المبحث الثالث: في الأخذ بالشفعة

وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في كيفية الأخذ بالشفعة
وفيه مسائل:
مسألة 104: إذا تحقّقت الشروط المعتبرة لثبوت الشفعة، والشروط المعتبرة في الشفيع، وعَلم الشفيع بوقوع البيع لزمته المبادرة على النحو المتعارف إلى الأخذ بالشفعة، وذلك بإنشاء وإيقاع ما يفيد الأخذ بها من الألفاظ مقروناً بدفع الثمن إذا كان موجوداً، أو بدفعه بعد مضي المدة التي يسوغ له فيها التأخر لإحضاره إذا كان غير متيسر فعلاً، فإن أوقع الشفعة ولم يدفع الثمن، مماطلة أو عجزاً، وبدون رضا المشتري بالتأخير في مثل هذه الحالة، لم تنتقل الحصة المباعة إلى الشفيع بمجرد ذلك. هذا، وكما يتحقّق الأخذ بها بالقول بالنحو المذكور فإنه يتحقّق الأخذ بها بدون القول إذا سلّمه الثمن قاصداً إيقاع الشفعة به، وهو الإيقاع بطريقة المعاطاة. فإذا علم بالبيع، ولم يبادر إلى الأخذ بالشفعة، ولم يكن معذوراً في ترك المبادرة، سقط حقه فيها.
مسألة 105: لا يضر بالمبادرة ما لو تركها لعذر، كالجهل بالبيع أو باستحقاقه الشفعة، أو لتوهمه كثرة الثمن المباعة به فتبينت قلته، أو ظن أن المشتري زيد فبان عَمْراً، أو أن الثمن ذهب فبان فضة، أو نحو ذلك من الأعذار الناتجة عن الجهل بتفاصيل البيع. كذلك فإنه يُعذر في ترك المبادرة لغيبته وعدم قدرته على إيقاع الشفعة ولو من خلال الوكيل أو بالهاتف، وإلا فمع قدرته عليها بالتوكيل ونحوه، تلزمه المبادرة، ويكون مماطلاً لو تركها؛ وكذا يعذر إذا تأخر في الحضور من غيبته انتظاراً لتوفر ظروف سفر ملائم بالنحو الذي جرت العادة به؛ هذا، فضلاً عن كونه معذوراً إذا ترك المبادرة من أجل الإنتهاء من حمَّامه أو الفراغ من صلاته أو طعامه أو لتهيئة وسيلة انتقاله ونحو ذلك من المعوقات الطفيفة. ويجمع ذلك العبارة المختصرة التالية: (لا يضر بالمبادرة كلُّ معوق عنها لا يعد عند العرف مماطلة وتسويفاً).
مسألة 106: يَقتصر حقُّ الشفيع في الأخذ بالشفعة على أخذ الحصة المباعة من المشتري بنفس مقدار الثمن الذي اشتراها به، دون زيادة عليه ولا نقص عنه؛ وكما لا يحسب على الشفيع ما تكلفه المشتري على المبيع زيادة عن ثمنه، كأجرة الدلال أو الحمّال أو ما أهداه للبائع لتشجيعه على البيع أو نحو ذلك، فإنه لا يحسب له ما أنقصه البائع للمشتري من الثمن بعد وقوع البيع تساهلاً منه معه، بل يُلزم الشفيع بالثمن الذي تعاقد عليه المتبايعان.
مسألة 107: لا يحق للشفيع إلزام المشتري بقبول شفعته في بعض المبيع دون بعضه الآخر، بل إما أن يشفع في الجميع أو يدع الجميع. ومن فروع هذه المسألة: ما لو باع الشريك حصته لشخصين أو ثلاثة، فإن رغب الشفيع بالأخذ بالشفعة من أحدهما دون الآخر، حرصاً منه على جزء معين من الحصة المباعة، لم يكن له ذلك إلا إذا كان شراؤهما لها بالتعاقب، وإلا فإن كان قد باعها لهما دفعة واحدة لم يكن له الشفعة إلا في تمام المبيع، إلا أن يرضى المشتريان بالتجزأة.
مسألة 108: لا يعتبر في الأخذ بالشفعة علم الآخذ بمقدار الثمن، بل يصح منه ذلك ولو مع الجهل بمقداره.
مسألة 109: لا يَمنعُ انتقالُ المبيع عن ملك المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة، من أخذه بها، وله ـ حينئذ ـ أن يأخذ بالشفعة من المشتري فتبطل كل معاملة معاوضية ناقلة وقعت على المبيع إلا أن يجيزها الشفيع، وله أن يأخذ بالشفعة ممن انتقل إليه المبيع بعد المشتري، فتصح المعاملة التي أوقعها المشتري؛ ويجري هذا المبدأ مع تعاقب الأيدي بشتى المعاملات المعاوضية على ذلك المبيع، فإذا أخذ الشفيع بالشفعة من المشتري بطل كل ما بعده إلا أن يجيزه الشفيع، وإذا أخذها من الأخير صح كل ما قبلها، وإذا أخذها من الأوسط صح ما قبلها وبطل ما بعدها إلا أن يجيزه؛ نعم إذا كانت المعاملات مما لا يثبت فيها الشفعة، كالوقف والهبة غير المعوضة وجعله مهراً في الزواج ونحو ذلك انحصر الأخذ بالشفعة من المشتري بخاصة، فإذا أخذ منه بالشفعة بطلت كل معاملة غيرُ معاوضية أجراها هو أو غيره بعد ذلك.
مسألة 110: إذا كان الثمن مؤجلاً على المشتري جاز للشفيع إلزام المشتري بتأجيل الثمن له، لكن لو لم يثق المشتري بالشفيع جاز له إلزامه بالكفيل؛ كذلك يجوز له أخذه بالثمن حالاًّ إن رضي المشتري بتسلُّم الثمن، أو كان شَرْطُ التأجيل للمشتري على البائع.
مسألة 111: إذا عرض مدّعي الوكالة حصة الغائب للبيع جاز الشراء منه والتصرف فيها ما لم يعلم كذبه، فإذا باع جاز لشريك الغائب الأخذ بالشفعة عند اجتماع الشروط كما لو كان شريكه الغائب هو البائع، فإذا حضر الغائب وصدَّق الوكيل صح ما وقع، وإن كذبه وحلف بطل البيع من قبل المشتري، وبطل معه الأخذ بالشفعة منه إذا لم يُجز المالك فعل مدعي الوكالة، وكان للمالك انتزاع حصته من الشفيع ومطالبته بأجرة المنافع المستوفاة أو غيرها بالنحو الذي سنتعرض له في مباحث ضمان اليد ما أخذت، وللشفيع أن يرجع إلى مدّعي الوكالة بما غرمه إذا كان مغروراً.
مسألة 112: لا يَمنعُ ثبوتُ حق الفسخ بالخيار ـ لأحدهمـا أو كليهما ـ من الأخذ بالشفعة، فإذا حدث الفسخ بعد الأخذ بالشفعة لغى البيع ما بين البائع والمشتري، وبقي حق الشفعة سارياً، فاذا أخذ الشفيع بها دفع له المشتري العين، وكان على المشتري أن يرد للبائع مثل العين المباعة أو قيمتها، ويسترد الثمن من البائع؛ في حين يسقط الأخذ بالشفعة إذا حدث الفسخ قبل الأخذ بها وبعد عودة المبيع إلى صاحبه بالفسخ.
وهذا التفصيل إنما يتم في كل خيار لا يسقط بخروج العين عن ملك المشتري، وهو سائر الخيارات عدا خيار العيب، وذلك كي يترتب عليه آثار الفسخ التي ذكرناها في صورة ما لو حدث الفسخ بعد الأخذ بالشفعة؛ أما في خيار العيب فإنه إذا صارت العين المباعة بيد الشفيع وخرجت عن ملك المشتري، ورغب مَنْ تعَيَّبتْ عليه العيـنُ ـ وهو المشتـري ـ باستخـدام حقه في الخيار، لم يكن له إلا الأرش، إذ بخروج العين عن ملكه سقط حقُّه في الرد، ويكون الحال بين البائع والمشتري والشفيع عند الأخذ بالشفعة وظهور العيب في الحصة المباعة على النحو التالي:
أ ـ إذا كان المشتري عالماً بالعيب حين الشراء، وكان الشفيع عالماً به ـ أيضاً ـ حين الأخذ بالشفعة، فلا شيء للمشتري على البائع، ولا للشفيع على كل من البائع والمشتري، من رد أو أرش.
ب ـ إذا كان المشتري عالماً به والشفيع جاهلاً كان له حق الرد على المشتري دون الأرش.
ج ـ إذا كانا جاهلين بالعيب، فللمشتري على البائع الأرش، وللشفيع على المشتري الرد أو الأرش، حتى لو كان المشتري قد أسقطه عن البائع وأبرأه منه؛ ولو فرض اطّلاع الشفيع على العيب قبل المشتري لم يكن للشفيع مطالبة البائع بالأرش، بل إن عليه إعلام المشتري بالحال ليرتب الأمر مع البائع بالنحو الذي يرغب فيه، فيما تنحصر علاقة الشفيع بالمشتري، فيطالبه بالرد أو الأرش بالنحو الذي تقدم.
أنظر ما له علاقة بذلك في خيار التفليس في المسألة: (196).
مسألة 113: إذا كان الولي أثناء ولايته على الصبي أو المجنون أو السفيه قد أسقط حق الشفعة الثابت لهم في حصة شريكهم المباعة، ثم بلغ الصبي أو عقل المجنون أو رشد السفيه، لم يكن لهم المطالبة بالشفعة ولا الأخذ بها إذا كان الولي حينها حريصاً على أمرهم ومراعياً لمصلحتهم، وإلا فمع تساهله في الأخذ بها مع وجود المصلحة الواضحة لهم فيها، جاز لهم المطالبة، ووجب على المشتري إجابتهم.
المطلب الثاني: في موانع الأخذ بالشفعة
وفيه مسائل:
مسألة 114: قد سبق منا في المباحث المتقدمة ذكر بعض الموارد التي يسقط فيها حق الشفعة ويمتنع بسببها على الشفيع الأخذ بها بعد ثبوتها له واكتمال الشرائط المعتبرة فيها، ومن المناسب حصر ما ذكرناه منها مع ما سوف نذكره الآن في هذا المطلب ليسهل الرجوع إليها، فنقول: إن الأسباب الموجبة لسقوط الشفعة أمور:
الأول: ترك المبادرة إلى الأخذ بها لغير عذر، وقد تقدم تفصيله في (المسألة: 104).
الثاني: العجز عن إحضار الثمن بعد القدرة عليه، وقد تقدم أيضاً في (المسألة: 101، فقرة «الرابع»).
الثالث: قيام من له حق الشفعة ببيع حصته، فيسقط به حقه في الأخذ بالشفعة بعدما خرج بالبيع عن كونه شريكاً، وذلك حتى لو وقع منه البيع قبل علمه بالشفعة، فضلاً عما لو كان بيعه بعد علمه بها.
الرابع: تلف تمام المبيع عند المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة، فلو تلف بعضه لم يسقط حقه، وصح منه الأخذ بالشفعة فيما بقي من المبيع، ولكن بتمام الثمن ودون ضمان المشتري للجزء التالف، إلا أن يرضى المشتري بالأقل منه.
الخامس: تقايل المتبايعين قبل الأخذ بالشفعة، دون ما لو كان التقايل بعد الأخذ بها، فإذا تقايلا بعد الأخذ بها صحت الإقالة فيُرجع البائع الثمن إلى المشتري، وتبقى العين المباعة على ملك الشفيع.
السادس: إسقاط الشفيع حقه في الأخذ بها بعد البيع، بل قبل البيع أيضاً؛ ويكفي فيه كل ما دل عليه من قول أو فعل، نعم لا يكفي في الإسقاط مجرد شهادته على البيع أو مباركته للمشتري ما لم تقم القرينة على إرادة الإسقاط بمثل المباركة.
هذا، ويجوز للشفيع أخذ مال بإزاء إسقاطه، وحينئذ لا يسقط حقه بمجرد أخذ المال بل لا بد من إظهار الإسقاط بالقول أو بالفعل.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في كيفية الأخذ بالشفعة
وفيه مسائل:
مسألة 104: إذا تحقّقت الشروط المعتبرة لثبوت الشفعة، والشروط المعتبرة في الشفيع، وعَلم الشفيع بوقوع البيع لزمته المبادرة على النحو المتعارف إلى الأخذ بالشفعة، وذلك بإنشاء وإيقاع ما يفيد الأخذ بها من الألفاظ مقروناً بدفع الثمن إذا كان موجوداً، أو بدفعه بعد مضي المدة التي يسوغ له فيها التأخر لإحضاره إذا كان غير متيسر فعلاً، فإن أوقع الشفعة ولم يدفع الثمن، مماطلة أو عجزاً، وبدون رضا المشتري بالتأخير في مثل هذه الحالة، لم تنتقل الحصة المباعة إلى الشفيع بمجرد ذلك. هذا، وكما يتحقّق الأخذ بها بالقول بالنحو المذكور فإنه يتحقّق الأخذ بها بدون القول إذا سلّمه الثمن قاصداً إيقاع الشفعة به، وهو الإيقاع بطريقة المعاطاة. فإذا علم بالبيع، ولم يبادر إلى الأخذ بالشفعة، ولم يكن معذوراً في ترك المبادرة، سقط حقه فيها.
مسألة 105: لا يضر بالمبادرة ما لو تركها لعذر، كالجهل بالبيع أو باستحقاقه الشفعة، أو لتوهمه كثرة الثمن المباعة به فتبينت قلته، أو ظن أن المشتري زيد فبان عَمْراً، أو أن الثمن ذهب فبان فضة، أو نحو ذلك من الأعذار الناتجة عن الجهل بتفاصيل البيع. كذلك فإنه يُعذر في ترك المبادرة لغيبته وعدم قدرته على إيقاع الشفعة ولو من خلال الوكيل أو بالهاتف، وإلا فمع قدرته عليها بالتوكيل ونحوه، تلزمه المبادرة، ويكون مماطلاً لو تركها؛ وكذا يعذر إذا تأخر في الحضور من غيبته انتظاراً لتوفر ظروف سفر ملائم بالنحو الذي جرت العادة به؛ هذا، فضلاً عن كونه معذوراً إذا ترك المبادرة من أجل الإنتهاء من حمَّامه أو الفراغ من صلاته أو طعامه أو لتهيئة وسيلة انتقاله ونحو ذلك من المعوقات الطفيفة. ويجمع ذلك العبارة المختصرة التالية: (لا يضر بالمبادرة كلُّ معوق عنها لا يعد عند العرف مماطلة وتسويفاً).
مسألة 106: يَقتصر حقُّ الشفيع في الأخذ بالشفعة على أخذ الحصة المباعة من المشتري بنفس مقدار الثمن الذي اشتراها به، دون زيادة عليه ولا نقص عنه؛ وكما لا يحسب على الشفيع ما تكلفه المشتري على المبيع زيادة عن ثمنه، كأجرة الدلال أو الحمّال أو ما أهداه للبائع لتشجيعه على البيع أو نحو ذلك، فإنه لا يحسب له ما أنقصه البائع للمشتري من الثمن بعد وقوع البيع تساهلاً منه معه، بل يُلزم الشفيع بالثمن الذي تعاقد عليه المتبايعان.
مسألة 107: لا يحق للشفيع إلزام المشتري بقبول شفعته في بعض المبيع دون بعضه الآخر، بل إما أن يشفع في الجميع أو يدع الجميع. ومن فروع هذه المسألة: ما لو باع الشريك حصته لشخصين أو ثلاثة، فإن رغب الشفيع بالأخذ بالشفعة من أحدهما دون الآخر، حرصاً منه على جزء معين من الحصة المباعة، لم يكن له ذلك إلا إذا كان شراؤهما لها بالتعاقب، وإلا فإن كان قد باعها لهما دفعة واحدة لم يكن له الشفعة إلا في تمام المبيع، إلا أن يرضى المشتريان بالتجزأة.
مسألة 108: لا يعتبر في الأخذ بالشفعة علم الآخذ بمقدار الثمن، بل يصح منه ذلك ولو مع الجهل بمقداره.
مسألة 109: لا يَمنعُ انتقالُ المبيع عن ملك المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة، من أخذه بها، وله ـ حينئذ ـ أن يأخذ بالشفعة من المشتري فتبطل كل معاملة معاوضية ناقلة وقعت على المبيع إلا أن يجيزها الشفيع، وله أن يأخذ بالشفعة ممن انتقل إليه المبيع بعد المشتري، فتصح المعاملة التي أوقعها المشتري؛ ويجري هذا المبدأ مع تعاقب الأيدي بشتى المعاملات المعاوضية على ذلك المبيع، فإذا أخذ الشفيع بالشفعة من المشتري بطل كل ما بعده إلا أن يجيزه الشفيع، وإذا أخذها من الأخير صح كل ما قبلها، وإذا أخذها من الأوسط صح ما قبلها وبطل ما بعدها إلا أن يجيزه؛ نعم إذا كانت المعاملات مما لا يثبت فيها الشفعة، كالوقف والهبة غير المعوضة وجعله مهراً في الزواج ونحو ذلك انحصر الأخذ بالشفعة من المشتري بخاصة، فإذا أخذ منه بالشفعة بطلت كل معاملة غيرُ معاوضية أجراها هو أو غيره بعد ذلك.
مسألة 110: إذا كان الثمن مؤجلاً على المشتري جاز للشفيع إلزام المشتري بتأجيل الثمن له، لكن لو لم يثق المشتري بالشفيع جاز له إلزامه بالكفيل؛ كذلك يجوز له أخذه بالثمن حالاًّ إن رضي المشتري بتسلُّم الثمن، أو كان شَرْطُ التأجيل للمشتري على البائع.
مسألة 111: إذا عرض مدّعي الوكالة حصة الغائب للبيع جاز الشراء منه والتصرف فيها ما لم يعلم كذبه، فإذا باع جاز لشريك الغائب الأخذ بالشفعة عند اجتماع الشروط كما لو كان شريكه الغائب هو البائع، فإذا حضر الغائب وصدَّق الوكيل صح ما وقع، وإن كذبه وحلف بطل البيع من قبل المشتري، وبطل معه الأخذ بالشفعة منه إذا لم يُجز المالك فعل مدعي الوكالة، وكان للمالك انتزاع حصته من الشفيع ومطالبته بأجرة المنافع المستوفاة أو غيرها بالنحو الذي سنتعرض له في مباحث ضمان اليد ما أخذت، وللشفيع أن يرجع إلى مدّعي الوكالة بما غرمه إذا كان مغروراً.
مسألة 112: لا يَمنعُ ثبوتُ حق الفسخ بالخيار ـ لأحدهمـا أو كليهما ـ من الأخذ بالشفعة، فإذا حدث الفسخ بعد الأخذ بالشفعة لغى البيع ما بين البائع والمشتري، وبقي حق الشفعة سارياً، فاذا أخذ الشفيع بها دفع له المشتري العين، وكان على المشتري أن يرد للبائع مثل العين المباعة أو قيمتها، ويسترد الثمن من البائع؛ في حين يسقط الأخذ بالشفعة إذا حدث الفسخ قبل الأخذ بها وبعد عودة المبيع إلى صاحبه بالفسخ.
وهذا التفصيل إنما يتم في كل خيار لا يسقط بخروج العين عن ملك المشتري، وهو سائر الخيارات عدا خيار العيب، وذلك كي يترتب عليه آثار الفسخ التي ذكرناها في صورة ما لو حدث الفسخ بعد الأخذ بالشفعة؛ أما في خيار العيب فإنه إذا صارت العين المباعة بيد الشفيع وخرجت عن ملك المشتري، ورغب مَنْ تعَيَّبتْ عليه العيـنُ ـ وهو المشتـري ـ باستخـدام حقه في الخيار، لم يكن له إلا الأرش، إذ بخروج العين عن ملكه سقط حقُّه في الرد، ويكون الحال بين البائع والمشتري والشفيع عند الأخذ بالشفعة وظهور العيب في الحصة المباعة على النحو التالي:
أ ـ إذا كان المشتري عالماً بالعيب حين الشراء، وكان الشفيع عالماً به ـ أيضاً ـ حين الأخذ بالشفعة، فلا شيء للمشتري على البائع، ولا للشفيع على كل من البائع والمشتري، من رد أو أرش.
ب ـ إذا كان المشتري عالماً به والشفيع جاهلاً كان له حق الرد على المشتري دون الأرش.
ج ـ إذا كانا جاهلين بالعيب، فللمشتري على البائع الأرش، وللشفيع على المشتري الرد أو الأرش، حتى لو كان المشتري قد أسقطه عن البائع وأبرأه منه؛ ولو فرض اطّلاع الشفيع على العيب قبل المشتري لم يكن للشفيع مطالبة البائع بالأرش، بل إن عليه إعلام المشتري بالحال ليرتب الأمر مع البائع بالنحو الذي يرغب فيه، فيما تنحصر علاقة الشفيع بالمشتري، فيطالبه بالرد أو الأرش بالنحو الذي تقدم.
أنظر ما له علاقة بذلك في خيار التفليس في المسألة: (196).
مسألة 113: إذا كان الولي أثناء ولايته على الصبي أو المجنون أو السفيه قد أسقط حق الشفعة الثابت لهم في حصة شريكهم المباعة، ثم بلغ الصبي أو عقل المجنون أو رشد السفيه، لم يكن لهم المطالبة بالشفعة ولا الأخذ بها إذا كان الولي حينها حريصاً على أمرهم ومراعياً لمصلحتهم، وإلا فمع تساهله في الأخذ بها مع وجود المصلحة الواضحة لهم فيها، جاز لهم المطالبة، ووجب على المشتري إجابتهم.
المطلب الثاني: في موانع الأخذ بالشفعة
وفيه مسائل:
مسألة 114: قد سبق منا في المباحث المتقدمة ذكر بعض الموارد التي يسقط فيها حق الشفعة ويمتنع بسببها على الشفيع الأخذ بها بعد ثبوتها له واكتمال الشرائط المعتبرة فيها، ومن المناسب حصر ما ذكرناه منها مع ما سوف نذكره الآن في هذا المطلب ليسهل الرجوع إليها، فنقول: إن الأسباب الموجبة لسقوط الشفعة أمور:
الأول: ترك المبادرة إلى الأخذ بها لغير عذر، وقد تقدم تفصيله في (المسألة: 104).
الثاني: العجز عن إحضار الثمن بعد القدرة عليه، وقد تقدم أيضاً في (المسألة: 101، فقرة «الرابع»).
الثالث: قيام من له حق الشفعة ببيع حصته، فيسقط به حقه في الأخذ بالشفعة بعدما خرج بالبيع عن كونه شريكاً، وذلك حتى لو وقع منه البيع قبل علمه بالشفعة، فضلاً عما لو كان بيعه بعد علمه بها.
الرابع: تلف تمام المبيع عند المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة، فلو تلف بعضه لم يسقط حقه، وصح منه الأخذ بالشفعة فيما بقي من المبيع، ولكن بتمام الثمن ودون ضمان المشتري للجزء التالف، إلا أن يرضى المشتري بالأقل منه.
الخامس: تقايل المتبايعين قبل الأخذ بالشفعة، دون ما لو كان التقايل بعد الأخذ بها، فإذا تقايلا بعد الأخذ بها صحت الإقالة فيُرجع البائع الثمن إلى المشتري، وتبقى العين المباعة على ملك الشفيع.
السادس: إسقاط الشفيع حقه في الأخذ بها بعد البيع، بل قبل البيع أيضاً؛ ويكفي فيه كل ما دل عليه من قول أو فعل، نعم لا يكفي في الإسقاط مجرد شهادته على البيع أو مباركته للمشتري ما لم تقم القرينة على إرادة الإسقاط بمثل المباركة.
هذا، ويجوز للشفيع أخذ مال بإزاء إسقاطه، وحينئذ لا يسقط حقه بمجرد أخذ المال بل لا بد من إظهار الإسقاط بالقول أو بالفعل.
ص
94
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية