المبحث الثالث: في أحكام البطلان والفسخ

وفيه ثلاثة مطالب:
ونريد به بيان ما يعرض على العقد فيوجب بطلانه بعدما كان قد وقع صحيحاً، وهو ما يصطلح عليه بــ (الانفساخ)، وبيان ما ينكشف معه بطلان العقد من الأوَّل بعد توهم وقوعه صحيحاً، وهو ما سوف نعبر عنه بــ (البطلان)، وبيان ما ينكشف من العيوب التي يثبت بها خيار الفسخ، وهو ما يصطلح عليه بــ (الفسخ) من حيث هو فعل اختياري، وذلك في قبال الانفساخ الذي هو أمر قهري، وذلك في ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في ما يوجب البطلان قهراً
وهو ما يحدث عند عروض الأمور التالية:
الأول: الارتداد، وتفصيل أحكامه كما يلي:
أولاً: في عروض الكفر على زواج المسلميْن
مسألة 657: (الارتداد) هو: (اعتقاد المسلم البالغ لغير الإسلام من العقائد والأديان، كاعتقاده عقائد الإلحاد أو الوثنية أو أهل الكتاب، أو إنكاره لأصل من أصول الإسلام الثلاثة، وهي التوحيد والنبوة والمعاد، أو إنكاره لما ثبت في الدين بالضرورة إذا استلزم إنكاره له تكذيب النبي w)، فإن كان قد تولد من أبوين مسلمين ـ أو أحدهمـا مسلـم ـ ثم ارتد بعد بلوغه فذلك هو (المرتد الفطري)، وإن كان قد تولد من أبوين كافرين، فأسلم بعد بلوغه ثم ارتد، فذلك هو (المرتد المِلِّي).
مسألة 658: إذا عرض الإرتداد للزوج وحده أو مع زوجته، فإن كان ارتداده عن فطرة بطل الزواج ولزم المرأة أن تعتد عدة الوفاة، وليس له أن يرجع إليها إذا تاب ـ وتابت هي إن كانت قـد ارتـدت معـه ـ إلا بعقد جديد، حتى لو كانت توبتهما خلال فترة العدة. وإن كان ارتداده عن ملة ولم تكن مدخولاً بها أو كانت صغيرة أو يائسة فيبطل نكاحها ـ أيضاً ـ وتبين منه دون أن يكون لها عدة، فإن رغبا بالرجوع مع تحقّق التوبة، لزمهما عقد جديد؛ وإن كانت مدخولاً بها ولم تكن صغيرة ولا يائسة لزمها الإنفصال عنه والبقاء في عدتها مدة عدة الطلاق، فإن تاب ـ وتابت هي معه إن كانت قد ارتدت ـ خلال فترة العدة بقيا على الزوجية قهراً، وإن انقضت عدتها قبل التوبة فإنه ينكشف به بطلان الزواج منذ الإرتداد، وتقع بينهما البينونة التامة، وتملك المرأة بعدما انقضت عدتها أمر نفسها، فإن رغبا بعد ذلك في الزواج بعد توبتهما لزمهما عقد جديد. هذا، وإنما يعول في ثبوت الحكم في هذه المسألة بهذا النحو على نوع ارتداد الرجل وأنه عن فطرة أو عن ملة، فلا أثر لنوع ارتداد الزوجة ـ على الحكم المذكور ـ إذا كانت قد ارتدت معه، فيتساوى الحكم فيها بين ما لو كان ارتدادها عن فطرة أو عن ملة.
هذا كله إذا ارتد الزوج وحده أو مع زوجته، أما إذا ارتدت الزوجة وحدها عن فطرة أو عن ملة، فإن كانت غير مدخول بها أو كانت يائسة بطل زواجها بمجرد ارتدادها ولم يكن عليها عدة، ثم لا بد له من عقد جديد عليها إذا تابت بعد ذلك؛ وإن كانت مدخولاً بها ولم تكن يائسة فارتدت لزم زوجَها الإنفصالُ عنها مدة عدة طلاقها، فإن تابت خلال فترة عدتها بقيا على الزوجية قهراً، وإن لم تتب حتى انقضت عدتها انكشف بطلان زواجها منذ ارتدادها وتحقّقت بينهما البينونة التامة، ولم يكن له تزوجهـا بعد ذلك ـ حيث يجـوز لـه ـ إلا بعقد جديد.
ثانياً: في عروض الإسلام على زواج الكافرين
مسألة 659: إذا أسلم الزوجان الكافران في وقت واحد بقي زواجهما على ما هو عليه ما لم يكن باطلاً من جهة أخرى، كحرمتها عليه من جهة كونها أخته، أو لغير ذلك، وإذا أسلم أحدهما دون الآخر إختلف حكمه على النحو التالي:
إذا أسلم الزوج الكتابي أو الوثني وبقيت زوجته على دينها، فإن كانت كتابية بقيا على زواجهما ولو لم يكن قد دخل بها، وإن كانت وثنية وكان قد أسلم قبل الدخول بها انفسخ النكاح في الحال، وإن كان قد أسلم بعد ما دخل بها إنفصل عنها وانتظر مضي عدتها بمقدار عدة الطلاق، فإن أسلمت خلال عدتها بقيا على زواجهما، وإن لم تسلم حتى مضت عدتها انكشف انفساخ زواجهما منذ إسلام الزوج.
أما إذا أسلمت الزوجة وبقي زوجها على دينه، فإن كان إسلامها قبل الدخول بطل نكاحها، وإن كان بعد الدخول انفصلت عنه وانتظرت مدة عدة الطلاق، فإن أسلم خلال فترة العدة بقيا على زواجهما، وإن لم يسلم حتى مضت عدتها انكشف أنها قد بانت منه حين إسلامها، وذلك من دون فرق في الجميع بين ما لو كان الزوج، وكذا الزوجة قبل إسلامها، كتابيين أو وثنيين أو مختلفين.
الثاني: الرضاع المحرِّم
ونريد به حرمة أحد الزوجين على الآخر بسبب حدوث الرضاع المحرِّم، وذلك أن الرضاع كما يسبب الحرمة قبل الزواج فلا يجوز معه التزوج ممن سبق ذكرهم في المطلب الثاني من المبحث الثاني من الفصل الأول، فإنه يسبب الحرمة بنفس الكيفية إذا حدث بعد الزواج، فيبطل به ـ حينئذ ـ زواج المرضعة، كما لو أرضعت الزوجة زوجها الرضيع، أو يبطل به زواج المرتضعة، كما إذا أرضعت الزوجة الكبيرة ضُرَّتها الرضيعة، أو يبطل به زواج غيرهما، كما إذا أرضعت المرأة طفلاً لزوج بنتها، فإن المورد من موارد حرمة الزوجة التي هي بنت المرضعة، إجمالاً، وتفصيل ذلك يقع في مسائل:
مسألة 660: إذا كانت الزوجة صغيرة فأرضعتها واحدة من أقارب الزوج بنحو صارت فيه تلك الزوجة من محارمه، وذلك كما لو أرضعتها أمه أو بنته أو أخته أو بنت أخيه أو بنت أخته أو زوجة أخيه من لبن أخيه، فإنها بالرضاع الشرعي الكامل تصير تلك الزوجة بنته أو أخته أو بنت أخيه أو بنت أخته، فتحرم عليه مؤبداً.
مسألة 661: إذا كان الزوجان وَلدَيْ عم، وكانا كلاهما رضيعين أو أحدهما، فأرضعت جدتهما لأبويهما أو لأمهما أحدهما بطل نكاحهما؛ لأن المرتضع إن كان هو الزوج، وكانت المرضعة جدته لأبيه، فإنه يصير عماً لزوجته، وإن كان المرتضع من الجدة للأب هو الزوجة فإنها تصير عمة لزوجها؛ وأما إذا كانت المرضعة هي جدته لأمه، فإن الرضيع الزوج يصير خالاً لزوجته، والرضيعة الزوجة تصير خالة لزوجها.
مسألة 662: إذا أرضعت أم الزوجة النسبية أحد أولاد زوج إبنتها، فقد ذهب المشهور إلى حرمة بنتها على زوجها، سواء كان الرضيع ولداً لبنتها أو لضرتها، وسواءً أرضعته من لبن والد بنتها المزوجة هذه أو من لبن زوج آخر للأم غير والدها، لأنه لما صار الزوج بهذا الرضاع والداً للمرتضع، وكانت الزوجة بنتاً للمرضعة، صارت هذه الحالة من موارد القاعدة التي مفادها أنه: «لا ينكح أبو المرتضع في أولاد المرضعة النسبيين»؛ وهذا هو الأحوط، وإن كان لا يبعد القول بعدم نشر الحرمة في مفروض هذه المسألة.
مسألة 663: إذا أرضعت زوجةُ رجلٍ بلبنه إبن أو بنت زوج بنته النسبية أو الرضاعية، فالأفضل الاحتياط بمفارقة البنت لزوجها بعدما صار المورد من موارد: (نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللبن)، مع الالتفات إلى أن ذلك الاحتياط يقتضي ـ أيضاً ـ أن لا تتزوج من غيره إلا بعد طلاقها منه ومضي عدتها، وذلك من دون فرق بين ما لو كان الطفل من بنت زوج المرضعة أو من ضرتها.
مسألة 664: إذا أرضعت المرأة أحد أولاد إبنها الذكور أو الإناث لم يترتب عليه حرمة زوجة الإبن عليه، رغم أن ولده يصير أخاه. ورغم ترتب آثار القرابة بالنحو الذي ذكرناه سابقاً، وذلك من قبيل حرمة تزوج الولد المرتضع من أبناء أو بنات عمه وعمته لأنه يصير عماً أو عمة لأولاد عمه، وخالاً أو خالة لأولاد عمته.
مسألة 665: يحدث بالرضاع علاقات قربى غير مضرة بالعلاقة الزوجية لعدم انطباق شيء من عناوين المحارم الرضاعيين التي ذكرناها في الفصل الأول في إطار موجبات حرمة التزوج في (المسألة: 585، وما بعدها)، فحيث لا يكون أحد الزوجين من أولئك (المحارم)، لا يتأثر زواجهما بالقرابة الناشئة من الرضاع، ويتفرع على ذلك أنه لا تحرم المرأة على زوجها إذا أرضعت بلبنه أشخاصاً نذكرهم على النحو التالي:
1 ـ أخاها أو أختها، وإن صارت بذلك أختاً لولد زوجها.
2 ـ ولد أخيها أو أختها، وإن صارت بذلك عمة أو خالة لولد زوجها.
3 ـ ولد ولدها، وإن صارت بذلك جدة لولد زوجها، ومثله أن ترضع إحدى زوجتي الشخص ولد ولد الأخرى، فإن الأخرى تصير جدة لولد زوجها.
4 ـ عمها أو عمتها، وإن صار الزوج بذلك أباً لعمها أو عمتها.
5 ـ خالها أو خالتها، وإن صار الزوج بذلك أباً لخالها أو خالتها.
6 ـ ولد عمها أو خالها، وإن صار الزوج بذلك أباً لابن عمها أو ابن خالها، وأما لو أرضعت ولد عمتها أو خالتها فلا تحرم عليه بلا إشكال؛ لأن الزوج يصبح أباً لابن عمتها أو لابن خالتها فيكون بمنزلة زوج عمتها أو خالتها وزوج العمة أو الخالة غير محرم على المرأة ذاتاً.
7 ـ أخا الزوج أو أخته، وإن صارت بذلك أماً لأخي زوجها أو أخته.
8 ـ ولد إبن الزوج، وإن صارت بذلك أماً لولد إبنه.
9 ـ ولد بنت الزوج، وإن صارت بذلك أماً لولد بنته.
10 ـ ولد أخت زوجها، وإن صارت بذلك أماً لولد أخته، وأما لو أرضعت ولد أخي زوجها فلا تحرم عليه بلا إشكال؛ لأنها تصبح أماً لولد أخيه فتكون بمنزلة زوجة أخيه، وزوجة الأخ غير محرمة على الزوج ذاتاً.
11 ـ عم الزوج أو عمته، وإن صارت بذلك أم عم الزوج أو عمته.
12 ـ خال الزوج أو خالته، وإن صارت بذلك أم خال الزوج أو أم خالته.
الثالث: الوفاة حال المرض
مسألة 666: إذا أنشأ المريض في مرض موته عقد زواجه، صح منه ونفذ وترتبت عليه جميع آثاره إذا دخل بها قبل موته، فإن مات قبل الدخول بطل العقد وصار ـ من حيث آثاره ـ بمنزلة المعدوم، فلا مهر للمرأة ولا ميراث ولا عدة وفاة، بل ولا تثبت به قرابة المصاهرة من حيث حرمة تزوج أولاده منها، ونحو ذلك.
وكما يبطل العقد بموت المريض نفسه قبـل الدخـول فإنه يبطـل ـ أيضاً ـ بموت المـرأة التي تزوجهـا ذلك الرجـل أثناء مرضـه إذا ماتـت ـ ولو عن غير مرض ـ قبل الدخول بها أثناء حياة زوجها ثم مات زوجها في مرضه بعدها، فيبطل العقد ولا تستحق عليه مهراً ولا يرثها.
نعم لو كان الزوج سليماً، فتزوج إمرأة مريضة، فماتت في مرضها قبل الدخول، صح العقد وترتبت عليه آثاره من ميراث ومهر وقرابة وغيرها.
مسألة 667: المراد بـ (مرض الموت) ما يشمل المرضَ المؤدي إلى الموت عادة وغيرَه من الأمراض العاديَّة التي يحدث الموت أثناءها دون أن تكون هي سبب موته، كأنْ مات من غير سبب واضح أو بسبب آخر من قتل أو مرض آخر، سواءً قصرت فترة مرضه أم طالت؛ فلو برأ من مرضه ثم مات قبل الدخول بأي سبب كان صح عقده وترتبت عليه آثاره.
الرابع: اللعان وما بحكمه
مسألة 668: (اللعان) هو: (تحالف الزوجين أمام الحاكم الشرعي بكيفية خاصة تتضمن لعن الكاذب، ويكون هدف الزوج من الحلف إثبات الزنى على الزوجة، ويكون هدف الزوجة منه نفي الزنى عن نفسها)، وقد ينتج عنه نفي الولد، وذلك بتفصيل وافٍ يأتي في محله؛ فإذا تلاعن الزوجان بالشروط المعتبرة حرمت المرأة على زوجها مؤبداً بمجرد تحقّق اللعان، دون حاجة إلى إيقاع طلاق ولا فسخ. هذا، ويجري اللعان في الزواج الدائم، وكذا في الزواج المؤقت على الأحوط وجوباً.
مسألة 669: إذا اتهم زوجته الخرساء بالزنى حرمت عليه مؤبداً بمجرده، دون حاجة إلى إيقاع طلاق أو فسخ، وكذا حكم ما لو قذف زوجته الصماء على الأحوط وجوباً؛ سواءً في ذلك المدخول بها أو غير المدخول بها، وسواءً الدائمة أو المتمتع بها، وسواءً كان متيقناً من زناها أو غير متيقن، نعم يأثم غير المتيقن ويُحدُّ حدَّ القذف بجلْده خمساً وسبعين جلدة إن لم يقم البينة على زناها، فيما لا يأثم المتيقن لكنه ـ أيضاً ـ يحد حد القذف ما لم يقم بيّنة على صدقه.
المطلب الثاني: في موجبات خيار الفسخ
ونريد به بيان أحكام ما لو ظهر عيب أو تدليس في أحد الزوجين، بحيث يثبت للآخر بسببهما خيـار فسخ العقد والتحلل منـه ـ بدون حاجة إلى إيقاع الطلاق معه ـ إن رغب بذلك، أو إمضاء العقد والبقاء عليه، وهو ما نعرض لتفصيله في فرعين:
الفرع الأول: في خيار العيب
وهو الذي يثبت لأحد الطرفين عند ظهور عيوب خاصة في الطرف الآخر، ولما كانت بعض عيوب كل منهما مختلفة عن الآخر نوعاً وحكماً فإن بيان أحكامها يستدعي تخصيص عنوان لعيوب كل واحد منهما على النحو التالي:
أولاً: عيوب الزوجة
مسألة 670: عيوب الزوجة التي يثبت بها خيار الفسخ للزوج سبعة:
1 ـ الجنون ولو كان أدوارياً، وقد سبق منا تحديد المراد به في مباحث المدخل من الجزء الثاني من هذه الرسالة، (أنظر ص: 23). وهو لا يشمل ما لا يوجب اختلال العقل من الأمراض النفسية، ولا يشمل أمراض الدماغ والجهاز العصبي، من قبيل مرض الصرع ونحوه.
2 ـ العمى، وهو: (ذهاب البصر عن العينين ولو كانتا مفتوحتين). فلا يشمـل غيره من أمراض العين وعيوبها، كالعور والحول وضعف الرؤية وغيرها.
3 ـ الإقعاد بالشلل ونحوه من الأمراض الموجبة له، بل وكذا العرج ولو لم يبلغ حد الإقعاد إذا كان بيّناً ظاهراً.
4 ـ القَرْن، وهـو: (لحـم ـ أو عظـم ـ زائـد ينبت في الفرج)، ويقال لـه ـ أيضاً: (العفل)، وحدُّه أن يكون معيقاً للعلاقة الجنسية الطبيعية، ولو لم يمنع منها تماماً ومن الحمل أيضاً.
5 ـ الإفضاء، وهو: (تشوه في فرج المرأة ينتج عنه اتحاد مسلكي البول أو الغائط مع مسلك الحيض، أو اتحاد المسالك الثلاثة مع بعضها).
6 ـ الجُذام، وهو: (مرض يظهر معه يبس الأعضاء وتناثر اللحم).
7 ـ البرص، وهو: (مرض جلدي يظهر بصورة بياض ينتشر في الجلد).
هذا، ولا يبعد ثبوت الخيار بكل مرض معدٍ مما يوجب خوف الزوج منه على نفسه، كالسل أو الإيدز ونحوهما، وإن كان ينبغي مراعاة الاحتياط بضم الطلاق إلى الفسخ.
مسألة 671: يثبت خيار الفسخ للزوج في حالة ما لو كان العيب سابقاً على العقد وانكشف بعده؛ بل وكذا بما يتجدد بعده مع الاحتياط استحباباً باقتران الفسخ بالطلاق في صورة تجدد العيب بعد العقد، سواء في ذلك ما لو كان قد حصل العيب قبل الدخول بها أو بعده.
ثانياً: عيوب الزوج
مسألة 672: عيوب الزوج التي يثبت بها خيار الفسخ للزوجة كثيرة نذكرها كما يلي:
1 ـ الجنون بالنحو الذي ذكرناه في الزوجة، ويثبت به الخيار للزوجة حتى لو حدث بعد العقد، بل وبعد الدخول بالزوجة.
2 ـ الجَبُّ، وهو: (قطع العضو الذكري قطعاً تاماً أو شبه تام بحيث لم يبق منه ما يمكن الجماع به). ويثبت به الخيار حتى لو حدث بعد العقد وبعد الدخول بالزوجة.
3 ـ العَنَنُ، وهو: (المرض المانع من انتصاب العضو الذكري بحيث لا يقدر معه على الإيلاج)، ويثبت الخيار بما سبق منه على العقد، وكذا بما تجدد بعد العقد وقبل الدخول، أما لو تحقّق منه الدخول بعد العقد ثم حدث له العنن فالأقرب أن لها الخيار أيضاً. هذا، وكما يثبت لها الخيار في حالة ما لو كان عاجزاً عن وطئها ووطىء غيرها، فإنه يثبت ـ أيضاً ـ في صورة ما لو عجز عن وطئها هي وحدها دون غيرها إذا كان العجز عنها دائماً، وإن كان ينبغي مراعاة الاحتياط بضم الطلاق إلى الفسخ في هذا المورد وفي المورد الذي قبله، أي: في صورة ما لو طرأ العنن بعد الدخول؛ أما إذا كان عجزاً طارئاً بحيث يمكن حصوله لأمثاله فلا خيار لها. وحدّ العنن الموجب للخيار هو ما لو فقدالإنتصاب حين إرادة الإيلاج، فلا يمنع من ثبوت الخيار قدرته على الانتصاب في سائر الأوقات إلا حين الإيلاج.
4 ـ الخصاء والوجاء، وهما (حدثان يعرضان على الخصيتين ويسببان العقم والعنن) ويثبت بهما الخيار للزوجة.
5 ـ الجذام والبرص والعمى بالنحو الذي ذكر في المرأة، وهذه العيوب ـ وكذا الخصاء والوجاء ـ يثبت بها الخيار للمرأة سواءً كانت سابقة على العقد أو لاحقة له مع عدم العلم به؛ بل لا يبعد ثبوت الخيار بحدوث كل مرض مُعدٍ كالسل والإيدز بالنحو المذكور، وإن كان ينبغي الاحتياط بضم الطلاق إلى الفسخ بهذه الأمراض المعدية.
ثالثاً: في أحكام خاصة بالعيب
مسألة 673: لا يثبت خيار الفسخ بعيبٍ غير العيوب المذكورة إلا أن يكون معه تدليس فيكون الفسخ بالتدليس لا بالعيب نفسه، كما سيأتي تفصيله، فلا فسخ بمثل العقم للرجل ولا للمرأة، ولا بمثل العجز عن النفقة، بل ولا بغيرهما من العيوب مهما كانت خطيرة أو مزعجة، نعم حيث يترتب على ذلك العيب ضرر للآخر فإن للمتضرر أن يرفعه بالطلاق إن كان رجلاً، وبطلب الطلاق إن كان إمرأة، فإن استجاب لها الزوج كان خيراً، وإلا رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي فيطلقها، وهو أمر آخر غير الفسخ.
مسألة 674: يكفي في ثبوت خيار الفسخ بالعيوب المذكورة مجرد عروضها لأحد الزوجين إذا كان زمن الشفاء منها طويلاً، أو امتنع المصاب بها عن معالجتها، فضلاً عما لو كانت مزمنة، وذلك كما في مثل الإقعاد والعرج والعمى والبرص والجذام وغيرها؛ نعم يستثنى من ذلك العنن فإنه يجب على المرأة أن تمهل زوجها سنة بكيفية معينة نذكرها لاحقاً؛ كما يستثنى من ذلك ما لو قصرت مدة الشفاء بنحو يعدّ فيه وجود العيب كعدمه، كعروض العرج لكسر أو لَيَّةٍ، أو عروض العمى لعارض في الجهاز العصبي لأيام قليلة، أو ما أشبه ذلك مما لا يكاد يصدق عليه أنه عيب عند العرف.
مسألة 675: تثبت العيوب المذكورة بإقرار صاحب العيب بوجوده فيه، وبالبيّنة على إقراره به أمامها، وبشهادة رجلين عادلين على وجوده فيه بما في ذلك العنن؛ وكذا تثبت العيـوب الباطنـة للنسـاء ـ إضافـة إلى ثبوتها بالإقرار وبالبيّنة على إقرار المرأة به أمامها ـ بشهادة أربع نسوة عادلات.
مسألة 676: إذا اختلفا في وجود العيب وعدمه، فإن كان لمدّعي العيب بيّنة حُكم له به، وإلا فإنَّ له أن يطلب إحلاف المنكر، فإن حلف المنكر حُكم له، وإن نكل عن الحلف ولم يَرُدَّه على المدعي تخيّر الحاكم بين أن يحكم عليه وبين ردَّ الحلف على المدعي، وحينئذٍ فإنْ اختار الحاكـم ردَّ اليميـن على المدعـي ـ أو كان المنكر قد ردَّه عليه ـ فَحَلفَ حَكَم له، وإن لم يحلف حَكَم عليه.
الفرع الثاني: في خيار التدليس
التدليس ـ لغة ـ: مصدر من الفعل الرباعي (دلَّس)، بمعنى: (كتم العيب وأظهر من صفات الكمال ما ليس له واقع، بصورة الواقع)؛ وهو نوع من الغش المحرم، ويستخدم لفظ التدليس في تزييف صفات الإنسان غالباً، فيما يستخدم لفظ (الغش) في تزييف صفات الأشياء، وإن كان قد سمي به أحد خيارات الفسخ في المعاملات الواقعة على الإنسان أو الأشياء، فحكم الفقهاء بثبوت (خيار التدليس) في الزواج كما حكموا بثبوته في مثل البيع والإجارة؛ وله في باب الزواج أحكام نفصّلها كما يلي:
مسألة 677: يتحقّق التدليس في الزواج بالتستر على عيب في أحد الزوجين من غير تلك العيوب التي سبق ذكر كونها موجبة بنفسها لخيار الفسخ بغض النظر عن وقوع التدليس فيها وعدم وقوعه، سواء كان التستر على ما يعدّ عيباً لكونه نقصاً في الخلقة، كالعور، أو لكونه زيادة فيها، كاللحية في المرأة، كما يتحقّق التدليس بإيهام الراغب بالزواج بوجود صفات كمال مرغوبة له عند من هو خالٍ منها، كالشرف والنسب والغنى والجمال والبكارة ونحوها.
ويتحقّق التستر على العيب بتوصيف أحدِ الراغبيْن بالزواج للآخر عند إرادة التزويج بما يتضمن سلامته من العيوب، أو حيازته على صفات الكمال، مع علمه بوجود تلك العيوب فيه أو عدم وجود صفات الكمال تلك، بحيث صار ذلك التوصيف سبباً لاغترار الآخر وانخداعه؛ فلو كان توصيفه لا للتزويج، أو كان من أجل التزويج ولكنَّ الحديث كان مع غير الزوج، لم يكن ذلك تدليساً، ولم يتحمل قائله مسؤولية التدليس حتى لو كان كذباً محرماً. ويتحقّق التدليس ـ أيضاً ـ بالسكوت عن العيب في مقام يَفْهَمُ منه الآخرُ سلامةَ المرغوب فيه من العيوب فيُقدِمُ على الزواج منه بتأثير هذا الفهم، فإذا صدر العقد مبتنياً ـ صراحة أو ضمناً ـ على ما فهمه المدلَّس عليه من سكوت المدلِّس كان له خيار الفسخ به كما سيأتي في المسألة التالية.
مسألة 678: إنما يثبت الخيار بالتدليس في صورة ما لو ابتنى عقد الزواج على السلامة من العيب أو على وجود صفات كمال معينة، وذلك إما بالتصريح بذكرها في العقد كأوصاف أو كشروط، أو بتوافق من يعنيهم الأمر عليها عند الخطبة والتقاول، بحيث كانت حاضرة في ذهن المتعاقدين أو أحدهما عند إجراء العقد رغم عدم التصريح بها؛ فإذا انكشف وُجودُ ما اتُّفق على عدمه، أو عَدمُ ما اتُّفّق على وجوده، تخيّر الشارط بين فسخ العقد وبين الرضا به بالنحو الذي وقع عليه. أما إذا تم العقد دون أن يتبانى المتعاقدان ـ لا تصريحاً ولا ضمناً ـ على السلامة من العيب ولا على حيازة بعض صفات الكمال، وكان الراغب معتقداً تحقّقهما، كما كان المرغوب فيه عالماً بعدمهما، وعالماً ـ أيضاً ـ بتوهم الراغب وجودهما، فسكت المرغوب فيه عن ذلك، فإنه لا يثبت به خيار الفسخ للمتوهِّم.
مسألة 679: يثبت التدليس بالإقرار به وبالبيّنة على الإقرار، كما يثبت بالبيّنة على التدليس، وهي: شهادة رجلين عادلين به؛ فإن احتاج الأمر إلى إثبات المدلَّس به، وكان من عيوب النساء الباطنة، أمكن إثباته بشهادة أربع نسوة عادلات.
المطلب الثالث: في آثار بطلان عقد الزواج وانفساخه وفسخه
ومرادنا به ذكر أثر البطلان والإنفساخ والفسخ عند عروض موجباتها، وهو ما نفصّله كما يلي:
أولاً: في أثر البطلان
مسألة 680: في كل مورد ينكشف فيه بطلان العقد منذ وقوعه، بحيث يكون وجوده كعدمه، فإنه لا تترتب عليه آثاره التالية:
أ ـ لا تحدث به قرابة المصاهرة، فلا تحرم أم الزوجة ولا بنتها من هذه الجهة، كما لا يحرم بالعقد الباطل والد الزوج ولا ولده.
ب ـ لا تُطالِبُ الزوجة بالمهر إذا لم يكن قد دخل بها، وكذا إن كان قد دخل بها وكانت عالمة ببطلان العقد، أما إذا تحقّق منه الدخول، وكانت جاهلة بفساد العقد، كان لها مهر أمثالها، لا المهر الذي سمَّاه لها في ذلك العقد الفاسد. وإذا كان قد دفع لها المهر جاز له استرجاعه في الموارد التي ليس لها مهر فيها، حتى لو كانت قد أتلفته أو نقلته عن ملكها بناقل جائز أو لازم، كما يجوز له استرجاع ما زاد عن مهر المثل مما دفعه إليها.
ج ـ ليس لها مطالبته بما لم ينفقه عليها مما هو واجب عليه لو كان الزواج صحيحاً، كما وأنه ليس له استرجاع ما أنفقه عليها إلا إذا كانت عالمة بفساد العقد (أنظر المسألة: 724).
د ـ لا يتوارثان، وإذا كان قد ورث أحدهما الآخر قبل انكشاف بطلان الزواج استُرجِع منه ما أخذه مع وجوده، وإلا رجع بمثله أو قيمته يوم أدائه.
أما النسب فإنه يثبت بالعقد الفاسد، بل بالزنى، كما سيأتي. وأما العدة فإنها تثبت مع الدخول لا بدونه بنفس ثبوتها في العقد الصحيح وتلحقها أحكام عدة وطء الشبهة، فيما لا تجب عليها عدة الوفاة ولو مع الدخول.
مسألة 681: لا يختلف الحكم المذكور في المسألة السابقة باختلاف موارده، وموارده كثيرة، منها:
1 ـ كل مورد عقد فيه شخص على أحد محارمه بنسب أو رضاع أو مصاهرة، أو على واحدة ممن ذكرنا حرمتها قبل العقد لإحرام أو كفر أو إحصان بالزواج أو العدة أو لواط أو زناً بمَحْرم، أو لكونها مطلقة ثلاثاً أو تسعاً أو لغير ذلك من موارد الحرمة الأبدية أو المؤقتة، السابقة على العقد.
2 ـ كل مورد فقد العقد فيه أحد أركانه، سواءً من جهة العقد أو المتعاقدين، كأن فقد القصد أو الاختيار أو كان بغير اللفظ المطلوب، ونحو ذلك.
3 ـ وفاة الزوج المريض خلال مرضه قبل الدخول.
وغير ذلك مما ينطبق عليه كونه من العقود التي وقعت فاقدة لشرط صحتها، بحيث لم ينشأ بها عُلْقة زوجية بين المتعاقدين.
ثانياً: في أثر الانفساخ
نريد بـ (الانفساخ): (انفساخ العقد الصحيح بعد عروض ما يوجب بطلانه قهراً)، وكنا قد ذكرنا: «أن الزواج ينفسخ عقده ويبطل عند عروض الرضاع المحرم لأحد الزوجين على الآخر، أو عند ارتداد أحدهما عن الإسلام، أو حدوث اللعان، أو قذف الرجل زوجته الخرساء»؛ وهي بعض الأمور التي عرضنا لها تفصيليـاً في المطلـب الأول من هذا المبحث الثالث، ونريـد ـ هنا ـ أن نبيّن أثر هذا الانفساخ على الزوجين، على النحو التالي:
مسألة 682: لما كان عقد الزواج في مقامنا هذا قد وقع صحيحاً إلى حين انفساخه فإن جميع الآثار تترتب عليه خلال فترة انعقاده؛ فتثبت به القرابة الموجبة للحرمة؛ وتستحق المرأة خلالها نفقتها الواجبة التي لم تأخذها؛ وتستحق ـ أيضاً ـ على زوجها نصف مهرها المسمى لها إذا كان الانفساخ قبل الدخول بها، وتمام مهرها المسمى لها إذا كان بعد الدخول؛ وعلى المرأة أن تعتد منه بكيفية معينة نذكرها في المسألة التالية، إضافة إلى النسب والتوارث؛ وجميع ذلك يثبت هنا بنحو ثبوته لو بقي العقد.
مسألة 683: في كل مورد ينفسخ فيه العقد تقع البينونة الدائمة بين الزوجين إذا كان سبب الانفساخ من موجبات الحرمة الأبدية بينهما، كالرضاع واللعان ونحوهما، أو تقع به البينونة المؤقتة، كما في الإرتداد؛ وحينئذ يجب على المدخول بهـا ـ إذا لم تكـن صغيـرة ولا يائسـة ـ أن تعتد عدة الطلاق في جميع حالات الانفساخ، بما في ذلك حالة ارتداد الزوجة عن ملة أو عن فطرة وحالة ارتداد الزوج عن ملة، ما عدا حالة ارتداد الزوج عن فطرة، إذ يجب فيها على زوجته عدة الوفاة ولو كانت صغيرة أو يائسة أو غير مدخول بها.
مسألة 684: رغم أن المرضعة هي السبب في انفساخ عقد الزواج في موارد إرضاعها الناشر للحرمة بين الزوجين، فإنها لا تضمن ما يدفعه الزوج من المهر إلا إذا حدث الإرضاع والإنفساخ قبل الدخول، فتضمن له نصف المهر الثابت لزوجته قبل دخوله بها، أما إذا حدث الإرضاع بعد الدخول فلا ضمان على المرضعة لمهر مَنْ تسببت بحرمتها على زوجها.
ثالثاً: في أثر الفسخ
بعد ما تقدم منا في المطلب الثاني ذكر أن عقد الزواج لازم لا ينفسخ إلا بثبوت خيار العيب أو التدليس، وبعدما بيّنا موارد ثبوت خيار العيب وكيفية حدوث التدليس، بقي أن نعرض في هذا المطلب الثالث لبيان أحكام الفسخ وأثره، وذلك في المسائل التالية:
مسألة 685: إذا ثبت خيار الفسخ بالعيب أو التدليس لأحد الزوجين فاختار فسخ العقد، لزمه أن يظهر رغبته بإيقاع الفسخ بكل ما يدل عليه من قول أو فعل، دون حاجة لقبول الطرف الآخر به. والفسخ ليس بطلاق، فلا يشترط فيه الخلو من الحيض والنفاس، ولا شهادة العدلين، ولا يحسب مع الطلقتين بحكم الطلاق الثالث كي يحكم بحرمة المرأة المطلقة مرتين إذا رجع إليها في المرة الثانية ثم فارقها بفسخ العقد بالعيب، بل يصح له التزوج منها دون حاجة لأن تتزوج غيره، بل ولا غير ذلك من آثار الطلاق وشروطه.
مسألة 686: إذا رغب صاحب خيار العيب بالفسخ، لزمته المبادرة العرفية إلى الأخذ به، فلا يبقى حقه في الفسخ إذا علم بالعيب وعلم بثبوت حقه في الفسخ فتباطأ عنه من دون عذر، فإن أخره لعذر، كحضور من يستشيره، أو ليفكر في مدى صلاح الفسخ له، أولجهله بالعيب أو جهله بثبوت الخيار أو غفلته عنه أو نسيانه له، لم يسقط حقه في الخيار، ولزمته المبادرة حين ارتفاع العذر أو حين علمه به وتذكره له.
مسألة 687: يستثنى من لزوم المبادرة ما لو كان العيب هو (العنن) في الرجل، فإنه لا يصح للمرأة ـ التي لا تريد أن تصبر على هذا العيب من زوجها وترفض العيش معه بهذا الوضع ـ أن تبادر إلى الفسخ، بل يجب عليها رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي فيؤجله إلى سنة من تاريخ طلبها، فإن قدر على وطئها هي ـ بخاصة ـ خلال السنة سقط حقها في الفسخ، وإن لم يقدر على وطئها ـ ولو مع قدرته على وطء غيرها ـ حتى انقضى العام كان لها أن تفسخ حينئذ، مع لزوم المبادرة إليه بالنحو المذكور. هذا، ولا يجب عليها الصبر أكثر من سنة إذا عُلِم بارتفاع العنن بعدها؛ ولو فرض امتناع الزوج عن الحضور معها لرفع الأمر إلى الحاكم، صح أن تنفرد هي باحتساب السنة من حين امتناعه، حيث يصح لها المبادرة في نهاية السنة إلى الفسخ.
مسألة 688: لا يعتبر في الفسخ بالعيب إذن الحاكم الشرعي، بما في ذلك ما لو كان العيب هو العنن، وإنما ترجع المرأة مع العنن إلى الحاكم الشرعي من أجل ضرب الأجل لا من أجل أن يكون الفسخ بإذنه، لذا فإنه إذا انقضى العام جاز لها الاستقلال بالفسخ من دون مراجعة الحاكم.
مسألة 689: إذا فسخ الرجل بأحد عيوب المرأة، فإن كان الفسخ بعد الدخول استحقت المرأة تمام المهر وعليها العدة إلا إذا كانت صغيرة أو يائسة كما في الطلاق، وإن كان الفسخ قبله لم تستحق شيئاً ولا عدة عليها. هذا إذا لم يكن تدليس، وأما مع التدليس وتبيّن الحال للرجل بعد الدخول، فإن كان المدلِّس نفس المرأة واختار الفسخ لم تستحق المهر، وإن كان قد دفعه إليها جاز له استعادته، وإن اختار البقاء فعليه تمام المهر لها كما مر، وإن كان المدلِّس غير الزوجة فالمهر المسمى يستقر على الزوج بالدخول، ولكن يحقّ له بعد دفعه إليها أن يرجع به على المدلِّس.
هذا، ولا فرق في هذا الحكم بين موارده المختلفة، بما في ذلك ما لو تزوجها على أنها بكر فبانت ثيباً، نعم إذا اختـار ـ في هـذا المـورد ـ البقاء على الزوجية، أو لم يكن له أن يفسخ العقد فيه لعدم ابتناء العقد على كونها بكراً، فإن له أن يُنْقِصَ من مهرها المسمى بنسبة ما به التفاوت بين مهر مثلها بكراً وثيباً، فإذا كان المهر المسمى ألف ليرة ذهباً، وكان مهر مثلها بكراً ثمانمئة وثيباً ستمئة، فمقدار نسبة التفاوت بين مهري المثل هي الربع، فيَسْقُط من المهر المسمى المذكور رُبْعُهُ، وهو مئتان وخمسون ليرة ذهباً.
مسألة 690: من يكون تدليسه موجباً للرجوع عليه بالمهر هو الذي يسند إليه التزويج، من وليّها الشرعي أو العرفي كأبيها وجدّها وأمّها وأخيها الكبير وعمها وخالها ممن لا تصدر إلاّ عن رأيهم ويتصدون لتزويجها وترجع إليهم فيه في العرف والعادة، ومثلهم على الظاهر بعض الأجانب ممن له شدة علاقة وارتباط بها، بحيث لا تصدر إلاّ عن رأيه، ويكون هو المرجع في أمورها المهمة ويُركن إليه فيما يتعلق بها، بل لا يبعد أن يُلحقَ بمنْ ذُكر، الأجنبيُّ الذي يُرادُ عند الطرفين ويسعى في إيجاد وسائل الإئتلاف ويتولى بيان الجهات ذات العلاقة بهذا الأمر.
مسألة 691: لا ينحصر إيقاع الفسخ بمن له الخيار، بل يجوز له توكيل من يوقعه عنه، كما يجوز للولي إيقاعه عن القاصر إذا انكشف له ما يوجب الخيار في الطرف الآخر، فإن لم يكن له ولي متصدٍ لشؤونه، أو كان له ولي ولم يكن عالماً بالعيب مدة ولايته، أو عَلِم به ولم يفسخ مع وجود مفسدة في إمضاء العقد، صح للمولَّى عليه بعد كماله أن يفسخ العقد.

وفيه ثلاثة مطالب:
ونريد به بيان ما يعرض على العقد فيوجب بطلانه بعدما كان قد وقع صحيحاً، وهو ما يصطلح عليه بــ (الانفساخ)، وبيان ما ينكشف معه بطلان العقد من الأوَّل بعد توهم وقوعه صحيحاً، وهو ما سوف نعبر عنه بــ (البطلان)، وبيان ما ينكشف من العيوب التي يثبت بها خيار الفسخ، وهو ما يصطلح عليه بــ (الفسخ) من حيث هو فعل اختياري، وذلك في قبال الانفساخ الذي هو أمر قهري، وذلك في ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في ما يوجب البطلان قهراً
وهو ما يحدث عند عروض الأمور التالية:
الأول: الارتداد، وتفصيل أحكامه كما يلي:
أولاً: في عروض الكفر على زواج المسلميْن
مسألة 657: (الارتداد) هو: (اعتقاد المسلم البالغ لغير الإسلام من العقائد والأديان، كاعتقاده عقائد الإلحاد أو الوثنية أو أهل الكتاب، أو إنكاره لأصل من أصول الإسلام الثلاثة، وهي التوحيد والنبوة والمعاد، أو إنكاره لما ثبت في الدين بالضرورة إذا استلزم إنكاره له تكذيب النبي w)، فإن كان قد تولد من أبوين مسلمين ـ أو أحدهمـا مسلـم ـ ثم ارتد بعد بلوغه فذلك هو (المرتد الفطري)، وإن كان قد تولد من أبوين كافرين، فأسلم بعد بلوغه ثم ارتد، فذلك هو (المرتد المِلِّي).
مسألة 658: إذا عرض الإرتداد للزوج وحده أو مع زوجته، فإن كان ارتداده عن فطرة بطل الزواج ولزم المرأة أن تعتد عدة الوفاة، وليس له أن يرجع إليها إذا تاب ـ وتابت هي إن كانت قـد ارتـدت معـه ـ إلا بعقد جديد، حتى لو كانت توبتهما خلال فترة العدة. وإن كان ارتداده عن ملة ولم تكن مدخولاً بها أو كانت صغيرة أو يائسة فيبطل نكاحها ـ أيضاً ـ وتبين منه دون أن يكون لها عدة، فإن رغبا بالرجوع مع تحقّق التوبة، لزمهما عقد جديد؛ وإن كانت مدخولاً بها ولم تكن صغيرة ولا يائسة لزمها الإنفصال عنه والبقاء في عدتها مدة عدة الطلاق، فإن تاب ـ وتابت هي معه إن كانت قد ارتدت ـ خلال فترة العدة بقيا على الزوجية قهراً، وإن انقضت عدتها قبل التوبة فإنه ينكشف به بطلان الزواج منذ الإرتداد، وتقع بينهما البينونة التامة، وتملك المرأة بعدما انقضت عدتها أمر نفسها، فإن رغبا بعد ذلك في الزواج بعد توبتهما لزمهما عقد جديد. هذا، وإنما يعول في ثبوت الحكم في هذه المسألة بهذا النحو على نوع ارتداد الرجل وأنه عن فطرة أو عن ملة، فلا أثر لنوع ارتداد الزوجة ـ على الحكم المذكور ـ إذا كانت قد ارتدت معه، فيتساوى الحكم فيها بين ما لو كان ارتدادها عن فطرة أو عن ملة.
هذا كله إذا ارتد الزوج وحده أو مع زوجته، أما إذا ارتدت الزوجة وحدها عن فطرة أو عن ملة، فإن كانت غير مدخول بها أو كانت يائسة بطل زواجها بمجرد ارتدادها ولم يكن عليها عدة، ثم لا بد له من عقد جديد عليها إذا تابت بعد ذلك؛ وإن كانت مدخولاً بها ولم تكن يائسة فارتدت لزم زوجَها الإنفصالُ عنها مدة عدة طلاقها، فإن تابت خلال فترة عدتها بقيا على الزوجية قهراً، وإن لم تتب حتى انقضت عدتها انكشف بطلان زواجها منذ ارتدادها وتحقّقت بينهما البينونة التامة، ولم يكن له تزوجهـا بعد ذلك ـ حيث يجـوز لـه ـ إلا بعقد جديد.
ثانياً: في عروض الإسلام على زواج الكافرين
مسألة 659: إذا أسلم الزوجان الكافران في وقت واحد بقي زواجهما على ما هو عليه ما لم يكن باطلاً من جهة أخرى، كحرمتها عليه من جهة كونها أخته، أو لغير ذلك، وإذا أسلم أحدهما دون الآخر إختلف حكمه على النحو التالي:
إذا أسلم الزوج الكتابي أو الوثني وبقيت زوجته على دينها، فإن كانت كتابية بقيا على زواجهما ولو لم يكن قد دخل بها، وإن كانت وثنية وكان قد أسلم قبل الدخول بها انفسخ النكاح في الحال، وإن كان قد أسلم بعد ما دخل بها إنفصل عنها وانتظر مضي عدتها بمقدار عدة الطلاق، فإن أسلمت خلال عدتها بقيا على زواجهما، وإن لم تسلم حتى مضت عدتها انكشف انفساخ زواجهما منذ إسلام الزوج.
أما إذا أسلمت الزوجة وبقي زوجها على دينه، فإن كان إسلامها قبل الدخول بطل نكاحها، وإن كان بعد الدخول انفصلت عنه وانتظرت مدة عدة الطلاق، فإن أسلم خلال فترة العدة بقيا على زواجهما، وإن لم يسلم حتى مضت عدتها انكشف أنها قد بانت منه حين إسلامها، وذلك من دون فرق في الجميع بين ما لو كان الزوج، وكذا الزوجة قبل إسلامها، كتابيين أو وثنيين أو مختلفين.
الثاني: الرضاع المحرِّم
ونريد به حرمة أحد الزوجين على الآخر بسبب حدوث الرضاع المحرِّم، وذلك أن الرضاع كما يسبب الحرمة قبل الزواج فلا يجوز معه التزوج ممن سبق ذكرهم في المطلب الثاني من المبحث الثاني من الفصل الأول، فإنه يسبب الحرمة بنفس الكيفية إذا حدث بعد الزواج، فيبطل به ـ حينئذ ـ زواج المرضعة، كما لو أرضعت الزوجة زوجها الرضيع، أو يبطل به زواج المرتضعة، كما إذا أرضعت الزوجة الكبيرة ضُرَّتها الرضيعة، أو يبطل به زواج غيرهما، كما إذا أرضعت المرأة طفلاً لزوج بنتها، فإن المورد من موارد حرمة الزوجة التي هي بنت المرضعة، إجمالاً، وتفصيل ذلك يقع في مسائل:
مسألة 660: إذا كانت الزوجة صغيرة فأرضعتها واحدة من أقارب الزوج بنحو صارت فيه تلك الزوجة من محارمه، وذلك كما لو أرضعتها أمه أو بنته أو أخته أو بنت أخيه أو بنت أخته أو زوجة أخيه من لبن أخيه، فإنها بالرضاع الشرعي الكامل تصير تلك الزوجة بنته أو أخته أو بنت أخيه أو بنت أخته، فتحرم عليه مؤبداً.
مسألة 661: إذا كان الزوجان وَلدَيْ عم، وكانا كلاهما رضيعين أو أحدهما، فأرضعت جدتهما لأبويهما أو لأمهما أحدهما بطل نكاحهما؛ لأن المرتضع إن كان هو الزوج، وكانت المرضعة جدته لأبيه، فإنه يصير عماً لزوجته، وإن كان المرتضع من الجدة للأب هو الزوجة فإنها تصير عمة لزوجها؛ وأما إذا كانت المرضعة هي جدته لأمه، فإن الرضيع الزوج يصير خالاً لزوجته، والرضيعة الزوجة تصير خالة لزوجها.
مسألة 662: إذا أرضعت أم الزوجة النسبية أحد أولاد زوج إبنتها، فقد ذهب المشهور إلى حرمة بنتها على زوجها، سواء كان الرضيع ولداً لبنتها أو لضرتها، وسواءً أرضعته من لبن والد بنتها المزوجة هذه أو من لبن زوج آخر للأم غير والدها، لأنه لما صار الزوج بهذا الرضاع والداً للمرتضع، وكانت الزوجة بنتاً للمرضعة، صارت هذه الحالة من موارد القاعدة التي مفادها أنه: «لا ينكح أبو المرتضع في أولاد المرضعة النسبيين»؛ وهذا هو الأحوط، وإن كان لا يبعد القول بعدم نشر الحرمة في مفروض هذه المسألة.
مسألة 663: إذا أرضعت زوجةُ رجلٍ بلبنه إبن أو بنت زوج بنته النسبية أو الرضاعية، فالأفضل الاحتياط بمفارقة البنت لزوجها بعدما صار المورد من موارد: (نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللبن)، مع الالتفات إلى أن ذلك الاحتياط يقتضي ـ أيضاً ـ أن لا تتزوج من غيره إلا بعد طلاقها منه ومضي عدتها، وذلك من دون فرق بين ما لو كان الطفل من بنت زوج المرضعة أو من ضرتها.
مسألة 664: إذا أرضعت المرأة أحد أولاد إبنها الذكور أو الإناث لم يترتب عليه حرمة زوجة الإبن عليه، رغم أن ولده يصير أخاه. ورغم ترتب آثار القرابة بالنحو الذي ذكرناه سابقاً، وذلك من قبيل حرمة تزوج الولد المرتضع من أبناء أو بنات عمه وعمته لأنه يصير عماً أو عمة لأولاد عمه، وخالاً أو خالة لأولاد عمته.
مسألة 665: يحدث بالرضاع علاقات قربى غير مضرة بالعلاقة الزوجية لعدم انطباق شيء من عناوين المحارم الرضاعيين التي ذكرناها في الفصل الأول في إطار موجبات حرمة التزوج في (المسألة: 585، وما بعدها)، فحيث لا يكون أحد الزوجين من أولئك (المحارم)، لا يتأثر زواجهما بالقرابة الناشئة من الرضاع، ويتفرع على ذلك أنه لا تحرم المرأة على زوجها إذا أرضعت بلبنه أشخاصاً نذكرهم على النحو التالي:
1 ـ أخاها أو أختها، وإن صارت بذلك أختاً لولد زوجها.
2 ـ ولد أخيها أو أختها، وإن صارت بذلك عمة أو خالة لولد زوجها.
3 ـ ولد ولدها، وإن صارت بذلك جدة لولد زوجها، ومثله أن ترضع إحدى زوجتي الشخص ولد ولد الأخرى، فإن الأخرى تصير جدة لولد زوجها.
4 ـ عمها أو عمتها، وإن صار الزوج بذلك أباً لعمها أو عمتها.
5 ـ خالها أو خالتها، وإن صار الزوج بذلك أباً لخالها أو خالتها.
6 ـ ولد عمها أو خالها، وإن صار الزوج بذلك أباً لابن عمها أو ابن خالها، وأما لو أرضعت ولد عمتها أو خالتها فلا تحرم عليه بلا إشكال؛ لأن الزوج يصبح أباً لابن عمتها أو لابن خالتها فيكون بمنزلة زوج عمتها أو خالتها وزوج العمة أو الخالة غير محرم على المرأة ذاتاً.
7 ـ أخا الزوج أو أخته، وإن صارت بذلك أماً لأخي زوجها أو أخته.
8 ـ ولد إبن الزوج، وإن صارت بذلك أماً لولد إبنه.
9 ـ ولد بنت الزوج، وإن صارت بذلك أماً لولد بنته.
10 ـ ولد أخت زوجها، وإن صارت بذلك أماً لولد أخته، وأما لو أرضعت ولد أخي زوجها فلا تحرم عليه بلا إشكال؛ لأنها تصبح أماً لولد أخيه فتكون بمنزلة زوجة أخيه، وزوجة الأخ غير محرمة على الزوج ذاتاً.
11 ـ عم الزوج أو عمته، وإن صارت بذلك أم عم الزوج أو عمته.
12 ـ خال الزوج أو خالته، وإن صارت بذلك أم خال الزوج أو أم خالته.
الثالث: الوفاة حال المرض
مسألة 666: إذا أنشأ المريض في مرض موته عقد زواجه، صح منه ونفذ وترتبت عليه جميع آثاره إذا دخل بها قبل موته، فإن مات قبل الدخول بطل العقد وصار ـ من حيث آثاره ـ بمنزلة المعدوم، فلا مهر للمرأة ولا ميراث ولا عدة وفاة، بل ولا تثبت به قرابة المصاهرة من حيث حرمة تزوج أولاده منها، ونحو ذلك.
وكما يبطل العقد بموت المريض نفسه قبـل الدخـول فإنه يبطـل ـ أيضاً ـ بموت المـرأة التي تزوجهـا ذلك الرجـل أثناء مرضـه إذا ماتـت ـ ولو عن غير مرض ـ قبل الدخول بها أثناء حياة زوجها ثم مات زوجها في مرضه بعدها، فيبطل العقد ولا تستحق عليه مهراً ولا يرثها.
نعم لو كان الزوج سليماً، فتزوج إمرأة مريضة، فماتت في مرضها قبل الدخول، صح العقد وترتبت عليه آثاره من ميراث ومهر وقرابة وغيرها.
مسألة 667: المراد بـ (مرض الموت) ما يشمل المرضَ المؤدي إلى الموت عادة وغيرَه من الأمراض العاديَّة التي يحدث الموت أثناءها دون أن تكون هي سبب موته، كأنْ مات من غير سبب واضح أو بسبب آخر من قتل أو مرض آخر، سواءً قصرت فترة مرضه أم طالت؛ فلو برأ من مرضه ثم مات قبل الدخول بأي سبب كان صح عقده وترتبت عليه آثاره.
الرابع: اللعان وما بحكمه
مسألة 668: (اللعان) هو: (تحالف الزوجين أمام الحاكم الشرعي بكيفية خاصة تتضمن لعن الكاذب، ويكون هدف الزوج من الحلف إثبات الزنى على الزوجة، ويكون هدف الزوجة منه نفي الزنى عن نفسها)، وقد ينتج عنه نفي الولد، وذلك بتفصيل وافٍ يأتي في محله؛ فإذا تلاعن الزوجان بالشروط المعتبرة حرمت المرأة على زوجها مؤبداً بمجرد تحقّق اللعان، دون حاجة إلى إيقاع طلاق ولا فسخ. هذا، ويجري اللعان في الزواج الدائم، وكذا في الزواج المؤقت على الأحوط وجوباً.
مسألة 669: إذا اتهم زوجته الخرساء بالزنى حرمت عليه مؤبداً بمجرده، دون حاجة إلى إيقاع طلاق أو فسخ، وكذا حكم ما لو قذف زوجته الصماء على الأحوط وجوباً؛ سواءً في ذلك المدخول بها أو غير المدخول بها، وسواءً الدائمة أو المتمتع بها، وسواءً كان متيقناً من زناها أو غير متيقن، نعم يأثم غير المتيقن ويُحدُّ حدَّ القذف بجلْده خمساً وسبعين جلدة إن لم يقم البينة على زناها، فيما لا يأثم المتيقن لكنه ـ أيضاً ـ يحد حد القذف ما لم يقم بيّنة على صدقه.
المطلب الثاني: في موجبات خيار الفسخ
ونريد به بيان أحكام ما لو ظهر عيب أو تدليس في أحد الزوجين، بحيث يثبت للآخر بسببهما خيـار فسخ العقد والتحلل منـه ـ بدون حاجة إلى إيقاع الطلاق معه ـ إن رغب بذلك، أو إمضاء العقد والبقاء عليه، وهو ما نعرض لتفصيله في فرعين:
الفرع الأول: في خيار العيب
وهو الذي يثبت لأحد الطرفين عند ظهور عيوب خاصة في الطرف الآخر، ولما كانت بعض عيوب كل منهما مختلفة عن الآخر نوعاً وحكماً فإن بيان أحكامها يستدعي تخصيص عنوان لعيوب كل واحد منهما على النحو التالي:
أولاً: عيوب الزوجة
مسألة 670: عيوب الزوجة التي يثبت بها خيار الفسخ للزوج سبعة:
1 ـ الجنون ولو كان أدوارياً، وقد سبق منا تحديد المراد به في مباحث المدخل من الجزء الثاني من هذه الرسالة، (أنظر ص: 23). وهو لا يشمل ما لا يوجب اختلال العقل من الأمراض النفسية، ولا يشمل أمراض الدماغ والجهاز العصبي، من قبيل مرض الصرع ونحوه.
2 ـ العمى، وهو: (ذهاب البصر عن العينين ولو كانتا مفتوحتين). فلا يشمـل غيره من أمراض العين وعيوبها، كالعور والحول وضعف الرؤية وغيرها.
3 ـ الإقعاد بالشلل ونحوه من الأمراض الموجبة له، بل وكذا العرج ولو لم يبلغ حد الإقعاد إذا كان بيّناً ظاهراً.
4 ـ القَرْن، وهـو: (لحـم ـ أو عظـم ـ زائـد ينبت في الفرج)، ويقال لـه ـ أيضاً: (العفل)، وحدُّه أن يكون معيقاً للعلاقة الجنسية الطبيعية، ولو لم يمنع منها تماماً ومن الحمل أيضاً.
5 ـ الإفضاء، وهو: (تشوه في فرج المرأة ينتج عنه اتحاد مسلكي البول أو الغائط مع مسلك الحيض، أو اتحاد المسالك الثلاثة مع بعضها).
6 ـ الجُذام، وهو: (مرض يظهر معه يبس الأعضاء وتناثر اللحم).
7 ـ البرص، وهو: (مرض جلدي يظهر بصورة بياض ينتشر في الجلد).
هذا، ولا يبعد ثبوت الخيار بكل مرض معدٍ مما يوجب خوف الزوج منه على نفسه، كالسل أو الإيدز ونحوهما، وإن كان ينبغي مراعاة الاحتياط بضم الطلاق إلى الفسخ.
مسألة 671: يثبت خيار الفسخ للزوج في حالة ما لو كان العيب سابقاً على العقد وانكشف بعده؛ بل وكذا بما يتجدد بعده مع الاحتياط استحباباً باقتران الفسخ بالطلاق في صورة تجدد العيب بعد العقد، سواء في ذلك ما لو كان قد حصل العيب قبل الدخول بها أو بعده.
ثانياً: عيوب الزوج
مسألة 672: عيوب الزوج التي يثبت بها خيار الفسخ للزوجة كثيرة نذكرها كما يلي:
1 ـ الجنون بالنحو الذي ذكرناه في الزوجة، ويثبت به الخيار للزوجة حتى لو حدث بعد العقد، بل وبعد الدخول بالزوجة.
2 ـ الجَبُّ، وهو: (قطع العضو الذكري قطعاً تاماً أو شبه تام بحيث لم يبق منه ما يمكن الجماع به). ويثبت به الخيار حتى لو حدث بعد العقد وبعد الدخول بالزوجة.
3 ـ العَنَنُ، وهو: (المرض المانع من انتصاب العضو الذكري بحيث لا يقدر معه على الإيلاج)، ويثبت الخيار بما سبق منه على العقد، وكذا بما تجدد بعد العقد وقبل الدخول، أما لو تحقّق منه الدخول بعد العقد ثم حدث له العنن فالأقرب أن لها الخيار أيضاً. هذا، وكما يثبت لها الخيار في حالة ما لو كان عاجزاً عن وطئها ووطىء غيرها، فإنه يثبت ـ أيضاً ـ في صورة ما لو عجز عن وطئها هي وحدها دون غيرها إذا كان العجز عنها دائماً، وإن كان ينبغي مراعاة الاحتياط بضم الطلاق إلى الفسخ في هذا المورد وفي المورد الذي قبله، أي: في صورة ما لو طرأ العنن بعد الدخول؛ أما إذا كان عجزاً طارئاً بحيث يمكن حصوله لأمثاله فلا خيار لها. وحدّ العنن الموجب للخيار هو ما لو فقدالإنتصاب حين إرادة الإيلاج، فلا يمنع من ثبوت الخيار قدرته على الانتصاب في سائر الأوقات إلا حين الإيلاج.
4 ـ الخصاء والوجاء، وهما (حدثان يعرضان على الخصيتين ويسببان العقم والعنن) ويثبت بهما الخيار للزوجة.
5 ـ الجذام والبرص والعمى بالنحو الذي ذكر في المرأة، وهذه العيوب ـ وكذا الخصاء والوجاء ـ يثبت بها الخيار للمرأة سواءً كانت سابقة على العقد أو لاحقة له مع عدم العلم به؛ بل لا يبعد ثبوت الخيار بحدوث كل مرض مُعدٍ كالسل والإيدز بالنحو المذكور، وإن كان ينبغي الاحتياط بضم الطلاق إلى الفسخ بهذه الأمراض المعدية.
ثالثاً: في أحكام خاصة بالعيب
مسألة 673: لا يثبت خيار الفسخ بعيبٍ غير العيوب المذكورة إلا أن يكون معه تدليس فيكون الفسخ بالتدليس لا بالعيب نفسه، كما سيأتي تفصيله، فلا فسخ بمثل العقم للرجل ولا للمرأة، ولا بمثل العجز عن النفقة، بل ولا بغيرهما من العيوب مهما كانت خطيرة أو مزعجة، نعم حيث يترتب على ذلك العيب ضرر للآخر فإن للمتضرر أن يرفعه بالطلاق إن كان رجلاً، وبطلب الطلاق إن كان إمرأة، فإن استجاب لها الزوج كان خيراً، وإلا رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي فيطلقها، وهو أمر آخر غير الفسخ.
مسألة 674: يكفي في ثبوت خيار الفسخ بالعيوب المذكورة مجرد عروضها لأحد الزوجين إذا كان زمن الشفاء منها طويلاً، أو امتنع المصاب بها عن معالجتها، فضلاً عما لو كانت مزمنة، وذلك كما في مثل الإقعاد والعرج والعمى والبرص والجذام وغيرها؛ نعم يستثنى من ذلك العنن فإنه يجب على المرأة أن تمهل زوجها سنة بكيفية معينة نذكرها لاحقاً؛ كما يستثنى من ذلك ما لو قصرت مدة الشفاء بنحو يعدّ فيه وجود العيب كعدمه، كعروض العرج لكسر أو لَيَّةٍ، أو عروض العمى لعارض في الجهاز العصبي لأيام قليلة، أو ما أشبه ذلك مما لا يكاد يصدق عليه أنه عيب عند العرف.
مسألة 675: تثبت العيوب المذكورة بإقرار صاحب العيب بوجوده فيه، وبالبيّنة على إقراره به أمامها، وبشهادة رجلين عادلين على وجوده فيه بما في ذلك العنن؛ وكذا تثبت العيـوب الباطنـة للنسـاء ـ إضافـة إلى ثبوتها بالإقرار وبالبيّنة على إقرار المرأة به أمامها ـ بشهادة أربع نسوة عادلات.
مسألة 676: إذا اختلفا في وجود العيب وعدمه، فإن كان لمدّعي العيب بيّنة حُكم له به، وإلا فإنَّ له أن يطلب إحلاف المنكر، فإن حلف المنكر حُكم له، وإن نكل عن الحلف ولم يَرُدَّه على المدعي تخيّر الحاكم بين أن يحكم عليه وبين ردَّ الحلف على المدعي، وحينئذٍ فإنْ اختار الحاكـم ردَّ اليميـن على المدعـي ـ أو كان المنكر قد ردَّه عليه ـ فَحَلفَ حَكَم له، وإن لم يحلف حَكَم عليه.
الفرع الثاني: في خيار التدليس
التدليس ـ لغة ـ: مصدر من الفعل الرباعي (دلَّس)، بمعنى: (كتم العيب وأظهر من صفات الكمال ما ليس له واقع، بصورة الواقع)؛ وهو نوع من الغش المحرم، ويستخدم لفظ التدليس في تزييف صفات الإنسان غالباً، فيما يستخدم لفظ (الغش) في تزييف صفات الأشياء، وإن كان قد سمي به أحد خيارات الفسخ في المعاملات الواقعة على الإنسان أو الأشياء، فحكم الفقهاء بثبوت (خيار التدليس) في الزواج كما حكموا بثبوته في مثل البيع والإجارة؛ وله في باب الزواج أحكام نفصّلها كما يلي:
مسألة 677: يتحقّق التدليس في الزواج بالتستر على عيب في أحد الزوجين من غير تلك العيوب التي سبق ذكر كونها موجبة بنفسها لخيار الفسخ بغض النظر عن وقوع التدليس فيها وعدم وقوعه، سواء كان التستر على ما يعدّ عيباً لكونه نقصاً في الخلقة، كالعور، أو لكونه زيادة فيها، كاللحية في المرأة، كما يتحقّق التدليس بإيهام الراغب بالزواج بوجود صفات كمال مرغوبة له عند من هو خالٍ منها، كالشرف والنسب والغنى والجمال والبكارة ونحوها.
ويتحقّق التستر على العيب بتوصيف أحدِ الراغبيْن بالزواج للآخر عند إرادة التزويج بما يتضمن سلامته من العيوب، أو حيازته على صفات الكمال، مع علمه بوجود تلك العيوب فيه أو عدم وجود صفات الكمال تلك، بحيث صار ذلك التوصيف سبباً لاغترار الآخر وانخداعه؛ فلو كان توصيفه لا للتزويج، أو كان من أجل التزويج ولكنَّ الحديث كان مع غير الزوج، لم يكن ذلك تدليساً، ولم يتحمل قائله مسؤولية التدليس حتى لو كان كذباً محرماً. ويتحقّق التدليس ـ أيضاً ـ بالسكوت عن العيب في مقام يَفْهَمُ منه الآخرُ سلامةَ المرغوب فيه من العيوب فيُقدِمُ على الزواج منه بتأثير هذا الفهم، فإذا صدر العقد مبتنياً ـ صراحة أو ضمناً ـ على ما فهمه المدلَّس عليه من سكوت المدلِّس كان له خيار الفسخ به كما سيأتي في المسألة التالية.
مسألة 678: إنما يثبت الخيار بالتدليس في صورة ما لو ابتنى عقد الزواج على السلامة من العيب أو على وجود صفات كمال معينة، وذلك إما بالتصريح بذكرها في العقد كأوصاف أو كشروط، أو بتوافق من يعنيهم الأمر عليها عند الخطبة والتقاول، بحيث كانت حاضرة في ذهن المتعاقدين أو أحدهما عند إجراء العقد رغم عدم التصريح بها؛ فإذا انكشف وُجودُ ما اتُّفق على عدمه، أو عَدمُ ما اتُّفّق على وجوده، تخيّر الشارط بين فسخ العقد وبين الرضا به بالنحو الذي وقع عليه. أما إذا تم العقد دون أن يتبانى المتعاقدان ـ لا تصريحاً ولا ضمناً ـ على السلامة من العيب ولا على حيازة بعض صفات الكمال، وكان الراغب معتقداً تحقّقهما، كما كان المرغوب فيه عالماً بعدمهما، وعالماً ـ أيضاً ـ بتوهم الراغب وجودهما، فسكت المرغوب فيه عن ذلك، فإنه لا يثبت به خيار الفسخ للمتوهِّم.
مسألة 679: يثبت التدليس بالإقرار به وبالبيّنة على الإقرار، كما يثبت بالبيّنة على التدليس، وهي: شهادة رجلين عادلين به؛ فإن احتاج الأمر إلى إثبات المدلَّس به، وكان من عيوب النساء الباطنة، أمكن إثباته بشهادة أربع نسوة عادلات.
المطلب الثالث: في آثار بطلان عقد الزواج وانفساخه وفسخه
ومرادنا به ذكر أثر البطلان والإنفساخ والفسخ عند عروض موجباتها، وهو ما نفصّله كما يلي:
أولاً: في أثر البطلان
مسألة 680: في كل مورد ينكشف فيه بطلان العقد منذ وقوعه، بحيث يكون وجوده كعدمه، فإنه لا تترتب عليه آثاره التالية:
أ ـ لا تحدث به قرابة المصاهرة، فلا تحرم أم الزوجة ولا بنتها من هذه الجهة، كما لا يحرم بالعقد الباطل والد الزوج ولا ولده.
ب ـ لا تُطالِبُ الزوجة بالمهر إذا لم يكن قد دخل بها، وكذا إن كان قد دخل بها وكانت عالمة ببطلان العقد، أما إذا تحقّق منه الدخول، وكانت جاهلة بفساد العقد، كان لها مهر أمثالها، لا المهر الذي سمَّاه لها في ذلك العقد الفاسد. وإذا كان قد دفع لها المهر جاز له استرجاعه في الموارد التي ليس لها مهر فيها، حتى لو كانت قد أتلفته أو نقلته عن ملكها بناقل جائز أو لازم، كما يجوز له استرجاع ما زاد عن مهر المثل مما دفعه إليها.
ج ـ ليس لها مطالبته بما لم ينفقه عليها مما هو واجب عليه لو كان الزواج صحيحاً، كما وأنه ليس له استرجاع ما أنفقه عليها إلا إذا كانت عالمة بفساد العقد (أنظر المسألة: 724).
د ـ لا يتوارثان، وإذا كان قد ورث أحدهما الآخر قبل انكشاف بطلان الزواج استُرجِع منه ما أخذه مع وجوده، وإلا رجع بمثله أو قيمته يوم أدائه.
أما النسب فإنه يثبت بالعقد الفاسد، بل بالزنى، كما سيأتي. وأما العدة فإنها تثبت مع الدخول لا بدونه بنفس ثبوتها في العقد الصحيح وتلحقها أحكام عدة وطء الشبهة، فيما لا تجب عليها عدة الوفاة ولو مع الدخول.
مسألة 681: لا يختلف الحكم المذكور في المسألة السابقة باختلاف موارده، وموارده كثيرة، منها:
1 ـ كل مورد عقد فيه شخص على أحد محارمه بنسب أو رضاع أو مصاهرة، أو على واحدة ممن ذكرنا حرمتها قبل العقد لإحرام أو كفر أو إحصان بالزواج أو العدة أو لواط أو زناً بمَحْرم، أو لكونها مطلقة ثلاثاً أو تسعاً أو لغير ذلك من موارد الحرمة الأبدية أو المؤقتة، السابقة على العقد.
2 ـ كل مورد فقد العقد فيه أحد أركانه، سواءً من جهة العقد أو المتعاقدين، كأن فقد القصد أو الاختيار أو كان بغير اللفظ المطلوب، ونحو ذلك.
3 ـ وفاة الزوج المريض خلال مرضه قبل الدخول.
وغير ذلك مما ينطبق عليه كونه من العقود التي وقعت فاقدة لشرط صحتها، بحيث لم ينشأ بها عُلْقة زوجية بين المتعاقدين.
ثانياً: في أثر الانفساخ
نريد بـ (الانفساخ): (انفساخ العقد الصحيح بعد عروض ما يوجب بطلانه قهراً)، وكنا قد ذكرنا: «أن الزواج ينفسخ عقده ويبطل عند عروض الرضاع المحرم لأحد الزوجين على الآخر، أو عند ارتداد أحدهما عن الإسلام، أو حدوث اللعان، أو قذف الرجل زوجته الخرساء»؛ وهي بعض الأمور التي عرضنا لها تفصيليـاً في المطلـب الأول من هذا المبحث الثالث، ونريـد ـ هنا ـ أن نبيّن أثر هذا الانفساخ على الزوجين، على النحو التالي:
مسألة 682: لما كان عقد الزواج في مقامنا هذا قد وقع صحيحاً إلى حين انفساخه فإن جميع الآثار تترتب عليه خلال فترة انعقاده؛ فتثبت به القرابة الموجبة للحرمة؛ وتستحق المرأة خلالها نفقتها الواجبة التي لم تأخذها؛ وتستحق ـ أيضاً ـ على زوجها نصف مهرها المسمى لها إذا كان الانفساخ قبل الدخول بها، وتمام مهرها المسمى لها إذا كان بعد الدخول؛ وعلى المرأة أن تعتد منه بكيفية معينة نذكرها في المسألة التالية، إضافة إلى النسب والتوارث؛ وجميع ذلك يثبت هنا بنحو ثبوته لو بقي العقد.
مسألة 683: في كل مورد ينفسخ فيه العقد تقع البينونة الدائمة بين الزوجين إذا كان سبب الانفساخ من موجبات الحرمة الأبدية بينهما، كالرضاع واللعان ونحوهما، أو تقع به البينونة المؤقتة، كما في الإرتداد؛ وحينئذ يجب على المدخول بهـا ـ إذا لم تكـن صغيـرة ولا يائسـة ـ أن تعتد عدة الطلاق في جميع حالات الانفساخ، بما في ذلك حالة ارتداد الزوجة عن ملة أو عن فطرة وحالة ارتداد الزوج عن ملة، ما عدا حالة ارتداد الزوج عن فطرة، إذ يجب فيها على زوجته عدة الوفاة ولو كانت صغيرة أو يائسة أو غير مدخول بها.
مسألة 684: رغم أن المرضعة هي السبب في انفساخ عقد الزواج في موارد إرضاعها الناشر للحرمة بين الزوجين، فإنها لا تضمن ما يدفعه الزوج من المهر إلا إذا حدث الإرضاع والإنفساخ قبل الدخول، فتضمن له نصف المهر الثابت لزوجته قبل دخوله بها، أما إذا حدث الإرضاع بعد الدخول فلا ضمان على المرضعة لمهر مَنْ تسببت بحرمتها على زوجها.
ثالثاً: في أثر الفسخ
بعد ما تقدم منا في المطلب الثاني ذكر أن عقد الزواج لازم لا ينفسخ إلا بثبوت خيار العيب أو التدليس، وبعدما بيّنا موارد ثبوت خيار العيب وكيفية حدوث التدليس، بقي أن نعرض في هذا المطلب الثالث لبيان أحكام الفسخ وأثره، وذلك في المسائل التالية:
مسألة 685: إذا ثبت خيار الفسخ بالعيب أو التدليس لأحد الزوجين فاختار فسخ العقد، لزمه أن يظهر رغبته بإيقاع الفسخ بكل ما يدل عليه من قول أو فعل، دون حاجة لقبول الطرف الآخر به. والفسخ ليس بطلاق، فلا يشترط فيه الخلو من الحيض والنفاس، ولا شهادة العدلين، ولا يحسب مع الطلقتين بحكم الطلاق الثالث كي يحكم بحرمة المرأة المطلقة مرتين إذا رجع إليها في المرة الثانية ثم فارقها بفسخ العقد بالعيب، بل يصح له التزوج منها دون حاجة لأن تتزوج غيره، بل ولا غير ذلك من آثار الطلاق وشروطه.
مسألة 686: إذا رغب صاحب خيار العيب بالفسخ، لزمته المبادرة العرفية إلى الأخذ به، فلا يبقى حقه في الفسخ إذا علم بالعيب وعلم بثبوت حقه في الفسخ فتباطأ عنه من دون عذر، فإن أخره لعذر، كحضور من يستشيره، أو ليفكر في مدى صلاح الفسخ له، أولجهله بالعيب أو جهله بثبوت الخيار أو غفلته عنه أو نسيانه له، لم يسقط حقه في الخيار، ولزمته المبادرة حين ارتفاع العذر أو حين علمه به وتذكره له.
مسألة 687: يستثنى من لزوم المبادرة ما لو كان العيب هو (العنن) في الرجل، فإنه لا يصح للمرأة ـ التي لا تريد أن تصبر على هذا العيب من زوجها وترفض العيش معه بهذا الوضع ـ أن تبادر إلى الفسخ، بل يجب عليها رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي فيؤجله إلى سنة من تاريخ طلبها، فإن قدر على وطئها هي ـ بخاصة ـ خلال السنة سقط حقها في الفسخ، وإن لم يقدر على وطئها ـ ولو مع قدرته على وطء غيرها ـ حتى انقضى العام كان لها أن تفسخ حينئذ، مع لزوم المبادرة إليه بالنحو المذكور. هذا، ولا يجب عليها الصبر أكثر من سنة إذا عُلِم بارتفاع العنن بعدها؛ ولو فرض امتناع الزوج عن الحضور معها لرفع الأمر إلى الحاكم، صح أن تنفرد هي باحتساب السنة من حين امتناعه، حيث يصح لها المبادرة في نهاية السنة إلى الفسخ.
مسألة 688: لا يعتبر في الفسخ بالعيب إذن الحاكم الشرعي، بما في ذلك ما لو كان العيب هو العنن، وإنما ترجع المرأة مع العنن إلى الحاكم الشرعي من أجل ضرب الأجل لا من أجل أن يكون الفسخ بإذنه، لذا فإنه إذا انقضى العام جاز لها الاستقلال بالفسخ من دون مراجعة الحاكم.
مسألة 689: إذا فسخ الرجل بأحد عيوب المرأة، فإن كان الفسخ بعد الدخول استحقت المرأة تمام المهر وعليها العدة إلا إذا كانت صغيرة أو يائسة كما في الطلاق، وإن كان الفسخ قبله لم تستحق شيئاً ولا عدة عليها. هذا إذا لم يكن تدليس، وأما مع التدليس وتبيّن الحال للرجل بعد الدخول، فإن كان المدلِّس نفس المرأة واختار الفسخ لم تستحق المهر، وإن كان قد دفعه إليها جاز له استعادته، وإن اختار البقاء فعليه تمام المهر لها كما مر، وإن كان المدلِّس غير الزوجة فالمهر المسمى يستقر على الزوج بالدخول، ولكن يحقّ له بعد دفعه إليها أن يرجع به على المدلِّس.
هذا، ولا فرق في هذا الحكم بين موارده المختلفة، بما في ذلك ما لو تزوجها على أنها بكر فبانت ثيباً، نعم إذا اختـار ـ في هـذا المـورد ـ البقاء على الزوجية، أو لم يكن له أن يفسخ العقد فيه لعدم ابتناء العقد على كونها بكراً، فإن له أن يُنْقِصَ من مهرها المسمى بنسبة ما به التفاوت بين مهر مثلها بكراً وثيباً، فإذا كان المهر المسمى ألف ليرة ذهباً، وكان مهر مثلها بكراً ثمانمئة وثيباً ستمئة، فمقدار نسبة التفاوت بين مهري المثل هي الربع، فيَسْقُط من المهر المسمى المذكور رُبْعُهُ، وهو مئتان وخمسون ليرة ذهباً.
مسألة 690: من يكون تدليسه موجباً للرجوع عليه بالمهر هو الذي يسند إليه التزويج، من وليّها الشرعي أو العرفي كأبيها وجدّها وأمّها وأخيها الكبير وعمها وخالها ممن لا تصدر إلاّ عن رأيهم ويتصدون لتزويجها وترجع إليهم فيه في العرف والعادة، ومثلهم على الظاهر بعض الأجانب ممن له شدة علاقة وارتباط بها، بحيث لا تصدر إلاّ عن رأيه، ويكون هو المرجع في أمورها المهمة ويُركن إليه فيما يتعلق بها، بل لا يبعد أن يُلحقَ بمنْ ذُكر، الأجنبيُّ الذي يُرادُ عند الطرفين ويسعى في إيجاد وسائل الإئتلاف ويتولى بيان الجهات ذات العلاقة بهذا الأمر.
مسألة 691: لا ينحصر إيقاع الفسخ بمن له الخيار، بل يجوز له توكيل من يوقعه عنه، كما يجوز للولي إيقاعه عن القاصر إذا انكشف له ما يوجب الخيار في الطرف الآخر، فإن لم يكن له ولي متصدٍ لشؤونه، أو كان له ولي ولم يكن عالماً بالعيب مدة ولايته، أو عَلِم به ولم يفسخ مع وجود مفسدة في إمضاء العقد، صح للمولَّى عليه بعد كماله أن يفسخ العقد.

ص
472
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية