المبحث الأول: في الخلع

وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في ما يتحقّق به الخلع
ونريد به بيان ما يتقوم به الخلع، وهو أمران:
الأول: كراهة الزوجة لزوجها
مسألة 968: يعتبر في الخلع أن تكون الزوجة كارهة لزوجها وعازفة عن البقاء معه، بحيث يخشى عليها التمرد عليه والنشوز عن طاعته في حقوقه الواجبة له عليها، فتعصي الله تعالى فيه، سواء كانت كراهتها من غير سبب واضح معلوم، أو بسببٍ لا علاقة للزوج به، أو بسبب بعض تصرفات الزوج العَادِيَّة أو الأخلاقية التي ليس فيها ظلم لها ولا تركٌ لحقها الواجب مما هو مخالف لآداب العشرة المستحبة أو التقاليد الإجتماعية المرغوبة، أو بسبب ظلمها وترك أداء حقها الواجب إذا كان نتاج سوءٍ في طبعه، دون ما لو كانت كراهتها له لظلم مُتعَمَّد منه بهدف إلجائها إلى طلب الطلاق وتقديم الفداء له للتخلص من ظلمه غير المبرر.
وبناءً عليه، لا يتحقّق الخلع إذا كان الزوج ـ أيضاً ـ كارهـاً لهـا، إذ يكون ـ حينئذ ـ مباراة لا خلعاً، كما سيأتي؛ كما لا يتحقّق الخلع بما لو كان سبب كراهة الزوجة هو ظلم الزوج المتعمَّد لها بالشتم والضرب، بل أو بترك حقها الواجب لها من نفقة وحق استمتاع ومبيت وقَسْم، وذلك بهدف إجبارها على البذل وطلب الطلاق. ثم إنها إذا طلبت الطلاق منه لأجل ذلك، وبذلت له كي يطلقها، لم يصح البذل وحرم عليه أخذه، وإذا أخذه وطلقها أثم في أخذه ولم يصح منه الطلاق خلعياً، بل ولا غيرَ خلعي أيضاً؛ وأما إذا ظلمها بذلك النحو عن غير تعمِّد ولا بقصد إلجائها إلى البذل وطَلبِ الطلاق، بل لخشونة في مزاجه وسوء في أخلاقه، صح منها البذل وصح منه الخلع.
مسألة 969: إذا رغبت الزوجة في فكاك نفسها مع عدم كراهتها له، فطلبت الطلاق مع بذل العوض، فرضي زوجها وطلقها بصيغة الخلع، لم يصح الخلع ولم يملك العوض المبذول الذي افتدت نفسها به؛ نعم، إذا أوقع الخلعَ بصيغة الطلاق، أو أَتْبعَ الخلعَ بالطلاق، وكان ـ إضافة إلى ذلك ـ قد ملك الفدية بسبب مستقل قد أُخِذَ الطلاق شرطاً فيه، وذلك بأن كانت قد صالحته على مقدار من المال على أن يطلقها، فاستحق عليها المال بالصلح ولزمه الوفاء لها بالشرط، إذا طلقها ـ والحال هذه ـ وقع الطلاق رجعياً أو بائناً بحسب حالهما فيه، وإذا كان رجعياً صح له مراجعتها إلا أن تكـون قد اشترطت عليه ـ أيضاً ـ عدم الرجوع، فيجب عليه الوفاء بالشرط، فإذا خالفه فراجعها أثم حتماً، ولزمهما مراعاة الاحتياط الوجوبي في آثار هذا الرجوع المخالف للشرط، بمعنى: أنَّ على الرجل أن لا يقاربها كما يقارب زوجته، وأن ينفق عليها، ونحو ذلك، وأن على المرأة أن لا تتزوج من غيره، ونحو ذلك، وحينئذ لا بد لهما من التوافق على حل، فإما أن يجدد طلاقها ولا يراجعها بعده، أو تَرجِعُ بالمال ويرجع إلى زوجته بدون عقد إن كانت ما تزال في العدة، أو مع العقد عليها إذا كانت قد مضت عدتها.
الثاني: دفع الفداء
مسألة 970: يعتبر في الطلاق الخلعي اقتران طلب الطلاق من الزوجة بعَرضها بذلَ مقدارٍ من المال لزوجها ليطلقها، فإن خلا من ذلك كان ـ بالبداهة ـ طلاقاً غير خلعي، وجرى عليه حكمه؛ ويعتبر في العوض (أو: الفداء) المبذول أمور:
1 ـ أن يكون مملوكاً للزوجة فتدفعه من مالها، فلا يتحقّق الخلع ببذل غيرها فداءها من ماله ولو كان وليها، سواء تصدى هو للبذل عنها أو أذن لها فبذلت هي من ماله، إلا أن يهبها المال فتبذله هي في الفداء؛ وإذا بذل الغير فداءها فخالعها مقتصراً على لفظ الخلع وحده أو مقترنـاً بصيغـة الطـلاق ـ من قبلُ أو من بعدُ ـ صح منه طلاقاً غيرَ خلعي، وجاز له أخذ المال.
وإذا قال أبوها: «طَلِّقها وأنت بريء من صداقها»، فطلقها زوجها، فإذا كانت بالغة رشيدة لم تبرأ ذمته من صداقها ولم يقع بطلاقه خلع ولا غيره، نعم إذا كان عالماً بعدم ولاية أبيها على إبرائه من صداقها فخالعها بصيغة الطلاق أو بدونه قاصداً به طلاقها من غير عوض صحَّ كذلك. وأما إذا كانت صغيرة وكان من مصلحتها ذلك فلا إشكال في صحته خلعاً وبراءته من صداقها.
2 ـ أن يكون مُتَمَوَّلاً ومما يصح تَملُّكُه للمسلم، فلا يصح أن يكون خمراً ولا خنزيراً ولا ميتة، ويصح أن يكون غير ذلك، ديناً أو عيناً أو منفعة، ما دام مالاً يعتد به وله قيمة عند الناس، فلو كان مثل الثوب البالي أو نحوه مما لا مالية له لم يصح جعله عوضاً.
3 ـ أن يكون معلوماً على النحو المعتبر في المعاوضات، أي: إنه إضافة إلى لزوم كونه معلوم الجنس والنوع بالنحو الذي يخرجه عن الإبهام، يجب ـ أيضاً ـ أن يكون معلوم المقدار بالكيل أو الوزن أو نحوهما، أو معلوماً بالمشاهدة فيما يعتبر فيه المشاهدة، وكذا يجوز جعله حالاًّ أو مؤجلاً مع ضبط الأجل.
4 ـ أن يكون بذله باختيار الزوجة، فلا يصح البذل مع الإكراه عليه، من الزوج أو من غيره.
مسألة 971: لا يعتبر مقدار معين للعوض، فتجوز فيه الزيادة عن المهر والنقص عنه والمساواة له.
مسألة 972: إذا خالعها على عين معينة فظهر عيب في العوض المبذول، فإن رضي به صح البذل والخلع، وإن لم يرض به صح الخلع ولزمها الأرش أو تعويضه بالمثل أو القيمة.
مسألة 973: إذا جعلت الفداء مال الغير بدون إذنه، فمع علمها بذلك يبطل البذل والطلاق، خلعياً وغير خلعي؛ ومع جهلها يصح البذل والخلع، وعليها تعويض الزوج عنه بالمثل أو القيمة. وإذا كان في البذل خللٌ غيرُ ذلك، كأن كان غير معلوم الجنس أو المقدار، أو كانت مكرهة على بذله، بطل البذل ولم يصح الطلاق خلعياً ولا غيره.
المطلب الثاني: في ما يعتبر في المتخالعين
مسألة 974: يشترط في الزوج الخالع جميع ما سبق اشتراطه في المطلِّق، من البلوغ والعقل والقصد والاختيار. وكذا يشترط في الزوجة المختلعة ما سبق ذكره في الزوجة المطلَّقة، وهو: لزوم تعيينها، وكونها زوجة دائمة، وإذا كانت مدخولاً بها ولم تكن صغيرة ولا يائسة ولا حاملاً ولا غائباً زوجها عنها، فإنه يعتبر فيها أن تكون حين الخلع طاهرة من الحيض والنفاس، وفي طهر لم يواقعها زوجها فيه؛ وإلا تكن مدخولاً بها، أو كانت، ولكنَّها كانت صغيرة أو يائسة أو حاملاً أو غاب عنها زوجها ولم يمكنه استعلام حالها، جاز خلعها ولو كانت في الحيض أو في طهر قد واقعها فيه، وجميع ذلك بنفس التفصيل الذي تقدم في مباحث الطلاق. هذا، وكما لا يشترط في المطلَّقة أن تكون بالغة عاقلة فإنه لا يشترط ذلك في المختلعة، بل يتولى الولي البذلَ عنها حيث يمكن تحقّق الكراهة منها بالنحو الذي يهدد حسن طاعتها له.
المطلب الثالث: في صيغة الخلع
مسألة 975: الخلع ـ في ذاته ـ إيقاع مثل الطلاق، غير أنه لما كان متقوماً بالبذل، فإن البذل عَقْد متحقّق ببذل الزوجة وقبول الزوج، وبذلك فإن الخلع ـ في الحقيقة ـ هو نتاج اقتران أو تمازج ذلك الإيقاع وهذا العقد بحيث يشكلان معاً ما يشبه العقد الواحد المكون مما يشبه الإيجاب والقبول؛ ثم إنه يكفي في البذل من الزوجة، وفي الخلع من الزوج، كل لفظ يدل عليه من ألفاظ لغة البلد التي يقع فيها الخلع، سواء العربية وغيرها، وسواء الفصحى والعامية والصحيح والملحون؛ إضافة إلى إمكان تحقّق البذل وقبوله، بالمعاطاة، فلو سلَّمتْه المالَ بقصد أن يخلعها، فتسلَّمه منها بقصد القبول بخلعها وبادرَ لخَلْعها، صح الخلع. والصيغة الأكمل والأحوط للخلع كما يلي:
أولاً: أن تبدأ المرأة إنشاء البذل باللغة العربية الفصحى الصحيحة فتقول: «بَذَلْتُ لك ألف دينار لتخلعني عليه»، فيقول الزوج ـ مباشرة ـ: «قبلت البذل».
ثانياً: يبادر الزوج بعد قبوله البذل إلى إيقاع الخلع بقوله: «زوجتي فلانة مُخْتَلَعةٌ على ما بذلت، فهي طالق».
وجميع ذلك باللغة العربية الفصحى الصحيحة، مع تقديم البذل من الزوجة، ومع المبادرة إلى إيقاع الخلع بعد البذل؛ وإن كان يصح إيقاعه بلفظ الخلع منفرداً أو بلفظ الطلاق كذلك، وكذا يصح إيقاعه بصيغة الطلب، وذلك بطلبه من قبل الزوجة مقترناً بالبذل، وبإيقاعه من قبل الزوج، فإذا قالت له الزوجة: «طلقْني على ألف دينار» فقال الزوج: «أنت طالق» وَقع الطلاق خلعياً ولزمها دفع العوض.
مسألة 976: يعتبر في صحة الخلع الموالاة بين إنشاء البذل وإيقاع الطلاق ويكفي فيه الموالاة العرفيّة والأفضل المبادرة إليه في مجلس الخلع قبل أن ينفّض. وكذا يعتبر فيه ما سبق اعتباره في صيغة الطلاق من لزوم كونها منجزة ومن لزوم الإشهاد عليها، وذلك بنفس التفصيل المتقدم في مباحث صيغة الطلاق.
مسألة 977: كما يصح الخلع والبذل بمباشرة الزوجين لهما بنفسيهما، فإنهما يصحان أيضاً بالتوكيل فيهما، فيجوز أن يوكل كل منهما غيره، كما يجوز أن يوكل أحدهما الآخر فيما هو له، أو يكون أحدهما أصيلاً ووكيلاً عن الآخر، وهكذا. وحيث يرغب أحدهما في توكيل الغير فإنه يصح أن يوكله في جميع ما هو من شؤون الموكِّل من الأمور التفصيلية التي تتعلق بالخلع، من جانب المرأة أو من جانب الرجل.
مسألة 978: طلاق الخلع بائن لا يحق للزوج الرجوع عنه، إلا أنه لما كان الخلع بسبب كراهة المرأة لزوجها وتلبية منه لطلبها له، فإن لها أن ترجع عن البذل ما دامت في العدة، فإذا رجعت لزمه إعادة العوض إليها، وبعدئذ يتخير بين البقاء على الطلاق الذي ينقلب عن البائن إلى الرجعي، وبين أن يراجعها ما دامت في العدة ويعيدها إلى عصمته.
وإنما يصح لها الرجوع بالبذل في صورة ما لو كان يمكنه الرجوع إليها بعد رجوعها عن البذل، فلو كان ثمة مانع من رجوعه إليها، كأن كان الطلاق في نفسه بائناً، لكون الزوجة المختلعة غير مدخول بها أو يائساً، أو لكون الخلع طلاقاً ثالثاً، أو كان قد تزوج بأختها، أو نحو ذلك من الموانع، لم يكن لها أن ترجع بالبذل، ولو رجعت كان لغواً، ولا يُلزم الخالع بشيء. ومن ذلك ما لو رجعت عن البذل دون أن يَطَّلع عليه الزوج حتى انقضت العدة، فإنه لا أثر لرجوعها حينئذ.
مسألة 979: لا توارث بين الزوج والمختلعة إذا مات أحدهما أثناء العدة إلا إذا رجعت في الفدية، وكان المورد مما يمكن للزوج الرجوع فيه.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في ما يتحقّق به الخلع
ونريد به بيان ما يتقوم به الخلع، وهو أمران:
الأول: كراهة الزوجة لزوجها
مسألة 968: يعتبر في الخلع أن تكون الزوجة كارهة لزوجها وعازفة عن البقاء معه، بحيث يخشى عليها التمرد عليه والنشوز عن طاعته في حقوقه الواجبة له عليها، فتعصي الله تعالى فيه، سواء كانت كراهتها من غير سبب واضح معلوم، أو بسببٍ لا علاقة للزوج به، أو بسبب بعض تصرفات الزوج العَادِيَّة أو الأخلاقية التي ليس فيها ظلم لها ولا تركٌ لحقها الواجب مما هو مخالف لآداب العشرة المستحبة أو التقاليد الإجتماعية المرغوبة، أو بسبب ظلمها وترك أداء حقها الواجب إذا كان نتاج سوءٍ في طبعه، دون ما لو كانت كراهتها له لظلم مُتعَمَّد منه بهدف إلجائها إلى طلب الطلاق وتقديم الفداء له للتخلص من ظلمه غير المبرر.
وبناءً عليه، لا يتحقّق الخلع إذا كان الزوج ـ أيضاً ـ كارهـاً لهـا، إذ يكون ـ حينئذ ـ مباراة لا خلعاً، كما سيأتي؛ كما لا يتحقّق الخلع بما لو كان سبب كراهة الزوجة هو ظلم الزوج المتعمَّد لها بالشتم والضرب، بل أو بترك حقها الواجب لها من نفقة وحق استمتاع ومبيت وقَسْم، وذلك بهدف إجبارها على البذل وطلب الطلاق. ثم إنها إذا طلبت الطلاق منه لأجل ذلك، وبذلت له كي يطلقها، لم يصح البذل وحرم عليه أخذه، وإذا أخذه وطلقها أثم في أخذه ولم يصح منه الطلاق خلعياً، بل ولا غيرَ خلعي أيضاً؛ وأما إذا ظلمها بذلك النحو عن غير تعمِّد ولا بقصد إلجائها إلى البذل وطَلبِ الطلاق، بل لخشونة في مزاجه وسوء في أخلاقه، صح منها البذل وصح منه الخلع.
مسألة 969: إذا رغبت الزوجة في فكاك نفسها مع عدم كراهتها له، فطلبت الطلاق مع بذل العوض، فرضي زوجها وطلقها بصيغة الخلع، لم يصح الخلع ولم يملك العوض المبذول الذي افتدت نفسها به؛ نعم، إذا أوقع الخلعَ بصيغة الطلاق، أو أَتْبعَ الخلعَ بالطلاق، وكان ـ إضافة إلى ذلك ـ قد ملك الفدية بسبب مستقل قد أُخِذَ الطلاق شرطاً فيه، وذلك بأن كانت قد صالحته على مقدار من المال على أن يطلقها، فاستحق عليها المال بالصلح ولزمه الوفاء لها بالشرط، إذا طلقها ـ والحال هذه ـ وقع الطلاق رجعياً أو بائناً بحسب حالهما فيه، وإذا كان رجعياً صح له مراجعتها إلا أن تكـون قد اشترطت عليه ـ أيضاً ـ عدم الرجوع، فيجب عليه الوفاء بالشرط، فإذا خالفه فراجعها أثم حتماً، ولزمهما مراعاة الاحتياط الوجوبي في آثار هذا الرجوع المخالف للشرط، بمعنى: أنَّ على الرجل أن لا يقاربها كما يقارب زوجته، وأن ينفق عليها، ونحو ذلك، وأن على المرأة أن لا تتزوج من غيره، ونحو ذلك، وحينئذ لا بد لهما من التوافق على حل، فإما أن يجدد طلاقها ولا يراجعها بعده، أو تَرجِعُ بالمال ويرجع إلى زوجته بدون عقد إن كانت ما تزال في العدة، أو مع العقد عليها إذا كانت قد مضت عدتها.
الثاني: دفع الفداء
مسألة 970: يعتبر في الطلاق الخلعي اقتران طلب الطلاق من الزوجة بعَرضها بذلَ مقدارٍ من المال لزوجها ليطلقها، فإن خلا من ذلك كان ـ بالبداهة ـ طلاقاً غير خلعي، وجرى عليه حكمه؛ ويعتبر في العوض (أو: الفداء) المبذول أمور:
1 ـ أن يكون مملوكاً للزوجة فتدفعه من مالها، فلا يتحقّق الخلع ببذل غيرها فداءها من ماله ولو كان وليها، سواء تصدى هو للبذل عنها أو أذن لها فبذلت هي من ماله، إلا أن يهبها المال فتبذله هي في الفداء؛ وإذا بذل الغير فداءها فخالعها مقتصراً على لفظ الخلع وحده أو مقترنـاً بصيغـة الطـلاق ـ من قبلُ أو من بعدُ ـ صح منه طلاقاً غيرَ خلعي، وجاز له أخذ المال.
وإذا قال أبوها: «طَلِّقها وأنت بريء من صداقها»، فطلقها زوجها، فإذا كانت بالغة رشيدة لم تبرأ ذمته من صداقها ولم يقع بطلاقه خلع ولا غيره، نعم إذا كان عالماً بعدم ولاية أبيها على إبرائه من صداقها فخالعها بصيغة الطلاق أو بدونه قاصداً به طلاقها من غير عوض صحَّ كذلك. وأما إذا كانت صغيرة وكان من مصلحتها ذلك فلا إشكال في صحته خلعاً وبراءته من صداقها.
2 ـ أن يكون مُتَمَوَّلاً ومما يصح تَملُّكُه للمسلم، فلا يصح أن يكون خمراً ولا خنزيراً ولا ميتة، ويصح أن يكون غير ذلك، ديناً أو عيناً أو منفعة، ما دام مالاً يعتد به وله قيمة عند الناس، فلو كان مثل الثوب البالي أو نحوه مما لا مالية له لم يصح جعله عوضاً.
3 ـ أن يكون معلوماً على النحو المعتبر في المعاوضات، أي: إنه إضافة إلى لزوم كونه معلوم الجنس والنوع بالنحو الذي يخرجه عن الإبهام، يجب ـ أيضاً ـ أن يكون معلوم المقدار بالكيل أو الوزن أو نحوهما، أو معلوماً بالمشاهدة فيما يعتبر فيه المشاهدة، وكذا يجوز جعله حالاًّ أو مؤجلاً مع ضبط الأجل.
4 ـ أن يكون بذله باختيار الزوجة، فلا يصح البذل مع الإكراه عليه، من الزوج أو من غيره.
مسألة 971: لا يعتبر مقدار معين للعوض، فتجوز فيه الزيادة عن المهر والنقص عنه والمساواة له.
مسألة 972: إذا خالعها على عين معينة فظهر عيب في العوض المبذول، فإن رضي به صح البذل والخلع، وإن لم يرض به صح الخلع ولزمها الأرش أو تعويضه بالمثل أو القيمة.
مسألة 973: إذا جعلت الفداء مال الغير بدون إذنه، فمع علمها بذلك يبطل البذل والطلاق، خلعياً وغير خلعي؛ ومع جهلها يصح البذل والخلع، وعليها تعويض الزوج عنه بالمثل أو القيمة. وإذا كان في البذل خللٌ غيرُ ذلك، كأن كان غير معلوم الجنس أو المقدار، أو كانت مكرهة على بذله، بطل البذل ولم يصح الطلاق خلعياً ولا غيره.
المطلب الثاني: في ما يعتبر في المتخالعين
مسألة 974: يشترط في الزوج الخالع جميع ما سبق اشتراطه في المطلِّق، من البلوغ والعقل والقصد والاختيار. وكذا يشترط في الزوجة المختلعة ما سبق ذكره في الزوجة المطلَّقة، وهو: لزوم تعيينها، وكونها زوجة دائمة، وإذا كانت مدخولاً بها ولم تكن صغيرة ولا يائسة ولا حاملاً ولا غائباً زوجها عنها، فإنه يعتبر فيها أن تكون حين الخلع طاهرة من الحيض والنفاس، وفي طهر لم يواقعها زوجها فيه؛ وإلا تكن مدخولاً بها، أو كانت، ولكنَّها كانت صغيرة أو يائسة أو حاملاً أو غاب عنها زوجها ولم يمكنه استعلام حالها، جاز خلعها ولو كانت في الحيض أو في طهر قد واقعها فيه، وجميع ذلك بنفس التفصيل الذي تقدم في مباحث الطلاق. هذا، وكما لا يشترط في المطلَّقة أن تكون بالغة عاقلة فإنه لا يشترط ذلك في المختلعة، بل يتولى الولي البذلَ عنها حيث يمكن تحقّق الكراهة منها بالنحو الذي يهدد حسن طاعتها له.
المطلب الثالث: في صيغة الخلع
مسألة 975: الخلع ـ في ذاته ـ إيقاع مثل الطلاق، غير أنه لما كان متقوماً بالبذل، فإن البذل عَقْد متحقّق ببذل الزوجة وقبول الزوج، وبذلك فإن الخلع ـ في الحقيقة ـ هو نتاج اقتران أو تمازج ذلك الإيقاع وهذا العقد بحيث يشكلان معاً ما يشبه العقد الواحد المكون مما يشبه الإيجاب والقبول؛ ثم إنه يكفي في البذل من الزوجة، وفي الخلع من الزوج، كل لفظ يدل عليه من ألفاظ لغة البلد التي يقع فيها الخلع، سواء العربية وغيرها، وسواء الفصحى والعامية والصحيح والملحون؛ إضافة إلى إمكان تحقّق البذل وقبوله، بالمعاطاة، فلو سلَّمتْه المالَ بقصد أن يخلعها، فتسلَّمه منها بقصد القبول بخلعها وبادرَ لخَلْعها، صح الخلع. والصيغة الأكمل والأحوط للخلع كما يلي:
أولاً: أن تبدأ المرأة إنشاء البذل باللغة العربية الفصحى الصحيحة فتقول: «بَذَلْتُ لك ألف دينار لتخلعني عليه»، فيقول الزوج ـ مباشرة ـ: «قبلت البذل».
ثانياً: يبادر الزوج بعد قبوله البذل إلى إيقاع الخلع بقوله: «زوجتي فلانة مُخْتَلَعةٌ على ما بذلت، فهي طالق».
وجميع ذلك باللغة العربية الفصحى الصحيحة، مع تقديم البذل من الزوجة، ومع المبادرة إلى إيقاع الخلع بعد البذل؛ وإن كان يصح إيقاعه بلفظ الخلع منفرداً أو بلفظ الطلاق كذلك، وكذا يصح إيقاعه بصيغة الطلب، وذلك بطلبه من قبل الزوجة مقترناً بالبذل، وبإيقاعه من قبل الزوج، فإذا قالت له الزوجة: «طلقْني على ألف دينار» فقال الزوج: «أنت طالق» وَقع الطلاق خلعياً ولزمها دفع العوض.
مسألة 976: يعتبر في صحة الخلع الموالاة بين إنشاء البذل وإيقاع الطلاق ويكفي فيه الموالاة العرفيّة والأفضل المبادرة إليه في مجلس الخلع قبل أن ينفّض. وكذا يعتبر فيه ما سبق اعتباره في صيغة الطلاق من لزوم كونها منجزة ومن لزوم الإشهاد عليها، وذلك بنفس التفصيل المتقدم في مباحث صيغة الطلاق.
مسألة 977: كما يصح الخلع والبذل بمباشرة الزوجين لهما بنفسيهما، فإنهما يصحان أيضاً بالتوكيل فيهما، فيجوز أن يوكل كل منهما غيره، كما يجوز أن يوكل أحدهما الآخر فيما هو له، أو يكون أحدهما أصيلاً ووكيلاً عن الآخر، وهكذا. وحيث يرغب أحدهما في توكيل الغير فإنه يصح أن يوكله في جميع ما هو من شؤون الموكِّل من الأمور التفصيلية التي تتعلق بالخلع، من جانب المرأة أو من جانب الرجل.
مسألة 978: طلاق الخلع بائن لا يحق للزوج الرجوع عنه، إلا أنه لما كان الخلع بسبب كراهة المرأة لزوجها وتلبية منه لطلبها له، فإن لها أن ترجع عن البذل ما دامت في العدة، فإذا رجعت لزمه إعادة العوض إليها، وبعدئذ يتخير بين البقاء على الطلاق الذي ينقلب عن البائن إلى الرجعي، وبين أن يراجعها ما دامت في العدة ويعيدها إلى عصمته.
وإنما يصح لها الرجوع بالبذل في صورة ما لو كان يمكنه الرجوع إليها بعد رجوعها عن البذل، فلو كان ثمة مانع من رجوعه إليها، كأن كان الطلاق في نفسه بائناً، لكون الزوجة المختلعة غير مدخول بها أو يائساً، أو لكون الخلع طلاقاً ثالثاً، أو كان قد تزوج بأختها، أو نحو ذلك من الموانع، لم يكن لها أن ترجع بالبذل، ولو رجعت كان لغواً، ولا يُلزم الخالع بشيء. ومن ذلك ما لو رجعت عن البذل دون أن يَطَّلع عليه الزوج حتى انقضت العدة، فإنه لا أثر لرجوعها حينئذ.
مسألة 979: لا توارث بين الزوج والمختلعة إذا مات أحدهما أثناء العدة إلا إذا رجعت في الفدية، وكان المورد مما يمكن للزوج الرجوع فيه.
ص
639
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية