها أم يدجّنونها؟ ماذا يتحدّثون عن الواقع هنا في جبل عامل أو هنا في لبنان؟ لا بدّ من الوعي أمام كلّ هذا الواقع الذي ننتظره ولا ننتظر منه خيراً سواء في القمة الأميركية الروسية أو القمّة العربية في الجزائر، لأنَّ تاريخ القمم السابقة لم يُعْطِنا شيئاً.
ولا بدّ لنا من أن نحدِّق بالخطوات الإسرائيلية التي دخلت على الخطّ اللبناني السياسي والتي يمكن أن تحرّك آلاتها العسكرية بطريقةٍ وبأخرى في أجواء الانتخابات الأميركية التي تعطيها مزيداً من الحريّة لتلعب في لبنان أكثر من ورقة.
لهذا، لن نستطيع أن ننام على حرير، لأنَّ الفراش الذي ننام عليه الآن مملوء بكلّ المسامير الحادّة. علينا أن نتعلَّم كيف نصلّب أجسادنا حتى لا تخرقها المسامير، وعلينا أن نتعلّم كيف نثبّت إيماننا حتّى لا تهزّه الفتن، وعلينا أن نتعلّم كيف نحدِّد أصدقاءنا وأعداءنا حتى لا تنطلق الرؤية الضبابيّة لتجعل العدوّ صديقاً عندنا والصديق عدوّاً. كونوا الواعين على أكثر من مستوى، وانتفعوا من دروسكم، انطلقوا إلى الله من جديد لتشعروا أنَّ الله الرحيم يريد منكم أن تكونوا رحماء، وانطلقوا مع الله القويّ لتعرفوا أنّ الله القويّ يريدكم أن تكونوا الأقوياء، وانطلقوا مع الله العادل لتعلموا أنّ الله العادل يريدكم أن تكونوا العادلين حتّى مع أعدائكم، كونوا الواعين الذين لا ينظرون إلى السطح بل ينظرون إلى العمق، كونوا المنفتحين الذين ينظرون في الآفاق الكبيرة ولا يعيشون في الآفاق الصغيرة.
أيُّها الإخوة، إنّ الله خلق عقولكم في رؤوسكم ولم يخلقها في آذانكم، فلا تجعلوا عقولكم في آذانكم وتجعلوا آذانكم في رؤوسكم، لهذا حاذروا من كلّ كلمة تسمعونها، حاذروا من كلّ ما يقال لأنَّ المخابرات التي تتلوَّن بألف لون تريد أن تهزّ الثقة في نفوسكم بالذين يمثّلون عمق الثقة في حياتكم، ولأنّها تريد أن تربطكم بالذين تاجروا بدمائكم، لهذا كلّ ما أريده منكم ما يريده الله منكم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات : 6]، {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء : 36] كما قلت لكم سابقاً؛ تجلسون في سهراتكم وتتّهمون وتحكمون، وتنطلقون في تظاهراتكم وتهتفون وتتكلَّمون، وتعيشون في كواليسكم وتتحدّثون وتستأنسون، لقد أسقطنا فلاناً ورفعنا فلاناً، ولكن كيف تجلسون في قبوركم إذا سُئلتم عن كلماتكم، فبماذا تجيبون؟ كيف تقفون بين يديّ ربكّم عند من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟ فكِّروا جيداً عندما يُراد لكم أن تتحدّثوا عن القيادة الإسلامية العليا بطريقة غير صحيحة وعن القيادات الإسلامية المخلصة بطريقة غير مسؤولة.
مستعد للاستماع إلى نقدكم وملاحظاتكم
فكِّروا واعرفوا أيُّها الإخوة، إذا كان هناك مَن يتحدّث بكلمات غير مسؤولة فقد قلتها لكم وأقولها، إنّها ليست مشكلتي أن يتكلّم الناس بل مشكلتي أن يفهم الناس، ليست مشكلتي أن يتّهمني الناس بذلك بل مشكلتي أن يتّقي الناس الله بكلّ ما عندهم، وأقولها من موقع المسؤولية: ما زلت معكم منذ 22 سنة من النبعة إلى الجنوب إلى الضاحية، وقد عرفتم أنّي أطلب من الناس أن ينقدوني لأنّي أعتبر أنّ مسؤوليتي هي أن أسمع كلام الناس عنّي لِأُصَحِّح ما فَسَدَ منّي أو ما ليس صحيحاً، لأنّي لست بمعصوم كما أنّ الآخرين ليسوا بمعصومين، لقد عوّدتكم أن أتحدّث لكم عن خصوصيّاتي وأجيب عن كلّ سؤال، وإنّي أقول لكلّ الناس بكلّ محبّة حتى أقيم الحجّة عليهم لتتكامل الثقة في الساحة الإسلامية، مَن كان عنده نقد فإنّي مستعد لأنْ أسمعه، ومَن كان عنده ملاحظة فليأتِ إليّ لأستمع إليه وأنتفع بملاحظاته، ليست مشكلتي ما يقولون، ولكنّ مشكلتي أن أبقى معكم لنتعاون على السير في الصراط المستقيم، وقد قال الإمام عليّ (عليه السلام)، ونحن تراب أقدام عليّ (عليه السلام)، "ألاَ إنّكم ستُدْعَوْن إلى سَبِّي والبراءة منّي، فأمّا السبّ فسبُّوني فإنّه لي زكاة ولكم نجاة، وأمّا البراءة فلا تتبرَّؤوا منّي"(1) قالها عليّ (عليه السلام) ولا أقولها عن نفسي فــ "أنّي ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة"(2). ضعوا عقولكم في رؤوسكم وضعوا إيمانكم في عقولكم وضعوا مسؤوليّتكم في إيمانكم، وراقبوا الله واتّقوا الله واعرفوا أنّكم مسؤولون عن حماية القيادة الإسلامية العليا المتمثّلة بالإمام الخميني (حفظه الله) وأنّكم مسؤولون عن حماية كلّ قيادة إسلامية مخلصة {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام : 153].
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
27/5/1988
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية