ونريد به بيان الركائز التي اعتمدتها الشريعة في تعيين مقدار حصة كل وارث، وذلك لأننا بعد استقراء ما ورد في ذلك من أحكام وجدنا أن الشريعة قد عينت لبعض الورثة نصيباً محدداً منصوصاً عليه، رغم أن النص عليه لم يمنع ـ أحياناً ـ من الزيادة عليه أو النقص عنه، وهو ما يصطلح عليه بــ (الفرض)؛ في حين لم (تفرض) لآخرين حصة محددة، فترى حصتهم تزيد تارة وتنقص أخرى، لأن الشريعة أعطتهم ما يبقى بعد أخذ أصحاب الفروض ما فرض لهم، وهو ما يرجع إلى أمرين: الأول: إلى ما يصطلحُ عليه بــ (القرابة)، أي: إن حصتهم يأخذونها بالغة ما بلغت في قلتها أو كثرتها لقرابتهم، دون أن يفرض لهم سهم معين، وهو مجرد مصطلحٍ يُراد به تمييز هذا الوارث عن غيره ممن يرث بالفرض أو بالولاء. الثاني: ما يرجع إلى الولاء، وهو الوارث الذي لا يرث بالفرض ولا بالقرابة، بل بالولاء. وهذا الاختلاف في موجبات وركائز تعيين حصص الورثة قد صار سبباً في تقسيم الوارث من هذه الجهة إلى خمسة أقسام، وصار يسمى الوارث باسم القسم الذي هو منه، فقيل: هذا الوارث يرث بالفرض، و: هذا يرث بالقرابة، وهكذا. وفيما يلي سوف نتعرض لهذا وغيره من الموضوعات المناسبة لهذا المبحث في ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في الفرض وأنواعه وفي تفصيل أرباب الفروض
مسألة 998: الفرض هو: (السهم المقدَّر لبعض الورثة بالنص عليه في القرآن الكريم)، وهو ستة سهام: ثلثان، ونصف، وثلث، وربع، وسدس، وثمن؛ وهي فرضٌ لثلاثة عشر نوعاً من الوارثين:
فالثلثان فرضٌ لمن يلي:
1 ـ للبنتين ـ فصاعداً ـ مع عدم الإبن المساوي، ويراد بــ (المساوي): (من يكون مثلَهما في التولُّد من الأبوين معاً أو من الأب وحده)، فشرط ثبوت الثلثين للبنتين هو انفرادهما عن الولد المساوي لهما، فلا يضر بانفرادهما وجود ولد غير مساوٍ لهما، كما سيأتي تفصيله.
2 ـ للأختين ـ فصاعداً ـ عند انفرادهن عن الأخ المساوي لهن، سواء في ذلك ما لو كنّ مع الأخ المورِّث لأبوين، أو كن معه لأب واحد في صورة فقد الإخوة والأخوات من الأبوين، حيث لا يرث الإخوة من الأب مع وجود أخ أو أخت من الأبوين، كما سيأتي.
والنصف فرض لمن يلي:
1 ـ للبنت الواحدة إذا انفردت ولم يكن معها إبن مساوٍ لها.
2 ـ للأخت الواحدة إذا انفردت ولم يكن معها أخ مساوٍ لها، سواءً كانت للأبوين، أو كانت للأب دون الأم.
3 ـ للزوج، حيث لا يوجد إبن لزوجته ولو من غيره، وإن نزل، أي: كان حفيداً لها أو سِبْطاً، مهما تعددت الوسائط نزولاً.
والثلث فرض لمن يلي:
1 ـ للأم مع عدم وجود ولد للميت وإن نزل، وكذا مع عدم الإخوة إن كان معها الأب.
2 ـ للاثنين ـ فصاعـداً ـ من الإخوة من الأم، ذكوراً كانوا أو إناثاً أو مختلفين.
والربع فرض لمن يلي:
1 ـ للزوج مع وجود ولد للزوجة ولو من غيره، سواء كان الولد مباشراً أو حفيداً أو سبطاً، ومهما نزل.
