إلى من تشكو همّك وضرّك؟

إلى من تشكو همّك وضرّك؟

لا شيء في الحياة يعادل أن يحافظ الإنسان على عزّته وكرامته وعنفوانه أمام الآخرين، فهو بذلك يحفظ مكانته بينهم، ويفرض احترامه عليهم، ويحمي نفسه من التّعرّض للذّلّ أمامهم، ويسير في الحياة مرفوع الرّأس، شامخ الهامة.

وأكثر ما يمكن أن يجعل الإنسانَ معرّضًا ليخسر هذا الاحترام عند الآخرين، أو على الأقلّ، يجعله يفقد بعضاً من بريقِ الاحترامِ والتَّقدير، عندما يكشف أمامهم ما به من ضرّ، وما يعانيه من فقر وسوء وعوز، لأنّه بذلك يظهر بمظهر المحتاج إليهم، فيهدر شيئًا من ماء وجهه، ويفقد بعضًا من عنفوانه وعزّة نفسه.

ومن هنا، كانت كلمة الإمام عليّ(ع): "رضي بالذّلِّ من كشف ضرَّه لغيره"[1].

والضّرّ ـ لغةً ـ ما كان من سوءِ حال أَو فقر أَو شدِّة في بدن. وقد وردت هذه المفردة على لسان النّبيّ أيّوب(ع)، الّذي لجأ إلى الله تعالى وحده، وأبى أن يلجأ إلى أيٍّ من عباده، على الرّغم من كلّ المعاناة الّتي عاناها، والّتي وصلت إلى حدّ لا يحتمل: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[الأنبياء: 83].

وحتّى إن لم يكن الذّلّ في حال اللّجوء إلى الآخر حتميّاً، إلّا أنَّ مجرَّد الشّكوى لإنسانٍ آخر، يعني أنّه يعرّض نفسه لما يمكن أن يؤدِّي بها إلى الهوان، لأنّه يجعل الآخر ينظر إليه نظرة فيها شفقة أو تعال أو نفور أو استياء أو تحكّم، ويجعله في موقع المتسوّل تعاطفًا أو مساعدةً، والله يقول: {وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: 8].

هل يعني ذلك أن نمتنع عن طلب حاجاتنا من الآخرين، والإنسان لا يستغني عن مثل ذلك في حياته؟

إنَّ على الإنسان أن يسعى قدر استطاعته ليكون مكتفيًا يؤمّن حاجاته بنفسه، أمّا إذا اضطرّ لطلب الحاجة من الآخرين، فليكن ذلك وفقًا لما ورد في الحديث النّبويّ الشّريف: "اطلبوا الحوائج بعزّة الأنفس"[2]، وما ورد عن الإمام عليّ(ع) أيضاً: "ماء وجهك جامد يقطره السّؤال، فانظر عند من تقطره"[3]. وليكن الطّلب، قدر الإمكان، ممّن يتّقي الله ويخافه، حتّى لا يكون قضاء الحاجة بثمنٍ كبير، هو إهدار ماء العزّة والكرامة، وخسران الذّات واحترامها، وحتّى لا يتحوَّل الإنسان إلى أسيرٍ لهذه الحاجة، ومقيّد بها وبآثارها.

ومن المهمّ أيضًا، في المقابل، أن لا نسيء إلى من تدفعه ظروف الحياة إلى أن يكون محتاجًا إلينا، وأن لا نجعله يشعر بأيّ ذلّ أو سوء، وأن نحافظ على كبريائه وكرامته وإنسانيَّته، لأن لا أحد منّا يدري متى يحتاج إلى الآخرين، ويقف الموقف ذاته أمامهم.

إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.


[1] شرح أصول الكافي، المازندراني، ج9، ص3.

[2]  كنز العمال، المتقي الهندي، ج6، ص 518.

[3] نهج البلاغة، ج4، ص81.

لا شيء في الحياة يعادل أن يحافظ الإنسان على عزّته وكرامته وعنفوانه أمام الآخرين، فهو بذلك يحفظ مكانته بينهم، ويفرض احترامه عليهم، ويحمي نفسه من التّعرّض للذّلّ أمامهم، ويسير في الحياة مرفوع الرّأس، شامخ الهامة.

وأكثر ما يمكن أن يجعل الإنسانَ معرّضًا ليخسر هذا الاحترام عند الآخرين، أو على الأقلّ، يجعله يفقد بعضاً من بريقِ الاحترامِ والتَّقدير، عندما يكشف أمامهم ما به من ضرّ، وما يعانيه من فقر وسوء وعوز، لأنّه بذلك يظهر بمظهر المحتاج إليهم، فيهدر شيئًا من ماء وجهه، ويفقد بعضًا من عنفوانه وعزّة نفسه.

ومن هنا، كانت كلمة الإمام عليّ(ع): "رضي بالذّلِّ من كشف ضرَّه لغيره"[1].

والضّرّ ـ لغةً ـ ما كان من سوءِ حال أَو فقر أَو شدِّة في بدن. وقد وردت هذه المفردة على لسان النّبيّ أيّوب(ع)، الّذي لجأ إلى الله تعالى وحده، وأبى أن يلجأ إلى أيٍّ من عباده، على الرّغم من كلّ المعاناة الّتي عاناها، والّتي وصلت إلى حدّ لا يحتمل: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[الأنبياء: 83].

وحتّى إن لم يكن الذّلّ في حال اللّجوء إلى الآخر حتميّاً، إلّا أنَّ مجرَّد الشّكوى لإنسانٍ آخر، يعني أنّه يعرّض نفسه لما يمكن أن يؤدِّي بها إلى الهوان، لأنّه يجعل الآخر ينظر إليه نظرة فيها شفقة أو تعال أو نفور أو استياء أو تحكّم، ويجعله في موقع المتسوّل تعاطفًا أو مساعدةً، والله يقول: {وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: 8].

هل يعني ذلك أن نمتنع عن طلب حاجاتنا من الآخرين، والإنسان لا يستغني عن مثل ذلك في حياته؟

إنَّ على الإنسان أن يسعى قدر استطاعته ليكون مكتفيًا يؤمّن حاجاته بنفسه، أمّا إذا اضطرّ لطلب الحاجة من الآخرين، فليكن ذلك وفقًا لما ورد في الحديث النّبويّ الشّريف: "اطلبوا الحوائج بعزّة الأنفس"[2]، وما ورد عن الإمام عليّ(ع) أيضاً: "ماء وجهك جامد يقطره السّؤال، فانظر عند من تقطره"[3]. وليكن الطّلب، قدر الإمكان، ممّن يتّقي الله ويخافه، حتّى لا يكون قضاء الحاجة بثمنٍ كبير، هو إهدار ماء العزّة والكرامة، وخسران الذّات واحترامها، وحتّى لا يتحوَّل الإنسان إلى أسيرٍ لهذه الحاجة، ومقيّد بها وبآثارها.

ومن المهمّ أيضًا، في المقابل، أن لا نسيء إلى من تدفعه ظروف الحياة إلى أن يكون محتاجًا إلينا، وأن لا نجعله يشعر بأيّ ذلّ أو سوء، وأن نحافظ على كبريائه وكرامته وإنسانيَّته، لأن لا أحد منّا يدري متى يحتاج إلى الآخرين، ويقف الموقف ذاته أمامهم.

إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.


[1] شرح أصول الكافي، المازندراني، ج9، ص3.

[2]  كنز العمال، المتقي الهندي، ج6، ص 518.

[3] نهج البلاغة، ج4، ص81.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية