[في دعاء من أدعية الإمام زين العابدين (ع) إذا استقالَ من ذنوبه، أو تضرَّعَ في
طلبِ العفو عن عيوبه:]
"اللّهُمَّ يَا مَنْ بِرَحْمَتِهِ يَسْتَغِيثُ المُذْنِبُونَ، وَيَا مَنْ إلَى
ذِكْرِ إحْسَانِهِ يَفْزَعٌ المُضْطُّرونَ، وَيَا مَنْ لِخِيفتِهِ يَنْتَحِبُ
الخَاطِئُونَ.
يَا أُنْسَ كُلِّ مُسْتَوْحِشٍ غَرِيبٍ، وَيَا فَرَجَ كُلِّ مَكْرُوبٍ كَئِيبٍ،
وَيَا غَوْثَ كُلِّ مَخْذُولٍ فَرِيدٍ، وَيَا عَضُدَ كُلِّ مُحْتاجٍ طَرِيدٍ".
للذّنب ـ يا إلهي ـ في حياتنا الشعوريّة معنى الرّعب، في صورة المصير الهائل الذي
يجرّنا إليه، الأمر الّذي يبعث الصّراخ في أعماقنا بما يشبه الاستغاثة التي نطلقها
إليك في قناعة عميقة أنّ رحمتك وحدها هي التي تستجيب لاستغاثتنا.
وللخوف منك في أجواء خطايانا لون الدّمع الذي تنتحب العين في كلّ قطرة من قطراته،
من خلال الهول الكبير الذي يوحي به الخوف، ليكون النّحيب هو اللّوعة التي نستدّر
بها عطفك.
وللاضطرار الذي تهتزّ أمامه كلّ قضايانا، وتحاصرنا فيه كلّ مشاكلنا، سرّ اليقظة
التي نتذكّر فيها ـ في ضغط الوعي ـ معنى إحسانك لعبادك في ساعات الشدّة، حيث تجيب
للمضطرّ دعاه، وتكشف عنه السوء، بكلّ لطفٍ ويسر، فنفزع إليك من خلاله، عندما نفزع
إليه في وعي الذّكر.
إننا قد نحسّ ـ يا إلهي ـ بالوحشة والغربة، في وحدتنا القاتلة في ظلام خطايانا
الّذي يرهق نفوسنا.
وقد تطبق علينا الكآبة من خلال الكرب النفسي الذي يجتاح المشاعر، فيجعلنا نعيش في
حالة من الشّرود الكئيب.
وقد نتعرّض للخذلان، أمام كلّ حالات التحدّي التي تواجهنا في الداخل والخارج، فلا
نجد هناك من ينصرنا، فترعبنا الوحدة في ساحة الصّراع المرير.
وقد نواجه الحاجة المتنوّعة التي نلتقي فيها بالرّفض من كلّ الناس من حولنا،
فيطردوننا من مجتمعهم، ويتعسّفون في إبعادنا من مكانٍ إلى مكان، فكيف يكون الموقف؟
هل نستسلم للوحشة ونسمح للغربة بأن تُرهق حياتنا، لأنّ الناس من حولنا يرفضون أن
يرفعوا عنّا الإحساس بالوحشة والغربة؟... هل نعيش الكآبة التي تحوّلنا إلى حالةٍ
إنسانيةٍ مشلولةٍ تجترّ آلامها بهدوء؟... أو نستسلم للكرب الذي يثقل عمرنا بالحزن؟..
وهل نسقط أمام الخذلان عندما نبرز للتحدّيات وحدنا؟... وهل نقبل أن نكون المطرودين
من موقع حاجاتنا المرفوضة؟... ليس الناس كلّ شيء، بل إنهم ليسوا شيئاً أمام عظمتك ـ
يا ربّ ـ .
بك ـ يا إلهي ـ يأنس المستوحشون، ويعيش الغرباء الفرج الكبير باللّقاء بك، حيث
يجدون لديك الوطن المنفتح على السرور.
بك ـ يا ربّ ـ يجد المكروب فرجه، فتزول كآبته عندما يتطلع ـ في لحظات الفرج الكبير
ـ إلى آفاق الشّروق الذي يملأ النفس غبطةً وفرحاً.
وأنت الناصر للضعفاء في دعوتك لهم، وإعادتهم إلى مواقعهم في موضع القوّة، فعندك يجد
المخذولون النصرة، فلا يشعرون بالوحدة أمام خذلان الناس لهم.
وأنت الذي تقضي لكلّ إنسان حاجته، وتؤمّن له مأواه، فتأخذ بعضده، فلا يملك الآخرون
أن يضطهدوه أو يطردوه.
هذا أنت ـ يا ربّ ـ في موقع الرّجاء الكبير، فما معنى اليأس؟...
*من كتاب "آفاق الرّوح"، ج 1.