مما لا شكّ فيه، أنّ مسألة الغدير، بكلّ إيحاءاتها وإشاراتها، تركت آثارها العميقة في الكيان الإسلاميّ العام، حيث استطاعت ـ في كلّ تفاعلاتها، وكلّ المواقف السلبية والإيجابية منها ـ أن تختصر كلّ التاريخ الإسلامي في حركة التنوّع والاختلاف والصّراع.
ومن هنا، فإنّنا لا نملك أن نقف منها موقفاً هامشيّاً، لأنها تظلّ تفرض نفسها علينا، تماماً ككلّ قضيّة من قضايا التّاريخ التي تلقي بظلالها على الحاضر والمستقبل.
نعم، لا بدَّ لنا من إبعاد المسألة عن العصبيّة المذهبيّة أو الطائفيّة، وأن تتمّ دراستها بطريقة موضوعيّة علميّة، في عناصرها الداخليّة، وفي الظّروف المحيطة بها، في كلّ امتداد الواقع الإسلاميّ التاريخي، ومن خلال أنها تمثّل نقطة مفصليّة من تاريخ الإسلام الّذي لا بدَّ لنا من دراسته وكشف النقاب عنه بكلّ تفاصيله.
وبغضّ النظر عن ذلك، فإنّ مسألة الغدير هي من المسائل المهمّة التي يفرض البحث العلميّ أن يتمّ تناولها بعلميّة وموضوعيّة، وذلك لأنَّ هناك تضافراً للرّوايات قد يبلغ حدّ التواتر، حيث يذكر العلّامة الأميني في استقصاء علميّ دقيق، أنَّ مائة وعشرة من الصّحابة قد رووا حديث الغدير بطرقٍ مختلفة، وكذلك الأمر في التابعين.
فقد أخرج الإمام أحمد من حديث زيد بن أرقم قال: "نزلنا مع رسول الله (ص) بوادٍ يُقال له: "وادي خمّ"، فأمر بالصَّلاة فصلّاها بهجير، قال: فخطبنا، وظلّل لرسول الله (ص) بثوب على شجرة سمرة، من الشّمس، فقال: ألستم تعلمون؟ أولستم تشهدون أني أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعاد من عاداه"1.
وأخرج الحاكم في مناقب عليّ من مستدركه عن زيد بن أرقم من طريقين صحّحهما على شرط الشيخين، وفيه: "وإنّي قد تركت فيكم الثّقلين، أحدهما أكبر من الآخر؛ كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض"، ثم قال: "إنّ الله عزّ وجلّ مولاي، وأنا مولى كلّ مؤمن ـ ثم أخذ بيد عليّ فقال: ـ من كنتُ مولاه فهذا وليُّه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ من عاداه"2. وقد روي هذا الحديث بالمضمون نفسه في مصادر عدة، كالطبراني الذي أخرجه بسند مجمع على صحته، والنسائي، وغيرهما...
وهذا الحديث متواتر عندنا، بل قد صرّح البعض من أهل السنّة بتواتره، كما نقل السيّد عبد الحسين شرف الدّين في مراجعاته عن بعضهم، فقال: "وصاحب الفتاوى الحامدية ـ على تعنّته ـ يصرّح بتواتر الحديث في رسالته المختصرة الموسومة بالصّلوات الفاخرة في الأحاديث المتواترة". ثم قال (ره): "والسيوطي وأمثاله من الحفاظ ينصّون على ذلك، ودونك محمد بن جرير صاحب التفسير والتّاريخ المشهورين، وأحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، ومحمد بن أحمد بن عثمان الذّهبـي، فإنهم تصدّوا لطرقه، فأفرد كلّ منهم كتاباً على حدة، وقد أخرجه ابن جرير في كتابه من خمسة وسبعين طريقاً، وأخرجه ابن عقدة في كتابه من مئة وخمسة طرق، والذّهبي ـ على تشدّده ـ صحّح كثيراً من طرقه..."3.
ولهذا، ذكرنا أنَّ الكثير من إخواننا السنَّة يناقشون في دلالة حديث الغدير ولا يناقشون في السّند، وليس ذلك إلّا لأنَّ هذا الحديث هو من الأحاديث المرويّة بشكل مكثّف من السنّة والشّيعة معاً.
*من كتاب "نظرة إسلاميّة حول الغدير".
[1]مسند أحمد بن حنبل: ج4، ص:372. طبع دار صادر، بيروت.
[2]المستدرك، الحاكم: ج3، ص:109. طبع دار المعرفة، بيروت، العام 1406، تحقيق الدكتور يوسف المرعشلي.
[3]المراجعات، السيّد عبد الحسين شرف الدّين، ص 289 ـ 290.

مما لا شكّ فيه، أنّ مسألة الغدير، بكلّ إيحاءاتها وإشاراتها، تركت آثارها العميقة في الكيان الإسلاميّ العام، حيث استطاعت ـ في كلّ تفاعلاتها، وكلّ المواقف السلبية والإيجابية منها ـ أن تختصر كلّ التاريخ الإسلامي في حركة التنوّع والاختلاف والصّراع.
ومن هنا، فإنّنا لا نملك أن نقف منها موقفاً هامشيّاً، لأنها تظلّ تفرض نفسها علينا، تماماً ككلّ قضيّة من قضايا التّاريخ التي تلقي بظلالها على الحاضر والمستقبل.
نعم، لا بدَّ لنا من إبعاد المسألة عن العصبيّة المذهبيّة أو الطائفيّة، وأن تتمّ دراستها بطريقة موضوعيّة علميّة، في عناصرها الداخليّة، وفي الظّروف المحيطة بها، في كلّ امتداد الواقع الإسلاميّ التاريخي، ومن خلال أنها تمثّل نقطة مفصليّة من تاريخ الإسلام الّذي لا بدَّ لنا من دراسته وكشف النقاب عنه بكلّ تفاصيله.
وبغضّ النظر عن ذلك، فإنّ مسألة الغدير هي من المسائل المهمّة التي يفرض البحث العلميّ أن يتمّ تناولها بعلميّة وموضوعيّة، وذلك لأنَّ هناك تضافراً للرّوايات قد يبلغ حدّ التواتر، حيث يذكر العلّامة الأميني في استقصاء علميّ دقيق، أنَّ مائة وعشرة من الصّحابة قد رووا حديث الغدير بطرقٍ مختلفة، وكذلك الأمر في التابعين.
فقد أخرج الإمام أحمد من حديث زيد بن أرقم قال: "نزلنا مع رسول الله (ص) بوادٍ يُقال له: "وادي خمّ"، فأمر بالصَّلاة فصلّاها بهجير، قال: فخطبنا، وظلّل لرسول الله (ص) بثوب على شجرة سمرة، من الشّمس، فقال: ألستم تعلمون؟ أولستم تشهدون أني أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعاد من عاداه"1.
وأخرج الحاكم في مناقب عليّ من مستدركه عن زيد بن أرقم من طريقين صحّحهما على شرط الشيخين، وفيه: "وإنّي قد تركت فيكم الثّقلين، أحدهما أكبر من الآخر؛ كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض"، ثم قال: "إنّ الله عزّ وجلّ مولاي، وأنا مولى كلّ مؤمن ـ ثم أخذ بيد عليّ فقال: ـ من كنتُ مولاه فهذا وليُّه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ من عاداه"2. وقد روي هذا الحديث بالمضمون نفسه في مصادر عدة، كالطبراني الذي أخرجه بسند مجمع على صحته، والنسائي، وغيرهما...
وهذا الحديث متواتر عندنا، بل قد صرّح البعض من أهل السنّة بتواتره، كما نقل السيّد عبد الحسين شرف الدّين في مراجعاته عن بعضهم، فقال: "وصاحب الفتاوى الحامدية ـ على تعنّته ـ يصرّح بتواتر الحديث في رسالته المختصرة الموسومة بالصّلوات الفاخرة في الأحاديث المتواترة". ثم قال (ره): "والسيوطي وأمثاله من الحفاظ ينصّون على ذلك، ودونك محمد بن جرير صاحب التفسير والتّاريخ المشهورين، وأحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، ومحمد بن أحمد بن عثمان الذّهبـي، فإنهم تصدّوا لطرقه، فأفرد كلّ منهم كتاباً على حدة، وقد أخرجه ابن جرير في كتابه من خمسة وسبعين طريقاً، وأخرجه ابن عقدة في كتابه من مئة وخمسة طرق، والذّهبي ـ على تشدّده ـ صحّح كثيراً من طرقه..."3.
ولهذا، ذكرنا أنَّ الكثير من إخواننا السنَّة يناقشون في دلالة حديث الغدير ولا يناقشون في السّند، وليس ذلك إلّا لأنَّ هذا الحديث هو من الأحاديث المرويّة بشكل مكثّف من السنّة والشّيعة معاً.
*من كتاب "نظرة إسلاميّة حول الغدير".
[1]مسند أحمد بن حنبل: ج4، ص:372. طبع دار صادر، بيروت.
[2]المستدرك، الحاكم: ج3، ص:109. طبع دار المعرفة، بيروت، العام 1406، تحقيق الدكتور يوسف المرعشلي.
[3]المراجعات، السيّد عبد الحسين شرف الدّين، ص 289 ـ 290.