كتابات
20/01/2020

الأمَّة بين الهروب والمواجهة

الأمَّة بين الهروب والمواجهة

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}... فإنها تحدّثنا عن جماعة من النّاس خرجوا من ديارهم خوفاً من الموت، دون أن تعرّفنا ظروف هذا الخوف؛ هل هو العدوّ المتربص بهم، أو هو المرض الذي يوشك أن يحلّ بهم أو هو شيء آخر؟!... ولم يرضَ الله لهم بهذا الخروج، لأنَّ ذلك لن يحلّ لهم المشكلة، فللموت أسباب كثيرة تنتظر النّاس في الطريق. فإذا هربوا من سبب، التقوا بسبب آخر، فكأنَّ الله يريد لهم أن يواجهوا الموقف من موقع الصمود الواعي الذي يتعامل مع الحياة والموت بإرادة واعية، لا تبتعد عن الواقع عندما تقترب من الإيمان... فأماتهم الله جميعاً {فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُوا}، ليعرّفهم أنَّ الموت بيده، فهو الذي يحدِّد وقته من خلال حكمته في الكون بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد يأتي الموت للإنسان من حيث لا يحتسب، وقد يتركه من حيث يرى أنّه قادم إليه.

{ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}، بما يملكه من القدرة على الإحياء، لأنّه مالك الحياة والموت، ليأخذوا العبرة من ذلك في ما يستقبلون من حياة جديدة، فلا يهربون من الموت عندما تدعوهم المسؤوليّة إلى مواجهة الخطر الذي يقترب بهم من الموت، بل يُقبلون عليه إقبال الإنسان الواثق بأنَّ قضيّة الحياة والموت بيد الله، ولا رادّ لقضاء الله، تماماً كما هو وحي الآية الكريمة في قوله تعالى: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ}[آل عمران: 154].

وقوله تعالى في آية أخرى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَـباً مُّؤَجّلاً}[آل عمران: 145].

وهكذا كانت الآية تعبِّر عن صورة من صور الواقع، بما توحيه من حكاية التّاريخ في مدلولها اللّفظي. وربما كان قوله تعالى لهم: {مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}، دلالة واضحة على أنَّ للقضيّة وجهاً مادّياً في ما تعنيه كلمة الحياة والموت، ولا سيّما بعد حديثه عنهم بأنهم خرجوا من بيوتهم حذر الموت.

فكأنّه أراد أن يأخذهم بعكس ما قصدوه، فقد فكّروا في أنَّ الخروج يحقّق لهم النجاة من الموت، فإذا به يلقيهم في منتصف الطّريق.

وفي هذا الجوّ، نفهم من الإحياء بعد ذلك معنى يلتقي بالعبرة التي أراد الله لهم أن يأخذوها من ذلك كلّه. ولعلّ في ابتداء الآية بكلمة {أَلَمْ تَرَ}، ما يوحي بأنَّ القصة كانت معروفة بشكل واضح، أو هكذا تريد الآية أن توحي، ما يؤكّد الطبيعة الواقعيّة للقصّة.

ولهذا كلّه، فإننا نتحفظ بشدّة في تأويل كلمات الآية إلى غير ما هو ظاهر من معناها اللّغويّ، لا لأننا نرفض الاستعمالات المجازيّة في القرآن، بل لأنَّ جوّ الآية لا يسمح بذلك... ولكن هذا لا يمنع من أن يستوحي القارئ للقرآن من هذه الآية المعاني الكبيرة التي تربط النّاس بالفكرة.

*من كتاب "تفسير من وحي القرآن".

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}... فإنها تحدّثنا عن جماعة من النّاس خرجوا من ديارهم خوفاً من الموت، دون أن تعرّفنا ظروف هذا الخوف؛ هل هو العدوّ المتربص بهم، أو هو المرض الذي يوشك أن يحلّ بهم أو هو شيء آخر؟!... ولم يرضَ الله لهم بهذا الخروج، لأنَّ ذلك لن يحلّ لهم المشكلة، فللموت أسباب كثيرة تنتظر النّاس في الطريق. فإذا هربوا من سبب، التقوا بسبب آخر، فكأنَّ الله يريد لهم أن يواجهوا الموقف من موقع الصمود الواعي الذي يتعامل مع الحياة والموت بإرادة واعية، لا تبتعد عن الواقع عندما تقترب من الإيمان... فأماتهم الله جميعاً {فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُوا}، ليعرّفهم أنَّ الموت بيده، فهو الذي يحدِّد وقته من خلال حكمته في الكون بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد يأتي الموت للإنسان من حيث لا يحتسب، وقد يتركه من حيث يرى أنّه قادم إليه.

{ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}، بما يملكه من القدرة على الإحياء، لأنّه مالك الحياة والموت، ليأخذوا العبرة من ذلك في ما يستقبلون من حياة جديدة، فلا يهربون من الموت عندما تدعوهم المسؤوليّة إلى مواجهة الخطر الذي يقترب بهم من الموت، بل يُقبلون عليه إقبال الإنسان الواثق بأنَّ قضيّة الحياة والموت بيد الله، ولا رادّ لقضاء الله، تماماً كما هو وحي الآية الكريمة في قوله تعالى: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ}[آل عمران: 154].

وقوله تعالى في آية أخرى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَـباً مُّؤَجّلاً}[آل عمران: 145].

وهكذا كانت الآية تعبِّر عن صورة من صور الواقع، بما توحيه من حكاية التّاريخ في مدلولها اللّفظي. وربما كان قوله تعالى لهم: {مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}، دلالة واضحة على أنَّ للقضيّة وجهاً مادّياً في ما تعنيه كلمة الحياة والموت، ولا سيّما بعد حديثه عنهم بأنهم خرجوا من بيوتهم حذر الموت.

فكأنّه أراد أن يأخذهم بعكس ما قصدوه، فقد فكّروا في أنَّ الخروج يحقّق لهم النجاة من الموت، فإذا به يلقيهم في منتصف الطّريق.

وفي هذا الجوّ، نفهم من الإحياء بعد ذلك معنى يلتقي بالعبرة التي أراد الله لهم أن يأخذوها من ذلك كلّه. ولعلّ في ابتداء الآية بكلمة {أَلَمْ تَرَ}، ما يوحي بأنَّ القصة كانت معروفة بشكل واضح، أو هكذا تريد الآية أن توحي، ما يؤكّد الطبيعة الواقعيّة للقصّة.

ولهذا كلّه، فإننا نتحفظ بشدّة في تأويل كلمات الآية إلى غير ما هو ظاهر من معناها اللّغويّ، لا لأننا نرفض الاستعمالات المجازيّة في القرآن، بل لأنَّ جوّ الآية لا يسمح بذلك... ولكن هذا لا يمنع من أن يستوحي القارئ للقرآن من هذه الآية المعاني الكبيرة التي تربط النّاس بالفكرة.

*من كتاب "تفسير من وحي القرآن".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية