عندما تكفر المجتمعات بأنعم الله؟!

عندما تكفر المجتمعات بأنعم الله؟!

{وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}[النّحل: 112]...

في هذا الجوّ القرآني الذي يريد الله سبحانه وتعالى أن يؤكّد للنّاس ـــ كلّ الناس، ولاسيّما المؤمنين منهم ـــ أنّ الحياة التي يعيشون فيها أوضاعهم وعلاقاتهم وتحرّكاتهم، ليست نزهة يتلذَّذون فيها ويعيشون فيها حياة الرّخاء وحياة الطمأنينة من دون أيّ صدمة، ودون أيّ بلاء، ودون أيّ مشكلة. فهناك في الحياة إلى جانب الفرح حزن، وهناك إلى جانب اللّذة ألم، وإلى جانب الأمن خوف، وإلى جانب الغنى فقر، وإلى جانب الحياة موت. ولهذا، فإنَّ عليهم أن يستعدّوا في حياتهم لمواجهة ذلك كلّه، ليعرفوا أنّ عليهم أن يواجهوا حالات السّرور والأمن والغنى وغير ذلك، بطريقة معقولة هادئة، كما أنَّ عليهم أن يواجهوا ما يصادفهم من الخوف والفقر والحرمان والألم والحزن بطريقة معقولة؛ ألّا يغطّيك الفرح عندما تكون الحياة من حولك تضجّ بالفرح، وألاّ يسقطك الحزن عندما يأتي الحزن إلى قلبك ويستولي على كلّ حياتك.. ادرس أسباب الفرح في حياتك، وحاول أن تستفيد منها، وتعلَّم كيف تكثّر فرصها، وادرس أسباب الحزن في حياتك،واعرف كيف تستطيع أن تقلِّل منها.. أن تواجه الحياة بطريقة عقلانية هادئة، وتعرف أنّ الله نظَّم الحياة على أساسٍ، وجعل لكلّ شيءٍ سبباً، وجعل نتائج الواقع في حياة الإنسان خاضعةً لأعمال الإنسان؛ فكما تزرع تحصد، وكما تتحرّك في الحياة تجد، من يزرع الرّيح فلا بدَّ أن يحصد العاصفة، ومن يزرع الجريمة فلا بدَّ أن يحصد المشكلة، ومَن يزرع الفوضى فلا بدَّ أن يحصد الدمار.

ولهذا،لا بدّ للناس من أن يدرسوا سبب مشاكلهم في طبيعة أعمالهم وفي طبيعة أوضاعهم، لأنَّنا إذا حاولنا أن نجلس حول المأساة لنبكي نتائجها، من دون أن ندرس أسبابها وطبيعة الظروف التي تحيط بها، فإنَّ معنى ذلك أنّ الذين يصنعون المأساة في وقتٍ ما، سوف يصنعون مآسي أخرى في أوقات أخرى. ولكنَّنا إذا درسنا المأساة، وحاولنا أن نتعاون على أساس أن نقضي على الجذور التي تخلق الألم والمأساة، عند ذلك، لن يستطيع المغامرون والمفتنون والمجرمون أن يصنعوا مأساة جديدة.

هذا ما يريدنا الله أن نتعلَّمه في البلاء، وهكذا قال الله:{وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ}، أيّ قرية كان فيها من الاطمئنان في الحياة، ولكنّ أهل القرية ـــ أيّاً كانوا ـــ تحرَّكوا من أجل أن يصنعوا لأنفسهم المشاكل، وتحرّكوا من أجل أن يكونوا حياديّين أمام المنكر، وحياديّين أمام المفسدين، وحياديّين أمام المجرمين، أو أنّهم يخافون المجرمين والمفسدين، فيعملون على أن يغطّوهم وأن يجاملوهم وأن يعملوا كلّ ما يريدون في سبيل إعطائهم غطاءً شرعيّاً تارًة، أو غطاءً سياسيّاً أخرى، أو غطاءً اقتصادياً أو اجتماعياً، لأنَّ لهذا مصلحة عند ذاك، ولأنَّ لهذا قضيّة عند ذاك.

وعندما يمتنع الناس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهنَّ عن المنكر، أو ليسلّطنَّ الله شراركم على خياركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم"(1)، عندما يصنع الناس ذلك، فسيأتي الخوف بعد الأمن، وسيأتي الجوع بعد الشّبع {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}.

ويقول الله سبحانه وتعالى في آيةٍ أخرى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}[الشورى: 30].

في كثيرٍ من المصائب، قد يكون المجتمع هو الذي يحرّكها، وهو الذي يثيرها في كلّ حياة الناس العامّة والخاصّة، عندما ينطلق المجتمع ليعيش المصيبة، فيتعصَّب كلّ إنسان لفريقه، حتّى لو كان فريقه مخطئاً، فإذا كان فريقك مع الحقّ فأنتَ مع الحقّ، لأنّه من خلال فريقك، وإذا كان فريقك مع الباطل، فأنتَ مستعدّ لأن تسير مع الباطل، ولستَ مستعداً لأن تنقد فريقك أو قيادتك، لأنَّ المسألة هي أنّك تلتزم الأشخاص وتلتزم المحور، ولا تلتزم الحقّ في ما يريده الله لك أن تلتزمه من حقّ، المسألة كانت ولا تزال أنَّ العصبيّة تجعل الإنسان يتعصَّب للباطل ويحاول أن يوحي أنّه الحقّ. وهكذا نشأت عندنا العصبيّة للعائلة، والعصبيّة للطائفة، والعصبيّة للحزب، والعصبيّة للحركة، والعصبيّة للأشخاص وللقيادات، على أساس أنَّ الإنسان يلتزم الشّخص ويلتزم الإطار، ولا يلتزم المعنى والمضمون في ما يوحي به الإيمان من خلال ذلك.

عندما تتحرَّك العصبيّة يهرب الحقّ، وعندما تتحرّك العصبيّة تسقط العدالة، وعندما تتحرّك العصبيّة تنطلق الفوضى في النّاس، ويعيش النّاس في عمىً عن الحقيقة، لأنَّ الإنسان المتعصّب، أيّاً كان الشّيء الذي يتعصَّب له، هو إنسانٌ لا ينظر إلّا بعينٍ واحدة، ولا بدَّ للمؤمن أن ينظر بعينين، حتّى يستطيع أن يعرف ميزان الحقّ كيف يتحرَّك، وميزان العدل كيف يتحرّك.

*من كتاب"الجمعة منبر ومحراب".

(1)البحار، ج:90، ص:378، رواية:21، باب:24.

{وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}[النّحل: 112]...

في هذا الجوّ القرآني الذي يريد الله سبحانه وتعالى أن يؤكّد للنّاس ـــ كلّ الناس، ولاسيّما المؤمنين منهم ـــ أنّ الحياة التي يعيشون فيها أوضاعهم وعلاقاتهم وتحرّكاتهم، ليست نزهة يتلذَّذون فيها ويعيشون فيها حياة الرّخاء وحياة الطمأنينة من دون أيّ صدمة، ودون أيّ بلاء، ودون أيّ مشكلة. فهناك في الحياة إلى جانب الفرح حزن، وهناك إلى جانب اللّذة ألم، وإلى جانب الأمن خوف، وإلى جانب الغنى فقر، وإلى جانب الحياة موت. ولهذا، فإنَّ عليهم أن يستعدّوا في حياتهم لمواجهة ذلك كلّه، ليعرفوا أنّ عليهم أن يواجهوا حالات السّرور والأمن والغنى وغير ذلك، بطريقة معقولة هادئة، كما أنَّ عليهم أن يواجهوا ما يصادفهم من الخوف والفقر والحرمان والألم والحزن بطريقة معقولة؛ ألّا يغطّيك الفرح عندما تكون الحياة من حولك تضجّ بالفرح، وألاّ يسقطك الحزن عندما يأتي الحزن إلى قلبك ويستولي على كلّ حياتك.. ادرس أسباب الفرح في حياتك، وحاول أن تستفيد منها، وتعلَّم كيف تكثّر فرصها، وادرس أسباب الحزن في حياتك،واعرف كيف تستطيع أن تقلِّل منها.. أن تواجه الحياة بطريقة عقلانية هادئة، وتعرف أنّ الله نظَّم الحياة على أساسٍ، وجعل لكلّ شيءٍ سبباً، وجعل نتائج الواقع في حياة الإنسان خاضعةً لأعمال الإنسان؛ فكما تزرع تحصد، وكما تتحرّك في الحياة تجد، من يزرع الرّيح فلا بدَّ أن يحصد العاصفة، ومن يزرع الجريمة فلا بدَّ أن يحصد المشكلة، ومَن يزرع الفوضى فلا بدَّ أن يحصد الدمار.

ولهذا،لا بدّ للناس من أن يدرسوا سبب مشاكلهم في طبيعة أعمالهم وفي طبيعة أوضاعهم، لأنَّنا إذا حاولنا أن نجلس حول المأساة لنبكي نتائجها، من دون أن ندرس أسبابها وطبيعة الظروف التي تحيط بها، فإنَّ معنى ذلك أنّ الذين يصنعون المأساة في وقتٍ ما، سوف يصنعون مآسي أخرى في أوقات أخرى. ولكنَّنا إذا درسنا المأساة، وحاولنا أن نتعاون على أساس أن نقضي على الجذور التي تخلق الألم والمأساة، عند ذلك، لن يستطيع المغامرون والمفتنون والمجرمون أن يصنعوا مأساة جديدة.

هذا ما يريدنا الله أن نتعلَّمه في البلاء، وهكذا قال الله:{وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ}، أيّ قرية كان فيها من الاطمئنان في الحياة، ولكنّ أهل القرية ـــ أيّاً كانوا ـــ تحرَّكوا من أجل أن يصنعوا لأنفسهم المشاكل، وتحرّكوا من أجل أن يكونوا حياديّين أمام المنكر، وحياديّين أمام المفسدين، وحياديّين أمام المجرمين، أو أنّهم يخافون المجرمين والمفسدين، فيعملون على أن يغطّوهم وأن يجاملوهم وأن يعملوا كلّ ما يريدون في سبيل إعطائهم غطاءً شرعيّاً تارًة، أو غطاءً سياسيّاً أخرى، أو غطاءً اقتصادياً أو اجتماعياً، لأنَّ لهذا مصلحة عند ذاك، ولأنَّ لهذا قضيّة عند ذاك.

وعندما يمتنع الناس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهنَّ عن المنكر، أو ليسلّطنَّ الله شراركم على خياركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم"(1)، عندما يصنع الناس ذلك، فسيأتي الخوف بعد الأمن، وسيأتي الجوع بعد الشّبع {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}.

ويقول الله سبحانه وتعالى في آيةٍ أخرى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}[الشورى: 30].

في كثيرٍ من المصائب، قد يكون المجتمع هو الذي يحرّكها، وهو الذي يثيرها في كلّ حياة الناس العامّة والخاصّة، عندما ينطلق المجتمع ليعيش المصيبة، فيتعصَّب كلّ إنسان لفريقه، حتّى لو كان فريقه مخطئاً، فإذا كان فريقك مع الحقّ فأنتَ مع الحقّ، لأنّه من خلال فريقك، وإذا كان فريقك مع الباطل، فأنتَ مستعدّ لأن تسير مع الباطل، ولستَ مستعداً لأن تنقد فريقك أو قيادتك، لأنَّ المسألة هي أنّك تلتزم الأشخاص وتلتزم المحور، ولا تلتزم الحقّ في ما يريده الله لك أن تلتزمه من حقّ، المسألة كانت ولا تزال أنَّ العصبيّة تجعل الإنسان يتعصَّب للباطل ويحاول أن يوحي أنّه الحقّ. وهكذا نشأت عندنا العصبيّة للعائلة، والعصبيّة للطائفة، والعصبيّة للحزب، والعصبيّة للحركة، والعصبيّة للأشخاص وللقيادات، على أساس أنَّ الإنسان يلتزم الشّخص ويلتزم الإطار، ولا يلتزم المعنى والمضمون في ما يوحي به الإيمان من خلال ذلك.

عندما تتحرَّك العصبيّة يهرب الحقّ، وعندما تتحرّك العصبيّة تسقط العدالة، وعندما تتحرّك العصبيّة تنطلق الفوضى في النّاس، ويعيش النّاس في عمىً عن الحقيقة، لأنَّ الإنسان المتعصّب، أيّاً كان الشّيء الذي يتعصَّب له، هو إنسانٌ لا ينظر إلّا بعينٍ واحدة، ولا بدَّ للمؤمن أن ينظر بعينين، حتّى يستطيع أن يعرف ميزان الحقّ كيف يتحرَّك، وميزان العدل كيف يتحرّك.

*من كتاب"الجمعة منبر ومحراب".

(1)البحار، ج:90، ص:378، رواية:21، باب:24.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية