كتابات
16/08/2015

لحوارٍ فكريٍّ لا لصراعٍ مذهبيّ

لحوارٍ فكريٍّ لا لصراعٍ مذهبيّ

تكثر النَّدوات والاجتماعات والمؤتمرات حول التّقريب بين المذاهب وحلّ الخلافات الإسلاميّة، من هنا، كان لا بدَّ من الحديث عن المذهبيّة من وجهة نظر واقعيّة، وألا نستغرق في المثاليّات الّتي تأخذ بنا إلى تفاصيل ومتاهات نظريّة لا تعود بالفائدة المرجوّة، وبخاصَّة إن كنت تتحدَّث عن تاريخٍ مديدٍ وإرثٍ دينيٍّ وعقائديٍّ عمره قرون.

فالمطلوب، وبعيداً عن التَّجريد والتَّنظير، الإقبال على حوارٍ فكريٍّ يندفع الجميع من خلاله نحو الحقيقة، وقبل كلِّ شيءٍ، نحو بناء جسور الثّقة، واعتبار الآخر مختلفاً عنّا بوجهة نظره وتقبّله، إذ لا يمكن لنا أن نحاور الآخر ونحن لا نثق به، ونبني بيننا وبينه سوراً طويلاً، ونجلس معه لمجرَّد الجلوس، وقد أتينا إليه، وفي فكرنا المسبق أفكار لا تقبل الجدال والحوار، ونحكم على العلاقة معه بالفشل مسبقاً، إذ إنَّ الجميع يقدِّسون فكرةً ما، وينطلقون من هذا المقدَّس باعتباره خطوطاً حمراء لا يمكن مناقشتها، مع أنَّ الله تعالى أمرنا بأن نكون الأحرار وأصحاب القناعة والعقل والاختيار فيما نأخذ به، فمن شروط العبادة الحقَّة الحريّة والعقل.

وحول ما تقدَّم، يقول سماحة العلامة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض):

"ربما يكون من الأفضل لنا أن نعترف بالواقع الّذي فرض نفسه على السَّاحة الإسلاميَّة في بداية الطّريق، ونعمل على تخفيف سلبيَّاته، كخطوةٍ أولى في الطّريق الطّويل، وذلك بأن نواجه الاختلاف المذهبيَّ بصفته اختلافاً من وجهات النّظر في فهم الإسلام، على الأسس الاجتهاديّة المطروحة التي قد يلتقي عليها الفرقاء وقد يختلفون..

وفي هذا الجوّ، تبقى القضايا في حجمها الطّبيعيّ، وهكذا نستطيع التّخفيف من بعض التعقيدات الذاتيّة الّتي فرضت نفسها على السّاحة بوحيٍ من العصبيَّة الّتي تحدِّد المواقف تبعاً لتحديد الأفكار.

إنَّ من الضَّروري لنا أن نتحرَّر من الوقوع في تقديس ما لا يحمل من القداسة شيئاً، حتّى  لا نعلن الحرب على الآخرين الَّذين نختلف معهم في المفهوم على أساس هذه القداسة الوهميَّة للأشياء، بحيث نطرح كلّ شيء للمناقشة وللحوار، ليتحرّك الجميع نحو الحقيقة من هذا الموقع، وقد لا نستطيع الادّعاء بأنَّ الوصول إلى ذلك سهل في حساب الواقع، لكنّنا نعتقد أنَّ القضيَّة قد تسمح ببعض التقدّم في هذا المجال، فيما إذا توفّرت لها الأجواء الملائمة من ناحية نفسيّة وفكريّة وعلميّة...".

إنَّ من المهمّ في العمل على التّقريب، إبراز النّقاط الّتي تجمع ولا تفرِّق، لأنَّ ذلك يساعد في اختصار المسافات والجهود، ويفتح الآفاق أمام قبول الآخر، وبخاصَّة إذا تمّت مناقشة النّقاط المشتركة في هدوء وموضوعيَّة.

إنَّ واقعنا يحتاج إلى الاهتمام بمصادر المذاهب الأخرى، لا أن يكون أتباع كلِّ مذهب منغلقين على ما يقوله مذهبهم، فإذا اعتمدنا في موضوعٍ ما على ما يقوله مذهبنا والمذهب الآخر، فسيفضي ذلك إلى الانفتاح الفكريّ والعلميّ، وسنشعر بالتّقارب النفسي.

وعن هذه النّقطة، يقول المرجع السيِّد فضل الله(رض): "وقد نشعر بالحاجة إلى أن يمارس المجتهدون والمفكّرون من أتباع أيِّ مذهب، عمليّة الاستنباط من خلال المصادر الّتي تعتمدها المذاهب الأخرى، إضافةً إلى مصادرهم الخاصَّة، للإيحاء بأنَّ من الممكن أن يجد المسلمون في مصادرهم المختلفة الّتي يختلفون عليها بعضاً مما يُسند وجهات النّظر الأخرى...".

ويركّز سماحته(رض) على أهميَّة نسج العلاقات الشّخصيَّة بين العلماء من المذاهب كافّةً عبر اللّقاءات المتعدِّدة، فلا بدَّ للفكر من أن يتحرَّك في أجواءٍ من روح الوفاق بعيداً عن الشكليّات، إذ يقول: "وقد لا نشعر بكفاية هذا المقدار من التَّخفيف من السلبيات الفكرية للخلاف، لأنَّ الفكر الّذي يتحرّك لدى أصحابه من بعيد، لا يعطي روح الوفاق جوّاً حميماً، بل يبقى الوضع خاضعاً للأجواء الرسميَّة المعتمدة على المجاملة والمداراة، فلا بدَّ من العلاقات الشخصيّة بين العلماء من المذاهب كافّة، واللّقاءات المتعدّدة في النّدوات المشتركة، لأنَّ مثل ذلك قد يساهم في إعطاء المفاهيم وإخراجها بصورة أكثر صفاءً وواقعيّةً واعتدالاً.

وإنَّنا عندما نركّز على اللقاءات المشتركة بين العلماء، لا نريد أن نحصر القضايا في هذا النطاق، بل نريد للتفاعل الاجتماعي بين المسلمين أن يمتدّ إلى حياة كلّ فرد منهم، ليشعر الجميع بالقضايا المشتركة الّتي تتصل بالمصير الواحد والهدف الواحد، فيتعارفوا ويتآلفوا".

ولا بدَّ من أيّة فرصة للانفتاح الفكريّ في سبيل التّقارب وخدمة مسيرة التفاعل، فالسيِّد فضل الله(رض) يشير إلى أهميّة الإفادة من النّهضة الثقافيّة والحركة العلميّة في سبيل الحوار والانفتاح، ويقول: "وأحسب أنَّ الانفتاح الفكريّ ـ الّذي انطلق فيه الإنسان المعاصر على أساس الحركة العلميّة المتطوّرة المتنامية التي أطلقت الفكر من أسواره، وحرّرته من الخرافات والتّفاهات والارتجال والانفعاليّات الطارئة ـ قد استطاع أن يمنح الإنسان المسلم بعضاً من سعة الأفق، ورحابة الصَّدر، وواقعيَّة النّظر، وموضوعيَّة الفكر، بحيث أمكن له أن يفكّر في القضايا الّتي يختلف فيها مع المسلمين الآخرين تفكيراً منفتحاً عميقاً، بعيداً عن التّعقيدات الذاتيّة والأفق الضيّق، وربما استطاعت النّهضة العلميّة الثقافيّة أن تساهم في تقديم تجارب ناجحة للموضوعيّة والعمق، من خلال الدراسات الإسلاميّة التي أصبحت تقدِّم مختلف الأفكار والمذاهب الإسلاميّة من مصادرها الموثوقة، وإنّنا نرجو أن يمتدَّ هذا الجوّ العلميّ الموضوعيّ، فيشمل السَّاحات الاجتماعيّة المتنوّعة"... [كتاب: مع الحكمة في خطّ الإسلام، ص 84 ـ 90].

من هنا، أهميَّة أن يلتفت أصحاب الشَّأن إلى ما تقدَّم من نقاط، علَّها تُسهِم في مزيد من التّقارب، وتخفيف الاحتقان، وإحداث التّفاعل المطلوب بين المذاهب وأتباعها، في سبيل خدمة مشروع الإسلام الكبير.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

تكثر النَّدوات والاجتماعات والمؤتمرات حول التّقريب بين المذاهب وحلّ الخلافات الإسلاميّة، من هنا، كان لا بدَّ من الحديث عن المذهبيّة من وجهة نظر واقعيّة، وألا نستغرق في المثاليّات الّتي تأخذ بنا إلى تفاصيل ومتاهات نظريّة لا تعود بالفائدة المرجوّة، وبخاصَّة إن كنت تتحدَّث عن تاريخٍ مديدٍ وإرثٍ دينيٍّ وعقائديٍّ عمره قرون.

فالمطلوب، وبعيداً عن التَّجريد والتَّنظير، الإقبال على حوارٍ فكريٍّ يندفع الجميع من خلاله نحو الحقيقة، وقبل كلِّ شيءٍ، نحو بناء جسور الثّقة، واعتبار الآخر مختلفاً عنّا بوجهة نظره وتقبّله، إذ لا يمكن لنا أن نحاور الآخر ونحن لا نثق به، ونبني بيننا وبينه سوراً طويلاً، ونجلس معه لمجرَّد الجلوس، وقد أتينا إليه، وفي فكرنا المسبق أفكار لا تقبل الجدال والحوار، ونحكم على العلاقة معه بالفشل مسبقاً، إذ إنَّ الجميع يقدِّسون فكرةً ما، وينطلقون من هذا المقدَّس باعتباره خطوطاً حمراء لا يمكن مناقشتها، مع أنَّ الله تعالى أمرنا بأن نكون الأحرار وأصحاب القناعة والعقل والاختيار فيما نأخذ به، فمن شروط العبادة الحقَّة الحريّة والعقل.

وحول ما تقدَّم، يقول سماحة العلامة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض):

"ربما يكون من الأفضل لنا أن نعترف بالواقع الّذي فرض نفسه على السَّاحة الإسلاميَّة في بداية الطّريق، ونعمل على تخفيف سلبيَّاته، كخطوةٍ أولى في الطّريق الطّويل، وذلك بأن نواجه الاختلاف المذهبيَّ بصفته اختلافاً من وجهات النّظر في فهم الإسلام، على الأسس الاجتهاديّة المطروحة التي قد يلتقي عليها الفرقاء وقد يختلفون..

وفي هذا الجوّ، تبقى القضايا في حجمها الطّبيعيّ، وهكذا نستطيع التّخفيف من بعض التعقيدات الذاتيّة الّتي فرضت نفسها على السّاحة بوحيٍ من العصبيَّة الّتي تحدِّد المواقف تبعاً لتحديد الأفكار.

إنَّ من الضَّروري لنا أن نتحرَّر من الوقوع في تقديس ما لا يحمل من القداسة شيئاً، حتّى  لا نعلن الحرب على الآخرين الَّذين نختلف معهم في المفهوم على أساس هذه القداسة الوهميَّة للأشياء، بحيث نطرح كلّ شيء للمناقشة وللحوار، ليتحرّك الجميع نحو الحقيقة من هذا الموقع، وقد لا نستطيع الادّعاء بأنَّ الوصول إلى ذلك سهل في حساب الواقع، لكنّنا نعتقد أنَّ القضيَّة قد تسمح ببعض التقدّم في هذا المجال، فيما إذا توفّرت لها الأجواء الملائمة من ناحية نفسيّة وفكريّة وعلميّة...".

إنَّ من المهمّ في العمل على التّقريب، إبراز النّقاط الّتي تجمع ولا تفرِّق، لأنَّ ذلك يساعد في اختصار المسافات والجهود، ويفتح الآفاق أمام قبول الآخر، وبخاصَّة إذا تمّت مناقشة النّقاط المشتركة في هدوء وموضوعيَّة.

إنَّ واقعنا يحتاج إلى الاهتمام بمصادر المذاهب الأخرى، لا أن يكون أتباع كلِّ مذهب منغلقين على ما يقوله مذهبهم، فإذا اعتمدنا في موضوعٍ ما على ما يقوله مذهبنا والمذهب الآخر، فسيفضي ذلك إلى الانفتاح الفكريّ والعلميّ، وسنشعر بالتّقارب النفسي.

وعن هذه النّقطة، يقول المرجع السيِّد فضل الله(رض): "وقد نشعر بالحاجة إلى أن يمارس المجتهدون والمفكّرون من أتباع أيِّ مذهب، عمليّة الاستنباط من خلال المصادر الّتي تعتمدها المذاهب الأخرى، إضافةً إلى مصادرهم الخاصَّة، للإيحاء بأنَّ من الممكن أن يجد المسلمون في مصادرهم المختلفة الّتي يختلفون عليها بعضاً مما يُسند وجهات النّظر الأخرى...".

ويركّز سماحته(رض) على أهميَّة نسج العلاقات الشّخصيَّة بين العلماء من المذاهب كافّةً عبر اللّقاءات المتعدِّدة، فلا بدَّ للفكر من أن يتحرَّك في أجواءٍ من روح الوفاق بعيداً عن الشكليّات، إذ يقول: "وقد لا نشعر بكفاية هذا المقدار من التَّخفيف من السلبيات الفكرية للخلاف، لأنَّ الفكر الّذي يتحرّك لدى أصحابه من بعيد، لا يعطي روح الوفاق جوّاً حميماً، بل يبقى الوضع خاضعاً للأجواء الرسميَّة المعتمدة على المجاملة والمداراة، فلا بدَّ من العلاقات الشخصيّة بين العلماء من المذاهب كافّة، واللّقاءات المتعدّدة في النّدوات المشتركة، لأنَّ مثل ذلك قد يساهم في إعطاء المفاهيم وإخراجها بصورة أكثر صفاءً وواقعيّةً واعتدالاً.

وإنَّنا عندما نركّز على اللقاءات المشتركة بين العلماء، لا نريد أن نحصر القضايا في هذا النطاق، بل نريد للتفاعل الاجتماعي بين المسلمين أن يمتدّ إلى حياة كلّ فرد منهم، ليشعر الجميع بالقضايا المشتركة الّتي تتصل بالمصير الواحد والهدف الواحد، فيتعارفوا ويتآلفوا".

ولا بدَّ من أيّة فرصة للانفتاح الفكريّ في سبيل التّقارب وخدمة مسيرة التفاعل، فالسيِّد فضل الله(رض) يشير إلى أهميّة الإفادة من النّهضة الثقافيّة والحركة العلميّة في سبيل الحوار والانفتاح، ويقول: "وأحسب أنَّ الانفتاح الفكريّ ـ الّذي انطلق فيه الإنسان المعاصر على أساس الحركة العلميّة المتطوّرة المتنامية التي أطلقت الفكر من أسواره، وحرّرته من الخرافات والتّفاهات والارتجال والانفعاليّات الطارئة ـ قد استطاع أن يمنح الإنسان المسلم بعضاً من سعة الأفق، ورحابة الصَّدر، وواقعيَّة النّظر، وموضوعيَّة الفكر، بحيث أمكن له أن يفكّر في القضايا الّتي يختلف فيها مع المسلمين الآخرين تفكيراً منفتحاً عميقاً، بعيداً عن التّعقيدات الذاتيّة والأفق الضيّق، وربما استطاعت النّهضة العلميّة الثقافيّة أن تساهم في تقديم تجارب ناجحة للموضوعيّة والعمق، من خلال الدراسات الإسلاميّة التي أصبحت تقدِّم مختلف الأفكار والمذاهب الإسلاميّة من مصادرها الموثوقة، وإنّنا نرجو أن يمتدَّ هذا الجوّ العلميّ الموضوعيّ، فيشمل السَّاحات الاجتماعيّة المتنوّعة"... [كتاب: مع الحكمة في خطّ الإسلام، ص 84 ـ 90].

من هنا، أهميَّة أن يلتفت أصحاب الشَّأن إلى ما تقدَّم من نقاط، علَّها تُسهِم في مزيد من التّقارب، وتخفيف الاحتقان، وإحداث التّفاعل المطلوب بين المذاهب وأتباعها، في سبيل خدمة مشروع الإسلام الكبير.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية