وهذا نموذجٌ آخر، وهو الإنسان الّذي لا ينطلق في إيمانه من موقع تأمّلٍ وتفكير، ولا يتحرك في عبادته لله من قاعدةٍ روحيّةٍ عميقة، أو من رؤيةٍ واضحةٍ شاملةٍ قوامها الانفتاح على الله والمعرفة الواعية به، ولذلك فإنّه يبقى ثابتاً ما دامت الأمور منسجمةً مع أوضاعه النفسيّة والحياتية، وما دامت العبادة لا تكلّفه جهداً كبيراً، أو تضحيةً ماديةً أو معنويّة، ولا تربك له ما اعتاده في حياته من تصرّفات وعلاقات. أمّا إذا هدّد الإيمان مصالحه بالتعقيد، وشكّلت العبادة خطراً على اتجاهه في الحياة، وأصبح التزامه يؤدّي به إلى بعض الخسارة أو بعض المشاكل، أو يفرض عليه اتخاذ مواقف رافضة لشخص يحبّه أو موقف يلتزمه، أو يفرض عليه الانسجام مع من لا ينسجم معهم، أو السير في طريق أو نحو غاية لا يرى فيها فرصةً طيّبةً لأطماعه وشهواته، فإنه يبادر إلى الانقلاب على إيمانه، والابتعاد عن عبادته، بسرعة وحسم، خوفاً من خسارة فرص الربح، أو التعرض لتجربة الخسارة.. وهكذا تكون مسألة الإيمان بالنّسبة إلى هذا النموذج من الناس موقفاً سطحيّاً لا عمق له، وتكون العبادة في حياته حركة في الشكل لا في المضمون.
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ}، أي على طرفٍ، أو جانب واحدٍ، فلا ينطلق في العبادة بشكل كلّي وشامل بعد دراسة كلّ الاحتمالات والإمكانات والاستعداد للنتائج الإيجابيّة أو السلبيّة التزاماً بكلّ المواقف على جميع التقادير.. وهو حال الكثيرين ممن يطلبون الإيمان في حال السِّلم والربح والرخاء، لا في حال الحرب والخسارة والشدّة.. وبذلك ينطبع إيمانهم بطابع الجوّ الذي يعيشونه في الدّاخل، فهو لا يكون مستقراً إلا على الأرض التي لا تزورها العواصف، ولا تسكنها الزّلازل، والتي يخيّم عليها السكون.. إنّ هذه الجماعات تمثل نموذج الإنسان الذي يعيش الاسترخاء في إيمانه، كما يعيش الاسترخاء في جسده، في ما يشبه الخمول.
{فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ} واستراح له، لأنه لا يلامس إلا الجوانب الإيجابيّة في حياته، مما يرضي طموحه، ويريح حياته، {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} مما يفتن به الله عباده من البلاء المتنوّع في أجسادهم وفي أموالهم، وفي شهواتهم وأهلهم وأولادهم، اهتزّ إيمانه أمام التجربة الصعبة، ولم يستطع الثبات أمامها، فيسقط، ويسقط معه النموذج الذي يمثّله، فهو نموذج يخيّل إليه وإلى الناس أنه ثابت قويّ، ولكن إذا ما جاءته الفتنة {انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ}، وارتدّ عن دينه، وابتعد عن مواقع الخير في خطّ الله، واقترب من مواقع الشرّ في خطّ الشيطان، فيورّطه في أكثر من مشكلة، ويوقعه في أكثر من مهلكة، مما كان يظنّ فيها أنها تنجيه، فإذا بها ترديه، ومما كان يحسب أنها تخفّف عنه، فإذا بها تشدّد الأمر عليه.
{خَسِرَ الدُّنْيَا} التي كان يؤمِّل فيها، فخاب ظنه وخسر صفقة يمينه، {والآخرة} بخسارته الجنّة بابتعاده عن رسالة الله، واقترابه من نار جهنّم، و{ذلِكَ هُوَ الخسران الْمُبِينُ}، لأنّه يمثّل الخسارة الشّاملة المطلقة التي لا ينفع معها أيّ ربحٍ طارئ، لأنّ أيّ قدر منه يبدو ضئيلاً أمام حجم الخسارة.
{يَدْعُو مِن دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُه}، لأنه يفتقد الشّعور والإرادة، ولا يملك قوّة مستقلة، ولا يستطيع أن يحقّق للآخرين أيّ نفع، أو يدفع عنهم أيّ ضرر، لأنّه، سواء أكان مخلوقاً حيّاً أم جامداً، فهو لا يملك في ذاته إلا ما ملَّكه الله إيّاه..
و{ذلِكَ هُوَ الضلال الْبَعِيدُ}، لأنّ لجوءه إلى هذه المخلوقات لا يؤمّن أيّ مصدر للقوّة، أو أيّ مورد للنفع أو الربح يمكن أن يبقى للإنسان منه شيءٌ في الدّنيا والآخرة، ما يجعل اتجاهه ذاك يزجّه في الضياع البعيد الذي لا يستطيع أن يرجع منه إلى أيّ هدًى.
{يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ}، لما يضعه من خطط تقود تابعه إلى الشرّ الذي يعقّد حياته في الدنيا، ويهلكه في الآخرة، ما يجعل ما يحصل عليه من شهواتٍ وملذاتٍ يحقّقها له أمراً غير ذي معنى.
{لَبِئْسَ الْمَوْلَى} الذي يأمل في سير من ينفعه، بل يقوده إلى الضّرر المحقَّق في ما يوجّهه إليه من مواقع الهلكة في الدنيا والآخرة.
*من تفسير "من وحي القرآن"، من سورة الحجّ، الآية 11.

وهذا نموذجٌ آخر، وهو الإنسان الّذي لا ينطلق في إيمانه من موقع تأمّلٍ وتفكير، ولا يتحرك في عبادته لله من قاعدةٍ روحيّةٍ عميقة، أو من رؤيةٍ واضحةٍ شاملةٍ قوامها الانفتاح على الله والمعرفة الواعية به، ولذلك فإنّه يبقى ثابتاً ما دامت الأمور منسجمةً مع أوضاعه النفسيّة والحياتية، وما دامت العبادة لا تكلّفه جهداً كبيراً، أو تضحيةً ماديةً أو معنويّة، ولا تربك له ما اعتاده في حياته من تصرّفات وعلاقات. أمّا إذا هدّد الإيمان مصالحه بالتعقيد، وشكّلت العبادة خطراً على اتجاهه في الحياة، وأصبح التزامه يؤدّي به إلى بعض الخسارة أو بعض المشاكل، أو يفرض عليه اتخاذ مواقف رافضة لشخص يحبّه أو موقف يلتزمه، أو يفرض عليه الانسجام مع من لا ينسجم معهم، أو السير في طريق أو نحو غاية لا يرى فيها فرصةً طيّبةً لأطماعه وشهواته، فإنه يبادر إلى الانقلاب على إيمانه، والابتعاد عن عبادته، بسرعة وحسم، خوفاً من خسارة فرص الربح، أو التعرض لتجربة الخسارة.. وهكذا تكون مسألة الإيمان بالنّسبة إلى هذا النموذج من الناس موقفاً سطحيّاً لا عمق له، وتكون العبادة في حياته حركة في الشكل لا في المضمون.
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ}، أي على طرفٍ، أو جانب واحدٍ، فلا ينطلق في العبادة بشكل كلّي وشامل بعد دراسة كلّ الاحتمالات والإمكانات والاستعداد للنتائج الإيجابيّة أو السلبيّة التزاماً بكلّ المواقف على جميع التقادير.. وهو حال الكثيرين ممن يطلبون الإيمان في حال السِّلم والربح والرخاء، لا في حال الحرب والخسارة والشدّة.. وبذلك ينطبع إيمانهم بطابع الجوّ الذي يعيشونه في الدّاخل، فهو لا يكون مستقراً إلا على الأرض التي لا تزورها العواصف، ولا تسكنها الزّلازل، والتي يخيّم عليها السكون.. إنّ هذه الجماعات تمثل نموذج الإنسان الذي يعيش الاسترخاء في إيمانه، كما يعيش الاسترخاء في جسده، في ما يشبه الخمول.
{فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ} واستراح له، لأنه لا يلامس إلا الجوانب الإيجابيّة في حياته، مما يرضي طموحه، ويريح حياته، {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} مما يفتن به الله عباده من البلاء المتنوّع في أجسادهم وفي أموالهم، وفي شهواتهم وأهلهم وأولادهم، اهتزّ إيمانه أمام التجربة الصعبة، ولم يستطع الثبات أمامها، فيسقط، ويسقط معه النموذج الذي يمثّله، فهو نموذج يخيّل إليه وإلى الناس أنه ثابت قويّ، ولكن إذا ما جاءته الفتنة {انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ}، وارتدّ عن دينه، وابتعد عن مواقع الخير في خطّ الله، واقترب من مواقع الشرّ في خطّ الشيطان، فيورّطه في أكثر من مشكلة، ويوقعه في أكثر من مهلكة، مما كان يظنّ فيها أنها تنجيه، فإذا بها ترديه، ومما كان يحسب أنها تخفّف عنه، فإذا بها تشدّد الأمر عليه.
{خَسِرَ الدُّنْيَا} التي كان يؤمِّل فيها، فخاب ظنه وخسر صفقة يمينه، {والآخرة} بخسارته الجنّة بابتعاده عن رسالة الله، واقترابه من نار جهنّم، و{ذلِكَ هُوَ الخسران الْمُبِينُ}، لأنّه يمثّل الخسارة الشّاملة المطلقة التي لا ينفع معها أيّ ربحٍ طارئ، لأنّ أيّ قدر منه يبدو ضئيلاً أمام حجم الخسارة.
{يَدْعُو مِن دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُه}، لأنه يفتقد الشّعور والإرادة، ولا يملك قوّة مستقلة، ولا يستطيع أن يحقّق للآخرين أيّ نفع، أو يدفع عنهم أيّ ضرر، لأنّه، سواء أكان مخلوقاً حيّاً أم جامداً، فهو لا يملك في ذاته إلا ما ملَّكه الله إيّاه..
و{ذلِكَ هُوَ الضلال الْبَعِيدُ}، لأنّ لجوءه إلى هذه المخلوقات لا يؤمّن أيّ مصدر للقوّة، أو أيّ مورد للنفع أو الربح يمكن أن يبقى للإنسان منه شيءٌ في الدّنيا والآخرة، ما يجعل اتجاهه ذاك يزجّه في الضياع البعيد الذي لا يستطيع أن يرجع منه إلى أيّ هدًى.
{يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ}، لما يضعه من خطط تقود تابعه إلى الشرّ الذي يعقّد حياته في الدنيا، ويهلكه في الآخرة، ما يجعل ما يحصل عليه من شهواتٍ وملذاتٍ يحقّقها له أمراً غير ذي معنى.
{لَبِئْسَ الْمَوْلَى} الذي يأمل في سير من ينفعه، بل يقوده إلى الضّرر المحقَّق في ما يوجّهه إليه من مواقع الهلكة في الدنيا والآخرة.
*من تفسير "من وحي القرآن"، من سورة الحجّ، الآية 11.