ومورد الإشكال في ميراثهم هو جهالة من هو الذي مات منهم قبل الآخر ليتعين من يرث منهم الآخر، وهو ما سوف نفصله في هذا المبحث في مسائل:
مسألة 1095: إذا توفي شخصان أو أكثر بينهما نسب أو سبب موجبان للإرث، فإن عُلم أنَّ الوفاة قد حدثت لهما في وقتٍ واحد، سواءً كان الموت حتف الأنف أو كان بأي سبب من الأسباب، كالحرق والغرق والقتل وغيرها، لم يرث أحدهما الآخر ما دام كل منهما لم يتوفر فيه شرط الميراث الأساس وهو: أن يكون الوارث حياً حين موت المورِّث؛ بل يرث كلَّ واحد منهما وارثُه الحي، وهكذا الحكم في موت أكثر من شخصين في وقت واحد؛ فلو مات الزوجان في وقت واحد لم يرث أحدهما الآخر، بل يرثهما أبناؤهما وآباؤهما مع وجودهم، وإلا فغيرهم من سائر الطبقات، ومثله ما لو مات الوالد والوالدة وأبناؤهما جميعاً في وقت واحد، فلا يرث أحدهم الآخر، بل يرثهم سائر الورثة الأقرب فالأقرب. وإن لم يعلم حالهما هذه الجهة، فجُهل إن كانا قد تقارنا في الموت أو سبق أحدهما الآخر، أو عُلم سبق أحدهما وجُهل السابق، ففي هذه الحالة يرث كل واحد منهما الآخر، كما يرث كلَّ واحد منهما ورثتهُ الأحياءُ، سواءٌ في ذلك أسبابُ الموت الواقعة عليهم، وسواءٌ ما لو اتحد السببُ فيهم جميعاً أو اختلف، وذلك كالغرق والحرق والخسف وحوادث السير والوقوع من شاهق والتَسمُّم والقصف وغيرها مما لا يكاد يُحصى. نعم إذا كان الموتُ حتفَ الأَنفِ، أي: بدون سبب ظاهر، فإن وراثة كل منهما للآخر محل إشكال، والأحوط وجوباً تصالح الورثة فيما بينهم بالنحو الذي يُرضي الطرفَ المتضرر منهم على تقدير عدم ثوريثه أو نقصان نصيبه بذلك.
مسألة 1096: إن توزيع التركة بين الأطراف الذين تُوفوا معاً بعضهم مع البعض الآخر، من جهة، ثم توزيعها نفسها ـ بضميمة ما زاد عليها وما نقص منها نتيجةً لتوارث المُتوفِّين بعضهم للبعض الآخر ـ بين الأحياء الوارثين لكلا الطرفين الميتين، من جهة أخرى، إن توزيع التركة بين هؤلاء جميعاً يجب أن يُنطلَقَ في حلِّ تعقيداته من لحاظين:
اللحاظ الأول: وراثة أحد الميتين للآخر
وهو يرتكز على قاعدتين:
الأولى: إن المال الذي يتوارثانه هو ما كان يملكه كل واحد منهما حين موته، أي: تركتهما الأصلية، فلا يتوارثان في المال الذي سيرثه كل واحد من الآخر. ومثال ذلك ما لو توفي زوجان يملك كلُّ واحدٍ منهما ثروة مقدارها أربعون ألف دينار ذهباً، وكان لهما ولد، فيرث الزوج من زوجته هذه ربع تركتها، فتصير تركته خمسين ألف دينار، لكنَّ الزوجة عندما ترث من زوجها الثُمُن فإنها تأخذه من تركته الأصلية ـ وهي الأربعون ألفاً ـ لا منها ومما ورثه منها وهي الخمسون ألفاً.
الثانية هي: إن كل واحدٍ من الميِّتيْن ينبغي أن يُعتبر حياً حين موت الآخر، وذلك كي يتحقّق الشرط الأساس في التوارث الذي هو: (كون الوارث حيّاً حين موت المُورِّث)، والذي بدونه لا يرث أحدهما الآخر. فمثلاً: إذا غرق زوجان ليس لهما ولد، وكان لكل منهما والدان، فإن ميراثهما يكون كما يلي:
أولاً: حيث إن المفروض أن الزوجة قد توفيت قبل زوجها، فإن ميراثه منها مع عدم الولد هو النصف، فإذا اعتبرنا أن تركتها أربعون ألفاً، فإنه يكون لزوجها منها عشرون ألفاً، فتصير تركته ستين ألفاً.
ثانياً: وحيث إن المفروض أن الزوج بدوره قد توفي ـ أيضاً ـ قبل زوجته، فإن ميراثها من ثروته التي مات عنها ـ والتي هي: أربعون ألف دينار ـ هو الربع مع عدم الولد. فتستقر ثروتها على ثلاثين: عشرون منها هي الأصلية، وعشرة من زوجها وراثة، كما تستقر ثروة زوجها على الخمسين: ثلاثون هي الأصلية، وعشرون من زوجته وراثة.
ثالثاً: يرث والدا كل منهما مجموع تركة مورِّثهما، الأصلي منها والموروث، بطريقة معينة سنذكرها في اللحاظ الثاني.
وهكذا نجري في جميع الفروض على هذا النحو، فنُورِّث كلاً منهما نصيبه من تركة الآخر الأصلية على تقدير موته قبله، ثم ما تستقر عليه تركة كل منهما بعد الإنقاص منها والزيادة عليها، يرثه الحيُّ من ورثة كل منهما.
اللحاظ الثاني: وراثة الحي لكلٍ منهما
وفي هذا اللحاظ يختلف حكم ميراث الأحياء لمن ماتوا جَمْعاً، بين إرثهم لمالهم الأصلي وإرثهم للمال الذي ورثه الأموات بعضُهم من البعض الآخر، فهنا حالتان:
الأولى: وراثة الحي لمال الأموات الأصلي؛ والحكم فيه هو ارتكاز تحديد نصيبه على قاعدة مفادها: (افتراض موت المورِّث قبل رفيقه الذي مات معه)، ومثاله: ما لو ماتت أم وإبنتها، ولم يكن لهما وارث غير والد الفتاة الذي هو في نفس الوقت زوج الأم.
فالزوج يرث من مال زوجته الأصلي الربع، على أساس افتراض أن الزوجة قد ماتت قبل إبنتها، وهذا الإفتراض يمنع الزوج من وراثة النصف رغم احتمال موت البنت قبل أمها وزوالها كعائق بين الزوج وبين أخذ النصف. أما بنتها التي فرضناها حية بعد أمها فإنها ترث من أمها ما يبقى عن أبيها (زوج الأم) وهو ثلاثة أرباع التركة، يضاف إلى تركة البنت الأصلية إن كان لها مال آخر حسب الفرض.
كذلك فإن الزوج بصفته والداً يرث بنته في تركتها الأصلية على نفس الأساس، أي: افتراض كون البنت قد ماتت قبل أمها، وبذلك تشارك الأمّ الوالدَ في وراثة بنتهما، فيكون للأم الثلث وللأب الثلثين.
وبذلك، فإن الحي الذي هو والدٌ وزوجٌ قد ورث من مال الميتتيْن الأصلي رُبْعَ تركة زوجته وثلثي تركة بنته مرتكزاً في تحديد نصيبه هذا على افتراض موت كل واحدة من المورثتين قبل الأخرى؛ وهو غير ما سيرثه من مالهما الذي ورثته كل منهما عن الأخرى، والذي سيتقاطع مع نصيبه هذا بين الزيادة والنقص قبل أن يستقر المجموع منهما على رقم معين. كما سيتضح بعد بيان الحالة الثانية. وهكذا يجري الأمر في هذه الحالة مع كل وارث ومورِّث مهما اختلفت الصور التي لا تكاد تحصى في كثرتها الممتدة مع الطبقات الثلاث للأفراد الذي يرثون بالنسب، وكذا مع الأفراد الذين يرثون بالسبب.
الثانية: وراثة الحي لمال الأموات الموروث، والمراد بــ (المال الموروث) هو: المال الذي أخذه كل واحدٍ من الموتى بوراثته الآخر، وهو الذي جرى فيه توريث الموتى بعضهم للبعض الآخر على القاعدة التي ذكرناها في (اللحاظ الأول) الآنف الذكر. ذلك أن الصورة المفترضة هنا أن تركة كل واحد من المتوفاتين المذكورتين في المثال السابق مشتملة في قسم منها على مالهما الأصلي الذي ذكرنا كيفية وراثة الحي له في الحالة الأولى الآنفة الذكر، وفي قسم آخر منها على مالهما الموروث من الآخر الذي مات معه، وهو الذي سنذكر كيفية وراثة الحي له في هذه الحالة الثانية، فنقول:
يرث الزوج من الثلث الذي ورثته الأم (أي: زوجته) من ابنتها، وكذا يرث من ثلاثة أرباع التركة التي ورثتها البنت عن أمها، يرث منهما على قاعدة هي عكس القاعدة التي يرث بها من مالهما الأصلي المذكورة في الحالة الثانية، ومفاد هذه القاعدة المعاكسة هي: (أن يفترض موت المورِّث بعد رفيقه الذي مات معه)، وهي الموافقة لقاعدة توارث المتوفِّين لبعضهم والمذكورة في اللحاظ الأول؛ وبناءً عليه:
فإنه يرث (ثلاثة أرباع) تركة الأم التي ورثتها ابنته بتمامها، حيث افترضنا أن أمها ماتت قبلها وأن الأب قد انفرد بميراث ابنته، فيأخذه جميعه.
كما أنه يرث النصف من ثلث زوجته الذي ورثته من بنتها، لأن المفروض أن البنت قد ماتت قبل الأم، فيخلو الزوج ممن يحجبه عن نصيبه الأعلى، فيرث النصف حيث لا ولد، ثم يرث النصف الآخر من الثلث بالرد عليه حيث لا وارث لزوجته غيره.
وهكذا يجري الأمر على هذا النحو في جميع الصور المحتملة في الميراث.
وخلاصة طريقة توزيع ميراث الغرقى ومن يشبههم هي كما يلي:
أولاً: يرث كل واحد من الغريقين الآخر على قاعدة موته قبله، من أصل تركته، فيما لا يرث أحدهما الآخر فيما يرثه الآخر منه. وتكون المحصلة: إشتمال تركة كل من الغريقين على مالٍ أصلي ومالٍ موروث من الآخر، وذلك بمقدار معلوم.
ثانياً: يرث الحيُّ من مالهما الأصلي بطريقة مختلفة عن وراثته لمالهما الموروث:
فيرث من المال الأصلي على قاعدة افتراض موت المُورِّث قبل رفيقه، والتي تعني تشارك الرفيق والحي في وراثة من افتُرض موتُه قبلُ، ويُحدد نصيب الحي على هذا الأساس.
فيما هو يرث من المال الموروث على قاعدة معاكسة هي: افتراض موت المورِّث بعد رفيقه، والتي تعني انفراد الحي بميراث المورِّث أو حيازته النصيب الأعلى منه، في المحصَّلة النهائية.
أما كيفية حساب ذلك، فهو أمر معقد بدون شك، فلا يُستغنى فيه عن مشاركة أهل الخبرة في الحساب، إضافة إلى لزوم إشراف المُتفقِّه المحيط بتفصيلات أحكام الميراث ودقائقها.
مسألة 1097: يشترط في ثبوت التوارث بين أطراف الموت الجَمْعي ما كان يشترط في التوارث بينهم عند حدوث الموت الأفرادي، ومن ذلك الموارد التالية ـ كأمثلةٍ على موانع التوارث ـ:
الأول: ما لو توقَّفَ توارثُ بعضهم على حصول أمرٍ لم يكن معلوم الحصول بسبب الموت الجمعي للأطراف، وذلك كما لو غرق والد وولداه، فإن الوالد يرثهما وهما يرثان الوالد، لكن الولدين لا يرثان بعضهما بعنوان الأُخُوَّة إلا إذا علمت وفاة الوالد قبلهما، وحيث إن ذلك غير معلوم فلا يتوارثان، رغم احتمال موت الوالد قبلهما، لكنه احتمال لا يغني عن العلم.
الثاني: ما لو كانا كلاهما محجوبين بالكفر مع وجود وارث مسلم لكل منهما، وكذا ما لو كان أحدهما محجوباً دون الآخر على الأقرب، فلو كان أحدهما كافراً أو قاتلاً دون الآخر، ورث غير المحجوب صاحبه دون أن يرثه صاحبُه المحجوب.
الثالث: ما لو كان المانع من إرث أحدهما فقدان صاحبه ما يورث، فمن كان مُعدَماً لا يملك شيئاً يَرثُ صاحبَه المالكَ ولو لم يكن عنده ما يرثه صاحبه منه.
ومورد الإشكال في ميراثهم هو جهالة من هو الذي مات منهم قبل الآخر ليتعين من يرث منهم الآخر، وهو ما سوف نفصله في هذا المبحث في مسائل:
مسألة 1095: إذا توفي شخصان أو أكثر بينهما نسب أو سبب موجبان للإرث، فإن عُلم أنَّ الوفاة قد حدثت لهما في وقتٍ واحد، سواءً كان الموت حتف الأنف أو كان بأي سبب من الأسباب، كالحرق والغرق والقتل وغيرها، لم يرث أحدهما الآخر ما دام كل منهما لم يتوفر فيه شرط الميراث الأساس وهو: أن يكون الوارث حياً حين موت المورِّث؛ بل يرث كلَّ واحد منهما وارثُه الحي، وهكذا الحكم في موت أكثر من شخصين في وقت واحد؛ فلو مات الزوجان في وقت واحد لم يرث أحدهما الآخر، بل يرثهما أبناؤهما وآباؤهما مع وجودهم، وإلا فغيرهم من سائر الطبقات، ومثله ما لو مات الوالد والوالدة وأبناؤهما جميعاً في وقت واحد، فلا يرث أحدهم الآخر، بل يرثهم سائر الورثة الأقرب فالأقرب. وإن لم يعلم حالهما هذه الجهة، فجُهل إن كانا قد تقارنا في الموت أو سبق أحدهما الآخر، أو عُلم سبق أحدهما وجُهل السابق، ففي هذه الحالة يرث كل واحد منهما الآخر، كما يرث كلَّ واحد منهما ورثتهُ الأحياءُ، سواءٌ في ذلك أسبابُ الموت الواقعة عليهم، وسواءٌ ما لو اتحد السببُ فيهم جميعاً أو اختلف، وذلك كالغرق والحرق والخسف وحوادث السير والوقوع من شاهق والتَسمُّم والقصف وغيرها مما لا يكاد يُحصى. نعم إذا كان الموتُ حتفَ الأَنفِ، أي: بدون سبب ظاهر، فإن وراثة كل منهما للآخر محل إشكال، والأحوط وجوباً تصالح الورثة فيما بينهم بالنحو الذي يُرضي الطرفَ المتضرر منهم على تقدير عدم ثوريثه أو نقصان نصيبه بذلك.
مسألة 1096: إن توزيع التركة بين الأطراف الذين تُوفوا معاً بعضهم مع البعض الآخر، من جهة، ثم توزيعها نفسها ـ بضميمة ما زاد عليها وما نقص منها نتيجةً لتوارث المُتوفِّين بعضهم للبعض الآخر ـ بين الأحياء الوارثين لكلا الطرفين الميتين، من جهة أخرى، إن توزيع التركة بين هؤلاء جميعاً يجب أن يُنطلَقَ في حلِّ تعقيداته من لحاظين:
اللحاظ الأول: وراثة أحد الميتين للآخر
وهو يرتكز على قاعدتين:
الأولى: إن المال الذي يتوارثانه هو ما كان يملكه كل واحد منهما حين موته، أي: تركتهما الأصلية، فلا يتوارثان في المال الذي سيرثه كل واحد من الآخر. ومثال ذلك ما لو توفي زوجان يملك كلُّ واحدٍ منهما ثروة مقدارها أربعون ألف دينار ذهباً، وكان لهما ولد، فيرث الزوج من زوجته هذه ربع تركتها، فتصير تركته خمسين ألف دينار، لكنَّ الزوجة عندما ترث من زوجها الثُمُن فإنها تأخذه من تركته الأصلية ـ وهي الأربعون ألفاً ـ لا منها ومما ورثه منها وهي الخمسون ألفاً.
الثانية هي: إن كل واحدٍ من الميِّتيْن ينبغي أن يُعتبر حياً حين موت الآخر، وذلك كي يتحقّق الشرط الأساس في التوارث الذي هو: (كون الوارث حيّاً حين موت المُورِّث)، والذي بدونه لا يرث أحدهما الآخر. فمثلاً: إذا غرق زوجان ليس لهما ولد، وكان لكل منهما والدان، فإن ميراثهما يكون كما يلي:
أولاً: حيث إن المفروض أن الزوجة قد توفيت قبل زوجها، فإن ميراثه منها مع عدم الولد هو النصف، فإذا اعتبرنا أن تركتها أربعون ألفاً، فإنه يكون لزوجها منها عشرون ألفاً، فتصير تركته ستين ألفاً.
ثانياً: وحيث إن المفروض أن الزوج بدوره قد توفي ـ أيضاً ـ قبل زوجته، فإن ميراثها من ثروته التي مات عنها ـ والتي هي: أربعون ألف دينار ـ هو الربع مع عدم الولد. فتستقر ثروتها على ثلاثين: عشرون منها هي الأصلية، وعشرة من زوجها وراثة، كما تستقر ثروة زوجها على الخمسين: ثلاثون هي الأصلية، وعشرون من زوجته وراثة.
ثالثاً: يرث والدا كل منهما مجموع تركة مورِّثهما، الأصلي منها والموروث، بطريقة معينة سنذكرها في اللحاظ الثاني.
وهكذا نجري في جميع الفروض على هذا النحو، فنُورِّث كلاً منهما نصيبه من تركة الآخر الأصلية على تقدير موته قبله، ثم ما تستقر عليه تركة كل منهما بعد الإنقاص منها والزيادة عليها، يرثه الحيُّ من ورثة كل منهما.
اللحاظ الثاني: وراثة الحي لكلٍ منهما
وفي هذا اللحاظ يختلف حكم ميراث الأحياء لمن ماتوا جَمْعاً، بين إرثهم لمالهم الأصلي وإرثهم للمال الذي ورثه الأموات بعضُهم من البعض الآخر، فهنا حالتان:
الأولى: وراثة الحي لمال الأموات الأصلي؛ والحكم فيه هو ارتكاز تحديد نصيبه على قاعدة مفادها: (افتراض موت المورِّث قبل رفيقه الذي مات معه)، ومثاله: ما لو ماتت أم وإبنتها، ولم يكن لهما وارث غير والد الفتاة الذي هو في نفس الوقت زوج الأم.
فالزوج يرث من مال زوجته الأصلي الربع، على أساس افتراض أن الزوجة قد ماتت قبل إبنتها، وهذا الإفتراض يمنع الزوج من وراثة النصف رغم احتمال موت البنت قبل أمها وزوالها كعائق بين الزوج وبين أخذ النصف. أما بنتها التي فرضناها حية بعد أمها فإنها ترث من أمها ما يبقى عن أبيها (زوج الأم) وهو ثلاثة أرباع التركة، يضاف إلى تركة البنت الأصلية إن كان لها مال آخر حسب الفرض.
كذلك فإن الزوج بصفته والداً يرث بنته في تركتها الأصلية على نفس الأساس، أي: افتراض كون البنت قد ماتت قبل أمها، وبذلك تشارك الأمّ الوالدَ في وراثة بنتهما، فيكون للأم الثلث وللأب الثلثين.
وبذلك، فإن الحي الذي هو والدٌ وزوجٌ قد ورث من مال الميتتيْن الأصلي رُبْعَ تركة زوجته وثلثي تركة بنته مرتكزاً في تحديد نصيبه هذا على افتراض موت كل واحدة من المورثتين قبل الأخرى؛ وهو غير ما سيرثه من مالهما الذي ورثته كل منهما عن الأخرى، والذي سيتقاطع مع نصيبه هذا بين الزيادة والنقص قبل أن يستقر المجموع منهما على رقم معين. كما سيتضح بعد بيان الحالة الثانية. وهكذا يجري الأمر في هذه الحالة مع كل وارث ومورِّث مهما اختلفت الصور التي لا تكاد تحصى في كثرتها الممتدة مع الطبقات الثلاث للأفراد الذي يرثون بالنسب، وكذا مع الأفراد الذين يرثون بالسبب.
الثانية: وراثة الحي لمال الأموات الموروث، والمراد بــ (المال الموروث) هو: المال الذي أخذه كل واحدٍ من الموتى بوراثته الآخر، وهو الذي جرى فيه توريث الموتى بعضهم للبعض الآخر على القاعدة التي ذكرناها في (اللحاظ الأول) الآنف الذكر. ذلك أن الصورة المفترضة هنا أن تركة كل واحد من المتوفاتين المذكورتين في المثال السابق مشتملة في قسم منها على مالهما الأصلي الذي ذكرنا كيفية وراثة الحي له في الحالة الأولى الآنفة الذكر، وفي قسم آخر منها على مالهما الموروث من الآخر الذي مات معه، وهو الذي سنذكر كيفية وراثة الحي له في هذه الحالة الثانية، فنقول:
يرث الزوج من الثلث الذي ورثته الأم (أي: زوجته) من ابنتها، وكذا يرث من ثلاثة أرباع التركة التي ورثتها البنت عن أمها، يرث منهما على قاعدة هي عكس القاعدة التي يرث بها من مالهما الأصلي المذكورة في الحالة الثانية، ومفاد هذه القاعدة المعاكسة هي: (أن يفترض موت المورِّث بعد رفيقه الذي مات معه)، وهي الموافقة لقاعدة توارث المتوفِّين لبعضهم والمذكورة في اللحاظ الأول؛ وبناءً عليه:
فإنه يرث (ثلاثة أرباع) تركة الأم التي ورثتها ابنته بتمامها، حيث افترضنا أن أمها ماتت قبلها وأن الأب قد انفرد بميراث ابنته، فيأخذه جميعه.
كما أنه يرث النصف من ثلث زوجته الذي ورثته من بنتها، لأن المفروض أن البنت قد ماتت قبل الأم، فيخلو الزوج ممن يحجبه عن نصيبه الأعلى، فيرث النصف حيث لا ولد، ثم يرث النصف الآخر من الثلث بالرد عليه حيث لا وارث لزوجته غيره.
وهكذا يجري الأمر على هذا النحو في جميع الصور المحتملة في الميراث.
وخلاصة طريقة توزيع ميراث الغرقى ومن يشبههم هي كما يلي:
أولاً: يرث كل واحد من الغريقين الآخر على قاعدة موته قبله، من أصل تركته، فيما لا يرث أحدهما الآخر فيما يرثه الآخر منه. وتكون المحصلة: إشتمال تركة كل من الغريقين على مالٍ أصلي ومالٍ موروث من الآخر، وذلك بمقدار معلوم.
ثانياً: يرث الحيُّ من مالهما الأصلي بطريقة مختلفة عن وراثته لمالهما الموروث:
فيرث من المال الأصلي على قاعدة افتراض موت المُورِّث قبل رفيقه، والتي تعني تشارك الرفيق والحي في وراثة من افتُرض موتُه قبلُ، ويُحدد نصيب الحي على هذا الأساس.
فيما هو يرث من المال الموروث على قاعدة معاكسة هي: افتراض موت المورِّث بعد رفيقه، والتي تعني انفراد الحي بميراث المورِّث أو حيازته النصيب الأعلى منه، في المحصَّلة النهائية.
أما كيفية حساب ذلك، فهو أمر معقد بدون شك، فلا يُستغنى فيه عن مشاركة أهل الخبرة في الحساب، إضافة إلى لزوم إشراف المُتفقِّه المحيط بتفصيلات أحكام الميراث ودقائقها.
مسألة 1097: يشترط في ثبوت التوارث بين أطراف الموت الجَمْعي ما كان يشترط في التوارث بينهم عند حدوث الموت الأفرادي، ومن ذلك الموارد التالية ـ كأمثلةٍ على موانع التوارث ـ:
الأول: ما لو توقَّفَ توارثُ بعضهم على حصول أمرٍ لم يكن معلوم الحصول بسبب الموت الجمعي للأطراف، وذلك كما لو غرق والد وولداه، فإن الوالد يرثهما وهما يرثان الوالد، لكن الولدين لا يرثان بعضهما بعنوان الأُخُوَّة إلا إذا علمت وفاة الوالد قبلهما، وحيث إن ذلك غير معلوم فلا يتوارثان، رغم احتمال موت الوالد قبلهما، لكنه احتمال لا يغني عن العلم.
الثاني: ما لو كانا كلاهما محجوبين بالكفر مع وجود وارث مسلم لكل منهما، وكذا ما لو كان أحدهما محجوباً دون الآخر على الأقرب، فلو كان أحدهما كافراً أو قاتلاً دون الآخر، ورث غير المحجوب صاحبه دون أن يرثه صاحبُه المحجوب.
الثالث: ما لو كان المانع من إرث أحدهما فقدان صاحبه ما يورث، فمن كان مُعدَماً لا يملك شيئاً يَرثُ صاحبَه المالكَ ولو لم يكن عنده ما يرثه صاحبه منه.