ونريد بها لقطة غير الحيوان من الأموال، وتفصيل أحكامها يقع في ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في ما به تتحقّق اللقطة
وفيه مسائل:
مسألة 344: لا يكون المال لقطة إلا بأمرين:
الأول: ضياع المال من مالكه بعد ما كان تحت سلطانه، وإحراز الواجد له لضياعه ولو من خلال الظروف والملابسات التي يظهر منها ضياعه، كمثل كونه في غير حرز، وملقى على الطريق أو غيرها مبعثراً أو مكبوباً، أو نحو ذلك من القرائن التي تشير إلى غفلة صاحبه عنه وفقدانه له، مما يصطلح عليه بـ (شاهد الحال).
فلا يعدّ من اللقطة المال المأخوذ من يد الغاصب والسارق، ولا المال المستعار إذا نسي المستعيرُ صاحبَه وجهله، ولا الحذاء المتبدل بغيره، ولا مال غيره الذي يأخذه غفلة واشتباهاً، ولا ما أشبه ذلك من الحالات التي يكون فيها المال (مفقوداً) لا (ضائعاً)، إذ ليس كل مفقود ضائعاً، بل غير الضائع إذا جُهلَ مالكه صار مجهول المالك، وأخْتَصَّ بأحكام أخرى تختلف عن أحكام اللقطة.
الثاني: أن يتحقّق بفعله عنوان الأخذ والإلتقاط ولو لم ينو به تحقيق عنوان اللقطة؛ فتجري أحكام اللقطة على ما لو أَخذَ مالاً بتوهم أنه له فتبيّن كونه ضائعاً من غيره؛ وعلى ما لو وَجدَ المال الضائع فطلب من غيره أن يناوله إياه فأخذه المأمور لنفسه، فإن الملتقط هو المأمور لأنه هو الآخذ لا الآمر رغم أنه سبب معرفته به، بل يعتبر المأمور هو الملتقط حتى في صورة ما لو ناوله للآمر وأخذه الآمر منه؛ هذا، ولا يأثم المأمور إذا أخذه لنفسه، لعدم تعلق حقٍ به للآمر، كما أنه يصح له انتزاعه منه بعد مناولته إياه إن شاء.
وعليه، فإنه لا يكفي في اللقطة ما لو وَجَدَ المال الضائع ورآه فدلَّ غيره عليه فأخذه، بل يكون الملتقط هو الآخذ لا الدالّ. وكذا لا يكفي فيها ما لو رآه فقلَّبهُ بعصاه أو برجله ليتعرف عليه ثم تركه، أو نحَّاه من جانب إلى جانب آخر، لكنَّ المال في هذا الفرض الأخير ـ وإن لم يكن لقطة ـ مضمون عليه إذا حدث عليه تلف أو نقص بسبب هذه التنحيـة، وعليـه ـ علـى كـل حـال ـ إعادته إلى مكانه.
مسألة 345: يعتبر في اللقطة كون الملتقط بالغاً عاقلاً لترتيب آثارها على الملتقط نفسه، لكن لو التقط الصبي أو المجنون لزم الوليَّ حفظها وترتيب الأثر عليها، وليس له التحلل منها بإرجاعها إلى موضعها أو أمره بإرجاعها، بل يأثم بذلك ويضمن.
مسألة 346: كل مال مملوك غير (ضائع) بالمعنى المتقدم، إذا جُهلَ مالكه ولم يكن عليه يد لأحد، لا يجوز لأحد أخذه، فإن أخذه كان غاصباً له ومضموناً عليه، إلا أن يكون في معرض التلف فيجب عليه أخذه بقصد حفظه، ويكون ـ عندئذ ـ أمانة شرعية في يد آخذه، فلا يضمن إلا مع التعدي أو التفريط. ثم إنه إذا أخذه ـ حيث يجوز أخذه أو لا يجوز ـ وجب عليه الفحص عن مالكه إذا احتمل الوصول إليه، فإن يئس من معرفته تصدق به، والأحوط وجوباً استئذان الحاكم الشرعي بالتصدق؛ هذا إذا كانت عينه مما يبقى، فإن كانت مما يسرع إليه الفساد سقط وجوب الحفظ والتعريف ولزم التصدق به أو بثمنه بعد الاحتياط الوجوبي بمراجعة الحاكم الشرعي، ولو تبين المالك بعد التصدّق ولم يرض به ضمن المتصدق مثله أو قيمته ـ علـى الأحـوط وجوبــاً ـ حتى في مورد جواز الأخذ أو وجوبه. (أنظر ـ لمزيد من التفصيل ـ الجزء الأول، ص: 542).
مسألة 347: كما لا تجري أحكام اللقطة على المال المجهول مالكه إذا لم يكن لأحد يد عليه، كذلك فإنها لا تجري على المال المذخور في الأرض، بل إن له أحكاماً خاصة تقدم ذكرها في باب الخمس من الجزء الأول ص: 534. وأما ما يوجد مطروحاً على الأرض ونحوها في القرى الدارسة والبيوت الخربة مما ليس مدفوناً فيها: فإنْ عُلم من بعض القرائن أنه لأهل العصور القديمة، بحيث صار يعدّ ـ عرفاً ـ بدون مالك، جاز تملكه لواجده؛ وإن ظهر من بعض القرائن أنه لبعض أهل العصور المتأخرة القريبة من زمن الواجد، وأنه مما يحتمل معرفة من كان مالكاً له، وجب عليه أن يفحص عنه، فإن عرفه وعرف له وارثاً دفعه إليه بالنحو الموافق لأحكام الميراث، وإن لم يعرف مالكه كان مالاً مجهول المالك، فيتصدّق به بعد الاحتياط الوجوبي بمراجعة الحاكم الشرعي؛ وإن ظهر له من القرائن أنه لأهل زمن الواجد، فإن أحرز كونه ضائعاً عن مالكه فهو لقطة، وإلاَّ جرى عليه حكم مجهول المالك.
مسألة 348: إذا وجد مالاً في منزله، ولم يعلم أنه له أو لغيره، فهو على نحوين:
الأول: أن يجده في واحدة من غرف المنزل، وله صورتان:
الأولى: أن يكون المكان مما لا يدخله غيره، أو يدخله غيره قليلاً، كغرفة نومه الخاصة به أو غرفة جلوسه العائلية، فالمال الملتقط له.
الثانية: أن تكون من الغرف التي يدخلها أناس كثيرون، كغرفة استقبال ضيوفه، فالمال لقطة.
الثاني: أن يجده في درجه الخاص مثلاً، وله ـ أيضاً ـ صورتان:
الأولى: أن يكون خاصاً به بحيث لا يستخدمه غيره، فالمال له.
الثانية: أن يكون مما تمتد إليه أيدٍ أخرى، فهو على وجهين:
1 ـ أن يكون المشارك له في الدرج واحداً؛ وحكمه أن يعرِّفه عليه، فإن عرفه وادّعى أنه له دفعه له، وإن أنكره فالمال لصاحب الدُرج، وإن تحير فلم يدر أنه له أو لغيره، فإن تصالحا عليه فهو خير، وإلا اقترعا عليه، فمن خرجت القرعة باسمه فهو له.
2 ـ أن يكون المشارك له فيه متعدداً، وهو ـ أيضاً ـ على وجهين:
أ ـ أن يكون العدد محصوراً؛ وعليه أن يعرِّفهم عليه، فإن أنكروه جميعاً فهو لواجده، وإن إدّعاه واحد دون غيره دفعه إليه، وإن ادّعوه جميعاً وتصالحوا فيما بينهم فهو خير، وإن لم يتصالحوا رجعوا إلى الحاكم الشرعي، وإن تحير الجميع فلم يعرفوا إن كان لهم أو ليس لهم اقترعوا عليه.
ب ـ أن يكون العدد غير محصور، وعليه أن يتعامل معه معاملة المال المجهول مالكه.
نعم إذا ترجح عنده احتمال كونه له بنسبة يعتد بها، بحيث يخرج العدد غير المحصور عن إبهامه وتضيق دائرته لزمه التعاطي معه على النحو التالي:
إذا كانت نسبة الاحتمال ـ مثلاً ـ خمسة من مئة، فذلك يعني وجود آخرين يحتمل أنه لهم بعدد هذه النسبة إلى المئة، وهم عشرون، (أي: 100 ÷ 5 = 20)، فيجعل عشرين ورقة، ويكتب إسمه على واحدة منها ثم يقترع، فإن خرج إسمه فالمال له، وإن خرجت ورقةٌ بيضاءٌ فالمال ليس له، فيصير المالك مجهولاً؛ وهكذا نمضي على هذا النحو، فلو كانت نسبة كونه له هي عشرة من مئة، فعدد أوراق القرعة عشرة، وإن كانت ثلاثين فعدد الأوراق ثلاثة أو أربعة، وهكذا.
مسألة 349: إذا دخل داراً يسكنها غيره فوجد مالاً مطروحاً فيها بنحو يظهر منه أنه مفقود من صاحبه، فإذا التقطه عرَّفه ساكن الدار فإن ادّعاه أو تحير في أمره دفعه إليه بدون بيّنة حتى لو كان غاصباً للدار، وإن أنكره وكانت العين في موضع يدخله كثيرون فهو لقطة، وإلا فهو مال مجهول المالك. (أنظر في مجهول المالك المسألة: 346).
مسألة 350: لا يعتبر من اللقطة المال الذي يعرض عنه صاحبه، والإعراض هو: (العزم المقترن بالفعل على إخراج المالك شيئاً عن ملكه)، فيخرج بالإعراض عنه عن ملكه ويرجع إلى الإباحة، فإذا وجده واجد فأخذه ملكه، وليس للمالك ـ حينئذ ـ الرجوع به من آخذه؛ وذلك بدون فرق بين ما أعرض عنه اختياراً، كالأثاث الذي يستبدل غيره به فيستغني عنه ويجعله على قارعة الطريق ليأخذه من يرغب به، والسيارة التي يستهلكها صاحبها فيدعها، ونحو ذلك، وبين ما اضطُر للإعراض عنه، كالدابة التي تعجز عن المسير فيدعها المسافر، وكالسيارة التي تتحطم بحادث فتصير كلفة نقلها إلى محل إقامته أكثر من ثمنها، فيدعها ويعرض عنها، ونحو ذلك.
هذا، ولا بد من إحراز الواجد إعراض المالك عن المال، ولو من خلال القرائن الدالة على ذلك، ومنها وضعه في أماكن طرح النفايات، أو وجود السيارة المحطمة في برّية وقد تقادم عليها العهد، ونحو ذلك مما يختلف باختلاف الأشياء المُعرَض عنها.
مسألة 351: إذا كان المال مما تجري عليه أحكام اللقطة جاز لواجده التقاطه وأخذه، لكن يكره التقاط ما يكون له قيمة معتد بها ويطلبه صاحبه من أجلها، وتشتد الكراهة فيما يلتقط منها في مكة المكرمة وما جاورها من الأمكنة الداخلة في حد ما يصطلح عليه بـ (حرم مكة)، فإن كان المال من القلة بحيث يتضاءل احتمال طلب صاحبه له، ويعرض عنـه ـ عـادة ـ بعد ضياعـه، فلا كراهة في التقاطه ولو كان بمقدار الدرهم أو أكثر.
المطلب الثاني: في التعريف عنها
وفيه مسائل:
مسألة 352: يختلف حال اللقطة من حيث إمكان التعريف عنها وعدمه على حالتين:
الأولى: أن تكون للعين الملتقطة صفات تتميز بها عن أمثالها في النوع بنحو لو ذكر الملتقط بعضها لأمكن لمالكها ذكر سائرها مما يدل على معرفته بها وكونها له؛ فإذا بلغ مقدارها درهماً فما فوق وجب على الملتقط ـ هنا ـ تعريفها لمدة سنة وبكيفيّة خاصة، فيتخير بعدها بين ثلاثة أمور، على ما سنذكر تفصيله لاحقاً.
الثانية: أن لا يكون لها صفات تعرف بها، وذلك كمثل غالب المصنوعات في المصانع الحديثة مما يصعب معه تمييز أفراد أنواعه وأصنافه عن بعضها؛ فيجوز ـ في هذه الحال ـ أن يتملكها واجدها مهما كانت قيمتها أزيد من الدرهم، وإن كان الأحوط استحباباً التصدق بها عن صاحبها، وأحوط استحباباً منه أن يكون التصدّق بإذن الحاكم الشرعي.
مسألة 353: لا يجب تعريف ما له علامة من اللقطة إلا بتوفر أمور ثلاثة:
الأول: أن تكون قيمة اللقطة درهماً شرعياً فما زاد. والمراد بالدرهم ما يساوي وزنه من الفضة زنة اثنتي عشرة حبة من الحمص وستةً من عشرة أجزاء من الحبة، وهو ما قدَّره بعض الباحثين بالغرام المتعارف في زماننا بحوالي (5/2) أي: غرامان ونصف الغرام. والمعيار في قيمتها على مكان الإلتقاط وزمانه، لا على غيرهما من الأمكنة والأزمنة. فإن كانت قيمتها دون الدرهم لم يجب عليه تعريفها ولا الاحتفاظ بها، بل يجب عليه التصدق بها على الأحوط.
الثاني: أن يحتمل الواجد تحقّق فائدة من التعريف ويرجو به معرفة المالك، فلو اطمأن إلى عدم الفائدة منه، كما في الملتقط في البراري القفراء، أو في الطرقات العامة التي يسلكها المسافرون من شتى البلدان، أو في محطات السفر من المطارات ونحوها، مما يُحرز معه سفرُ مالكها إلى جهة غير معروفة لا يصله خبرها إنْ عرَّفها، سقط وجوب التعريف، ولزمـه ـ علـى الأحـوط وجوبـاً ـ أن يحتفظ بها حتى يحصل له اليأس من الوصول إليه، ولو لرجاء تصدي المالك بنفسه للسؤال عنها، وبخاصة إذا كانت غالية الثمن، فيتصدّق بها بعدئذ عن مالكها دون ضرورة لاستئذان الحاكم الشرعي؛ فإن تبيّن مالكها بعد التصدق ولم يرض به ضمن له قيمتها حين الأداء إن كانت قيمية، أو مثلها إن كانت مثلية.
الثالث: أن يكون في ظرف يأمن على نفسه خطر الإتهام بالسرقة، فلو خاف على نفسه التعرض لخطر التهمة بالسرقة، من هتك الحرمة أو الحبس، سقط عنه التعريف وكان حكمه كحكمه في الأمر الثاني.
مسألة 354: المعيار في التعريف الواجب، ذكر المال بنوعه أو صنفه أو بعض صفاته مع بقاء شيء منها مبهماً غير واضح، بنحو إذا سمعه المالك احتمل احتمالاً معتداً به أن يكون المال المعثور عليه له، فإذا ذكر سائر صفاته دل ذلك على كونه مالكه فيدفعه إليه؛ وإنما وجب الاقتصار على ذكر بعض الصفات لأنه لو ذكر في التعريف جميع صفات الشيء، أو أراه لكل راغب لأمكن ادّعاء غير الصادق ملكيته له، فلا يبقى مجال لمعرفة المالك. هذا، ويكفي في تعرّف المالك عليه ذكـر ما يلتفت إليـه المالـك ـ عـادة ـ منها، كلون الثوب وشكله، دون ضرورة لذكره ما لا يلتفت إليه، كعدد عرواته مثلاً. وكذا يكفي في كون الشيء مما له علامةٌ اشتماله على بعض خصوصيات خارجية، وإنْ كان في ذاته مما لا علامة له، فمثل المقدار من المال يمكن التعرُّف عليه بذكر صاحبه لعدد أوراقه أو قطعه، وبكونها موجودة في حافظة أو بدونها، ونحو ذلك.
مسألة 355: لمَّا كان الهدف من التعريف هو حصول الاطمئنان عند الواجد بملكية المتعرف على اللقطة لها، فإنه لو فرض اطّلاع شخص عليها فادعاها، وعُلم صدقه، كفى ذلك في سقوط التعريف، ووجب دفعها إليه؛ وكذا لو اطلعت البيّنة على اللقطة فشهدت بأنها لفلان وجب دفعها إليه. وذلك من دون فرق ـ في الموردين ـ بين ما لو كان الادّعاء قبل التعريف أم بعده أم في أثنائه. وبناءً عليه فإنه لا يكفي مجـرد الادّعـاء لهـا مـن قبـل العـارف بهـا ـ ولو لحضوره حين الالتقاط ـ في دفعها إليه بدون حصول الاطمئنان بصدقه أو قيام البيّنة على ملكيته لها.
مسألة 356: مدة التعريف سنة كاملة إذا كان يرجو وجدان المالك، والأحوط مراعاة التتابع فيها فلا يلفقها من عدة سنوات، كأن يعرفها في كل سنة ثلاثة أشهر مثلاً؛ نعم لو تعذر التعريف عنها في أثناء السنة انتظر ارتفاع العذر ثم تممها من حيث قطعها دون أن يستأنفها من جديد.
هذا إذا كان يحتمل وجدان المالك كما يحتمل عدمه، أما إذا علم بأنه لو زاد على السنة مقداراً يسيراً ـ شهراً أو شهرين ـ لوجده، وجب عليه الزيادة، كما أنه لو علم أثناء السنة بعدم وجدانه وحصل له اليأس منه سقط عنه التعريف، لكن ليس له خيارٌ إلا وجوب التصدّق بها دون ضرورة لاستئذان الحاكم الشرعي.
مسألة 357: تجب المبادرة إلى التعريف من حين الالتقاط، فإن لم يبادر إليه عصى إلا أن يكون معذوراً، وفي حالتي المعذورية والعصيان لا يسقط عنه التعريف، بل تلزمه المبادرة إليه حين التوبة أو حين ارتفاع العذر إلا أن يكون التأخير قد طال إلى زمن لا يرجى فيه العثور على المالك بعدها، وحيئنذ يسقط التعريف ويجب عليه التصدّق بها، مع الاحتياط الوجوبي باستئذان الحاكم الشرعي.
مسألة 358: لا يعتبر في التعريف كيفية خاصة، إذ المهم أن يصدق عرفاً على الطريقة التي يعتمدها أنها مؤثّرة في إمكان الوصول إلى المالك وتعرُّفِه على ماله الضائع بدرجة يعتد بها، سواءً من حيث مكان التعريف من البلدة أو عدد مرات التعريف أسبوعياً أو كونه بالنداء باللسان أو بكتابة ورقة ووضعها في أماكن تجمع الناس أو بإذاعتها في وسائل الإعلام المستحدثة كالراديو والصحف والتلفزيون وغير ذلك من الكيفيات.
نعم، لا بد أن يكون التعريف في المكان الذي يقوى فيه احتمال وصول خبرها للمالك، فلا يتعين في موضع الإلتقاط، ففي مثل ما لو التقطها في بلدٍ، وعلم أن مالكها مسافر، وقد غادرها إلى بلد آخر، بحيث لا يجدي تعريفها في بلد الالتقاط، يجب عليه تعريفها في البلد الثاني مع الإمكان؛ وكذا لو التقطها في البريّة أو في طريق خارجي عام وعلم أن مالكها قد دخل بلداً بعينه، فإنه يلزمه تعريفها في ذلك البلد مع الإمكان.
مسألة 359: لا تعتبر مباشرة الملتقط للتعريف، بل يجوز له الاستنابة فيه مجاناً أو بالأجرة، ولا يسقط عنه التعريف إلا بعد الاطمئنان بقيام النائب به، فيما يسقط عنه إذا تبرع به عنه غيره بمجرد تبرعه، وتبرأ ذمته منه ولو لم يف المتبرع به. وفي هذا الصدد، فإنه لو رغب بدفعها للحاكم الشرعي أو وكيله جاز له ذلك، ولكن لا يسقط عنه التعريف، بل تبقى اللقطة أمانة في يد الحاكم إلى حين انتهاء السنة وتحديد ما سوف يختاره في أمرها بعد قيامه بالتعريف المطلوب.
مسألة 360: لا يستحق الملتقط على المالك أجرة على نفس قيامه بالتعريف حتى لو استأجر من ينوب عنه فيه، نعم إذا احتاج التعريف إلى بذل مال زائد، كأجرة الإعلان عنه أو الإنتقال من بلده إلى بلد التعريف، ولم يوجد متبرع به، كما لم يوجد نماء للّقطة يمكن استثماره بعد الاحتياط الوجوبي باستئذان الحاكم الشرعي باستثمار نمائها ومنافعها، ولو ببيع بعضها والإنفاق على التعريف عن الباقي، وجب عليه الإنفاق عليه من ماله، وجاز له الرجوع به على المالك إن نوى الرجوع عليه.
مسألة 361: لا يسقط تعريف اللقطة بضياعها من الملتقط ولا بتلفها عنده، سواء قبل شروعه في التعريف أو أثناءه، وتفصيل ذلك كما يلي:
أولاً: إذا ضاعت منه اللقطة فالتقطها غيره، وعلم أنها لقطة، ولم يعرف الملتقط ولا المالك، وجب عليه أن يعرّفها سنة، إلا أن يعلم أن الملتقط الأول قد عرّفها بعض السنة فيتم ما بقي منها؛ ثم إن ظهر مالكها دفعها إليه، وكذا إذ ظهر الملتقط الأول أثناء السنة، واطمأن بقيامه بواجب التعريف عنها بقية السنة بعد احتساب ما عرَّفه الملتقط الثاني منها؛ وإن لم يظهر أحدهما حتى مضت السنة تخير في أمرها بما سيأتي.
ثانياً: إذا تلفت العين عند الملتقط قبل شروعه بالتعريف أو أثناءه، فإن كـان بغيـر تعـد ولا تفريط سقط عنـه التعريـف وليس للمالك ـ إن عرَفَهُ بعد ذلك ـ شيء؛ وإن كان مع التعدي أو التفريط، ومنه ما لو أخل بالمبادرة إلى التعريف، ضمن العين، ولزمه التعريف عنها حتى يتبين المالك بعد السنة فيعوض عليه مثلها أو قيمتها، وإلا تخير فيها بما يناسبه مما سيأتي.
مسألة 362: إذا كانت العين مما يعرض عليها الفساد قبل مضي السنة وجب على الملتقط ما يلي:
أولاً: يجب عليه الإحتفاظ بها إلى حين يخشى عليها بعده من التلف، ثم يبيعها لغيره أو يقوّمها على نفسه، ولكن بعد استئذان الحاكم الشرعي بالبيع والتقويم على الأحوط وجوباً، ويحتفظ بثمنها لمالكها، إضافة إلى ذلك فإنه يجب عليه ـ على الأحوط ـ أن يعرّف عنها منذ التقاطها وحتى بعد بيعها إلى مضي السنة، بأن يحفظ صفاتها بعد بيعها ويستمر في التعريف عنها؛ فإذا ظهر مالكها دفع إليه ثمنها إن كان قد باعها لغيره، أو دفع له بدلها من المثل أو القيمة إذا كان قد أخذها هو، وإن لم يعرف مالكها بعد مضي السنة تخير فيها بما يناسبه مما سيأتي.
ثانياً: إذا لم يتيسر له بيعها، ولا رغب هو في أخذها، وجب عليه التصدق بها، ولكن بعد استئذان الحاكم الشرعي على الأحوط وجوباً، ويسقط عنه التعريف بقية السنة بعدما يكون قد احتاط وجوباً في التعريف عنها منذ التقاطها وقبل التصدق بها؛ ولا يضمن بدلها لمالكها إن عرفه بعد ذلك.
