ثبات النبيّ (ص) أمام التّجارب

ثبات النبيّ (ص) أمام التّجارب

اندفع النبيّ (ص) إلى الطائف وهو يحسب حساب الفشل على مستوى تحقيق الإيمان، لأنّه قد عرف طبيعة مواقفهم في محاولاته في مكّة، ولكنَّه أراد أن يثير الفكرة في داخل مجتمعهم، ليثير أحداثهم وشبابهم الذين يتطلّعون إلى المستقبل بعقليّة منفتحة واعية، تتطلَّع إلى المستقبل من خلال الشّعور بالحاجة إلى التجديد في الفكر والموقف والأسلوب، خلافاً للأجيال القديمة المحافظة التي لا تريد أن تترك ما يعبد آباؤها، أو تغيّر ما تألفه من تقاليدها، وكانت تحسّ بخطر الدّعوة الجديدة على الأحداث.. ولهذا كان الحلّ الوحيد عندهم أن يُخرجوه من بلدهم، حيث لم يكن لهم سبيل إلى منع شبابهم عنه، ولم يكن لهم قدرة على مناقشته في دعوته..

وقد حصل للنبيّ (ص) ما أراده، فقد أحدث لديهم جوّاً من التوتّر والتّساؤل والعنف، بما استعملوه ضدّه من أساليب القهر والتّنكيل والإهانة، وقد استوفى ما أراده من دعوتهم إلى الإسلام، وإبلاغهم حاجته إلى النصرة والمعونة في رسالته، ما يجعلهم يفكّرون به أيّاماً طويلة سيظهر أثرها العمليّ فيما بعد؛ عندما ترتفع الحواجز، وتزول الضّغوط، وتنطلق قوّة الإسلام لتحقّق للإنسان حريّته في الإيمان بالله دون خوف من القوى المضادّة له.

أمَّا ما عاناه من عذاب وتنكيل وسباب، فهو قَدَرُ الرّسالات والرُّسل في كلِّ زمانٍ ومكان، وهو نقطة البداية في ولادة الفجر الجديد من بين الآلام والدّموع. ويبقى الأمل، كمثل أحلام الصّباح في ظلمة اللّيل الطّويل، لأنَّ الله وعد الرّسل بالنصر.

ومَنْ أصْدقُ من الله وعداً؟ ومَنْ أعظمُ مِنَ الله قدرة على تنفيذ ما يريد {إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}[الطّلاق: 3].

وذلك هو ما أراد النبيّ أن يقوّيَ به موقف زيد بن حارثة، لمَّا خاف عليه من دخول مكّة بعد إخراج قريش له منها، فإنَّ زيداً كان ينظر بمنظار اللّحظة الحاضرة.

أمّا النبيّ، فهو كالأنبياء في كلّ زمان ومكان، ينظرون بعين الإيمان بالله، إلى المستقبل الذي يصنعه الله للحياة بقدرته ورحمته وهدايته، كما صنع الماضي والحاضر.

ومهما كان الأنبياء أقوياء في أنفسهم، فإنّهم يستمدّون قوّتهم من الله خالق القوَّة وصانعها. ولذا، فهم ينتظرون لحظات الضعف البشري الّذي يهزّ المشاعر، ويستثير القلق، ولو بمثل اللّمحة الخاطفة، ليقفوا بين يدي الله في خشوع وإيمان ومحبّة، في دعاء حارّ يرجو ويتوسّل ويستغيث، في تقرير رساليّ روحيّ خالص يجمع مشاعر القلب والعقل معاً.. وتلك هي قيمة لحظات الضّعف لدى المؤمنين بالله، أنّها تجدِّد لهم الإحساس بالحاجة إلى الله في عمق الشّعور المتوتّر، بعد أن كان الإحساس بالحاجة إليه مرتبطاً بالجانب العقلي والإيماني العام في حياة الإنسان من خلال عقيدته وتفكيره.

وهكذا وقف النبيّ محمّد (ص) ليناجي الله بعد تلك التجربة القاسية التي خاضها مع الكافرين، وتحمّل فيها ما تحمّل من العذاب الشّديد من هؤلاء، بعد أن أخرجه قومه، ولم يبقَ له قاعدة للقوّة يستند إليها إلّا قوّة الله العظيمة التي يلجأ إليها الضّعفاء، ليعطيهم قوّة جديدة وروحاً جديدة، فيواصلوا ـ من خلالها ـ رسالتهم ودعوتهم في سبيله[1].. ولعلّها من أروع الأدعية التي تعبّر عن الحبّ كلّه، والإخلاص كلّه.. التي تطلب من الله ما تريد، وترجو منه ما تحبّ.. ثمّ تترك الأمر إليه ليفعل ما يشاء، ويقضي ما يريد، لأنّه مالك الأمور كلّها، لأنّ الهدف كلّه هو رضاه، فهو الهدف في حالة الشدّة، وهو الهدف في حالة الرخاء، وهو الهدف في الحالة التي يقف فيها بين حالات الشدّة وبين حالات الرخاء..

*من كتيّب "القائد القدوة". 


[1]  ـ دعاؤه هو: الّلهمَّ إليكَ أشكو ضعف قوَّتي، وقِلَّةَ حيلتي وهَوَاني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنتَ ربُّ المستضعفين، وأنتَ ربّي إلى مَنْ تَكِلُني؛ إلى بعيدٍ يتجهّمني، أم إلى عدوٍّ ملَّكته أمري؟! إن لم يكن بكَ عليَّ غضبٌ فلا أُبالي، ولكنّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظّلمات، وصَلُحَ عليه أمر الدُّنيا والآخرة، من أن تُنْزِلَ بي غضبك، أو يحلّ عليَّ سخطك، لكَ العُتْبَى حتّى ترضى، ولا حول ولا قوّةَ إلا بك.

اندفع النبيّ (ص) إلى الطائف وهو يحسب حساب الفشل على مستوى تحقيق الإيمان، لأنّه قد عرف طبيعة مواقفهم في محاولاته في مكّة، ولكنَّه أراد أن يثير الفكرة في داخل مجتمعهم، ليثير أحداثهم وشبابهم الذين يتطلّعون إلى المستقبل بعقليّة منفتحة واعية، تتطلَّع إلى المستقبل من خلال الشّعور بالحاجة إلى التجديد في الفكر والموقف والأسلوب، خلافاً للأجيال القديمة المحافظة التي لا تريد أن تترك ما يعبد آباؤها، أو تغيّر ما تألفه من تقاليدها، وكانت تحسّ بخطر الدّعوة الجديدة على الأحداث.. ولهذا كان الحلّ الوحيد عندهم أن يُخرجوه من بلدهم، حيث لم يكن لهم سبيل إلى منع شبابهم عنه، ولم يكن لهم قدرة على مناقشته في دعوته..

وقد حصل للنبيّ (ص) ما أراده، فقد أحدث لديهم جوّاً من التوتّر والتّساؤل والعنف، بما استعملوه ضدّه من أساليب القهر والتّنكيل والإهانة، وقد استوفى ما أراده من دعوتهم إلى الإسلام، وإبلاغهم حاجته إلى النصرة والمعونة في رسالته، ما يجعلهم يفكّرون به أيّاماً طويلة سيظهر أثرها العمليّ فيما بعد؛ عندما ترتفع الحواجز، وتزول الضّغوط، وتنطلق قوّة الإسلام لتحقّق للإنسان حريّته في الإيمان بالله دون خوف من القوى المضادّة له.

أمَّا ما عاناه من عذاب وتنكيل وسباب، فهو قَدَرُ الرّسالات والرُّسل في كلِّ زمانٍ ومكان، وهو نقطة البداية في ولادة الفجر الجديد من بين الآلام والدّموع. ويبقى الأمل، كمثل أحلام الصّباح في ظلمة اللّيل الطّويل، لأنَّ الله وعد الرّسل بالنصر.

ومَنْ أصْدقُ من الله وعداً؟ ومَنْ أعظمُ مِنَ الله قدرة على تنفيذ ما يريد {إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}[الطّلاق: 3].

وذلك هو ما أراد النبيّ أن يقوّيَ به موقف زيد بن حارثة، لمَّا خاف عليه من دخول مكّة بعد إخراج قريش له منها، فإنَّ زيداً كان ينظر بمنظار اللّحظة الحاضرة.

أمّا النبيّ، فهو كالأنبياء في كلّ زمان ومكان، ينظرون بعين الإيمان بالله، إلى المستقبل الذي يصنعه الله للحياة بقدرته ورحمته وهدايته، كما صنع الماضي والحاضر.

ومهما كان الأنبياء أقوياء في أنفسهم، فإنّهم يستمدّون قوّتهم من الله خالق القوَّة وصانعها. ولذا، فهم ينتظرون لحظات الضعف البشري الّذي يهزّ المشاعر، ويستثير القلق، ولو بمثل اللّمحة الخاطفة، ليقفوا بين يدي الله في خشوع وإيمان ومحبّة، في دعاء حارّ يرجو ويتوسّل ويستغيث، في تقرير رساليّ روحيّ خالص يجمع مشاعر القلب والعقل معاً.. وتلك هي قيمة لحظات الضّعف لدى المؤمنين بالله، أنّها تجدِّد لهم الإحساس بالحاجة إلى الله في عمق الشّعور المتوتّر، بعد أن كان الإحساس بالحاجة إليه مرتبطاً بالجانب العقلي والإيماني العام في حياة الإنسان من خلال عقيدته وتفكيره.

وهكذا وقف النبيّ محمّد (ص) ليناجي الله بعد تلك التجربة القاسية التي خاضها مع الكافرين، وتحمّل فيها ما تحمّل من العذاب الشّديد من هؤلاء، بعد أن أخرجه قومه، ولم يبقَ له قاعدة للقوّة يستند إليها إلّا قوّة الله العظيمة التي يلجأ إليها الضّعفاء، ليعطيهم قوّة جديدة وروحاً جديدة، فيواصلوا ـ من خلالها ـ رسالتهم ودعوتهم في سبيله[1].. ولعلّها من أروع الأدعية التي تعبّر عن الحبّ كلّه، والإخلاص كلّه.. التي تطلب من الله ما تريد، وترجو منه ما تحبّ.. ثمّ تترك الأمر إليه ليفعل ما يشاء، ويقضي ما يريد، لأنّه مالك الأمور كلّها، لأنّ الهدف كلّه هو رضاه، فهو الهدف في حالة الشدّة، وهو الهدف في حالة الرخاء، وهو الهدف في الحالة التي يقف فيها بين حالات الشدّة وبين حالات الرخاء..

*من كتيّب "القائد القدوة". 


[1]  ـ دعاؤه هو: الّلهمَّ إليكَ أشكو ضعف قوَّتي، وقِلَّةَ حيلتي وهَوَاني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنتَ ربُّ المستضعفين، وأنتَ ربّي إلى مَنْ تَكِلُني؛ إلى بعيدٍ يتجهّمني، أم إلى عدوٍّ ملَّكته أمري؟! إن لم يكن بكَ عليَّ غضبٌ فلا أُبالي، ولكنّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظّلمات، وصَلُحَ عليه أمر الدُّنيا والآخرة، من أن تُنْزِلَ بي غضبك، أو يحلّ عليَّ سخطك، لكَ العُتْبَى حتّى ترضى، ولا حول ولا قوّةَ إلا بك.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية