إنّ أخلاقيات المؤمن تحتّم عليه أن يستشعر الضعف والتواضع بين يدي الله تعالى، مهما بلغ من قوة مادية أو معنوية، فهو يستعمل هذه القوة بما ينفع البلاد والعباد، لأن الانحراف عن خطّ الله والتزام حدوده، يؤدّي بالإنسان الضالّ إلى ممارسة الظلم والبغي على الآخرين، دونما اكتراث لحسابات الله، حيث تكون قوّته سبباً لضلاله وانتشار فساده، متجاهلا أن القوة لله ومن الله.
ولا ينسى المؤمن أنّ رحمة الله تسعه، بما تمنعه من الوقوع في الظّلم والضّلال، ما دام سالكاً سبيل هداية الله له، ومتمسّكاً بتعاليمه، طالباً الرزق الحلال من الله وحده، مؤمناً بما أعده الله له من الرزق، وأن هذا الرزق في حال الحصول عليه، لن يكون إلا في خدمة عيال الله، وليس سبباً للتكبر عليهم والعدوان على حقوقهم.
يقول الإمام زين العابدين(ع) في دعاء له:
"اللّهُمَّ صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وَلا أُظْلَمَنَّ وأنْتَ مُطِيقٌ للدّفْعِ عنّي، ولا أظلِمَنَّ وأنْتَ القادِرُ علَى القبْضِ منّي، ولا أضِلَنَّ وقدْ أمْكَنَتْكَ هِدَايَتي، ولا أفْتَقِرَنَّ ومِنْ عنْدِكَ وُسْعي، ولا أطْغَيَنَّ ومِنْ عِنْدِكَ وُجْدِي".
وحول هذه الفقرة من الدّعاء، يقول العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض):
"يا ربّ، منك القوّة، وبك الاستعانة، ومنك المددُ، وأنت المهيمن على الوجود كلّه، والقادر على تغيير الأمور من حالٍ إلى حال، والقاهر لعبادك في ما يتحركون به من طاقاتهم، وما يفيضون به من خطواتهم، وما ينطلقون به من أعمالهم وأقوالهم وعلاقاتهم ومواقفهم، وما يعيشون فيه من فقرهم وغناهم، وتوازنهم وطغيانهم، وظلمهم وعدلهم وكلّ أوضاعهم، فأنت الذي تملك من نفسي ما لا أملكه منها، وتملك من النّاس من حولي ما لا يملكونه من أنفسهم، وتسيطر على الأشياء بقدرتك الّتي تتصرّف فيها بحكمة تقديرك، ودقّة تدبيرك. اللّهمّ إني أتوسّل إليك أن تقبض على يدي التي تمتدّ إلى الناس بالعدوان، وأن تقمع إرادتي التي تتحرّك نحو الضّغط على إرادة الآخرين...
اللّهم اجعلني ممن يرفض الظلم من نفسه ضدّ الناس، كما يرفض الظّلم من الناس ضدّه، من خلال رفض المبدأ من حيث الأساس، لأكون الإنسان الّذي يؤمن بالعدل في كلّ مواقعه في حياته وحياة الآخرين...
اللّهمّ، إن نفسي معرضةٌ للضلال في غرائزها الكامنة في داخلها، وفي أفكارها التائهة في آفاقها، ونوازعها القلقة في أحلامها، ومطامعها المتحركة في حاجاتها، وخطواتها الحائرة في دروبها، وأوضاعها الخاضعة لظروفها، وعلاقاتها الضّعيفة أمام مشاعرها ونقاط ضعفها أمام قوّة الشيطان وحركته، وقد يضغط عليّ ذلك كلّه لإبعادي عن خطّ الهداية في دروب الحقّ، فلا أملك الكثير من الفرص الغنيّة للسيطرة على غرائزي ونقاط ضعفي الفكرية والعملية، فاهدني اللهم إلى الحق في العقيدة والشريعة والخط والمنهج...
يا رب، قد تضيق بي أبواب الرزق، فيشتد بي الحال، وأسقط في هاوية الفقر، وربما تبلغ بي الأمور حدّ اليأس من خلال طبيعتها القاسية، ولكن إذا كانت الجدة منك، والغنى من رزقك، فإني أتطلّع إليك أن تزيل عني كلّ أشباح الفقر وتهاويله، لأن لديك الغنى كله، والرزق كله، فكيف أفتقر بين يديك؟!
... أعود لأكتشف أنّ كلّ ما عندي هو من فيض جودك، ومن فضل رزقك، ومن لطف عنايتك، فكيف أشعر بالاستغناء عنك، وأنا أعيش كل الفقر إليك، فلا أملك شيئاً من الغنى إلا بك، ولا أعيش الكفاية إلا منك، فأبعدني ـ يا ربّ ـ عن الطغيان، بإلهامي ذكرك وذكر نعمك في كلّ حالاتي". [كتاب آفاق الروح، ص 403- 405].
إنّ التوجه الحقيقيّ إلى الله تعالى، لا بدَّ وأن يلازمنا في طلب التّسديد منه، وعدم انتهاج طريق الظلم والفساد، بل العدل مع النفس والنّاس، والسعي في الحياة بما ينسجم مع تعاليمه سبحانه، والطاعة والإخلاص له تعالى بما ينفعنا في الدّنيا والآخرة .
إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.