2 ـ للزوجة مع عدم الولد لزوجها ولو من غيرها، مهما نزل؛ فإن كانت واحدةً كان جميعه لها، وإن كان له أكثر من زوجة تقاسمنه فيما بينهن بالسوية.
والسدس فرض لمن يلي:
1 ـ لكل واحد من الأبوين مع الولد وإن نزل.
2 ـ للأم إذا كان معها الأب، وكان معها ـ أيضاً ـ إخوة للميت من أبويه أو من أبيه.
3 ـ للأخ من الأم إذا انفرد بالميراث، وكذا للأخت الواحدة من الأم إذا انفردت به.
والثمن فرضٌ لمن يلي:
1 ـ للزوجة مع الولد للزوج ولو من غيرها، مهما نزل الولد، فإن كانت واحدة كان لها جميعه، وإن تعددت تقاسمنه بالسوية.
فهذه ستة سهام موزعة على ثلاثة عشر نوعاً من الورثة.
المطلب الثاني: في أقسام الورثة من جهة نوع الحصة
وذلك أن ما ذكرناه في المطلب السابق من السهام المفروضة والورثة المفروض لهم لا يعني اقتصارهم في الاستحقاق على ما فرض لهم، بل إن الكثيرين منهم يـرث ـ أيضـاً ـ بالقرابة زيادة عما أخذه بالفرض في بعض الحالات، كما أن منهم من لا يرث أزيد من فرضه، كما أن غيرهم من الورثة ممن لا يرث بالفرض هو ممن يرث بالقرابة وحدها، وبعضهم لا يرث بالفرض ولا بالقرابة، بل بالولاء، فاستدعى ذلك ذكر هذه الأقسام في هذا المطلب المستقل، فنقول:
مسألة 999: إن الـوارث بالنسب أو السبب ـ من حيث كونه ممن يرث بالفرض أو بالقرابة أو بغيرهما ـ هو على أقسام خمسة:
الأول: من يرث بالفرض ـ لا غير ـ دائماً، وهو الزوجة فإِن لها الربع مع عدم الولد، والثمن معه، ولا يُردّ عليها أبداً.
الثاني: من يرث بالفرض دائماً وربما ورث معه بالردّ، كالأم فإنَّ لها السدس مع الولد والثلث مع عدمه إذا لم يكن حاجب، وربما يُردّ عليها ما هو زائد على الفرض، كما إذا زادت الفريضة على السهام. وكالزوج فإنه يرث الربع مع الولد والنصف مع عدمه، ويردّ عليه الباقي إذا لم يكن وارث إلاّ الإمام..
الثالث: من يرث بالفرض تارة وبالقرابة أخرى، كالأب فإنه يرث بالفرض مع وجود الولد وبالقرابة مع عدمه، والبنت والبنات فإنهن يرثن مع الابن بالقرابة وبدونه بالفرض، والأخت والأخوات للأب أو للأبوين فإنهن يرثن مع الأخ بالقرابة ومع عدمه بالفرض، وكالإخوة والأخوات من الأم فإنهم يرثون بالفرض إذا لم يكن جد للأم وبالقرابة معه.
الرابع: من لا يرث إلاّ بالقرابة، كالإبن، والإخوة للأبوين أو للأب، والجد والأعمام والأخوال.
الخامس: من لا يرث بالفرض ولا بالقرابة بل يرث بالولاء، وهو المُعتِق، وضامن الجريرة، والإمام y أو نائبه العام في زمن غيبته y.
هذا وسوف يأتي ذكر ذلك مفصلاً عند الحديث عن توزيع الميراث على الورثة حسب طبقاتهم.
المطلب الثالث: في حكم زيادة الفروض على التركة ونقصها عنها
لا يخفى أن الأقسام الخمسة التي ذكرناها للوارث في المطلب السابق تجتمع جميعها أو معظمها في أكثر حالات الميراث، وسوف لن تحدث مشكلة إذا وسعت التركة أصحاب السهام بأنواعها، أي ما كان منها بالفرض أو بالقرابة أو بالولاء، ولو بأن يُرَدَّ الزائد عن السهام المفروضة على نفس أصحاب السهام؛ إنما تحدث المشكلة في صورة ما لو كان الجميع من ذوي الفروض وزادت عن التركة أو نقصت، فكيف نوفق بين حقوق الورثة المفروضة وبين التركة؟ وقد جرى الفقهاء على تخصيص هذه المسألة بالذكر رغم أن حكمها سيذكر في ثنايا البحوث القادمة، ربما لأن بعض فروعها قد صارت موضع نزاع بين المذاهب الإسلامية، فاقتضى ذلك إلفات النظر إليها وإبرازها، كما وأن فيها نوعاً من المواكبة لعموم المسائل التفصيلية على نحو التمهيد لها ببعض القواعد العامة التي تُعدُّ هذه منها، وجرياً منّا على ما جَرَوْا عليه نقول:
مسألة 1000: إذا تعدد الورثة اختلفت حالهم من حيث كونهم من ذوي الفروض أوْ لا على أنحاء:
الأول: أن يكون بعضهم من ذوي الفروض وبعضهم من غيرهم، أي: ممن يرث بالقرابة أو بالولاء، فسيأتي أنه يعطى ذو الفرض فرضه ويقدم على غيره، وما بقي عنه يعطى لغيره ممن يرث بالقرابة أو الولاء، وهذا هو حال أكثر حالات الميراث.
الثاني: أن يكونوا جميعاً ممن يرث بالقرابة أو بالولاء، أي: من غير ذوي الفروض، كما لو مات عن أولاد ذكور وإناث، فإنهم يتوزعون المال بينهم بالنحو الذي سيأتي تفصيله لاحقاً.
الثالث: أن يكونوا جميعاً من ذوي الفروض، وتكونَ فروضهم مساوية للتركة، فيأخذ كل ذي فرض سهمه بالنحو الذي بيناه سابقاً والذي سنزيده تفصيلاً لاحقاً.
وجميع هذه الأنحاء الثلاثة لا مشكلة فيها كما هو واضح.
الرابع: أن يكونوا جميعاً من ذوي الفروض، وتكون فروضهم زائدة على التركة، كأن ترك الميِّتُ ـ إذا كان امرأة ـ زوجاً وأبوين وبنتين، فإن السهام الثابتة لهم هي: الربع والسدسان والثلثان، وهي زائدة على التركة؛ وحُكمنا في هذه المسألة أن النقص يدخل فيها على بعضهم دون البعض الآخر، فإذا كان الجميع من الطبقة الأولى، كما في المثال المتقدم، دخل النقص على البنت أو البنتين، وإن كانوا من الطبقة الثانية دخل النقص على المتقرب بالأبوين، وذلك كما لو ترك الميت زوجاً وأختاً من الأبوين وأختين من الأم، فإن سهم الزوج هو النصف، وسهم الأخت هو النصف أيضاً، وسهم الأختين الثلث، ومجموعها زائد على التركة، فيدخل النقص على الأخت التي هي من الأبوين، دون الزوج ودون الأختين من الأم.
في حين أن حكمها عند بعض المذاهب الإسلامية هو وُرود النقص على كل واحدٍ من ذوي الفروض على نسبة فرضه، وهذا هو الذي يصطلح عليه عندهم بــ (العَوْل).
الخامس: أن يكونوا جميعاً من ذوي الفروض، وتكون فروضهم ناقصة عن التركة، بحيث تستوعبُ سهامَهم ويبقى من التركة بقية، وذلك كما لو ترك بنتاً واحدة، فإن لها النصف بالفرض كما هو معلوم، وأما النصف الباقي فإنَّ رأْيَ (الإمامية) فيه أن يُردَّ على البنت فتستحقُّه بالقرابة زيادةً عما استحقتْه بالفرض؛ وأما رأي بعض المذاهب الإسلامية فهو إعطاؤه لما يُعرف بــ (العَصَبَة)، والعصبة هم: (الذكور الذين ينتسبون إلى الميت بغير واسطة، أو بواسطة الذكور، كالعم وعم الأب ونحوهما)، وربما عمموا العصبة للأنثى، على تفصيل عندهم في ذلك. ومن العصبة اشتهر هذا الرأي باسم (التعصيب).
ونريد به بيان الركائز التي اعتمدتها الشريعة في تعيين مقدار حصة كل وارث، وذلك لأننا بعد استقراء ما ورد في ذلك من أحكام وجدنا أن الشريعة قد عينت لبعض الورثة نصيباً محدداً منصوصاً عليه، رغم أن النص عليه لم يمنع ـ أحياناً ـ من الزيادة عليه أو النقص عنه، وهو ما يصطلح عليه بــ (الفرض)؛ في حين لم (تفرض) لآخرين حصة محددة، فترى حصتهم تزيد تارة وتنقص أخرى، لأن الشريعة أعطتهم ما يبقى بعد أخذ أصحاب الفروض ما فرض لهم، وهو ما يرجع إلى أمرين: الأول: إلى ما يصطلحُ عليه بــ (القرابة)، أي: إن حصتهم يأخذونها بالغة ما بلغت في قلتها أو كثرتها لقرابتهم، دون أن يفرض لهم سهم معين، وهو مجرد مصطلحٍ يُراد به تمييز هذا الوارث عن غيره ممن يرث بالفرض أو بالولاء. الثاني: ما يرجع إلى الولاء، وهو الوارث الذي لا يرث بالفرض ولا بالقرابة، بل بالولاء. وهذا الاختلاف في موجبات وركائز تعيين حصص الورثة قد صار سبباً في تقسيم الوارث من هذه الجهة إلى خمسة أقسام، وصار يسمى الوارث باسم القسم الذي هو منه، فقيل: هذا الوارث يرث بالفرض، و: هذا يرث بالقرابة، وهكذا. وفيما يلي سوف نتعرض لهذا وغيره من الموضوعات المناسبة لهذا المبحث في ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في الفرض وأنواعه وفي تفصيل أرباب الفروض
مسألة 998: الفرض هو: (السهم المقدَّر لبعض الورثة بالنص عليه في القرآن الكريم)، وهو ستة سهام: ثلثان، ونصف، وثلث، وربع، وسدس، وثمن؛ وهي فرضٌ لثلاثة عشر نوعاً من الوارثين:
فالثلثان فرضٌ لمن يلي:
1 ـ للبنتين ـ فصاعداً ـ مع عدم الإبن المساوي، ويراد بــ (المساوي): (من يكون مثلَهما في التولُّد من الأبوين معاً أو من الأب وحده)، فشرط ثبوت الثلثين للبنتين هو انفرادهما عن الولد المساوي لهما، فلا يضر بانفرادهما وجود ولد غير مساوٍ لهما، كما سيأتي تفصيله.
2 ـ للأختين ـ فصاعداً ـ عند انفرادهن عن الأخ المساوي لهن، سواء في ذلك ما لو كنّ مع الأخ المورِّث لأبوين، أو كن معه لأب واحد في صورة فقد الإخوة والأخوات من الأبوين، حيث لا يرث الإخوة من الأب مع وجود أخ أو أخت من الأبوين، كما سيأتي.
والنصف فرض لمن يلي:
1 ـ للبنت الواحدة إذا انفردت ولم يكن معها إبن مساوٍ لها.
2 ـ للأخت الواحدة إذا انفردت ولم يكن معها أخ مساوٍ لها، سواءً كانت للأبوين، أو كانت للأب دون الأم.
3 ـ للزوج، حيث لا يوجد إبن لزوجته ولو من غيره، وإن نزل، أي: كان حفيداً لها أو سِبْطاً، مهما تعددت الوسائط نزولاً.
والثلث فرض لمن يلي:
1 ـ للأم مع عدم وجود ولد للميت وإن نزل، وكذا مع عدم الإخوة إن كان معها الأب.
2 ـ للاثنين ـ فصاعـداً ـ من الإخوة من الأم، ذكوراً كانوا أو إناثاً أو مختلفين.
والربع فرض لمن يلي:
1 ـ للزوج مع وجود ولد للزوجة ولو من غيره، سواء كان الولد مباشراً أو حفيداً أو سبطاً، ومهما نزل.
2 ـ للزوجة مع عدم الولد لزوجها ولو من غيرها، مهما نزل؛ فإن كانت واحدةً كان جميعه لها، وإن كان له أكثر من زوجة تقاسمنه فيما بينهن بالسوية.
والسدس فرض لمن يلي:
1 ـ لكل واحد من الأبوين مع الولد وإن نزل.
2 ـ للأم إذا كان معها الأب، وكان معها ـ أيضاً ـ إخوة للميت من أبويه أو من أبيه.
3 ـ للأخ من الأم إذا انفرد بالميراث، وكذا للأخت الواحدة من الأم إذا انفردت به.
والثمن فرضٌ لمن يلي:
1 ـ للزوجة مع الولد للزوج ولو من غيرها، مهما نزل الولد، فإن كانت واحدة كان لها جميعه، وإن تعددت تقاسمنه بالسوية.
فهذه ستة سهام موزعة على ثلاثة عشر نوعاً من الورثة.
المطلب الثاني: في أقسام الورثة من جهة نوع الحصة
وذلك أن ما ذكرناه في المطلب السابق من السهام المفروضة والورثة المفروض لهم لا يعني اقتصارهم في الاستحقاق على ما فرض لهم، بل إن الكثيرين منهم يـرث ـ أيضـاً ـ بالقرابة زيادة عما أخذه بالفرض في بعض الحالات، كما أن منهم من لا يرث أزيد من فرضه، كما أن غيرهم من الورثة ممن لا يرث بالفرض هو ممن يرث بالقرابة وحدها، وبعضهم لا يرث بالفرض ولا بالقرابة، بل بالولاء، فاستدعى ذلك ذكر هذه الأقسام في هذا المطلب المستقل، فنقول:
مسألة 999: إن الـوارث بالنسب أو السبب ـ من حيث كونه ممن يرث بالفرض أو بالقرابة أو بغيرهما ـ هو على أقسام خمسة:
الأول: من يرث بالفرض ـ لا غير ـ دائماً، وهو الزوجة فإِن لها الربع مع عدم الولد، والثمن معه، ولا يُردّ عليها أبداً.
الثاني: من يرث بالفرض دائماً وربما ورث معه بالردّ، كالأم فإنَّ لها السدس مع الولد والثلث مع عدمه إذا لم يكن حاجب، وربما يُردّ عليها ما هو زائد على الفرض، كما إذا زادت الفريضة على السهام. وكالزوج فإنه يرث الربع مع الولد والنصف مع عدمه، ويردّ عليه الباقي إذا لم يكن وارث إلاّ الإمام..
الثالث: من يرث بالفرض تارة وبالقرابة أخرى، كالأب فإنه يرث بالفرض مع وجود الولد وبالقرابة مع عدمه، والبنت والبنات فإنهن يرثن مع الابن بالقرابة وبدونه بالفرض، والأخت والأخوات للأب أو للأبوين فإنهن يرثن مع الأخ بالقرابة ومع عدمه بالفرض، وكالإخوة والأخوات من الأم فإنهم يرثون بالفرض إذا لم يكن جد للأم وبالقرابة معه.
الرابع: من لا يرث إلاّ بالقرابة، كالإبن، والإخوة للأبوين أو للأب، والجد والأعمام والأخوال.
الخامس: من لا يرث بالفرض ولا بالقرابة بل يرث بالولاء، وهو المُعتِق، وضامن الجريرة، والإمام y أو نائبه العام في زمن غيبته y.
هذا وسوف يأتي ذكر ذلك مفصلاً عند الحديث عن توزيع الميراث على الورثة حسب طبقاتهم.
المطلب الثالث: في حكم زيادة الفروض على التركة ونقصها عنها
لا يخفى أن الأقسام الخمسة التي ذكرناها للوارث في المطلب السابق تجتمع جميعها أو معظمها في أكثر حالات الميراث، وسوف لن تحدث مشكلة إذا وسعت التركة أصحاب السهام بأنواعها، أي ما كان منها بالفرض أو بالقرابة أو بالولاء، ولو بأن يُرَدَّ الزائد عن السهام المفروضة على نفس أصحاب السهام؛ إنما تحدث المشكلة في صورة ما لو كان الجميع من ذوي الفروض وزادت عن التركة أو نقصت، فكيف نوفق بين حقوق الورثة المفروضة وبين التركة؟ وقد جرى الفقهاء على تخصيص هذه المسألة بالذكر رغم أن حكمها سيذكر في ثنايا البحوث القادمة، ربما لأن بعض فروعها قد صارت موضع نزاع بين المذاهب الإسلامية، فاقتضى ذلك إلفات النظر إليها وإبرازها، كما وأن فيها نوعاً من المواكبة لعموم المسائل التفصيلية على نحو التمهيد لها ببعض القواعد العامة التي تُعدُّ هذه منها، وجرياً منّا على ما جَرَوْا عليه نقول:
مسألة 1000: إذا تعدد الورثة اختلفت حالهم من حيث كونهم من ذوي الفروض أوْ لا على أنحاء:
الأول: أن يكون بعضهم من ذوي الفروض وبعضهم من غيرهم، أي: ممن يرث بالقرابة أو بالولاء، فسيأتي أنه يعطى ذو الفرض فرضه ويقدم على غيره، وما بقي عنه يعطى لغيره ممن يرث بالقرابة أو الولاء، وهذا هو حال أكثر حالات الميراث.
الثاني: أن يكونوا جميعاً ممن يرث بالقرابة أو بالولاء، أي: من غير ذوي الفروض، كما لو مات عن أولاد ذكور وإناث، فإنهم يتوزعون المال بينهم بالنحو الذي سيأتي تفصيله لاحقاً.
الثالث: أن يكونوا جميعاً من ذوي الفروض، وتكونَ فروضهم مساوية للتركة، فيأخذ كل ذي فرض سهمه بالنحو الذي بيناه سابقاً والذي سنزيده تفصيلاً لاحقاً.
وجميع هذه الأنحاء الثلاثة لا مشكلة فيها كما هو واضح.
الرابع: أن يكونوا جميعاً من ذوي الفروض، وتكون فروضهم زائدة على التركة، كأن ترك الميِّتُ ـ إذا كان امرأة ـ زوجاً وأبوين وبنتين، فإن السهام الثابتة لهم هي: الربع والسدسان والثلثان، وهي زائدة على التركة؛ وحُكمنا في هذه المسألة أن النقص يدخل فيها على بعضهم دون البعض الآخر، فإذا كان الجميع من الطبقة الأولى، كما في المثال المتقدم، دخل النقص على البنت أو البنتين، وإن كانوا من الطبقة الثانية دخل النقص على المتقرب بالأبوين، وذلك كما لو ترك الميت زوجاً وأختاً من الأبوين وأختين من الأم، فإن سهم الزوج هو النصف، وسهم الأخت هو النصف أيضاً، وسهم الأختين الثلث، ومجموعها زائد على التركة، فيدخل النقص على الأخت التي هي من الأبوين، دون الزوج ودون الأختين من الأم.
في حين أن حكمها عند بعض المذاهب الإسلامية هو وُرود النقص على كل واحدٍ من ذوي الفروض على نسبة فرضه، وهذا هو الذي يصطلح عليه عندهم بــ (العَوْل).
الخامس: أن يكونوا جميعاً من ذوي الفروض، وتكون فروضهم ناقصة عن التركة، بحيث تستوعبُ سهامَهم ويبقى من التركة بقية، وذلك كما لو ترك بنتاً واحدة، فإن لها النصف بالفرض كما هو معلوم، وأما النصف الباقي فإنَّ رأْيَ (الإمامية) فيه أن يُردَّ على البنت فتستحقُّه بالقرابة زيادةً عما استحقتْه بالفرض؛ وأما رأي بعض المذاهب الإسلامية فهو إعطاؤه لما يُعرف بــ (العَصَبَة)، والعصبة هم: (الذكور الذين ينتسبون إلى الميت بغير واسطة، أو بواسطة الذكور، كالعم وعم الأب ونحوهما)، وربما عمموا العصبة للأنثى، على تفصيل عندهم في ذلك. ومن العصبة اشتهر هذا الرأي باسم (التعصيب).