وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في ما يعتبر في المتعاقدين
مسألة 643: لا تختلف الشروط المعتبرة في المتعاقدين في الزواج عن الشروط المعتبرة فيهما في سائر العقود والمعاملات، ورغم أنّنا ذكرناها مفصّلة في مواضع متعددة من أبواب الجزء الثاني وأبواب هذا الجزء، فإنّ إعادة ذكرها هنا مقترنة بما يناسب هذا الباب أحسن وأنفع، فنقول:
يعتبر في المتعاقدين توفر أمور:
الأول: البلوغ، فلا يصح عقد الصبـي غير المميز ـ لا لنفسه ولا لغيره ـ ولو بإذن الولي أو الغير، فيما يصح عقد الصبي المميز وكالة عن الغير، بل وكذا لنفسه مع إذن الولي، فإن عقد بغير إذنه لم يصح إلا أن يجيزه الولي، أو يبلغ هو فيجيز عقد نفسه إن كان قد سكت الولي قبل بلوغه عن الإذن وعدمه، أو لم يتيسر له استئذانه حينذاك.
الثاني: العقل، فلا يصح عقد المجنون حال جنونه ولو كان أدوارياً، فيما يصح من الأدواري حال عقله. أما السفيه فالأحوط وجوباً له عدم الاستقلال بعقد زواجه إجمالاً، كما سيأتي، فيما يصح كونه وكيلاً عن الغير في التزويج وغيره دون حاجة إلى إذن الولي ولو فيما يستلزم تصرفاً بمال الغير (أنظر المسألة: 427).
الثالث: القصد، فلا يصح العقد من النائم والساهي والغالط والسكران.
الرابع: الاختيار، فلا يصح عقد المكره إذا صدر منه الإيجاب أو القبول بغير رضا منه، لكنه إذا رضي بعد ذلك وأجاز صح العقد من دون حاجة لتجديده، وإن كان الأفضل تجديده، نعم إذا كان الإكراه بدرجة ينتفي معها القصد فإن العقد يبطل ولم تنفع فيه الإجازة اللاحقة. هذا، ولا يعتبر من الإكراه ما لو خضعا كلاهما أو أحدهما لضرورة طارئة، بحيث لولاها لم يكونا ليتزوجا، لأنه حيث اقترن بالرضا ـ ولو تكيفاً مع الضرورة ـ يصح وينفذ. (أنظر الجزء الثاني، ص: 446، فقرة: «الثالث»).
مسألة 644: لا يمنع فقد الأهلية بالصغر أو الجنون من تزويج الفاقد لها، فيتصدى الولي لذلك مباشرة أو من خلال وكيله، وذلك بتفصيل سيأتي بيانه لاحقاً. (أنظر المسألة: 650 وما بعدها).
المطلب الثاني: في أحكام قيام الغير بالعقد
ونريد به بيان أحكام قيام غير المعقود لهما بالعقد لهما، سواءً كان مأذوناً كالوكيل والولي أو غير مأذون كالفضولي، وذلك على النحو التالي:
أولاً: في عقد الوكيل
مسألة 645: يصح التوكيل في إجراء عقد الزواج من قبل الطرفين أو أحدهما إن كانا كاملين، أو من قبل وليهما إن كانا قاصرين، وحينئذ يجب على الوكيل أن يقتصر على ما عيّنه له الموكِّل من شؤون الزواج حتى لو كانت على خلاف مصلحته، فإن تعداه كان عمله فضولياً، فيتوقف نفوذه على إجازة الموكل؛ أمَّا إذا فوض إليه القيام بما يناسبه من شؤون العقد وتحديد المهر وغيرهما من خصوصيـات الـزواج، فإنـه يجب علـى الوكيـل ـ حينئـذ ـ مراعاة مصلحة الموكِّل، فإن تعداها كان فضولياً أيضاً.
مسألة 646: يعتبر في الوكيل والموكِّل توفر ما سبق ذكره فيهما في باب الوكالة، وكما هو الأمر في غير الزواج من المعاملات، فإنه يصح في الزواج ـ أيضاً ـ أن يتولى شخص واحد الوكالة عن الطرفين، بل يجوز أن يكون أحد الطرفين وكيلاً عن الطرف الآخر ولو كان الوكيل عن الرجل هو المرأة التي يريد التزوج بها.
مسألة 647: يجوز لمن وكلته المرأة في أن يختار لها زوجاً ويعقد لها عليه أن يزوجها من نفسه إذا كان قد فهم من ظاهر كلامها العموم، فضلاً عما لو كانت قد صرحت به، وإلا لم يجز له تزويجها من نفسه، فإن فعل كان فضولياً متوقفاً على إجازتها.
مسألة 648: لا يجوز لطرفي العقد ترتيب الآثـار عليـه قبـل الاطمئنان ـ أو قيام البيّنة ـ على إيقاع العقد، ويكفي فيه الاطمئنان الحاصل من إخبار الوكيل؛ فلا يكفي مجرد الظن، كما أنه يشكل الاكتفاء بإخبار الوكيل إن لم يفد الاطمئنان. نعم لا أثر للشك في إتيان الوكيل به صحيحاً بعد العلم بإيقاعه له.
مسألة 649: إذا زوج مُدَّعي الوكالة رجلاً فأنكر الرجل وكالته، فإن حلف على عدم توكيله لزم الوكيلَ دفعُ نصف المهر للمرأة على كل حال، أي: حتى مع اعتقاده كذب الموكِّل؛ أما حال المرأة من كونها زوجة له أو ليست زوجة له، فإن علم الموكِّل من نفسه كذبه لزمه طلاقها، فإن لم يفعل ذلك، مكابرة أو لإعتقاده عدم توكيله اشتباهاً أو نسياناً، وكانت المرأة معتقدة صدق الوكيل لم يكن لها أن تتزوج من غيره إلا بعد رفع أمرها إلى الحاكم ليطلقها، وأما مع عدم العلم بكذب الموكِّل في الإنكار فإنه يحكم ظاهراً بلغوية عقد الوكيل وبطلانه، ثُمَّ بكونها خلية.
ثانياً: في عقد الولي
لا يستقل الصغير والمجنون والسفيه في تزويج أنفسهم إلا أن يأذن الولي لبعضهم أو يتولى هو العقد بنفسه أو من خلال وكيله، وتفصيل ذلك كما يلي:
مسألة 650: يجوز للأب والجد للأب أن يزوج الصغير، ذكراً كان أو أنثى، مع وجود مصلحة ملزمة للصغير في ذلك، وكذا فإنّ لهما الولاية على تزويج المجنون بنحو ما جاز لهما في الصغير إذا كان قد بلـغ مجنونـاً؛ وأما السفيـه ـ ذكراً كان أو أُنثى ـ فإن ولايتهما عليه منوطة بكونه قد بلغ سفيهاً، وأيضاً بكونه سفيهاً في جميع أموره، وحيث يكون كذلك فإن عليه الاحتياط وجوباً بأن يستأذن أباه أو جده لأبيه عند إرادته التزوج.
أما الوصي من قبل الأب أو الجد للأب فإنه يتولى زواج الصغير والمجنون عند فقد الموصي إذا كان قد نص على التزويج بخصوصه، وكذا يتولى من السفيه ما كان يتولاه الموصي أيضاً، وجميع ذلك بنفس النحو الذي يتولاه الموصي.
وأما الحاكم الشرعي، فإن له الولاية على تزويج الصغير عند فقد الأب والجد للأب والوصي عنهما عند اضطرار الصبي للزواج؛ كما أن له الولاية على المجنون مع فقدهم في مورد ولايتهم، وهو ما لو اتصل جنونه ببلوغه، إضافة إلى ولايته عليه في المورد الذي لا ولاية لهم عليه، وهو ما لو حدث له الجنون بعد البلوغ، وجميع ذلك مرهون باضطراره إلى الزواج؛ وكذا فإن له الولاية على السفيه مع فقد الأب والجد للأب والوصي عنهما في مورد ولايتهم، وهو ما لو بلغ سفيهاً في جميع أموره، بل وفي موردٍ لا ولاية لهم عليه، وهو ما لو صار سفيهاً بعد البلوغ، أو قبله ولكن كان سفيهاً في أمر زواجه خاصة، فإن عليه أن يحتاط وجوباً باستئذان الحاكم الشرعي.
وأما العدل من المؤمنين فإنه يتولى من الزواج ما يتولاه الحاكم الشرعي عند فقده. (أنظر تفصيل أحكام الولاية في الجزء الثاني من فقه الشريعة، ص 26 وما بعدها).
مسألة 651: المعيار فـي كون زواج الصغيـر ـ أو المجنـون ـ مصلحة له في بعض الموارد، وضرورة له في موارد أخرى، هو ما يكون في نظر العقلاء كذلك، لا في نظر الولي وحده، فلو رأى العقلاء في تزويجه مصلحة، فزوجه الولي وفقاً لتلك المصلحة صح العقد ونفذ، ويكفي في استكشاف رأي العقلاء معرفته الإجمالية باتجاهات العرف وذوقه بوصفه واحداً منهم، وذلك دون حاجة لمشورتهم وإشراكهم فعلاً في أمر تزويج الصغير. وعلى كل حال، فلو تبيّن فيما بعد أن الزواج حين إنشاء عقده لم يكن فيه مصلحة للقاصر بطل العقد، إلا أن يكون الانكشاف بعد بلوغ الصغير أو عقل المجنون فإنهما يتخيران ـ حينئذٍ ـ بين إمضاء العقد أو فسخه.
مسألة 652: تختلف الولاية على السفيه عن الولاية على الصغير والمجنون من حيث إن لرضا السفيه دخالة في المعاملات غير المالية ولكن لا باستقلاله، بل لا بد ـ على الأحوط وجوباً ـ من ضم إذن الولي بذلك العقد كي يصح وينفذ، فيما لا دخالة ـ بل لا قيمة ـ لرضا الصغير والمجنون بالمعاملة التي يريد الولي القيام بها لصالحهما ووفقاً لما تقتضيه مصلحتهما، ويترتب على هذا الفرق أنّ إذن الولي للسفيه في التزويج ليس مرهوناً بوجود مصلحة للسفيه فيه، فضلاً عن أنه ليس مرهوناً بكون التزويج ضرورياً له، نعم لا شك أن الهدف منه هو مساعدة السفيه كي لا يقع في المفسدة.
ثالثاً: في عقد الفضولي
مسألة 653: يراد بـ (العقد الفضولي): العقد الصادر من غير المأذون له بأصل إنشائه، أو من غير المأذون بإنشائه على الوجه الذي وقع عليه. فإذا قام شخص بتزويج القاصر من دون أن يكون ولياً له ولا وكيلاً من قبل الولي، أو قام شخص بتزويج شخص كامل ـ رجـلاً كـان أو إمـرأة ـ من دون أن يكون وكيلاً عنه، أو بغير الكيفية الموكل بها، كان العقد فضولياً، فيتوقف نفوذه في حق المعقود له إذا كان قاصراً على إذن الولي وإجازته له مع مراعاة المصلحة أو الضرورة، وفي حق غير القاصر على إجازته ورضاه به بالنحو الذي وقع، وذلك من دون فرق بين ما لو كان العاقد فضولياً من طرف واحد أو من الطرفين؛ وحينئذٍ فإن أجازه صح العقد وترتبت عليه آثاره، وإن رده بطل العقد ولم يكن له أثر؛ بل لو فرض كون العقد فضولياً من طرف وأصيلاً من طرف آخر، فإنه كما يكون الطرف المعقود له فضولاً مخيراً بين القبول والرد فإن الطرف الأصيل يكون ـ أيضاً ـ مخيراً بين الاستمرار على العقد وبين الفسخ في هذه الفترة من التزلزل التي تسبق إجازة المعقود له فضولاً.
مسألة 654: لا تثبت آثار الزوجية من القرابة والنفقة وغيرهما ثبوتاً فعلياً على الطرف الأصيل أو المجيز في فترة ما قبل إجازة الطرف الآخر، فلو كان أحد المتعاقدين أصيلاً، أو كانا كلاهما قد عُقِد لهما فضولاً فأجاز أحدهما قبل الآخر، لم تحرم على ذلك المعقود له أم المرأة المعقود عليها فضولاً قبل إجازتها، فلو عقد على أمها صح عقده وكان ذلك منه فسخاً إذا كان أصيلاً، ورجوعاً عن الإجازة إذا كان معقوداً له فضولاً ما دام الآخر لم يجز العقد من جانبه، وإلا لم يكن للأول الرجوع عنها بعد إجازة الثاني، كما سيأتي في (المسألة: 656)، وحيث لم تصدر الإجازة من المرأة بعد فلا حاجة لها بعدما لغى عقدها الفضولي بتزوج المعقود لها عليه من أمها. وهكذا أمر النفقة، فإنه لا يحق لها مطالبته بالنفقة قبل إجازتها لعقدها الصادر من غيرها فضولاً، رغم أنها تحتسب لها تمام نفقتها من حين صدور عقد الفضولي إذا أجازته، كما سيأتي. (أنظر المسألة: 724).
مسألة 655: لا يكفي الرضا القلبي بالعقد الصادر من الفضولي، بل لا بد من صدور قول أو فعل يدل على إجازة المعقود له العقد، ويكفي فيهما كل ما يدل عليها؛ نعم يستثنى من ذلك البكر، فإنه يكفي في إذنها سكوتها إذا ظهر منه الرضا. ولا يعتبر في الإجازة الفور، فلو أخرها مدة طويلة أو قصيرة صحت حتى لو كان التأخير لغير سبب ولا ضرورة، فضلاً عما لو كان من أجل التفكير في الأمر والاستشارة.
مسألة 656: لا يضر بالإجازة كونها مسبوقة بالرفض والممانعة والكراهة لما صدر عن الفضولي، فلو أجاز بعد الرد صحت منه وأثّرت حتى لو كان النهي سابقاً على العقد؛ وحيث تصدر الإجازة من الطرف المعقود له فضولاً فإن العقد يلزم بها إذا كان الطرف الأول قد وافق على العقد أصالة أو بإجازة ما عقده له الفضوليُّ هذا نفسُه أو غيرُه، إذ بموافقته يكتمل العقد فيقع لازماً، فإنْ ردَّ المجيز منهما ـ ولو كانا كلاهما ـ بعدما تحقّق الرضا به منهما لم يكن لرده ـ بل ولا لردهما ـ أثر، بل يستمر العقد لازماً لا ينفسخ إلا بأسبابه التي ستأتي، أو بالطلاق.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في ما يعتبر في المتعاقدين
مسألة 643: لا تختلف الشروط المعتبرة في المتعاقدين في الزواج عن الشروط المعتبرة فيهما في سائر العقود والمعاملات، ورغم أنّنا ذكرناها مفصّلة في مواضع متعددة من أبواب الجزء الثاني وأبواب هذا الجزء، فإنّ إعادة ذكرها هنا مقترنة بما يناسب هذا الباب أحسن وأنفع، فنقول:
يعتبر في المتعاقدين توفر أمور:
الأول: البلوغ، فلا يصح عقد الصبـي غير المميز ـ لا لنفسه ولا لغيره ـ ولو بإذن الولي أو الغير، فيما يصح عقد الصبي المميز وكالة عن الغير، بل وكذا لنفسه مع إذن الولي، فإن عقد بغير إذنه لم يصح إلا أن يجيزه الولي، أو يبلغ هو فيجيز عقد نفسه إن كان قد سكت الولي قبل بلوغه عن الإذن وعدمه، أو لم يتيسر له استئذانه حينذاك.
الثاني: العقل، فلا يصح عقد المجنون حال جنونه ولو كان أدوارياً، فيما يصح من الأدواري حال عقله. أما السفيه فالأحوط وجوباً له عدم الاستقلال بعقد زواجه إجمالاً، كما سيأتي، فيما يصح كونه وكيلاً عن الغير في التزويج وغيره دون حاجة إلى إذن الولي ولو فيما يستلزم تصرفاً بمال الغير (أنظر المسألة: 427).
الثالث: القصد، فلا يصح العقد من النائم والساهي والغالط والسكران.
الرابع: الاختيار، فلا يصح عقد المكره إذا صدر منه الإيجاب أو القبول بغير رضا منه، لكنه إذا رضي بعد ذلك وأجاز صح العقد من دون حاجة لتجديده، وإن كان الأفضل تجديده، نعم إذا كان الإكراه بدرجة ينتفي معها القصد فإن العقد يبطل ولم تنفع فيه الإجازة اللاحقة. هذا، ولا يعتبر من الإكراه ما لو خضعا كلاهما أو أحدهما لضرورة طارئة، بحيث لولاها لم يكونا ليتزوجا، لأنه حيث اقترن بالرضا ـ ولو تكيفاً مع الضرورة ـ يصح وينفذ. (أنظر الجزء الثاني، ص: 446، فقرة: «الثالث»).
مسألة 644: لا يمنع فقد الأهلية بالصغر أو الجنون من تزويج الفاقد لها، فيتصدى الولي لذلك مباشرة أو من خلال وكيله، وذلك بتفصيل سيأتي بيانه لاحقاً. (أنظر المسألة: 650 وما بعدها).
المطلب الثاني: في أحكام قيام الغير بالعقد
ونريد به بيان أحكام قيام غير المعقود لهما بالعقد لهما، سواءً كان مأذوناً كالوكيل والولي أو غير مأذون كالفضولي، وذلك على النحو التالي:
أولاً: في عقد الوكيل
مسألة 645: يصح التوكيل في إجراء عقد الزواج من قبل الطرفين أو أحدهما إن كانا كاملين، أو من قبل وليهما إن كانا قاصرين، وحينئذ يجب على الوكيل أن يقتصر على ما عيّنه له الموكِّل من شؤون الزواج حتى لو كانت على خلاف مصلحته، فإن تعداه كان عمله فضولياً، فيتوقف نفوذه على إجازة الموكل؛ أمَّا إذا فوض إليه القيام بما يناسبه من شؤون العقد وتحديد المهر وغيرهما من خصوصيـات الـزواج، فإنـه يجب علـى الوكيـل ـ حينئـذ ـ مراعاة مصلحة الموكِّل، فإن تعداها كان فضولياً أيضاً.
مسألة 646: يعتبر في الوكيل والموكِّل توفر ما سبق ذكره فيهما في باب الوكالة، وكما هو الأمر في غير الزواج من المعاملات، فإنه يصح في الزواج ـ أيضاً ـ أن يتولى شخص واحد الوكالة عن الطرفين، بل يجوز أن يكون أحد الطرفين وكيلاً عن الطرف الآخر ولو كان الوكيل عن الرجل هو المرأة التي يريد التزوج بها.
مسألة 647: يجوز لمن وكلته المرأة في أن يختار لها زوجاً ويعقد لها عليه أن يزوجها من نفسه إذا كان قد فهم من ظاهر كلامها العموم، فضلاً عما لو كانت قد صرحت به، وإلا لم يجز له تزويجها من نفسه، فإن فعل كان فضولياً متوقفاً على إجازتها.
مسألة 648: لا يجوز لطرفي العقد ترتيب الآثـار عليـه قبـل الاطمئنان ـ أو قيام البيّنة ـ على إيقاع العقد، ويكفي فيه الاطمئنان الحاصل من إخبار الوكيل؛ فلا يكفي مجرد الظن، كما أنه يشكل الاكتفاء بإخبار الوكيل إن لم يفد الاطمئنان. نعم لا أثر للشك في إتيان الوكيل به صحيحاً بعد العلم بإيقاعه له.
مسألة 649: إذا زوج مُدَّعي الوكالة رجلاً فأنكر الرجل وكالته، فإن حلف على عدم توكيله لزم الوكيلَ دفعُ نصف المهر للمرأة على كل حال، أي: حتى مع اعتقاده كذب الموكِّل؛ أما حال المرأة من كونها زوجة له أو ليست زوجة له، فإن علم الموكِّل من نفسه كذبه لزمه طلاقها، فإن لم يفعل ذلك، مكابرة أو لإعتقاده عدم توكيله اشتباهاً أو نسياناً، وكانت المرأة معتقدة صدق الوكيل لم يكن لها أن تتزوج من غيره إلا بعد رفع أمرها إلى الحاكم ليطلقها، وأما مع عدم العلم بكذب الموكِّل في الإنكار فإنه يحكم ظاهراً بلغوية عقد الوكيل وبطلانه، ثُمَّ بكونها خلية.
ثانياً: في عقد الولي
لا يستقل الصغير والمجنون والسفيه في تزويج أنفسهم إلا أن يأذن الولي لبعضهم أو يتولى هو العقد بنفسه أو من خلال وكيله، وتفصيل ذلك كما يلي:
مسألة 650: يجوز للأب والجد للأب أن يزوج الصغير، ذكراً كان أو أنثى، مع وجود مصلحة ملزمة للصغير في ذلك، وكذا فإنّ لهما الولاية على تزويج المجنون بنحو ما جاز لهما في الصغير إذا كان قد بلـغ مجنونـاً؛ وأما السفيـه ـ ذكراً كان أو أُنثى ـ فإن ولايتهما عليه منوطة بكونه قد بلغ سفيهاً، وأيضاً بكونه سفيهاً في جميع أموره، وحيث يكون كذلك فإن عليه الاحتياط وجوباً بأن يستأذن أباه أو جده لأبيه عند إرادته التزوج.
أما الوصي من قبل الأب أو الجد للأب فإنه يتولى زواج الصغير والمجنون عند فقد الموصي إذا كان قد نص على التزويج بخصوصه، وكذا يتولى من السفيه ما كان يتولاه الموصي أيضاً، وجميع ذلك بنفس النحو الذي يتولاه الموصي.
وأما الحاكم الشرعي، فإن له الولاية على تزويج الصغير عند فقد الأب والجد للأب والوصي عنهما عند اضطرار الصبي للزواج؛ كما أن له الولاية على المجنون مع فقدهم في مورد ولايتهم، وهو ما لو اتصل جنونه ببلوغه، إضافة إلى ولايته عليه في المورد الذي لا ولاية لهم عليه، وهو ما لو حدث له الجنون بعد البلوغ، وجميع ذلك مرهون باضطراره إلى الزواج؛ وكذا فإن له الولاية على السفيه مع فقد الأب والجد للأب والوصي عنهما في مورد ولايتهم، وهو ما لو بلغ سفيهاً في جميع أموره، بل وفي موردٍ لا ولاية لهم عليه، وهو ما لو صار سفيهاً بعد البلوغ، أو قبله ولكن كان سفيهاً في أمر زواجه خاصة، فإن عليه أن يحتاط وجوباً باستئذان الحاكم الشرعي.
وأما العدل من المؤمنين فإنه يتولى من الزواج ما يتولاه الحاكم الشرعي عند فقده. (أنظر تفصيل أحكام الولاية في الجزء الثاني من فقه الشريعة، ص 26 وما بعدها).
مسألة 651: المعيار فـي كون زواج الصغيـر ـ أو المجنـون ـ مصلحة له في بعض الموارد، وضرورة له في موارد أخرى، هو ما يكون في نظر العقلاء كذلك، لا في نظر الولي وحده، فلو رأى العقلاء في تزويجه مصلحة، فزوجه الولي وفقاً لتلك المصلحة صح العقد ونفذ، ويكفي في استكشاف رأي العقلاء معرفته الإجمالية باتجاهات العرف وذوقه بوصفه واحداً منهم، وذلك دون حاجة لمشورتهم وإشراكهم فعلاً في أمر تزويج الصغير. وعلى كل حال، فلو تبيّن فيما بعد أن الزواج حين إنشاء عقده لم يكن فيه مصلحة للقاصر بطل العقد، إلا أن يكون الانكشاف بعد بلوغ الصغير أو عقل المجنون فإنهما يتخيران ـ حينئذٍ ـ بين إمضاء العقد أو فسخه.
مسألة 652: تختلف الولاية على السفيه عن الولاية على الصغير والمجنون من حيث إن لرضا السفيه دخالة في المعاملات غير المالية ولكن لا باستقلاله، بل لا بد ـ على الأحوط وجوباً ـ من ضم إذن الولي بذلك العقد كي يصح وينفذ، فيما لا دخالة ـ بل لا قيمة ـ لرضا الصغير والمجنون بالمعاملة التي يريد الولي القيام بها لصالحهما ووفقاً لما تقتضيه مصلحتهما، ويترتب على هذا الفرق أنّ إذن الولي للسفيه في التزويج ليس مرهوناً بوجود مصلحة للسفيه فيه، فضلاً عن أنه ليس مرهوناً بكون التزويج ضرورياً له، نعم لا شك أن الهدف منه هو مساعدة السفيه كي لا يقع في المفسدة.
ثالثاً: في عقد الفضولي
مسألة 653: يراد بـ (العقد الفضولي): العقد الصادر من غير المأذون له بأصل إنشائه، أو من غير المأذون بإنشائه على الوجه الذي وقع عليه. فإذا قام شخص بتزويج القاصر من دون أن يكون ولياً له ولا وكيلاً من قبل الولي، أو قام شخص بتزويج شخص كامل ـ رجـلاً كـان أو إمـرأة ـ من دون أن يكون وكيلاً عنه، أو بغير الكيفية الموكل بها، كان العقد فضولياً، فيتوقف نفوذه في حق المعقود له إذا كان قاصراً على إذن الولي وإجازته له مع مراعاة المصلحة أو الضرورة، وفي حق غير القاصر على إجازته ورضاه به بالنحو الذي وقع، وذلك من دون فرق بين ما لو كان العاقد فضولياً من طرف واحد أو من الطرفين؛ وحينئذٍ فإن أجازه صح العقد وترتبت عليه آثاره، وإن رده بطل العقد ولم يكن له أثر؛ بل لو فرض كون العقد فضولياً من طرف وأصيلاً من طرف آخر، فإنه كما يكون الطرف المعقود له فضولاً مخيراً بين القبول والرد فإن الطرف الأصيل يكون ـ أيضاً ـ مخيراً بين الاستمرار على العقد وبين الفسخ في هذه الفترة من التزلزل التي تسبق إجازة المعقود له فضولاً.
مسألة 654: لا تثبت آثار الزوجية من القرابة والنفقة وغيرهما ثبوتاً فعلياً على الطرف الأصيل أو المجيز في فترة ما قبل إجازة الطرف الآخر، فلو كان أحد المتعاقدين أصيلاً، أو كانا كلاهما قد عُقِد لهما فضولاً فأجاز أحدهما قبل الآخر، لم تحرم على ذلك المعقود له أم المرأة المعقود عليها فضولاً قبل إجازتها، فلو عقد على أمها صح عقده وكان ذلك منه فسخاً إذا كان أصيلاً، ورجوعاً عن الإجازة إذا كان معقوداً له فضولاً ما دام الآخر لم يجز العقد من جانبه، وإلا لم يكن للأول الرجوع عنها بعد إجازة الثاني، كما سيأتي في (المسألة: 656)، وحيث لم تصدر الإجازة من المرأة بعد فلا حاجة لها بعدما لغى عقدها الفضولي بتزوج المعقود لها عليه من أمها. وهكذا أمر النفقة، فإنه لا يحق لها مطالبته بالنفقة قبل إجازتها لعقدها الصادر من غيرها فضولاً، رغم أنها تحتسب لها تمام نفقتها من حين صدور عقد الفضولي إذا أجازته، كما سيأتي. (أنظر المسألة: 724).
مسألة 655: لا يكفي الرضا القلبي بالعقد الصادر من الفضولي، بل لا بد من صدور قول أو فعل يدل على إجازة المعقود له العقد، ويكفي فيهما كل ما يدل عليها؛ نعم يستثنى من ذلك البكر، فإنه يكفي في إذنها سكوتها إذا ظهر منه الرضا. ولا يعتبر في الإجازة الفور، فلو أخرها مدة طويلة أو قصيرة صحت حتى لو كان التأخير لغير سبب ولا ضرورة، فضلاً عما لو كان من أجل التفكير في الأمر والاستشارة.
مسألة 656: لا يضر بالإجازة كونها مسبوقة بالرفض والممانعة والكراهة لما صدر عن الفضولي، فلو أجاز بعد الرد صحت منه وأثّرت حتى لو كان النهي سابقاً على العقد؛ وحيث تصدر الإجازة من الطرف المعقود له فضولاً فإن العقد يلزم بها إذا كان الطرف الأول قد وافق على العقد أصالة أو بإجازة ما عقده له الفضوليُّ هذا نفسُه أو غيرُه، إذ بموافقته يكتمل العقد فيقع لازماً، فإنْ ردَّ المجيز منهما ـ ولو كانا كلاهما ـ بعدما تحقّق الرضا به منهما لم يكن لرده ـ بل ولا لردهما ـ أثر، بل يستمر العقد لازماً لا ينفسخ إلا بأسبابه التي ستأتي، أو بالطلاق.