مسألة 363: إذا التقط في موضع الغربة، فإن كان محطة للسفر، كالمطارات ونحوها، جاز له السفر بها والتعريف عنها ـ مع إمكانه ـ في بلد المسافرين، وإن لم يكن منطلقاً للمسافرين ومحطة لهم لم يجز له السفر بها، بل يجب عليه وضعها عند أمين واستنابة من يوثق به في التعريف عنها؛ وكذا لو وجدها في بلده وأراد السفر، فإن عليه وضعها عند أمين واستنابة من يعرف عنها.
مسألة 364: إذا عرّفها سنة بالنحو المطلوب، ولم يظفر بالمالك، فإن كانت اللقطة في مكة المعظمة وما حولها من الحرم وجب عليه أن يتصدق بها عن مالكها على الأحوط وجوباً، وإن كانت في غيرها تخير بين أمور ثلاث:
الأول: أن يتملكها ويتصرّف فيها كما يشاء، لكن لو تبيّن مالكها بعد ذلك لزمه ردها إليه إن كانت عينها باقية، ورد بدلها ـ مثلاً أو قيمة ـ إن كانت تالفة.
الثاني: أن يتصدق بها عن مالكها بدون حاجة لاستئذان الحاكم الشرعي، وإذا تبيّن المالك بعد ذلك ورضي بالتصدق كان له ثواب الصدقة، وإن لم يرض به لزم الملتقط أن يغرم له مثل العين أو قيمتها، وليس للمالك أن يطالب المتصدَّق عليه بالعين إن كانت موجودة، كما ليس له الرجوع بالمثل أو القيمة عليه إن كانت تالفة.
الثالث: أن يبقيها أمانة عنده ما شاء ذلك، فإن ظهر مالكها دفعها إليه إن كانت موجودة، ولا يضمنها له إن كانت تالفة بغير تفريط منه ولا تعدٍ. وحيث يبقيها أمانة عنده فإن له أن يعدل عن عزمه هذا إلى أحد الخيارين الآخرين، فله أن يتملكها أو يتصدق بها وتكون مضمونة عليه في الحالين.
مسألة 365: إذا التقط الصبيُّ أو المجنونُ ما لا علامة له مما لا يقبل التعريف كان الولي هو الذي ينوي تملكها عنهما لهما، وليس له أن يحتاط استحباباً بالتصدق بها عنهما. وأما إذا كان لها علامة، ولزمه التعريف عنها بعد أخذهما لها وصيرورتها في عهدته، وعرف عنها بالنحو المطلوب، كانت اللقطة له لا لهما، وصار مخيراً بين أن يتملكها لنفسه أو يتصدق بها أو يبقيها أمانة عنده بالنحو المذكور في المسألة السابقة.
مسألة 366: إذا التقط اثنان لقطة واحدة، فإن لم تكن لها علامة جاز لهما تملُّكُها بالسوية، وإن كان لها علامة، وبلغت قيمتها درهماً فما زاد، وجب عليهما تعريفها حتى لو بلغت حصة كل واحد منهما أقل من درهم، فإن تصدى للتعريف أحدهما أو توزعا الحول بينهما بالتساوي أو بالتفاضل أو تبرع به عنهما متبرع فقد تأدى الواجب، فإذا مضت السنة واتفقا على واحد من الخيارات الثلاثة فهو خير، وكانت بينهما بالتساوي إن اختارا تملكها، كما يشتركان في ضمانها في حال تملكاها أو تصدقا بها إذا ظهر المالك بعد ذلك، وإن لم يتوافقا فالأحوط وجوباً عدم انفراد أحدهما بواحد من الخيارات الثلاثة. هذا إذا عرّفا عنها، وأما إذا تركا التعريف بدون عذر ضمناها ولم يسقط التعريف عنهما.
المطلب الثالث: في أحكامها العامة
وفيه مسائل:
مسألة 367: إذا عَرَفَ الملتقط مالـكَ اللقطـة ـ قبل التعريف أو أثناءه أو بعده ـ ولم يمكن إيصال اللقطة إليه ولا إلى وكيله، إن كان حياً، ولا إلى وارثه إن كان ميتاً، كما لم يمكن الاستئذان من أحدهم في كيفيّة التصرّف بها، فاللازم حفظها ما دام يرجو الوصول إلى مالكها، فإن يئس تصدق بها، والأحوط وجوباً أن يكون بإذن الحاكم الشرعي.
مسألة 368: ما يحصل للعين من نماء متصل أو منفصل بعد الإلتقاط يدفع للمالك مع العين إن تبيّن المالك، وأما إذا لم يتبيّن حتى مضت السنة فالنماء المتصل يتبع العين فيما سيختاره الملتقط من مصير لها، فيملكه إن تملك العين، ويعطيه الفقير إن تصدق بها، ويحفظه معها إن أبقاها أمانة عنده؛ وأما النماء المنفصل، فحيث إنه لم يكن لقطة كما هي العين، فإن الأحوط وجوباً اعتباره مالاً مجهول المالك والتصدق به بعد الاحتياط الوجوبي باستئذان الحاكم الشرعي عند اليأس من الوصول إلى مالكه؛ ومثال ذلك ما لو كانت اللقطة غرساً موضوعاً في ظرف خاص، فتعهده بالسقاية والرعاية في ظرفه حتى نما وأثمر، ومثل ما لو انتفع شخص بالعين غصباً أو جهلاً فضمن منفعتها للملتقط، ونحو ذلك.
مسألة 369: إذا احتاج حفظ اللقطة إلى بذل مال، وذلك كالغرسة التي تحتاج إلى الماء والدواء، وكالمال النفيس الذي يحتاج إلى حرز لا يتوفر لأمثاله إلا في أماكن خاصة تستأجر لإيداعه فيها، وما أشبه ذلك، فإن كان لها نماء، أو أمكن بيع بعضها لحفظ الباقي، جاز له الإنفاق عليها منه بعد الاحتياط وجوباً باستئذان الحاكم الشرعي، وإلا أنفق عليها من ماله ورجع به على المالك إذا نوى الرجوع عليه.
مسألة 370: إذا مات الملتقط، وكانت اللقطة ما تزال عنده، فإن كان بعد التعريف عنها واختيار إبقائها أمانة عنده قام الوارث مقامه في حفظها حتى ييأس من الوصول إلى مالكها، فيتصدق بها حينئذ، والأحوط وجوباً أن يكون بإذن الحاكم الشرعي، دون أن يكون له تملكها؛ وإن كان موته قبل التعريف عنها أو في أثنائه فليس للوارث أن يضع يده عليها بعنوان اللقطة ويُتم التعريف عنها ويتخير فيها بعد مضي السنة كأنه هو الملتقط، بل يجري عليها حكم مجهول المالك على الأحوط وجوباً، وهو لزوم التصدق بها بعد الاحتياط الوجوبي باستئذان الحاكم الشرعي.
مسألة 371: اللقطة أمانة في يد الملتقط، فلا يضمنها إذا تلفت إلا مع التعدي أو التفريط، وذلك كأن يرجعها إلى موضع التقاطها، أو يخل بالمبادرة إلى التعريف عنهـا؛ كما يضمنها إذا تملكها ـ أو تصـدق بهـا ـ بعد التعريف عنها؛ هذا، ولا يجوز له التصرف بالعين والانتفاع بها، ولو بقصد إبقاء عوض تلك المنافع للمالك، بل تكون يده عليها يد عدوان، ويضمن العين ومنافعها لمالكها، نعم إذا أذن له الحاكم الشرعي بذلك بصفته ولي الغائب صح تصرفه وضمن المنافع للمالك، وبخاصة إذا علم أن مالك اللقطة صبي أو مجنون.
ونريد بها لقطة غير الحيوان من الأموال، وتفصيل أحكامها يقع في ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في ما به تتحقّق اللقطة
وفيه مسائل:
مسألة 344: لا يكون المال لقطة إلا بأمرين:
الأول: ضياع المال من مالكه بعد ما كان تحت سلطانه، وإحراز الواجد له لضياعه ولو من خلال الظروف والملابسات التي يظهر منها ضياعه، كمثل كونه في غير حرز، وملقى على الطريق أو غيرها مبعثراً أو مكبوباً، أو نحو ذلك من القرائن التي تشير إلى غفلة صاحبه عنه وفقدانه له، مما يصطلح عليه بـ (شاهد الحال).
فلا يعدّ من اللقطة المال المأخوذ من يد الغاصب والسارق، ولا المال المستعار إذا نسي المستعيرُ صاحبَه وجهله، ولا الحذاء المتبدل بغيره، ولا مال غيره الذي يأخذه غفلة واشتباهاً، ولا ما أشبه ذلك من الحالات التي يكون فيها المال (مفقوداً) لا (ضائعاً)، إذ ليس كل مفقود ضائعاً، بل غير الضائع إذا جُهلَ مالكه صار مجهول المالك، وأخْتَصَّ بأحكام أخرى تختلف عن أحكام اللقطة.
الثاني: أن يتحقّق بفعله عنوان الأخذ والإلتقاط ولو لم ينو به تحقيق عنوان اللقطة؛ فتجري أحكام اللقطة على ما لو أَخذَ مالاً بتوهم أنه له فتبيّن كونه ضائعاً من غيره؛ وعلى ما لو وَجدَ المال الضائع فطلب من غيره أن يناوله إياه فأخذه المأمور لنفسه، فإن الملتقط هو المأمور لأنه هو الآخذ لا الآمر رغم أنه سبب معرفته به، بل يعتبر المأمور هو الملتقط حتى في صورة ما لو ناوله للآمر وأخذه الآمر منه؛ هذا، ولا يأثم المأمور إذا أخذه لنفسه، لعدم تعلق حقٍ به للآمر، كما أنه يصح له انتزاعه منه بعد مناولته إياه إن شاء.
وعليه، فإنه لا يكفي في اللقطة ما لو وَجَدَ المال الضائع ورآه فدلَّ غيره عليه فأخذه، بل يكون الملتقط هو الآخذ لا الدالّ. وكذا لا يكفي فيها ما لو رآه فقلَّبهُ بعصاه أو برجله ليتعرف عليه ثم تركه، أو نحَّاه من جانب إلى جانب آخر، لكنَّ المال في هذا الفرض الأخير ـ وإن لم يكن لقطة ـ مضمون عليه إذا حدث عليه تلف أو نقص بسبب هذه التنحيـة، وعليـه ـ علـى كـل حـال ـ إعادته إلى مكانه.
مسألة 345: يعتبر في اللقطة كون الملتقط بالغاً عاقلاً لترتيب آثارها على الملتقط نفسه، لكن لو التقط الصبي أو المجنون لزم الوليَّ حفظها وترتيب الأثر عليها، وليس له التحلل منها بإرجاعها إلى موضعها أو أمره بإرجاعها، بل يأثم بذلك ويضمن.
مسألة 346: كل مال مملوك غير (ضائع) بالمعنى المتقدم، إذا جُهلَ مالكه ولم يكن عليه يد لأحد، لا يجوز لأحد أخذه، فإن أخذه كان غاصباً له ومضموناً عليه، إلا أن يكون في معرض التلف فيجب عليه أخذه بقصد حفظه، ويكون ـ عندئذ ـ أمانة شرعية في يد آخذه، فلا يضمن إلا مع التعدي أو التفريط. ثم إنه إذا أخذه ـ حيث يجوز أخذه أو لا يجوز ـ وجب عليه الفحص عن مالكه إذا احتمل الوصول إليه، فإن يئس من معرفته تصدق به، والأحوط وجوباً استئذان الحاكم الشرعي بالتصدق؛ هذا إذا كانت عينه مما يبقى، فإن كانت مما يسرع إليه الفساد سقط وجوب الحفظ والتعريف ولزم التصدق به أو بثمنه بعد الاحتياط الوجوبي بمراجعة الحاكم الشرعي، ولو تبين المالك بعد التصدّق ولم يرض به ضمن المتصدق مثله أو قيمته ـ علـى الأحـوط وجوبــاً ـ حتى في مورد جواز الأخذ أو وجوبه. (أنظر ـ لمزيد من التفصيل ـ الجزء الأول، ص: 542).
مسألة 347: كما لا تجري أحكام اللقطة على المال المجهول مالكه إذا لم يكن لأحد يد عليه، كذلك فإنها لا تجري على المال المذخور في الأرض، بل إن له أحكاماً خاصة تقدم ذكرها في باب الخمس من الجزء الأول ص: 534. وأما ما يوجد مطروحاً على الأرض ونحوها في القرى الدارسة والبيوت الخربة مما ليس مدفوناً فيها: فإنْ عُلم من بعض القرائن أنه لأهل العصور القديمة، بحيث صار يعدّ ـ عرفاً ـ بدون مالك، جاز تملكه لواجده؛ وإن ظهر من بعض القرائن أنه لبعض أهل العصور المتأخرة القريبة من زمن الواجد، وأنه مما يحتمل معرفة من كان مالكاً له، وجب عليه أن يفحص عنه، فإن عرفه وعرف له وارثاً دفعه إليه بالنحو الموافق لأحكام الميراث، وإن لم يعرف مالكه كان مالاً مجهول المالك، فيتصدّق به بعد الاحتياط الوجوبي بمراجعة الحاكم الشرعي؛ وإن ظهر له من القرائن أنه لأهل زمن الواجد، فإن أحرز كونه ضائعاً عن مالكه فهو لقطة، وإلاَّ جرى عليه حكم مجهول المالك.
مسألة 348: إذا وجد مالاً في منزله، ولم يعلم أنه له أو لغيره، فهو على نحوين:
الأول: أن يجده في واحدة من غرف المنزل، وله صورتان:
الأولى: أن يكون المكان مما لا يدخله غيره، أو يدخله غيره قليلاً، كغرفة نومه الخاصة به أو غرفة جلوسه العائلية، فالمال الملتقط له.
الثانية: أن تكون من الغرف التي يدخلها أناس كثيرون، كغرفة استقبال ضيوفه، فالمال لقطة.
الثاني: أن يجده في درجه الخاص مثلاً، وله ـ أيضاً ـ صورتان:
الأولى: أن يكون خاصاً به بحيث لا يستخدمه غيره، فالمال له.
الثانية: أن يكون مما تمتد إليه أيدٍ أخرى، فهو على وجهين:
1 ـ أن يكون المشارك له في الدرج واحداً؛ وحكمه أن يعرِّفه عليه، فإن عرفه وادّعى أنه له دفعه له، وإن أنكره فالمال لصاحب الدُرج، وإن تحير فلم يدر أنه له أو لغيره، فإن تصالحا عليه فهو خير، وإلا اقترعا عليه، فمن خرجت القرعة باسمه فهو له.
2 ـ أن يكون المشارك له فيه متعدداً، وهو ـ أيضاً ـ على وجهين:
أ ـ أن يكون العدد محصوراً؛ وعليه أن يعرِّفهم عليه، فإن أنكروه جميعاً فهو لواجده، وإن إدّعاه واحد دون غيره دفعه إليه، وإن ادّعوه جميعاً وتصالحوا فيما بينهم فهو خير، وإن لم يتصالحوا رجعوا إلى الحاكم الشرعي، وإن تحير الجميع فلم يعرفوا إن كان لهم أو ليس لهم اقترعوا عليه.
ب ـ أن يكون العدد غير محصور، وعليه أن يتعامل معه معاملة المال المجهول مالكه.
