سلوك المؤمن في التّعاطي مع جيرانه

سلوك المؤمن في التّعاطي مع جيرانه

[من دعاء الإمام زين العابدين (ع) لجيرانه وأوليائه إذا ذكرهم:]

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَتَوَلَّني في جِيراني وَمَوالِيَّ الْعارِفينَ بِحَقِّنا، وَالْمُنابِذينَ لأِعْدَائِنا، بِأَفْضَلِ وَلايَتِك،وَوَفِّقْهُمْ لإقامَةِ سُنَّتِكَ، وَالأخْذِ بِمَحاسِنِ أَدَبِكَ في إِرْفاقِ ضَعيفهِمْ، وَسَدِّ خَلَّتِهِمْ، وَعِيادَةِ مَريضِهِمْ، وَهِدايَةِ مُسْتَرْشِدِهِمْ، وَمُناصَحَةِ مُسْتَشيرِهِمْ، وَتَعَهُّدِ قَادِمِهِمْ، وَكِتْمانِ أَسْرارِهِمْ، وَسَتْرِ عَوْراتِهِمْ، وَنُصْرَةِ مَظْلُومِهِمْ، وَحُسْنِ مُواساتِهِمْ بِالْماعُونِ، وَالْعَوْدِ عَلَيْهِمْ بِالْجِدَةِ وَالإفْضالِ، وَإِعْطاءِ ما يَجِبُ لَهُمْ قَبْلَ السُّؤالِ.

***

مفهوم الجار في الإسلام

للجار في النصوص الدينية قربى في الخطّ الأخلاقي الذي يربط الإنسان بالإنسان على مستوى الحقوق اللازمة حيناً، والمستحبّة حيناً آخر، حتى ورد الحديث عن رسول الله (ص): "مازال جبرائيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيوَرّثه"(1)، وعن عليّ (ع): "إنّ رسول الله (ص) قال في صلة الجار المسلم: ما آمن بي من بات شبعان وجاره المسلم جائع. ثم قال: مازال جبرائيل (ع)يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورّثه"(2). وقد جاءت النصوص الحديثيّة عن ضرورة الإحسان إلى الجار بالدّرجة العليا، بحيث إنّ المطلوب هو تحمّل الأذى منه، والاكتفاء بعدم إيذائه.

وربّما كان الأساس في ذلك، أنَّ هذا القرب في البيت أو المحلّة، يجعل النّاس الذين يعيشون في دائرته في حالة تواصل دائم، وقد يؤدّي إلى مشاكل دائمةٍ من خلال تصادم الحاجات والمصالح والأوضاع، واختلاف الطباع، وتنوّع العلاقات، وتنافر المشاعر، الأمر الذي قد يثير التّعقيدات اليوميّة بين هؤلاء الناس، إذا بقيت العلاقات في نطاقها المادّي الذي يخضع لحساب الأرباح والخسائر الذاتيَّة، فتتحوّل الحياة إلى جحيم لا يطاق، من دون أن يكون هناك مجال للتخلص منه بطريقة واقعيّة، لأنّ من الصعب على الإنسان أن ينتقل من بيته إلى بيت آخر في محلّة أخرى، وقد يعيش المشكلة نفسها في المنطقة الأخرى مع أناس آخرين، فتتجدّد السلبيّات عنده.

لذلك، كانت التعاليم الإسلاميّة الأخلاقيّة تعمل على تعميق العلاقة بين الجيران، بحيث يدخل فيها العنصر الروحي الذي يدفع بالإنسان إلى الإحساس بالقرابة الروحيّة التي يرعاها الله، وبالالتزامات الإلهيّة الشرعيّة التي يحبها لعباده، كما يعدهم بالقرب منه بقدر التزامهم بها، فينطلق الإنسان معها من روحيّة التقرب إلى الله مع هؤلاء الناس، بحيث يعيش التضحية بمزاجه وبمصالحه وبراحته وببعض أوضاعه لمصلحة جيرانه طلباً لما عند الله، وتقرّباً إليه، فلا يتعقّد من مشكلة يثيرها هذا معه أو مع عياله، ولا يشعر بالإثارة إذا أثارته كلمة من هنا أو حركة من هناك.

وإذا اختزن الإنسان هذا الشعور تجاه جيرانه في داخل نفسه، فإنَّه يتحوّل إلى طبيعة أخلاقيّة ثانية، تتغيّر بها أخلاقه، وتتبدَّل بها مشاعره، مما قد يثير الأجواء الحميمة في ذاته، إضافةً إلى الأجواء الطبيعيَّة التي توحي بالألفة والانفتاح.

وهكذا نلاحظ أنَّ المنهج الإسلاميّ يؤكّد الخطّ الروحي في تخفيف التعقيدات الاجتماعية، كما في مجتمع العائلة والأرحام والجيران، ونحوه من المجتمعات التي يلتقي أفرادها على عناصر من القربى المادية التي تؤدّي إلى اللقاءات الكثيرة بين الأفراد، والتشابك الدائم في حركة المصالح والنوازع والطباع في العلاقات، فيرفع درجة الثواب كلّما كان التواصل أكثر، والخدمات أفضل، والإحساس أكثر مودّة ورحمةً، والتضحية أكبر، كما يرفع درجة العقاب في القطيعة والإساءة والإهمال والمشاعر المضادّة، والحركة السلبية.

وإذا كانت المناهج التربويّة في المسألة الإنسانيّة الأخلاقيّة لا تحقّق أهدافها على مستوى النتائج الإيجابيّة الثانية، فإنّها تخفّف الكثير من الحدّة والانفعال النفسي والمشاكل العملية، بدرجة كبيرة، وهذا ما نلاحظه في سلوك المؤمنين في صلة الأرحام والجيران وعلاقتهم ببعضهم البعض في المسألة الإيمانيَّة...

المسؤوليّة تجاه الأولياء

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنّ هناك لوناً من المسؤوليّة التي يتحمّلها الإنسان لأوليائه في رعاية أمورهم واستقامة خطوطهم، والانفتاح عليهم بما يرضي الله سبحانه في القول والفعل.

وهذا ما عاشه الإمام زين العابدين (ع) في دعائه لجيرانه وأوليائه إذا ذكرهم، فإنّنا نراه يتحسّس الصورة التي يجب أن يكونوا عليها من حيث هم الجماعة التي يريد لها أن تكون المثال الحيّ للجماعة المسلمة التي تأخذ بآداب الإسلام في الإرفاق بالضعيف، وسدّ خلّة المحتاج، وعيادة المريض، وهداية المسترشد، ونصح المستشير، وتعهّد القادم، وكتمان الأسرار، وستر العورات، ونصرة المظلوم، وحسن المواساة بالمعونة، والعود على الناس بالجدة والإفضال، وإعطاء ما يجب لهم من الحقوق بطريقة المبادرة، وعدم انتظار الطلب بالسؤال...

* من كتاب "في آفاق الروح"، ج2.

[من دعاء الإمام زين العابدين (ع) لجيرانه وأوليائه إذا ذكرهم:]

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَتَوَلَّني في جِيراني وَمَوالِيَّ الْعارِفينَ بِحَقِّنا، وَالْمُنابِذينَ لأِعْدَائِنا، بِأَفْضَلِ وَلايَتِك،وَوَفِّقْهُمْ لإقامَةِ سُنَّتِكَ، وَالأخْذِ بِمَحاسِنِ أَدَبِكَ في إِرْفاقِ ضَعيفهِمْ، وَسَدِّ خَلَّتِهِمْ، وَعِيادَةِ مَريضِهِمْ، وَهِدايَةِ مُسْتَرْشِدِهِمْ، وَمُناصَحَةِ مُسْتَشيرِهِمْ، وَتَعَهُّدِ قَادِمِهِمْ، وَكِتْمانِ أَسْرارِهِمْ، وَسَتْرِ عَوْراتِهِمْ، وَنُصْرَةِ مَظْلُومِهِمْ، وَحُسْنِ مُواساتِهِمْ بِالْماعُونِ، وَالْعَوْدِ عَلَيْهِمْ بِالْجِدَةِ وَالإفْضالِ، وَإِعْطاءِ ما يَجِبُ لَهُمْ قَبْلَ السُّؤالِ.

***

مفهوم الجار في الإسلام

للجار في النصوص الدينية قربى في الخطّ الأخلاقي الذي يربط الإنسان بالإنسان على مستوى الحقوق اللازمة حيناً، والمستحبّة حيناً آخر، حتى ورد الحديث عن رسول الله (ص): "مازال جبرائيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيوَرّثه"(1)، وعن عليّ (ع): "إنّ رسول الله (ص) قال في صلة الجار المسلم: ما آمن بي من بات شبعان وجاره المسلم جائع. ثم قال: مازال جبرائيل (ع)يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورّثه"(2). وقد جاءت النصوص الحديثيّة عن ضرورة الإحسان إلى الجار بالدّرجة العليا، بحيث إنّ المطلوب هو تحمّل الأذى منه، والاكتفاء بعدم إيذائه.

وربّما كان الأساس في ذلك، أنَّ هذا القرب في البيت أو المحلّة، يجعل النّاس الذين يعيشون في دائرته في حالة تواصل دائم، وقد يؤدّي إلى مشاكل دائمةٍ من خلال تصادم الحاجات والمصالح والأوضاع، واختلاف الطباع، وتنوّع العلاقات، وتنافر المشاعر، الأمر الذي قد يثير التّعقيدات اليوميّة بين هؤلاء الناس، إذا بقيت العلاقات في نطاقها المادّي الذي يخضع لحساب الأرباح والخسائر الذاتيَّة، فتتحوّل الحياة إلى جحيم لا يطاق، من دون أن يكون هناك مجال للتخلص منه بطريقة واقعيّة، لأنّ من الصعب على الإنسان أن ينتقل من بيته إلى بيت آخر في محلّة أخرى، وقد يعيش المشكلة نفسها في المنطقة الأخرى مع أناس آخرين، فتتجدّد السلبيّات عنده.

لذلك، كانت التعاليم الإسلاميّة الأخلاقيّة تعمل على تعميق العلاقة بين الجيران، بحيث يدخل فيها العنصر الروحي الذي يدفع بالإنسان إلى الإحساس بالقرابة الروحيّة التي يرعاها الله، وبالالتزامات الإلهيّة الشرعيّة التي يحبها لعباده، كما يعدهم بالقرب منه بقدر التزامهم بها، فينطلق الإنسان معها من روحيّة التقرب إلى الله مع هؤلاء الناس، بحيث يعيش التضحية بمزاجه وبمصالحه وبراحته وببعض أوضاعه لمصلحة جيرانه طلباً لما عند الله، وتقرّباً إليه، فلا يتعقّد من مشكلة يثيرها هذا معه أو مع عياله، ولا يشعر بالإثارة إذا أثارته كلمة من هنا أو حركة من هناك.

وإذا اختزن الإنسان هذا الشعور تجاه جيرانه في داخل نفسه، فإنَّه يتحوّل إلى طبيعة أخلاقيّة ثانية، تتغيّر بها أخلاقه، وتتبدَّل بها مشاعره، مما قد يثير الأجواء الحميمة في ذاته، إضافةً إلى الأجواء الطبيعيَّة التي توحي بالألفة والانفتاح.

وهكذا نلاحظ أنَّ المنهج الإسلاميّ يؤكّد الخطّ الروحي في تخفيف التعقيدات الاجتماعية، كما في مجتمع العائلة والأرحام والجيران، ونحوه من المجتمعات التي يلتقي أفرادها على عناصر من القربى المادية التي تؤدّي إلى اللقاءات الكثيرة بين الأفراد، والتشابك الدائم في حركة المصالح والنوازع والطباع في العلاقات، فيرفع درجة الثواب كلّما كان التواصل أكثر، والخدمات أفضل، والإحساس أكثر مودّة ورحمةً، والتضحية أكبر، كما يرفع درجة العقاب في القطيعة والإساءة والإهمال والمشاعر المضادّة، والحركة السلبية.

وإذا كانت المناهج التربويّة في المسألة الإنسانيّة الأخلاقيّة لا تحقّق أهدافها على مستوى النتائج الإيجابيّة الثانية، فإنّها تخفّف الكثير من الحدّة والانفعال النفسي والمشاكل العملية، بدرجة كبيرة، وهذا ما نلاحظه في سلوك المؤمنين في صلة الأرحام والجيران وعلاقتهم ببعضهم البعض في المسألة الإيمانيَّة...

المسؤوليّة تجاه الأولياء

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنّ هناك لوناً من المسؤوليّة التي يتحمّلها الإنسان لأوليائه في رعاية أمورهم واستقامة خطوطهم، والانفتاح عليهم بما يرضي الله سبحانه في القول والفعل.

وهذا ما عاشه الإمام زين العابدين (ع) في دعائه لجيرانه وأوليائه إذا ذكرهم، فإنّنا نراه يتحسّس الصورة التي يجب أن يكونوا عليها من حيث هم الجماعة التي يريد لها أن تكون المثال الحيّ للجماعة المسلمة التي تأخذ بآداب الإسلام في الإرفاق بالضعيف، وسدّ خلّة المحتاج، وعيادة المريض، وهداية المسترشد، ونصح المستشير، وتعهّد القادم، وكتمان الأسرار، وستر العورات، ونصرة المظلوم، وحسن المواساة بالمعونة، والعود على الناس بالجدة والإفضال، وإعطاء ما يجب لهم من الحقوق بطريقة المبادرة، وعدم انتظار الطلب بالسؤال...

* من كتاب "في آفاق الروح"، ج2.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية