[هل يكرّس الدّين عجز الإنسان أمام الظواهر الكونيّة، ليكون بمثابة شاهد على انطلاق الدّين من فكرة الشّعور بالعجز أمام الكون؟][1]
إننا نلاحظ - عند الجواب عن هذا السّؤال ـ أنّ القرآن الكريم لم يحاول التّركيز على ضعف الإنسان أمام قوى الكون، بل كان في مقام تأكيد ضعفه أمام الله من جهة، وضعفه الذاتي من خلال تكوينه المادّي من جهة أخرى، تماماً كما هو الحال في الموجودات المادية الأخرى التي تتأثر وتنفعل بما حولها من الأوضاع الكونيّة. ولكنَّ تأكيد ضعف الإنسان أمام المطلق، لا يراد منه التعبير عن انسحاقه نتيجة هذا الضّعف، بل يقصد منه الإيحاء بأنّ قوّته، مهما بلغت من العظمة والامتداد، لا تستغني عن قوّة الله، فإنها تستمدّ من المطلق في كلّ لحظة شيئاً جديداً، تماماً كما يكون امتداد الطاقة إزاء مصادر الطّاقة في الحياة.. وليعرف الإنسان ـ من خلال ذلك ـ قيمة قوّته، أين تبدأ، وأين تنتهي، وكيف تنطلق، ليكون أكثر واقعيّة، وأشدّ تواضعاً في ممارسته لهذه القوّة. أما تكوينه المادّي الذي يجعله يضعف فينفعل بما حوله، فلا يوحي بالضّعف أمام القوى الماديّة الأخرى التي تحيط به، بل القضيّة ـ على العكس من ذلك ـ تتجه إلى الإيحاء بإمكانيّة السّيطرة عليها جميعاً، فقد قرّر الإسلام ـ في أكثر من آية ـ اعتبار القوى الكونيّة مسخَّرة للإنسان، والتسخير هذا قد يعطي معنى أنّ بإمكانه تطويرها وإخضاعها لإرادته في نطاق القوانين الطبيعيّة التي تتحكّم فيها، وقد نجد في بعض الآيات القرآنيّة الكريمة ملامح الإيحاء - ولو من بعيد - بقوّة الإنسان العظيمة، وذلك لأنّه يحمل ما لا تستطيع القوى الكونيّة أن تحمله، وإن انحرف عن الخطّ في النهاية، وذلك قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}(الأحزاب/72)، فإنّ هذه الآية قد انطلقت في نطاق التّعبير عن المسؤوليّة التي حملها الإنسان ولم يتلاءم مع متطلّباتها، ومن خلال تأكيد عدم حمل السماوات والأرض والجبال لها، والإيحاء بقدرة الإنسان على أنّه يحمل ما لا تحمله هذه القوى الطبيعيّة العظيمة.
* من كتاب "النّدوة"، ج 10.
[1] الكلام بين قوسين هو السؤال الّذي وجِّه إلى سماحة السيّد (رض)، وكانت الإجابة عنه.

[هل يكرّس الدّين عجز الإنسان أمام الظواهر الكونيّة، ليكون بمثابة شاهد على انطلاق الدّين من فكرة الشّعور بالعجز أمام الكون؟][1]
إننا نلاحظ - عند الجواب عن هذا السّؤال ـ أنّ القرآن الكريم لم يحاول التّركيز على ضعف الإنسان أمام قوى الكون، بل كان في مقام تأكيد ضعفه أمام الله من جهة، وضعفه الذاتي من خلال تكوينه المادّي من جهة أخرى، تماماً كما هو الحال في الموجودات المادية الأخرى التي تتأثر وتنفعل بما حولها من الأوضاع الكونيّة. ولكنَّ تأكيد ضعف الإنسان أمام المطلق، لا يراد منه التعبير عن انسحاقه نتيجة هذا الضّعف، بل يقصد منه الإيحاء بأنّ قوّته، مهما بلغت من العظمة والامتداد، لا تستغني عن قوّة الله، فإنها تستمدّ من المطلق في كلّ لحظة شيئاً جديداً، تماماً كما يكون امتداد الطاقة إزاء مصادر الطّاقة في الحياة.. وليعرف الإنسان ـ من خلال ذلك ـ قيمة قوّته، أين تبدأ، وأين تنتهي، وكيف تنطلق، ليكون أكثر واقعيّة، وأشدّ تواضعاً في ممارسته لهذه القوّة. أما تكوينه المادّي الذي يجعله يضعف فينفعل بما حوله، فلا يوحي بالضّعف أمام القوى الماديّة الأخرى التي تحيط به، بل القضيّة ـ على العكس من ذلك ـ تتجه إلى الإيحاء بإمكانيّة السّيطرة عليها جميعاً، فقد قرّر الإسلام ـ في أكثر من آية ـ اعتبار القوى الكونيّة مسخَّرة للإنسان، والتسخير هذا قد يعطي معنى أنّ بإمكانه تطويرها وإخضاعها لإرادته في نطاق القوانين الطبيعيّة التي تتحكّم فيها، وقد نجد في بعض الآيات القرآنيّة الكريمة ملامح الإيحاء - ولو من بعيد - بقوّة الإنسان العظيمة، وذلك لأنّه يحمل ما لا تستطيع القوى الكونيّة أن تحمله، وإن انحرف عن الخطّ في النهاية، وذلك قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}(الأحزاب/72)، فإنّ هذه الآية قد انطلقت في نطاق التّعبير عن المسؤوليّة التي حملها الإنسان ولم يتلاءم مع متطلّباتها، ومن خلال تأكيد عدم حمل السماوات والأرض والجبال لها، والإيحاء بقدرة الإنسان على أنّه يحمل ما لا تحمله هذه القوى الطبيعيّة العظيمة.
* من كتاب "النّدوة"، ج 10.
[1] الكلام بين قوسين هو السؤال الّذي وجِّه إلى سماحة السيّد (رض)، وكانت الإجابة عنه.