نعم إذا ترجح عنده احتمال كونه له بنسبة يعتد بها، بحيث يخرج العدد غير المحصور عن إبهامه وتضيق دائرته لزمه التعاطي معه على النحو التالي:
إذا كانت نسبة الاحتمال ـ مثلاً ـ خمسة من مئة، فذلك يعني وجود آخرين يحتمل أنه لهم بعدد هذه النسبة إلى المئة، وهم عشرون، (أي: 100 ÷ 5 = 20)، فيجعل عشرين ورقة، ويكتب إسمه على واحدة منها ثم يقترع، فإن خرج إسمه فالمال له، وإن خرجت ورقةٌ بيضاءٌ فالمال ليس له، فيصير المالك مجهولاً؛ وهكذا نمضي على هذا النحو، فلو كانت نسبة كونه له هي عشرة من مئة، فعدد أوراق القرعة عشرة، وإن كانت ثلاثين فعدد الأوراق ثلاثة أو أربعة، وهكذا.
مسألة 349: إذا دخل داراً يسكنها غيره فوجد مالاً مطروحاً فيها بنحو يظهر منه أنه مفقود من صاحبه، فإذا التقطه عرَّفه ساكن الدار فإن ادّعاه أو تحير في أمره دفعه إليه بدون بيّنة حتى لو كان غاصباً للدار، وإن أنكره وكانت العين في موضع يدخله كثيرون فهو لقطة، وإلا فهو مال مجهول المالك. (أنظر في مجهول المالك المسألة: 346).
مسألة 350: لا يعتبر من اللقطة المال الذي يعرض عنه صاحبه، والإعراض هو: (العزم المقترن بالفعل على إخراج المالك شيئاً عن ملكه)، فيخرج بالإعراض عنه عن ملكه ويرجع إلى الإباحة، فإذا وجده واجد فأخذه ملكه، وليس للمالك ـ حينئذ ـ الرجوع به من آخذه؛ وذلك بدون فرق بين ما أعرض عنه اختياراً، كالأثاث الذي يستبدل غيره به فيستغني عنه ويجعله على قارعة الطريق ليأخذه من يرغب به، والسيارة التي يستهلكها صاحبها فيدعها، ونحو ذلك، وبين ما اضطُر للإعراض عنه، كالدابة التي تعجز عن المسير فيدعها المسافر، وكالسيارة التي تتحطم بحادث فتصير كلفة نقلها إلى محل إقامته أكثر من ثمنها، فيدعها ويعرض عنها، ونحو ذلك.
هذا، ولا بد من إحراز الواجد إعراض المالك عن المال، ولو من خلال القرائن الدالة على ذلك، ومنها وضعه في أماكن طرح النفايات، أو وجود السيارة المحطمة في برّية وقد تقادم عليها العهد، ونحو ذلك مما يختلف باختلاف الأشياء المُعرَض عنها.
مسألة 351: إذا كان المال مما تجري عليه أحكام اللقطة جاز لواجده التقاطه وأخذه، لكن يكره التقاط ما يكون له قيمة معتد بها ويطلبه صاحبه من أجلها، وتشتد الكراهة فيما يلتقط منها في مكة المكرمة وما جاورها من الأمكنة الداخلة في حد ما يصطلح عليه بـ (حرم مكة)، فإن كان المال من القلة بحيث يتضاءل احتمال طلب صاحبه له، ويعرض عنـه ـ عـادة ـ بعد ضياعـه، فلا كراهة في التقاطه ولو كان بمقدار الدرهم أو أكثر.
المطلب الثاني: في التعريف عنها
وفيه مسائل:
مسألة 352: يختلف حال اللقطة من حيث إمكان التعريف عنها وعدمه على حالتين:
الأولى: أن تكون للعين الملتقطة صفات تتميز بها عن أمثالها في النوع بنحو لو ذكر الملتقط بعضها لأمكن لمالكها ذكر سائرها مما يدل على معرفته بها وكونها له؛ فإذا بلغ مقدارها درهماً فما فوق وجب على الملتقط ـ هنا ـ تعريفها لمدة سنة وبكيفيّة خاصة، فيتخير بعدها بين ثلاثة أمور، على ما سنذكر تفصيله لاحقاً.
الثانية: أن لا يكون لها صفات تعرف بها، وذلك كمثل غالب المصنوعات في المصانع الحديثة مما يصعب معه تمييز أفراد أنواعه وأصنافه عن بعضها؛ فيجوز ـ في هذه الحال ـ أن يتملكها واجدها مهما كانت قيمتها أزيد من الدرهم، وإن كان الأحوط استحباباً التصدق بها عن صاحبها، وأحوط استحباباً منه أن يكون التصدّق بإذن الحاكم الشرعي.
مسألة 353: لا يجب تعريف ما له علامة من اللقطة إلا بتوفر أمور ثلاثة:
الأول: أن تكون قيمة اللقطة درهماً شرعياً فما زاد. والمراد بالدرهم ما يساوي وزنه من الفضة زنة اثنتي عشرة حبة من الحمص وستةً من عشرة أجزاء من الحبة، وهو ما قدَّره بعض الباحثين بالغرام المتعارف في زماننا بحوالي (5/2) أي: غرامان ونصف الغرام. والمعيار في قيمتها على مكان الإلتقاط وزمانه، لا على غيرهما من الأمكنة والأزمنة. فإن كانت قيمتها دون الدرهم لم يجب عليه تعريفها ولا الاحتفاظ بها، بل يجب عليه التصدق بها على الأحوط.
الثاني: أن يحتمل الواجد تحقّق فائدة من التعريف ويرجو به معرفة المالك، فلو اطمأن إلى عدم الفائدة منه، كما في الملتقط في البراري القفراء، أو في الطرقات العامة التي يسلكها المسافرون من شتى البلدان، أو في محطات السفر من المطارات ونحوها، مما يُحرز معه سفرُ مالكها إلى جهة غير معروفة لا يصله خبرها إنْ عرَّفها، سقط وجوب التعريف، ولزمـه ـ علـى الأحـوط وجوبـاً ـ أن يحتفظ بها حتى يحصل له اليأس من الوصول إليه، ولو لرجاء تصدي المالك بنفسه للسؤال عنها، وبخاصة إذا كانت غالية الثمن، فيتصدّق بها بعدئذ عن مالكها دون ضرورة لاستئذان الحاكم الشرعي؛ فإن تبيّن مالكها بعد التصدق ولم يرض به ضمن له قيمتها حين الأداء إن كانت قيمية، أو مثلها إن كانت مثلية.
الثالث: أن يكون في ظرف يأمن على نفسه خطر الإتهام بالسرقة، فلو خاف على نفسه التعرض لخطر التهمة بالسرقة، من هتك الحرمة أو الحبس، سقط عنه التعريف وكان حكمه كحكمه في الأمر الثاني.
مسألة 354: المعيار في التعريف الواجب، ذكر المال بنوعه أو صنفه أو بعض صفاته مع بقاء شيء منها مبهماً غير واضح، بنحو إذا سمعه المالك احتمل احتمالاً معتداً به أن يكون المال المعثور عليه له، فإذا ذكر سائر صفاته دل ذلك على كونه مالكه فيدفعه إليه؛ وإنما وجب الاقتصار على ذكر بعض الصفات لأنه لو ذكر في التعريف جميع صفات الشيء، أو أراه لكل راغب لأمكن ادّعاء غير الصادق ملكيته له، فلا يبقى مجال لمعرفة المالك. هذا، ويكفي في تعرّف المالك عليه ذكـر ما يلتفت إليـه المالـك ـ عـادة ـ منها، كلون الثوب وشكله، دون ضرورة لذكره ما لا يلتفت إليه، كعدد عرواته مثلاً. وكذا يكفي في كون الشيء مما له علامةٌ اشتماله على بعض خصوصيات خارجية، وإنْ كان في ذاته مما لا علامة له، فمثل المقدار من المال يمكن التعرُّف عليه بذكر صاحبه لعدد أوراقه أو قطعه، وبكونها موجودة في حافظة أو بدونها، ونحو ذلك.
مسألة 355: لمَّا كان الهدف من التعريف هو حصول الاطمئنان عند الواجد بملكية المتعرف على اللقطة لها، فإنه لو فرض اطّلاع شخص عليها فادعاها، وعُلم صدقه، كفى ذلك في سقوط التعريف، ووجب دفعها إليه؛ وكذا لو اطلعت البيّنة على اللقطة فشهدت بأنها لفلان وجب دفعها إليه. وذلك من دون فرق ـ في الموردين ـ بين ما لو كان الادّعاء قبل التعريف أم بعده أم في أثنائه. وبناءً عليه فإنه لا يكفي مجـرد الادّعـاء لهـا مـن قبـل العـارف بهـا ـ ولو لحضوره حين الالتقاط ـ في دفعها إليه بدون حصول الاطمئنان بصدقه أو قيام البيّنة على ملكيته لها.
مسألة 356: مدة التعريف سنة كاملة إذا كان يرجو وجدان المالك، والأحوط مراعاة التتابع فيها فلا يلفقها من عدة سنوات، كأن يعرفها في كل سنة ثلاثة أشهر مثلاً؛ نعم لو تعذر التعريف عنها في أثناء السنة انتظر ارتفاع العذر ثم تممها من حيث قطعها دون أن يستأنفها من جديد.
هذا إذا كان يحتمل وجدان المالك كما يحتمل عدمه، أما إذا علم بأنه لو زاد على السنة مقداراً يسيراً ـ شهراً أو شهرين ـ لوجده، وجب عليه الزيادة، كما أنه لو علم أثناء السنة بعدم وجدانه وحصل له اليأس منه سقط عنه التعريف، لكن ليس له خيارٌ إلا وجوب التصدّق بها دون ضرورة لاستئذان الحاكم الشرعي.
مسألة 357: تجب المبادرة إلى التعريف من حين الالتقاط، فإن لم يبادر إليه عصى إلا أن يكون معذوراً، وفي حالتي المعذورية والعصيان لا يسقط عنه التعريف، بل تلزمه المبادرة إليه حين التوبة أو حين ارتفاع العذر إلا أن يكون التأخير قد طال إلى زمن لا يرجى فيه العثور على المالك بعدها، وحيئنذ يسقط التعريف ويجب عليه التصدّق بها، مع الاحتياط الوجوبي باستئذان الحاكم الشرعي.
مسألة 358: لا يعتبر في التعريف كيفية خاصة، إذ المهم أن يصدق عرفاً على الطريقة التي يعتمدها أنها مؤثّرة في إمكان الوصول إلى المالك وتعرُّفِه على ماله الضائع بدرجة يعتد بها، سواءً من حيث مكان التعريف من البلدة أو عدد مرات التعريف أسبوعياً أو كونه بالنداء باللسان أو بكتابة ورقة ووضعها في أماكن تجمع الناس أو بإذاعتها في وسائل الإعلام المستحدثة كالراديو والصحف والتلفزيون وغير ذلك من الكيفيات.
نعم، لا بد أن يكون التعريف في المكان الذي يقوى فيه احتمال وصول خبرها للمالك، فلا يتعين في موضع الإلتقاط، ففي مثل ما لو التقطها في بلدٍ، وعلم أن مالكها مسافر، وقد غادرها إلى بلد آخر، بحيث لا يجدي تعريفها في بلد الالتقاط، يجب عليه تعريفها في البلد الثاني مع الإمكان؛ وكذا لو التقطها في البريّة أو في طريق خارجي عام وعلم أن مالكها قد دخل بلداً بعينه، فإنه يلزمه تعريفها في ذلك البلد مع الإمكان.
مسألة 359: لا تعتبر مباشرة الملتقط للتعريف، بل يجوز له الاستنابة فيه مجاناً أو بالأجرة، ولا يسقط عنه التعريف إلا بعد الاطمئنان بقيام النائب به، فيما يسقط عنه إذا تبرع به عنه غيره بمجرد تبرعه، وتبرأ ذمته منه ولو لم يف المتبرع به. وفي هذا الصدد، فإنه لو رغب بدفعها للحاكم الشرعي أو وكيله جاز له ذلك، ولكن لا يسقط عنه التعريف، بل تبقى اللقطة أمانة في يد الحاكم إلى حين انتهاء السنة وتحديد ما سوف يختاره في أمرها بعد قيامه بالتعريف المطلوب.
مسألة 360: لا يستحق الملتقط على المالك أجرة على نفس قيامه بالتعريف حتى لو استأجر من ينوب عنه فيه، نعم إذا احتاج التعريف إلى بذل مال زائد، كأجرة الإعلان عنه أو الإنتقال من بلده إلى بلد التعريف، ولم يوجد متبرع به، كما لم يوجد نماء للّقطة يمكن استثماره بعد الاحتياط الوجوبي باستئذان الحاكم الشرعي باستثمار نمائها ومنافعها، ولو ببيع بعضها والإنفاق على التعريف عن الباقي، وجب عليه الإنفاق عليه من ماله، وجاز له الرجوع به على المالك إن نوى الرجوع عليه.
مسألة 361: لا يسقط تعريف اللقطة بضياعها من الملتقط ولا بتلفها عنده، سواء قبل شروعه في التعريف أو أثناءه، وتفصيل ذلك كما يلي:
أولاً: إذا ضاعت منه اللقطة فالتقطها غيره، وعلم أنها لقطة، ولم يعرف الملتقط ولا المالك، وجب عليه أن يعرّفها سنة، إلا أن يعلم أن الملتقط الأول قد عرّفها بعض السنة فيتم ما بقي منها؛ ثم إن ظهر مالكها دفعها إليه، وكذا إذ ظهر الملتقط الأول أثناء السنة، واطمأن بقيامه بواجب التعريف عنها بقية السنة بعد احتساب ما عرَّفه الملتقط الثاني منها؛ وإن لم يظهر أحدهما حتى مضت السنة تخير في أمرها بما سيأتي.
ثانياً: إذا تلفت العين عند الملتقط قبل شروعه بالتعريف أو أثناءه، فإن كـان بغيـر تعـد ولا تفريط سقط عنـه التعريـف وليس للمالك ـ إن عرَفَهُ بعد ذلك ـ شيء؛ وإن كان مع التعدي أو التفريط، ومنه ما لو أخل بالمبادرة إلى التعريف، ضمن العين، ولزمه التعريف عنها حتى يتبين المالك بعد السنة فيعوض عليه مثلها أو قيمتها، وإلا تخير فيها بما يناسبه مما سيأتي.
مسألة 362: إذا كانت العين مما يعرض عليها الفساد قبل مضي السنة وجب على الملتقط ما يلي:
أولاً: يجب عليه الإحتفاظ بها إلى حين يخشى عليها بعده من التلف، ثم يبيعها لغيره أو يقوّمها على نفسه، ولكن بعد استئذان الحاكم الشرعي بالبيع والتقويم على الأحوط وجوباً، ويحتفظ بثمنها لمالكها، إضافة إلى ذلك فإنه يجب عليه ـ على الأحوط ـ أن يعرّف عنها منذ التقاطها وحتى بعد بيعها إلى مضي السنة، بأن يحفظ صفاتها بعد بيعها ويستمر في التعريف عنها؛ فإذا ظهر مالكها دفع إليه ثمنها إن كان قد باعها لغيره، أو دفع له بدلها من المثل أو القيمة إذا كان قد أخذها هو، وإن لم يعرف مالكها بعد مضي السنة تخير فيها بما يناسبه مما سيأتي.
ثانياً: إذا لم يتيسر له بيعها، ولا رغب هو في أخذها، وجب عليه التصدق بها، ولكن بعد استئذان الحاكم الشرعي على الأحوط وجوباً، ويسقط عنه التعريف بقية السنة بعدما يكون قد احتاط وجوباً في التعريف عنها منذ التقاطها وقبل التصدق بها؛ ولا يضمن بدلها لمالكها إن عرفه بعد ذلك.
مسألة 363: إذا التقط في موضع الغربة، فإن كان محطة للسفر، كالمطارات ونحوها، جاز له السفر بها والتعريف عنها ـ مع إمكانه ـ في بلد المسافرين، وإن لم يكن منطلقاً للمسافرين ومحطة لهم لم يجز له السفر بها، بل يجب عليه وضعها عند أمين واستنابة من يوثق به في التعريف عنها؛ وكذا لو وجدها في بلده وأراد السفر، فإن عليه وضعها عند أمين واستنابة من يعرف عنها.
مسألة 364: إذا عرّفها سنة بالنحو المطلوب، ولم يظفر بالمالك، فإن كانت اللقطة في مكة المعظمة وما حولها من الحرم وجب عليه أن يتصدق بها عن مالكها على الأحوط وجوباً، وإن كانت في غيرها تخير بين أمور ثلاث:
الأول: أن يتملكها ويتصرّف فيها كما يشاء، لكن لو تبيّن مالكها بعد ذلك لزمه ردها إليه إن كانت عينها باقية، ورد بدلها ـ مثلاً أو قيمة ـ إن كانت تالفة.
الثاني: أن يتصدق بها عن مالكها بدون حاجة لاستئذان الحاكم الشرعي، وإذا تبيّن المالك بعد ذلك ورضي بالتصدق كان له ثواب الصدقة، وإن لم يرض به لزم الملتقط أن يغرم له مثل العين أو قيمتها، وليس للمالك أن يطالب المتصدَّق عليه بالعين إن كانت موجودة، كما ليس له الرجوع بالمثل أو القيمة عليه إن كانت تالفة.
الثالث: أن يبقيها أمانة عنده ما شاء ذلك، فإن ظهر مالكها دفعها إليه إن كانت موجودة، ولا يضمنها له إن كانت تالفة بغير تفريط منه ولا تعدٍ. وحيث يبقيها أمانة عنده فإن له أن يعدل عن عزمه هذا إلى أحد الخيارين الآخرين، فله أن يتملكها أو يتصدق بها وتكون مضمونة عليه في الحالين.
مسألة 365: إذا التقط الصبيُّ أو المجنونُ ما لا علامة له مما لا يقبل التعريف كان الولي هو الذي ينوي تملكها عنهما لهما، وليس له أن يحتاط استحباباً بالتصدق بها عنهما. وأما إذا كان لها علامة، ولزمه التعريف عنها بعد أخذهما لها وصيرورتها في عهدته، وعرف عنها بالنحو المطلوب، كانت اللقطة له لا لهما، وصار مخيراً بين أن يتملكها لنفسه أو يتصدق بها أو يبقيها أمانة عنده بالنحو المذكور في المسألة السابقة.
مسألة 366: إذا التقط اثنان لقطة واحدة، فإن لم تكن لها علامة جاز لهما تملُّكُها بالسوية، وإن كان لها علامة، وبلغت قيمتها درهماً فما زاد، وجب عليهما تعريفها حتى لو بلغت حصة كل واحد منهما أقل من درهم، فإن تصدى للتعريف أحدهما أو توزعا الحول بينهما بالتساوي أو بالتفاضل أو تبرع به عنهما متبرع فقد تأدى الواجب، فإذا مضت السنة واتفقا على واحد من الخيارات الثلاثة فهو خير، وكانت بينهما بالتساوي إن اختارا تملكها، كما يشتركان في ضمانها في حال تملكاها أو تصدقا بها إذا ظهر المالك بعد ذلك، وإن لم يتوافقا فالأحوط وجوباً عدم انفراد أحدهما بواحد من الخيارات الثلاثة. هذا إذا عرّفا عنها، وأما إذا تركا التعريف بدون عذر ضمناها ولم يسقط التعريف عنهما.
المطلب الثالث: في أحكامها العامة
وفيه مسائل:
مسألة 367: إذا عَرَفَ الملتقط مالـكَ اللقطـة ـ قبل التعريف أو أثناءه أو بعده ـ ولم يمكن إيصال اللقطة إليه ولا إلى وكيله، إن كان حياً، ولا إلى وارثه إن كان ميتاً، كما لم يمكن الاستئذان من أحدهم في كيفيّة التصرّف بها، فاللازم حفظها ما دام يرجو الوصول إلى مالكها، فإن يئس تصدق بها، والأحوط وجوباً أن يكون بإذن الحاكم الشرعي.
مسألة 368: ما يحصل للعين من نماء متصل أو منفصل بعد الإلتقاط يدفع للمالك مع العين إن تبيّن المالك، وأما إذا لم يتبيّن حتى مضت السنة فالنماء المتصل يتبع العين فيما سيختاره الملتقط من مصير لها، فيملكه إن تملك العين، ويعطيه الفقير إن تصدق بها، ويحفظه معها إن أبقاها أمانة عنده؛ وأما النماء المنفصل، فحيث إنه لم يكن لقطة كما هي العين، فإن الأحوط وجوباً اعتباره مالاً مجهول المالك والتصدق به بعد الاحتياط الوجوبي باستئذان الحاكم الشرعي عند اليأس من الوصول إلى مالكه؛ ومثال ذلك ما لو كانت اللقطة غرساً موضوعاً في ظرف خاص، فتعهده بالسقاية والرعاية في ظرفه حتى نما وأثمر، ومثل ما لو انتفع شخص بالعين غصباً أو جهلاً فضمن منفعتها للملتقط، ونحو ذلك.
مسألة 369: إذا احتاج حفظ اللقطة إلى بذل مال، وذلك كالغرسة التي تحتاج إلى الماء والدواء، وكالمال النفيس الذي يحتاج إلى حرز لا يتوفر لأمثاله إلا في أماكن خاصة تستأجر لإيداعه فيها، وما أشبه ذلك، فإن كان لها نماء، أو أمكن بيع بعضها لحفظ الباقي، جاز له الإنفاق عليها منه بعد الاحتياط وجوباً باستئذان الحاكم الشرعي، وإلا أنفق عليها من ماله ورجع به على المالك إذا نوى الرجوع عليه.
مسألة 370: إذا مات الملتقط، وكانت اللقطة ما تزال عنده، فإن كان بعد التعريف عنها واختيار إبقائها أمانة عنده قام الوارث مقامه في حفظها حتى ييأس من الوصول إلى مالكها، فيتصدق بها حينئذ، والأحوط وجوباً أن يكون بإذن الحاكم الشرعي، دون أن يكون له تملكها؛ وإن كان موته قبل التعريف عنها أو في أثنائه فليس للوارث أن يضع يده عليها بعنوان اللقطة ويُتم التعريف عنها ويتخير فيها بعد مضي السنة كأنه هو الملتقط، بل يجري عليها حكم مجهول المالك على الأحوط وجوباً، وهو لزوم التصدق بها بعد الاحتياط الوجوبي باستئذان الحاكم الشرعي.
مسألة 371: اللقطة أمانة في يد الملتقط، فلا يضمنها إذا تلفت إلا مع التعدي أو التفريط، وذلك كأن يرجعها إلى موضع التقاطها، أو يخل بالمبادرة إلى التعريف عنهـا؛ كما يضمنها إذا تملكها ـ أو تصـدق بهـا ـ بعد التعريف عنها؛ هذا، ولا يجوز له التصرف بالعين والانتفاع بها، ولو بقصد إبقاء عوض تلك المنافع للمالك، بل تكون يده عليها يد عدوان، ويضمن العين ومنافعها لمالكها، نعم إذا أذن له الحاكم الشرعي بذلك بصفته ولي الغائب صح تصرفه وضمن المنافع للمالك، وبخاصة إذا علم أن مالك اللقطة صبي أو مجنون.