الدّعوة إلى الإخلاص

الدّعوة إلى الإخلاص

اعلم أنَّ مالك الملوك الحقيقيّ ووليّ النّعمة الواقعيّ، الذي تفضّل علينا بكلّ هذه الكرامات، وهيّأ لنا كلّ هذه النعم، قبل المجيء إلى هذا العالم، ومن الغذاء الطيّب ذي الموادّ النافعة المناسبة لمعدتنا الضّعيفة، ومن المربي الخادم بلا منَّة، بل بفعل الحبّ الفطري الذّاتيّ، وهيّأ لنا البيئة والهواء المناسبين وباقي النّعم العظيمة الظّاهرة والباطنة، كما أعدّ لنا الكثير في العالم الآخر وفي البرزخ قبل ذهابنا إلى هناك، قد طلب منا هذا المتفضّل قائلاً:

«أخلص قلبك لي أو لأجل كرامتي، كي تحصل أنت على النّتيجة، وتحصل أنت على الفائدة». ومع ذلك، لا يلقى منّا أذناً صاغية، بل يرى التمرّد عليه، والسير على خلاف رضاه، فأيّ ظلم عظيم نكون قد اجترحناه بذلك؟! وأيّ مالك الملوك نحارب؟! ونتيجة لذلك كلّه، تكون وبالاً علينا نحن، أمَّا الله تعالى، فلا يصاب سلطانه بضرر، ولا ينقص من ملكه شيء، ولا نخرج من سلطنته وسلطته، حتى إذا كنا مشركين، لأنه ألحقنا الضّرر بأنفسنا، {فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، فهو غنيّ عن عبادتنا وإخلاصنا وعبوديّتنا، ولا يؤثّر تمرّدنا وشركنا وابتعادنا عنه شيئاً في مملكته، وحيث إنّه أرحم الراحمين، فقد اقتضت رحمته الواسعة وحكمته البالغة، أن يعرض لنا طريق الهداية وسبيل الخير والشرّ والحسن والقبح، ويدلّنا على زلات طريق الإنسانية، ومزالق طريق السعادة، ولله تعالى في هذه الهداية والإرشاد، بل في هذه العبادات والإخلاص والعبودية، له علينا منن عظيمة وجسيمة، بحيث لا يمكن أن نفهمها ما لم تنفتح عين البصيرة التي ترى الواقع، ومادمنا في هذا العالم الضيّق والمظلم، وفي ظلام الطبيعة، ومادمنا مقيَّدين بسلاسل الزّمان، والسّجن المظلم للمكان الممتدّ، فإنّا لا ندرك منن الله العظيمة علينا، ونتصوّر أنّ نعم الله علينا تتلخّص في هذا الإخلاص وهذه العبادة، وفي ذلك الإرشاد وتلك الهداية فحسب.

لا تتوهّم أبداً أن لنا المنّة على الأنبياء العظام والأولياء الكرام، أو على علماء الأمّة، وهم الأدلّاء إلى سعادتنا ونجاتنا، والّذين أنقذونا من الجهل والظّلمة والشقاء، ودعونا إلى عالم النّور والسّرور والبهجة والعظمة، والّذين تحمّلوا ولازالوا يتحمّلون كلّ هذه المشاقّ والمصاعب من أجل تربيتنا وإنقاذنا من تلك الظّلمات التي تلازم الاعتقادات الباطلة، والجهل المركَّب بكلّ أشكاله، ومن أنواع الضّغوطات والعذاب الّذي هو صورة الملكات والأخلاق الرذيلة، ومن تلك الصور الموحشة والمرعبة الّتي هي ملكوت أعمالنا وأفعالنا القبيحة ـ وكذلك ـ لأجل إيصالنا إلى تلك الأنوار وأنواع البهجة والسّرور والراحة والأنس والنعيم، ونحن المساكين كالأطفال، المتمرّدين على حكم العقلاء، بل المخطئين لهم، قد واجهناهم دائماً بالعناد والمحاربة والانفصال، ولكنّ تلك النفوس الزكية والأرواح الطيبة الطاهرة ـ الأنبياء ـ بما يكون لديهم من الرّأفة والرّحمة بعباد الله، لم يقصروا أبداً في دعوتهم، على الرّغم من جهلنا وعنادنا، وساقونا نحو الجنّة والسعادة بكلّ ما يملكون من القوّة وأساليب الدعوة، دون أن يريدوا منا جزاءً ولا شكوراً.

وحتى عندما يحدِّد الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم) أجره بـ «المودّة في القربى»، فإنّ صورة هذه المودّة في العالم الآخر، قد تكون بالنسبة إلينا أعظم الصور نوراً وعطاءً. وهذا هو أيضاً من أجلنا نحن، ومن أجل وصولنا إلى السّعادة والرّحمة. إذاً، فأجر الرسالة عائد إلينا أيضاً، ونحن الذين ننتفع به، فأيّة منّة لنا نحن المساكين عليهم؟!... وأيّة فائدة تعود عليهم ـ سلام الله عليهم ـ من إخلاصنا لهم وتعلّقنا بهم؟! أية منّة لكم ولنا على علماء الأمّة؟ بدءاً من ذلك العالم الذي يوضح ويبيّن لنا الأحكام الشرعيّة، إلى النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإلى ذات الله المقدَّسة جلّ جلاله، فإنّ لكلّ منهم حسب درجته ومقامه من حيث إرشادهم لنا إلى طريق الهداية، منناً لا نستطيع مكافأتهم عليها في هذا العالم، فهذا العالم لا يليق بجزائهم «... فلله ولرسوله ولأوليائه المنة»، وكما يقول تعالى: {... قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

إذاً، فإن كنّا صادقين في ادّعاء الإيمان، فللّه المنّة علينا في هذا الإيمان نفسه. فالله بصير وعالم بالغيب، وهو يعلم ماهية صور أعمالنا، وكيفيَّة صورة إيماننا وإسلامنا في عالم الغيب.

أمَّا نحن المساكين، حيث لا نعرف الحقيقة، فإنّنا نتعلّم العلم من العالم ونمنّ عليه، ونصلّي جماعةً مع العالم ونمنّ عليه، مع أنّ لهم المنّة علينا ونحن لا نعلم.

بل وإنّ هذه المنّة التي نمنّ بها عليهم، هي التي تحبط أعمالنا وتجرّها إلى «سجّين»، وتذروها في الهواء لكي تفنى وتذهب.

وأنت أيّها المسكين العابد للنفس، والذي تركت الشيطان والجهل يتصرّفان في قلبك، ومنعت يد الحقّ أن تتصرّف في قلبك، أيّ إيمان لديك حتى تكون محلاً لتجلّي الحقّ والسلطة المطلقة؟

فاعلم إذاً، أنّك مادمت على هذه الحال، ومادامت رذيلة الغرور موجودة فيك، فأنت كافر بالله، ومحسوب من زمرة المنافقين، رغم زعمك بأنّك مسلم ومؤمن بالله.

أيّها العزيز! استيقظ وانتبه وافتح أذنيك، وحرّم نوم الغفلة على عينيك، واعلم أنّ الله خلقك لنفسه، كما يقول في الحديث القدسيّ: «يابن آدم، خلقت الأشياء لأجلك، وخلقتك لأجلي».

*من كتاب "الأربعون حديثًا".

اعلم أنَّ مالك الملوك الحقيقيّ ووليّ النّعمة الواقعيّ، الذي تفضّل علينا بكلّ هذه الكرامات، وهيّأ لنا كلّ هذه النعم، قبل المجيء إلى هذا العالم، ومن الغذاء الطيّب ذي الموادّ النافعة المناسبة لمعدتنا الضّعيفة، ومن المربي الخادم بلا منَّة، بل بفعل الحبّ الفطري الذّاتيّ، وهيّأ لنا البيئة والهواء المناسبين وباقي النّعم العظيمة الظّاهرة والباطنة، كما أعدّ لنا الكثير في العالم الآخر وفي البرزخ قبل ذهابنا إلى هناك، قد طلب منا هذا المتفضّل قائلاً:

«أخلص قلبك لي أو لأجل كرامتي، كي تحصل أنت على النّتيجة، وتحصل أنت على الفائدة». ومع ذلك، لا يلقى منّا أذناً صاغية، بل يرى التمرّد عليه، والسير على خلاف رضاه، فأيّ ظلم عظيم نكون قد اجترحناه بذلك؟! وأيّ مالك الملوك نحارب؟! ونتيجة لذلك كلّه، تكون وبالاً علينا نحن، أمَّا الله تعالى، فلا يصاب سلطانه بضرر، ولا ينقص من ملكه شيء، ولا نخرج من سلطنته وسلطته، حتى إذا كنا مشركين، لأنه ألحقنا الضّرر بأنفسنا، {فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، فهو غنيّ عن عبادتنا وإخلاصنا وعبوديّتنا، ولا يؤثّر تمرّدنا وشركنا وابتعادنا عنه شيئاً في مملكته، وحيث إنّه أرحم الراحمين، فقد اقتضت رحمته الواسعة وحكمته البالغة، أن يعرض لنا طريق الهداية وسبيل الخير والشرّ والحسن والقبح، ويدلّنا على زلات طريق الإنسانية، ومزالق طريق السعادة، ولله تعالى في هذه الهداية والإرشاد، بل في هذه العبادات والإخلاص والعبودية، له علينا منن عظيمة وجسيمة، بحيث لا يمكن أن نفهمها ما لم تنفتح عين البصيرة التي ترى الواقع، ومادمنا في هذا العالم الضيّق والمظلم، وفي ظلام الطبيعة، ومادمنا مقيَّدين بسلاسل الزّمان، والسّجن المظلم للمكان الممتدّ، فإنّا لا ندرك منن الله العظيمة علينا، ونتصوّر أنّ نعم الله علينا تتلخّص في هذا الإخلاص وهذه العبادة، وفي ذلك الإرشاد وتلك الهداية فحسب.

لا تتوهّم أبداً أن لنا المنّة على الأنبياء العظام والأولياء الكرام، أو على علماء الأمّة، وهم الأدلّاء إلى سعادتنا ونجاتنا، والّذين أنقذونا من الجهل والظّلمة والشقاء، ودعونا إلى عالم النّور والسّرور والبهجة والعظمة، والّذين تحمّلوا ولازالوا يتحمّلون كلّ هذه المشاقّ والمصاعب من أجل تربيتنا وإنقاذنا من تلك الظّلمات التي تلازم الاعتقادات الباطلة، والجهل المركَّب بكلّ أشكاله، ومن أنواع الضّغوطات والعذاب الّذي هو صورة الملكات والأخلاق الرذيلة، ومن تلك الصور الموحشة والمرعبة الّتي هي ملكوت أعمالنا وأفعالنا القبيحة ـ وكذلك ـ لأجل إيصالنا إلى تلك الأنوار وأنواع البهجة والسّرور والراحة والأنس والنعيم، ونحن المساكين كالأطفال، المتمرّدين على حكم العقلاء، بل المخطئين لهم، قد واجهناهم دائماً بالعناد والمحاربة والانفصال، ولكنّ تلك النفوس الزكية والأرواح الطيبة الطاهرة ـ الأنبياء ـ بما يكون لديهم من الرّأفة والرّحمة بعباد الله، لم يقصروا أبداً في دعوتهم، على الرّغم من جهلنا وعنادنا، وساقونا نحو الجنّة والسعادة بكلّ ما يملكون من القوّة وأساليب الدعوة، دون أن يريدوا منا جزاءً ولا شكوراً.

وحتى عندما يحدِّد الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم) أجره بـ «المودّة في القربى»، فإنّ صورة هذه المودّة في العالم الآخر، قد تكون بالنسبة إلينا أعظم الصور نوراً وعطاءً. وهذا هو أيضاً من أجلنا نحن، ومن أجل وصولنا إلى السّعادة والرّحمة. إذاً، فأجر الرسالة عائد إلينا أيضاً، ونحن الذين ننتفع به، فأيّة منّة لنا نحن المساكين عليهم؟!... وأيّة فائدة تعود عليهم ـ سلام الله عليهم ـ من إخلاصنا لهم وتعلّقنا بهم؟! أية منّة لكم ولنا على علماء الأمّة؟ بدءاً من ذلك العالم الذي يوضح ويبيّن لنا الأحكام الشرعيّة، إلى النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإلى ذات الله المقدَّسة جلّ جلاله، فإنّ لكلّ منهم حسب درجته ومقامه من حيث إرشادهم لنا إلى طريق الهداية، منناً لا نستطيع مكافأتهم عليها في هذا العالم، فهذا العالم لا يليق بجزائهم «... فلله ولرسوله ولأوليائه المنة»، وكما يقول تعالى: {... قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

إذاً، فإن كنّا صادقين في ادّعاء الإيمان، فللّه المنّة علينا في هذا الإيمان نفسه. فالله بصير وعالم بالغيب، وهو يعلم ماهية صور أعمالنا، وكيفيَّة صورة إيماننا وإسلامنا في عالم الغيب.

أمَّا نحن المساكين، حيث لا نعرف الحقيقة، فإنّنا نتعلّم العلم من العالم ونمنّ عليه، ونصلّي جماعةً مع العالم ونمنّ عليه، مع أنّ لهم المنّة علينا ونحن لا نعلم.

بل وإنّ هذه المنّة التي نمنّ بها عليهم، هي التي تحبط أعمالنا وتجرّها إلى «سجّين»، وتذروها في الهواء لكي تفنى وتذهب.

وأنت أيّها المسكين العابد للنفس، والذي تركت الشيطان والجهل يتصرّفان في قلبك، ومنعت يد الحقّ أن تتصرّف في قلبك، أيّ إيمان لديك حتى تكون محلاً لتجلّي الحقّ والسلطة المطلقة؟

فاعلم إذاً، أنّك مادمت على هذه الحال، ومادامت رذيلة الغرور موجودة فيك، فأنت كافر بالله، ومحسوب من زمرة المنافقين، رغم زعمك بأنّك مسلم ومؤمن بالله.

أيّها العزيز! استيقظ وانتبه وافتح أذنيك، وحرّم نوم الغفلة على عينيك، واعلم أنّ الله خلقك لنفسه، كما يقول في الحديث القدسيّ: «يابن آدم، خلقت الأشياء لأجلك، وخلقتك لأجلي».

*من كتاب "الأربعون حديثًا".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية