المبحث الثالث: في الشروط المعتبرة في الوارث

ونريد به بيان ما يجب توفره من الشروط في الوارث، بل وفي المورِّث، بعد وجود موجب الميراث بينهما من نسب أو سبب، وقد تداول الفقهاء في هذا المجال مصطلحين للتعبير عن تلك الشروط، هما: (المانع) و(الحاجب)، وذلك بلحاظ الجانب السلبي من الشرط ومن حيث أثره في منع الوارث أو حجبه عن نصيبه الذي كان يستحقه كلاً أو بعضاً لولا وجود ذلك المانع أو الحاجب، ومثال ذلك: شرط إسلام الوارث إذا كان المورِّث مسلماً، فإنهم أخذوا عنوان (الكفر)، وتحدثوا عنه من حيث هو مانع من استحقاق الوارث لنصيبه، وهكذا سائر الموانع؛ غير أننا اعتمدنا طريقةً مخالفةً لما جروا عليه، فأخذنا الجانب الإيجابي من الشروط، واعتبرنا أن الشرط صفة توجد في الوارث وتُحقق تأثيرَ موجِب الميراث ـ نسباً أو سبباً ـ في أصل استحقاق الوارث لنصيبه، وأضفنا إلى ما يعبِّرون عنه بــ (الموانع)، وهي ـ في زماننا ـ مانعان: الكفر والقتل، شرطين آخرين هما: شرط حياة الوارث وموت المورث، من حيث هو مجال لبحث ميراث المرتد والحَمْل والمفقود، وشرط التولد من نكاح شرعي، من حيث هو مجال لبحث ميراث إبن الزنى وولد الملاعنة، فصارت الشروط أربعة.
أما الحَجْب فهو: حالة منتزعة من حيلولة شخص لآخر عن أن يرث مطلقاً، أو عن أن يرث جميع حصته. وسبب وجود (الحَجب) هو نفس نظام الميراث المرتكز على أولوية بعض الأقارب من البعض الآخر، والنص فيه على (حاجبِيَّة) بعضهم لبعض؛ ولذا فإن الحجب على نوعين:
الأول: حجبٌ عن أصل الإرث، كما في حجب القريب في كل مرتبة من هو بعيد عنها، فالآباء والأولاد يحجبون الأجداد والإخوة، ثم الإخوة وأولادهم والأجداد يحجبون الأعمام والأخوال، وهكذا.
الثاني: حجبٌ عن بعض الإرث، والحاجب فيه تارة: يكون من نفس الطبقة، كالولد يحجب الزوجين عن نصيبهما الأعلى، وكالولد الذكر يحجب الأبوين عما زاد عن السدسين، أو أحدَهما عما زاد عن السدس، وذلك بتفصيل سيأتي. وأخرى: يكون الحاجب من طبقة أخرى، وله مورد واحد هو: حجب الأخ للأم عن الثلث وإسقاط نصيبها إلى السدس.
وعلى كل حال فإن موارد الحجب سوف نعرض لها أثناء المباحث القادمة، فيما نخصص هذا المبحث بتمامه للشروط المعتبرة في الوارث، بل والمورِّث، والتي نستعرضها على النحو التالي:
الأول: موت المورِّث وحياة الوراث
مسألة 1001: لا يستحق الوارث على المورِّث شيئاً من تركته إلا بعد تحقّق عنوان (حياة) الوارث حين موت مُورِّثِه، وإلا بعد تحقّق عنوان (موت) المورِّث حال حياة وارثه، فلو تقارنا في الموت لم يرث أحدهما الآخر، ويكفي في موت المورِّث ـ إضافة إلى تحقّقه بالموت الطبيعي ـ تحقّقه بما هو في حكم الموت شرعاً، وله موردان، الأول: الارتداد عن فطرة، فإنه يجوز لورثة المرتد اقتسام تركته حال حياته، وبمجرد ثبوت ارتداده ولو قبل إقامة الحد عليه، فيما لا يورث المرتد عن ملة إلا بعد قتله بالحد. الثاني: الفقد الذي لا يعلم معه موت المفقود ولا حياته، فإنه بعد تربص عائلته أربع سنين يُفحص فيها عنه بالنحو الذي تقدم في مباحث الطلاق يجوز لهم اقتسام تركته.
مسألة 1002: يثبت الموت بالعلم الجازم الحاصل من المشاهدة وغيرها، وكذا بما يشبه العلم، وهو: الاطمئنان الحاصل من كل سبب، كالشياع ونحوه، وكذا بشهادة البيِّنة، بل بشهادة العدل الواحد والثقة.
مسألة 1003: إنما يجوز تقاسم تركة المرتد الفطري حال حياته، فيما لو كان رجلاً، أما المرأة فلا أثر لارتدادها من هذه الجهة ولو كانت عن فطرة، فلا تنتقل أموالها عنها إلى ورثتها إلا بالموت.
مسألة 1004: لا ينتقل من أموال المرتد الفطري إلى ورثته إلا الأموال التي كانت مملوكة له حين ارتداده، وأما ما يتجدد منها بعد ذلك إلى حين إقامة الحد عليه، أو حيث لن يقام عليه الحد، فإنها مملوكة له، سواءً ما ملكه منها بأسبابه الاختيارية، كإجارة نفسه أو كالحيازة ونحوهما ولو قبل توبته، أو ما ملكه بأسبابه القهرية، كالمال الموروث الذي ورثه بعد توبته وعودته إلى الإسلام.
مسألة 1005: يقتصر في وراثة المرتد الفطري على من اجتمعت فيه الشروط المعتبرة في الوارث حين ارتداده، فلا يرث غيرُه من ماله شيئاً إذا وجدت فيه الشروط بعد ذلك، ولو قبل توزيع أمواله على الورثة.
مسألة 1006: لا يعتبر المفقـود بحكم الميت ـ شرعـاً ـ إلا بعد مضي أربع سنين يفحص فيها عنه، فإذا جهل خبره جاز لورثته اقتسام تركته؛ بل الأظهر جواز تقسيم تركته بعد مضي عشر سنين على فقده بدون حاجة إلى الفحص عنه؛ وورثته هم الذين تجتمع فيهم الشروط حين انتهاء مدة التربص لا بعدها. وكما يرثه غيره بعد مضي المدتين المذكورتين فإنه يرث غيرَه إذا مات مورِّثه مطلقاً، أي: سواءً كان موت المورث قبل الشروع في الفحص أو أثناء المدتين المذكورتين أو بعدهما، فيُضم ما يرثه إلى أمواله ويتملكه كسائر أمواله، فإن عاد من غيبته تصرف به، وإن تَبَيَّن موته أو ظلَّ مفقوداً ورثه وُرَّاثُه، فإذا توزع الورَّاثُ تركته بعد مضي إحدى المدتيـن لم يـرث ـ حينئـذ ـ غيرَه، لأنه بتوزيع تركته قد صار محكوماً بالموت شرعاً من جهة الميراث بخاصة، فلا يعقل وراثته لغيره، في حين تبقى سائر آثار حياته من غير هذه الجهة، فيجب الاستمرار في الإنفاق على زوجته، ولا تبين منه زوجته بدون طلاق، ونحو ذلك. هذا، وقد مضى في باب الطلاق الكلام في تعريف المفقود وفي مدة الفحص في (المسألة: 952 وما بعدها).
مسألة 1007: لا بد لإحراز حياة الوارث من تحقّق أمرين: الأول: العلمُ بانعقاد نطفته قبل موت مورِّثه رغم كونه ما يزال حَمْلاً لم تلجه الروح، والثاني: سقوطُه حياً من بطن أمه ولو لمدة يسيرة كاللحظة، فإذا انفصل عن أمه حياً استحق نصيبَه ومَلَكَهُ وتَرتبتْ عليه الآثار، بحيث لو عرض عليه الموت بعد ذلك وَرِثَه وارثُهُ كغيره من الأموات، وأما إذا وُلد ميتاً، فضلاً عما لو كان قد مات قبل مدة من ولادته، لم يَرِث ولم يُورث. هذا، ولا فرق في وَارِثِيَّة الحَمْل ومُورثيَّته ـ بعد انفصاله حيـاً ـ بين كونه كامل الأعضاء أو ناقصها، ولا بين سقوطه بنفسه أو سقوطه بجناية جانٍ، ولا بين كونه سليماً أو مريضاً، وعاقلاً أو مجنوناً.
مسألة 1008: لا يرث الحمل مدة كونه جنيناً حتى لو كان معلوم الحياة في بطن أمه إلا بعد انفصاله حياً، غير أنه يجب لحاظه عند اقتسام التركة في الحالات التي يتأثر فيها نصيبُه منها بغيره من الورثة، وتفصيل ذلك كما يلي:
إذا كان الحمل وحيداً في طبقته أو درجته، بحيث يكون غيره متأخراً عنه ولا يرث مع وجوده، لم يجز تقسيم التركة إلا بعد وضع الحمل، ليتبين إن كان الميراث له بولادته حياً أو لغيره إذا سقط ميتاً.
وإذا كان معه من يشاركه في الطبقة والدرجة، فإن كان فيهم من يُنْتَقصُ من نصيبه بلحاظ وجود الحمل وفيهم من لا يُنتقص، قُدِّم من لا يُنْتَقصُ فرضُه مهما كان الوارث، كالزوج والزوجة ونحوهما، وأعطي نصيبَه كاملاً، ووجب الإنقاص من نصيب من يتأثر نصيبه بوجود الحمل وعدمه، مقدارَ ما يجب لحاظُه حصةً للحمل، فيعزل نصيب الحمل جانباً ويعطى سائر الورثة حصصهم المقدرةَ على قاعدة افتراض ولادة الحمل حياً ووراثته معهم؛ ثم يُرى ـ بعد ذلـك ـ فإن ولد الحمل حياً، وكان ما عُزلَ له موافقاً لنصيبه، مضى الأمر على ما وقع، وإن كان المعزول أقل أخذ من نصيب سائر الورثة بنسبة حصة كل منهم إلى الناقص ما يتمم حصة الحمل، وإن ولد ميتاً، أو كان المعزول أكثر مما يستحق، أُرجع لكلٍ منهم من المعزول بنسبة حصته إلى الزائد المعزول.
وحيث تمكن معرفة ما إذا كان الحمل واحداً أو أكثر، وذكراً أو أنثى، كما هو الحال في زماننا، عزل نصيبه الموافق له، وحيث لا يعرف فالأحوط وجوباً أن يُعزل له نصيب الذكر ـ لا الأنثى ـ وبحسب العدد المحتمل احتمالاً معتداً به، واحداً أو أكثر.
مسألة 1009: تعرف حياة الجنين بعد انفصاله عن أمه ـ إذا مات للحظتـه ـ بالصياح وبالحركة البَيِّنة التي لا تكون إلا في الإنسان الحي، فلا يعبأ بما كان حركةَ تشنجٍ في العضلات مما يُمكن أن يحصل ممن مات لِتَوِّه.
الثاني: موت المورِّث بغير قتل الوارث له
مسألة 1010: يعتبر في استحقاق الوارث لنصيبه من تركة الميت أن لا يكون موته بقتل الوارث المتَعمَّد له، فلا يرث القاتل من المقتول إذا كان القتل عمداً وظلماً، ويرث منه إذا كان بحقٍ قِصاصاً أو حَدًّا أو دفاعاً عن نفسه أو عرضه أو ماله، وكذا إذا كان خطأً محضاً، كما إذا رمى طائراً فأخطأه وأصاب قريبه المورِّث فإنه يرثه، نعم لا يرث من ديته التي تتحملها العاقلة على الأقوى. و(العاقلة) اسم من (عَقَل) القتيل، أي: وَدَاهُ. والعاقلة: عَصَبَةُ الجاني، وهم: القرابة من جهة الأب الذين يشتركون في دفع الدية لأهل القتيل عن قريبهم الجاني.
وأما إذا كان القتل خطأً شبيهاً بالعمد وهو: (ما إذا كان قاصداً لإيقاع الفعل على المقتول، ولم يكن قاصداً للقتل، وكان الفعل مما لا يترتب عليه القتل في العادة)، كما إذا ضربه بما لا يقتل ـ عادة ـ قاصداً ضربه وغير قاصد قتله، فأدى إلى قتله، فالأقوى أنه كالخطأ المحض، فلا يَمْنَعُ من الميراث، لكنـه ـ أيضاً ـ لا يَرِثُ من الدية.
هذا، ولا فرق في مانعية القتل العمدي ظلماً عن الإرث بين أن يكون بالمباشرة، كما لو ضربه بالسيف، أو أطلق عليه الرصاص، فمات، وبين أن يكون بالتسبيب، كما لو ألقاه في مَسْبَعةٍ فافترسه السبعُ، أو حبسه في مكان زماناً طويلاً بلا قوت فمات جوعاً أو عطشاً، أو نحو ذلك من أفعال التسبيب التي تختلف درجة مسؤولية القاتل فيها، مما لا بد معه من نظر أهل الخبرة المرتكز على القواعد المذكورة في باب القصاص؛ كما وأنه لا فرق في مانعية القتل بين ما لو كان القاتل واحداً أو متعدداً، كما لا فرق ـ مـع التعـدد ـ بين ما لو كان بعضهم وارثاً والبعضُ الآخرُ غيرَ وارث.
مسألة 1011: إذا أمر الوارثُ شخصاً عاقلاً بقتل مُورّثه، متوعداً إياه بإيقاع الضرر عليه أو على من يتعلق به إن لم يفعل، فامتثل أمره باختياره وإرادته فقتله، لم يُحرم الآمر من ميراثه؛ لأنه ليس قاتلاً حقيقة وإن كان آثماً ومحكوماً بالحبس المؤبد إلى أن يموت؛ ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما تَوعده به هو القتل أو ما دونه؛ وكذلك لا يحرم المأمور من الميراث ـ أيضاً ـ إذا كان ما توعده به الآمرُ القتلَ، لدخوله في باب الدفاع عن النفس، وإلا فإنه يكون ظالماً له بقتله فلا يرثه.
مسألة 1012: لا يحجب القاتل الممنوع عن الإرث من المقتول مَنْ هو دونه في الدرجة ومتأخر عنه في الطبقة، لأنّ وجوده من هذه الجهة كعدمه، فلو قتل شخص أباه وكان له ابن، ولم يكن لأبيه أولاد غير القاتل، ورثه حفيده لا ولده القاتل، وكذا لو انحصر وارث المقتول من الطبقة الأولى في ابنه القاتل وله إخوة كان ميراثه لهم دون ابنه، بل لو لم يكن له وارث إلاّ الإمام y ورثه دون ابنه.
مسألة 1013: الدية في حكم مال المقتول، فتقضى منها ديونه، ثم تخرج منها وصاياه أولاً قبل الإِرث ما دامت بمقدار الثلث أو أنقص، ثم يوزع الباقي على ورثته كسائر الأموال؛ ولا فرق في ذلك بين كون القتل خطأ محضاً، أو شبه عمد، أو عمداً محضاً فأُخذت الدية صلحاً أو لتعذر القِصاص بموت الجاني أو فراره أو نحوهما، كما لا فرق في مورد الصلح بين أن يكون ما يأخذونه أزيد من الدية أو أقل أو مساوياً وكذا لا فرق بين أن يكون المأخوذ من أصناف الدية أم من غيرها.
هذا، ويرث الديةَ كلُّ وارث، سواءً أكان ميراثه بالنسب أم السبب، حتى الزوجين في القتل العمدي وإن لم يكن لهما حق القصاص، فإذا وقع الصلح والتراضي بالدية ورثا نصيبهما منها كغيرهما من الورثة، نعم لا يرث منها الأخ والأخت للأُم، بل ولا سائر من يتقرب بها وحدها كالأخوال والأجداد من قِبَلِها.
مسألة 1014: إذا كانت الجناية على الميت بعد الموت لم تُدفع الدية إلى الورثة، بل تصرف ـ بخاصة ـ في وجوه البر عنه إن لم يكن عليه دين، وإلا جاز قضاء دينه منها كسائر أمواله.
الثالث: إسلام الوارث إذا كان المورِّث مسلماً
مسألة 1015: لا إشكال في أن المسلمين يتوارثون وإن اختلفوا في المذاهب الفقهية أو اختلفوا في بعض العقائد، فلا يمنع كون الوالد على مذهب والولد على مذهب آخر من أن يرث كل منهما الآخر، نعم إذا كان المخالف منكراً لضرورةٍ يَستلزمُ إنكارُها الكفرَ بالنحو الذي بيّناه في باب الطهارة من الجزء الأول فإنه لا يرثُ المسلـم ـ حينئذ ـ كما سيأتي (أنظر في الجزء الأول: فقرة (العاشر)، ص: 46).
كما أنه لا إشكال في أن الكفار يتوارثون مهما اختلفت مللهم وأديانهم، فلا يمنع ـ في شرعنا ـ كون الوالد يهودياً أو بوذياً والولد نصرانياً أو مجوسياً من أن يرث كل واحد منهما الآخر ويورثه.
هذا إذا كان المتوارثون كلهم مسلمين أو كفاراً، أما إذا كانوا مختلفين في الإسلام والكفر فإن الحكم يختلف بالنحو الذي سيأتي بيانه.
مسألة 1016: إذا مات المسلم وكان في ورثته كافر ومسلم لم يرثه الكافر مهما كان قريباً في النسب، بل ولم يرثه بالسبب إذا كان زوجة، بناءً على جواز تزوج المسلم بالكتابية، ويرثه المسلم مهما كان بعيداً، فلو مات مسلم عن ولد كافرٍ وعن ضامن جريرةٍ مسلم ورثه ضامن الجريرة المسلم لا ولدُه الكافر؛ وكذا لو لم يكن له من ورثته المسلمين غير الإمام أو من يقوم مقامه، ورثه الإمام ولم يكن للكافر نصيب في ميراثه، بنسبٍ ولا بسبب. نعم إذا أسلم واحد منهم أو أكثر بعد موت المورث بلا فصل كثير يُعتدُّ به ورثه من أسلم دون غيره من أقربائه الكفار، ودون الإمام.
هذا، ولا فرق في الكافر بين الكافر الأصلي الحربي أو الذمّي وبين المرتد الفطري أو الملي، كما لا فرق في المسلم بين الإمامي وغيره.
مسألة 1017: إذا مات الكافر، وكان في ورثته مسلم وكافر، كان حكمه نفس ما مر في المسألة السابقة فيرثه المسلم مهما كان بعيداً في نسبه دون الكافر مهما كان قريباً، فلو مات الكافر عن ولد كافر وعن ضامن جريرة مسلم ورثه ضامن الجريرة المسلم لا ولده الكافر، نعم يختلف عنه في أمر واحد، وهو ما إذا كان جميع ورثته ـ نسباً وسبباً ـ كفاراً، فإنهم يرثونه دون الإمام إذا كان المورِّث كافراً أصلياً، وكذا إذا كان مرتداً عن ملة، بل عن فطرة على الأقرب.
هذا، ويستثنى من الحرمان التام من تركة الكافر ولدُه الصغيرُ الذي يُلحق به في الكفر تَبَعِيَّةً، فإن الأحوط وجوباً للوارث المسلم أن ينفق عليه مما ورثه ـ ولو كان متعدداً ـ إلى أن يبلغ، فإن أسلم حينئذ دفع إليه ما بقي من التركة إن كان قد بقي شيء عن نفقته وعن ما يكون قد صرفه المسلم منها على نفسه بالنحو الذي يشاء، بل إنه لو ظهر الإسلام على ذلك الصغير قبل بلوغه فالأجدر بالوارث المسلم من باب الاحتياط تسليم ما بقي من التركة إلى الحاكم الشرعي ليتولى هو الإنفاق على الصبي، ثم إذا بقي مسلماً بعد بلوغه دفع إليه الحاكم ما بقي من التركة إن كان لها بقية، وإلا رد الحاكم ما بقي من التركة إلى الوارث المسلم.
مسألة 1018: لقد تبين مما سبق أن الكافر لا يرث المسلم، وأن المسلم يرث الكافر، بل ينفرد بميراثه دون الكافر من سائر ذوي قرابته نسباً وسبباً، فيجري الأمر على هذا النحو ما لم يُسلم ـ بعد موته ـ أحد الورثة الكفار؛ فإن أسلم أحد ورثته الكفار، إضافة إلى وارثه المسلم فِعْلاً أو الكافر، فإنَّ حكمَ هذه المسألة هو ما يلي:
أولاً: إذا أسلم الكافر بعدما أخذ الوارث المسلم أو الكافر التركة لم ينفع ذلك الذي أسلم إسلامُه، سواءً كان الوارث واحداً أو متعدداً، وسواءً كان هو الإمام أو غيره. هذا، وإنما يتحقّق الأخذ من الإمام بقبض المال وجعله في بيت المال، فإن كان الإمام قد قبضه ولم يجعله في بيت المال بعدُ، كان ذلك الذي أسلم من الورثة أولى بما في يد الإمام فيدفعه إليه.
ثانياً: إذا أسلم الكافر قبل اقتسام التركة من قِبَل الوارثِ الكافر أو المسلم فِعْلاً، دخل ذلك الذي أسلم في الميراث، فإن كان المورث كافراً، وكان جميع الورثة كفاراً انفرد ذلك الذي أسلم بالتركة، وأما إذا كان في الورثة مسلم، سواءً كان المورث كافراً أو مسلماً، نُظِر في ذلك الذي أسلم، فإن كان شريكاً للمسلم في طبقته ودرجته شاركه في ميراثه، وإن كان أولى منه انفرد بالتركة دونه، سواءً كان الوارث المسلم واحداً أو متعدداً، نعم لو كان ذلك الوارثُ الواحد هو الإمام، فقد قلنا سابقاً: «إنه إذا كان المورِّث كافراً، وكان ورثته ـ جميعـاً ـ كفاراً، لم يرثه الإمام، وإذا كان المورِّث مسلماً، وكان ورثته ـ جميعاً ـ كفاراً، ورثه الإمام دونهم»، وبناءً عليه فإن فَرْضَ ما لو كان المورِّث كافراً خارج عن موضوع الكلام، لأن الإمام عليه السلام لا يرثه ـ أصلاً ـ مع وجود ورثته الكفار كي يكون شريكاً لمن أسلم منهم بعد ذلك أو منافساً له. وأما فرضُ ما لو كان المورِّث مسلماً فهو الذي يعنينا، إذ لو فرض أن أحدَ ورثة هذا المسلم قد أسلم قبل أن يأخذ الإمام التركة كان هذا الذي أسلم أولى من الإمام، سواءً كان الذي أسلمَ واحداً أو متعدداً.
هذا، ولا يضر في توريث من أسلم كونُ إسلامه حالَ القسمة، أي حين جلوسهم وشروعهم في تحديد السهام مقدمةً لتوزيعها، فإنها في الحكم لا تختلف عما لو أسلم قبل القسمة.
ثالثاً: لو أسلم الكافر أثناء اقتسام التركة، بحيث قُسِّم بعضها فَتَسَلَّمَهُ أصحابه وبقي بعضها لمَّا يوزع بعدُ، ورثَ من أسلم مما بقي ولم يرث مما وُزِّع.
رابعاً: لا فرق في جميع ما ذكر في الفقرات الثلاث الآنفة الذكر بين ما لو كان الوارث المسلمُ ممن يرث الميت بالقرابة وبين ما لو كان ممن يرثه بسبب الزوجية، فلو مات المسلم عن زوج أو زوجة مسلمين، أو ماتت المرأة الكتابية عن زوج مسلم، وكان مع هذا الزوج المسلم ـ أو الزوجة ـ ورثة كفار، إضافة إلى الإمام، فإذا أسلم الكافر قبل أن يستبد الإمام بما يبقى عن فرض الزوجة، أو قبل أن يستبد الزوج المسلم بتمام التركة فرضاً ورداً، ورث هذا الذي أسلم ما بقي من التركة دون الإمام ودون الزوج، وإلا لم ينفعه إسلامه في استحقاق ما ضمه الإمام إلى بيت المال، ولا في شيء مما ضمه الزوج إليه. وهكذا سائر فروع هذه المسألة بالنسبة للزوجية أو ضمان الجريرة.
الرابع: التولد من نكاح شرعي
مسألة 1019: لا بد في التوارث بالقرابة من كون النسب ناشئاً عن نكاح شرعي لا عن زناً وسفاح، ويشمل النكاحُ الشرعيُّ الزواجَ القائم على عقد صحيح والوطىءَ الحادث بين الرجل والمرأة بسبب الخطأ والإشتباه، بدون فرق بين ما لو انعقدت نطفته بجماع محلَّل أو محرَّم، وذلك كما لو قارب زوجته أو الموطوءة شبهة أثناء حيضها أو إحرام أحدهما، إذ لا يضر ذلك في كونه ولداً شرعياً؛ وبناءً عليه فإن كان التولد ناشئاً من الزنى لم يرث الولدُ أبويه الزانيين ولا أحداً من أقربائهما مهما علوا، ولم يرثا ولدَهما من الزنا ولا أحداً ممن تولد منه من أحفاد وأسباط مهما نزلوا.
مسألة 1020: كما يمنع زنى الأبوين من التوارث بينهما وبين ولدهما من الزنى، فإن زنى أحد الأبوين مع اشتباه الآخر يمنع من التوارث بين الزاني منهما وبين المتولد من نكاحهما هذا، كما يمنع من التوارث بين الولد وبين أقارب الزاني منهما؛ فيما لا يمنعُ من التوارث بينه وبين المُشْتَبِهِ من أبويه ولا من يتقرب بالمشتبه منهما.
مسألة 1021: لا يضر كون الولد ابن زنى بالتوارث بينه وبين من يتصل به بنسب من غير الزنى أو بسبب، كالولد والزوج والزوجة، إضافة إلى ضامن الجريرة ثم الإمام، عند فقد الوارث.
مسألة 1022: لمَّا كان اللعان نتيجةً لاتهام الزوجة بالزنى، فإنه يترتب عليه ـ في جملة ما يترتب عليه مما ذكرناه في محلـه مـن مباحـث الطـلاق ـ نفيُ الولد، وهذا النفي مرتكز من جانب الزوج على اعتقاد كونه من الزنى، وبذلك فإنه يكون ابنَ زنى من جهة الأب وحدَه لتكذيب أمِّه زوجَها وإصرارِها على براءتها من الزنى، وعلى أن ولدها متولدٌ من زوجها لا من غيره، وأنها أمُّه من نكاح صحيح لا من زناً وسفاح. ويترتب على ذلك أن اللعان يمنع من التوارث بين الولد ووالده، وكذا بينه وبين أقاربه من قِبَل والده كالأعمام والأجداد والإخوة للأب، ولا يمنع من التوارث بين الولد وأمه، وكذا بينه وبين أقاربه من قبلها من إخوة وأخوال وخالات ونحوهم.
فولد الملاعنة ترثه أمه ومن يتقرب بها وأولاده والزوج والزوجة، ولا يرثه الأب ولا من يتقرب به وحده، فإن ترك أُمه منفردةً كان لها الثلث فرضاً والباقي يردّ عليها على الأقوى؛ وإن ترك مع الأم أولاداً كان لها السدس والباقي لهم للذكر ضعف حظ الأنثى، إلاّ إذا كان الولد بنتاً فلها النصف ويردّ الباقي أرباعاً عليها وعلى الأم؛ وإذا ترك زوجاً أو زوجة كان له نصيبه كغيره، وهكذا تجري الأحكام الآتية في طبقات الإرث جميعاً، إذ لا فرق بينه وبين غيره من الأموات إلاّ في عدم التوارث بينه وبين الأب ومن يتقرب به وحده.
مسألة 1023: لو كان بعض إخوته أو أخواته من الأبوين وبعضهم من الأم بخاصة، ورثوه بالسوية من جهة انتسابهم إلى الأم بخاصة، ولا أثر للانتساب إلى الأب.
مسألة 1024: لو اعترف الرجل بعد اللعان بأن الولد له، لحق به فيما عليه لا فيما له، فيرثه الولدُ ولا يرثه الأبُ ولا من يتقرب به؛ كما أنه لا يرث الولدُ من يَتَقرَّبُ بالأب قبل أن يعترف الأبُ به، بل، ولا إذا اعترف به. هذا، ولا أثر لإقرار الولد ببنوته لمن نفاه، ولا لإقرار سائر الأقارب بقرابته منهم، في التوارث بينهم في اللعان، فيُقتصر في المقام على أثر إقرار الأب في وراثة ولده منه، فقط.
فائدة:
إذا تبرأ الوالد من جريرة ولده، أي: مِنْ تحمل مسؤولية دية جناية ولده على غيره خطأً بالقتل، لم يكن لتبرؤه أثر، ولزمه نصيبُه من الدية مع العاقلة؛ وكذا لا أثر لتبرؤ الوالد من ميراث ولده، بل يتوارثان على النحو المقرر في الشريعة.

ونريد به بيان ما يجب توفره من الشروط في الوارث، بل وفي المورِّث، بعد وجود موجب الميراث بينهما من نسب أو سبب، وقد تداول الفقهاء في هذا المجال مصطلحين للتعبير عن تلك الشروط، هما: (المانع) و(الحاجب)، وذلك بلحاظ الجانب السلبي من الشرط ومن حيث أثره في منع الوارث أو حجبه عن نصيبه الذي كان يستحقه كلاً أو بعضاً لولا وجود ذلك المانع أو الحاجب، ومثال ذلك: شرط إسلام الوارث إذا كان المورِّث مسلماً، فإنهم أخذوا عنوان (الكفر)، وتحدثوا عنه من حيث هو مانع من استحقاق الوارث لنصيبه، وهكذا سائر الموانع؛ غير أننا اعتمدنا طريقةً مخالفةً لما جروا عليه، فأخذنا الجانب الإيجابي من الشروط، واعتبرنا أن الشرط صفة توجد في الوارث وتُحقق تأثيرَ موجِب الميراث ـ نسباً أو سبباً ـ في أصل استحقاق الوارث لنصيبه، وأضفنا إلى ما يعبِّرون عنه بــ (الموانع)، وهي ـ في زماننا ـ مانعان: الكفر والقتل، شرطين آخرين هما: شرط حياة الوارث وموت المورث، من حيث هو مجال لبحث ميراث المرتد والحَمْل والمفقود، وشرط التولد من نكاح شرعي، من حيث هو مجال لبحث ميراث إبن الزنى وولد الملاعنة، فصارت الشروط أربعة.
أما الحَجْب فهو: حالة منتزعة من حيلولة شخص لآخر عن أن يرث مطلقاً، أو عن أن يرث جميع حصته. وسبب وجود (الحَجب) هو نفس نظام الميراث المرتكز على أولوية بعض الأقارب من البعض الآخر، والنص فيه على (حاجبِيَّة) بعضهم لبعض؛ ولذا فإن الحجب على نوعين:
الأول: حجبٌ عن أصل الإرث، كما في حجب القريب في كل مرتبة من هو بعيد عنها، فالآباء والأولاد يحجبون الأجداد والإخوة، ثم الإخوة وأولادهم والأجداد يحجبون الأعمام والأخوال، وهكذا.
الثاني: حجبٌ عن بعض الإرث، والحاجب فيه تارة: يكون من نفس الطبقة، كالولد يحجب الزوجين عن نصيبهما الأعلى، وكالولد الذكر يحجب الأبوين عما زاد عن السدسين، أو أحدَهما عما زاد عن السدس، وذلك بتفصيل سيأتي. وأخرى: يكون الحاجب من طبقة أخرى، وله مورد واحد هو: حجب الأخ للأم عن الثلث وإسقاط نصيبها إلى السدس.
وعلى كل حال فإن موارد الحجب سوف نعرض لها أثناء المباحث القادمة، فيما نخصص هذا المبحث بتمامه للشروط المعتبرة في الوارث، بل والمورِّث، والتي نستعرضها على النحو التالي:
الأول: موت المورِّث وحياة الوراث
مسألة 1001: لا يستحق الوارث على المورِّث شيئاً من تركته إلا بعد تحقّق عنوان (حياة) الوارث حين موت مُورِّثِه، وإلا بعد تحقّق عنوان (موت) المورِّث حال حياة وارثه، فلو تقارنا في الموت لم يرث أحدهما الآخر، ويكفي في موت المورِّث ـ إضافة إلى تحقّقه بالموت الطبيعي ـ تحقّقه بما هو في حكم الموت شرعاً، وله موردان، الأول: الارتداد عن فطرة، فإنه يجوز لورثة المرتد اقتسام تركته حال حياته، وبمجرد ثبوت ارتداده ولو قبل إقامة الحد عليه، فيما لا يورث المرتد عن ملة إلا بعد قتله بالحد. الثاني: الفقد الذي لا يعلم معه موت المفقود ولا حياته، فإنه بعد تربص عائلته أربع سنين يُفحص فيها عنه بالنحو الذي تقدم في مباحث الطلاق يجوز لهم اقتسام تركته.
مسألة 1002: يثبت الموت بالعلم الجازم الحاصل من المشاهدة وغيرها، وكذا بما يشبه العلم، وهو: الاطمئنان الحاصل من كل سبب، كالشياع ونحوه، وكذا بشهادة البيِّنة، بل بشهادة العدل الواحد والثقة.
مسألة 1003: إنما يجوز تقاسم تركة المرتد الفطري حال حياته، فيما لو كان رجلاً، أما المرأة فلا أثر لارتدادها من هذه الجهة ولو كانت عن فطرة، فلا تنتقل أموالها عنها إلى ورثتها إلا بالموت.
مسألة 1004: لا ينتقل من أموال المرتد الفطري إلى ورثته إلا الأموال التي كانت مملوكة له حين ارتداده، وأما ما يتجدد منها بعد ذلك إلى حين إقامة الحد عليه، أو حيث لن يقام عليه الحد، فإنها مملوكة له، سواءً ما ملكه منها بأسبابه الاختيارية، كإجارة نفسه أو كالحيازة ونحوهما ولو قبل توبته، أو ما ملكه بأسبابه القهرية، كالمال الموروث الذي ورثه بعد توبته وعودته إلى الإسلام.
مسألة 1005: يقتصر في وراثة المرتد الفطري على من اجتمعت فيه الشروط المعتبرة في الوارث حين ارتداده، فلا يرث غيرُه من ماله شيئاً إذا وجدت فيه الشروط بعد ذلك، ولو قبل توزيع أمواله على الورثة.
مسألة 1006: لا يعتبر المفقـود بحكم الميت ـ شرعـاً ـ إلا بعد مضي أربع سنين يفحص فيها عنه، فإذا جهل خبره جاز لورثته اقتسام تركته؛ بل الأظهر جواز تقسيم تركته بعد مضي عشر سنين على فقده بدون حاجة إلى الفحص عنه؛ وورثته هم الذين تجتمع فيهم الشروط حين انتهاء مدة التربص لا بعدها. وكما يرثه غيره بعد مضي المدتين المذكورتين فإنه يرث غيرَه إذا مات مورِّثه مطلقاً، أي: سواءً كان موت المورث قبل الشروع في الفحص أو أثناء المدتين المذكورتين أو بعدهما، فيُضم ما يرثه إلى أمواله ويتملكه كسائر أمواله، فإن عاد من غيبته تصرف به، وإن تَبَيَّن موته أو ظلَّ مفقوداً ورثه وُرَّاثُه، فإذا توزع الورَّاثُ تركته بعد مضي إحدى المدتيـن لم يـرث ـ حينئـذ ـ غيرَه، لأنه بتوزيع تركته قد صار محكوماً بالموت شرعاً من جهة الميراث بخاصة، فلا يعقل وراثته لغيره، في حين تبقى سائر آثار حياته من غير هذه الجهة، فيجب الاستمرار في الإنفاق على زوجته، ولا تبين منه زوجته بدون طلاق، ونحو ذلك. هذا، وقد مضى في باب الطلاق الكلام في تعريف المفقود وفي مدة الفحص في (المسألة: 952 وما بعدها).
مسألة 1007: لا بد لإحراز حياة الوارث من تحقّق أمرين: الأول: العلمُ بانعقاد نطفته قبل موت مورِّثه رغم كونه ما يزال حَمْلاً لم تلجه الروح، والثاني: سقوطُه حياً من بطن أمه ولو لمدة يسيرة كاللحظة، فإذا انفصل عن أمه حياً استحق نصيبَه ومَلَكَهُ وتَرتبتْ عليه الآثار، بحيث لو عرض عليه الموت بعد ذلك وَرِثَه وارثُهُ كغيره من الأموات، وأما إذا وُلد ميتاً، فضلاً عما لو كان قد مات قبل مدة من ولادته، لم يَرِث ولم يُورث. هذا، ولا فرق في وَارِثِيَّة الحَمْل ومُورثيَّته ـ بعد انفصاله حيـاً ـ بين كونه كامل الأعضاء أو ناقصها، ولا بين سقوطه بنفسه أو سقوطه بجناية جانٍ، ولا بين كونه سليماً أو مريضاً، وعاقلاً أو مجنوناً.
مسألة 1008: لا يرث الحمل مدة كونه جنيناً حتى لو كان معلوم الحياة في بطن أمه إلا بعد انفصاله حياً، غير أنه يجب لحاظه عند اقتسام التركة في الحالات التي يتأثر فيها نصيبُه منها بغيره من الورثة، وتفصيل ذلك كما يلي:
إذا كان الحمل وحيداً في طبقته أو درجته، بحيث يكون غيره متأخراً عنه ولا يرث مع وجوده، لم يجز تقسيم التركة إلا بعد وضع الحمل، ليتبين إن كان الميراث له بولادته حياً أو لغيره إذا سقط ميتاً.
وإذا كان معه من يشاركه في الطبقة والدرجة، فإن كان فيهم من يُنْتَقصُ من نصيبه بلحاظ وجود الحمل وفيهم من لا يُنتقص، قُدِّم من لا يُنْتَقصُ فرضُه مهما كان الوارث، كالزوج والزوجة ونحوهما، وأعطي نصيبَه كاملاً، ووجب الإنقاص من نصيب من يتأثر نصيبه بوجود الحمل وعدمه، مقدارَ ما يجب لحاظُه حصةً للحمل، فيعزل نصيب الحمل جانباً ويعطى سائر الورثة حصصهم المقدرةَ على قاعدة افتراض ولادة الحمل حياً ووراثته معهم؛ ثم يُرى ـ بعد ذلـك ـ فإن ولد الحمل حياً، وكان ما عُزلَ له موافقاً لنصيبه، مضى الأمر على ما وقع، وإن كان المعزول أقل أخذ من نصيب سائر الورثة بنسبة حصة كل منهم إلى الناقص ما يتمم حصة الحمل، وإن ولد ميتاً، أو كان المعزول أكثر مما يستحق، أُرجع لكلٍ منهم من المعزول بنسبة حصته إلى الزائد المعزول.
وحيث تمكن معرفة ما إذا كان الحمل واحداً أو أكثر، وذكراً أو أنثى، كما هو الحال في زماننا، عزل نصيبه الموافق له، وحيث لا يعرف فالأحوط وجوباً أن يُعزل له نصيب الذكر ـ لا الأنثى ـ وبحسب العدد المحتمل احتمالاً معتداً به، واحداً أو أكثر.
مسألة 1009: تعرف حياة الجنين بعد انفصاله عن أمه ـ إذا مات للحظتـه ـ بالصياح وبالحركة البَيِّنة التي لا تكون إلا في الإنسان الحي، فلا يعبأ بما كان حركةَ تشنجٍ في العضلات مما يُمكن أن يحصل ممن مات لِتَوِّه.
الثاني: موت المورِّث بغير قتل الوارث له
مسألة 1010: يعتبر في استحقاق الوارث لنصيبه من تركة الميت أن لا يكون موته بقتل الوارث المتَعمَّد له، فلا يرث القاتل من المقتول إذا كان القتل عمداً وظلماً، ويرث منه إذا كان بحقٍ قِصاصاً أو حَدًّا أو دفاعاً عن نفسه أو عرضه أو ماله، وكذا إذا كان خطأً محضاً، كما إذا رمى طائراً فأخطأه وأصاب قريبه المورِّث فإنه يرثه، نعم لا يرث من ديته التي تتحملها العاقلة على الأقوى. و(العاقلة) اسم من (عَقَل) القتيل، أي: وَدَاهُ. والعاقلة: عَصَبَةُ الجاني، وهم: القرابة من جهة الأب الذين يشتركون في دفع الدية لأهل القتيل عن قريبهم الجاني.
وأما إذا كان القتل خطأً شبيهاً بالعمد وهو: (ما إذا كان قاصداً لإيقاع الفعل على المقتول، ولم يكن قاصداً للقتل، وكان الفعل مما لا يترتب عليه القتل في العادة)، كما إذا ضربه بما لا يقتل ـ عادة ـ قاصداً ضربه وغير قاصد قتله، فأدى إلى قتله، فالأقوى أنه كالخطأ المحض، فلا يَمْنَعُ من الميراث، لكنـه ـ أيضاً ـ لا يَرِثُ من الدية.
هذا، ولا فرق في مانعية القتل العمدي ظلماً عن الإرث بين أن يكون بالمباشرة، كما لو ضربه بالسيف، أو أطلق عليه الرصاص، فمات، وبين أن يكون بالتسبيب، كما لو ألقاه في مَسْبَعةٍ فافترسه السبعُ، أو حبسه في مكان زماناً طويلاً بلا قوت فمات جوعاً أو عطشاً، أو نحو ذلك من أفعال التسبيب التي تختلف درجة مسؤولية القاتل فيها، مما لا بد معه من نظر أهل الخبرة المرتكز على القواعد المذكورة في باب القصاص؛ كما وأنه لا فرق في مانعية القتل بين ما لو كان القاتل واحداً أو متعدداً، كما لا فرق ـ مـع التعـدد ـ بين ما لو كان بعضهم وارثاً والبعضُ الآخرُ غيرَ وارث.
مسألة 1011: إذا أمر الوارثُ شخصاً عاقلاً بقتل مُورّثه، متوعداً إياه بإيقاع الضرر عليه أو على من يتعلق به إن لم يفعل، فامتثل أمره باختياره وإرادته فقتله، لم يُحرم الآمر من ميراثه؛ لأنه ليس قاتلاً حقيقة وإن كان آثماً ومحكوماً بالحبس المؤبد إلى أن يموت؛ ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما تَوعده به هو القتل أو ما دونه؛ وكذلك لا يحرم المأمور من الميراث ـ أيضاً ـ إذا كان ما توعده به الآمرُ القتلَ، لدخوله في باب الدفاع عن النفس، وإلا فإنه يكون ظالماً له بقتله فلا يرثه.
مسألة 1012: لا يحجب القاتل الممنوع عن الإرث من المقتول مَنْ هو دونه في الدرجة ومتأخر عنه في الطبقة، لأنّ وجوده من هذه الجهة كعدمه، فلو قتل شخص أباه وكان له ابن، ولم يكن لأبيه أولاد غير القاتل، ورثه حفيده لا ولده القاتل، وكذا لو انحصر وارث المقتول من الطبقة الأولى في ابنه القاتل وله إخوة كان ميراثه لهم دون ابنه، بل لو لم يكن له وارث إلاّ الإمام y ورثه دون ابنه.
مسألة 1013: الدية في حكم مال المقتول، فتقضى منها ديونه، ثم تخرج منها وصاياه أولاً قبل الإِرث ما دامت بمقدار الثلث أو أنقص، ثم يوزع الباقي على ورثته كسائر الأموال؛ ولا فرق في ذلك بين كون القتل خطأ محضاً، أو شبه عمد، أو عمداً محضاً فأُخذت الدية صلحاً أو لتعذر القِصاص بموت الجاني أو فراره أو نحوهما، كما لا فرق في مورد الصلح بين أن يكون ما يأخذونه أزيد من الدية أو أقل أو مساوياً وكذا لا فرق بين أن يكون المأخوذ من أصناف الدية أم من غيرها.
هذا، ويرث الديةَ كلُّ وارث، سواءً أكان ميراثه بالنسب أم السبب، حتى الزوجين في القتل العمدي وإن لم يكن لهما حق القصاص، فإذا وقع الصلح والتراضي بالدية ورثا نصيبهما منها كغيرهما من الورثة، نعم لا يرث منها الأخ والأخت للأُم، بل ولا سائر من يتقرب بها وحدها كالأخوال والأجداد من قِبَلِها.
مسألة 1014: إذا كانت الجناية على الميت بعد الموت لم تُدفع الدية إلى الورثة، بل تصرف ـ بخاصة ـ في وجوه البر عنه إن لم يكن عليه دين، وإلا جاز قضاء دينه منها كسائر أمواله.
الثالث: إسلام الوارث إذا كان المورِّث مسلماً
مسألة 1015: لا إشكال في أن المسلمين يتوارثون وإن اختلفوا في المذاهب الفقهية أو اختلفوا في بعض العقائد، فلا يمنع كون الوالد على مذهب والولد على مذهب آخر من أن يرث كل منهما الآخر، نعم إذا كان المخالف منكراً لضرورةٍ يَستلزمُ إنكارُها الكفرَ بالنحو الذي بيّناه في باب الطهارة من الجزء الأول فإنه لا يرثُ المسلـم ـ حينئذ ـ كما سيأتي (أنظر في الجزء الأول: فقرة (العاشر)، ص: 46).
كما أنه لا إشكال في أن الكفار يتوارثون مهما اختلفت مللهم وأديانهم، فلا يمنع ـ في شرعنا ـ كون الوالد يهودياً أو بوذياً والولد نصرانياً أو مجوسياً من أن يرث كل واحد منهما الآخر ويورثه.
هذا إذا كان المتوارثون كلهم مسلمين أو كفاراً، أما إذا كانوا مختلفين في الإسلام والكفر فإن الحكم يختلف بالنحو الذي سيأتي بيانه.
مسألة 1016: إذا مات المسلم وكان في ورثته كافر ومسلم لم يرثه الكافر مهما كان قريباً في النسب، بل ولم يرثه بالسبب إذا كان زوجة، بناءً على جواز تزوج المسلم بالكتابية، ويرثه المسلم مهما كان بعيداً، فلو مات مسلم عن ولد كافرٍ وعن ضامن جريرةٍ مسلم ورثه ضامن الجريرة المسلم لا ولدُه الكافر؛ وكذا لو لم يكن له من ورثته المسلمين غير الإمام أو من يقوم مقامه، ورثه الإمام ولم يكن للكافر نصيب في ميراثه، بنسبٍ ولا بسبب. نعم إذا أسلم واحد منهم أو أكثر بعد موت المورث بلا فصل كثير يُعتدُّ به ورثه من أسلم دون غيره من أقربائه الكفار، ودون الإمام.
هذا، ولا فرق في الكافر بين الكافر الأصلي الحربي أو الذمّي وبين المرتد الفطري أو الملي، كما لا فرق في المسلم بين الإمامي وغيره.
مسألة 1017: إذا مات الكافر، وكان في ورثته مسلم وكافر، كان حكمه نفس ما مر في المسألة السابقة فيرثه المسلم مهما كان بعيداً في نسبه دون الكافر مهما كان قريباً، فلو مات الكافر عن ولد كافر وعن ضامن جريرة مسلم ورثه ضامن الجريرة المسلم لا ولده الكافر، نعم يختلف عنه في أمر واحد، وهو ما إذا كان جميع ورثته ـ نسباً وسبباً ـ كفاراً، فإنهم يرثونه دون الإمام إذا كان المورِّث كافراً أصلياً، وكذا إذا كان مرتداً عن ملة، بل عن فطرة على الأقرب.
هذا، ويستثنى من الحرمان التام من تركة الكافر ولدُه الصغيرُ الذي يُلحق به في الكفر تَبَعِيَّةً، فإن الأحوط وجوباً للوارث المسلم أن ينفق عليه مما ورثه ـ ولو كان متعدداً ـ إلى أن يبلغ، فإن أسلم حينئذ دفع إليه ما بقي من التركة إن كان قد بقي شيء عن نفقته وعن ما يكون قد صرفه المسلم منها على نفسه بالنحو الذي يشاء، بل إنه لو ظهر الإسلام على ذلك الصغير قبل بلوغه فالأجدر بالوارث المسلم من باب الاحتياط تسليم ما بقي من التركة إلى الحاكم الشرعي ليتولى هو الإنفاق على الصبي، ثم إذا بقي مسلماً بعد بلوغه دفع إليه الحاكم ما بقي من التركة إن كان لها بقية، وإلا رد الحاكم ما بقي من التركة إلى الوارث المسلم.
مسألة 1018: لقد تبين مما سبق أن الكافر لا يرث المسلم، وأن المسلم يرث الكافر، بل ينفرد بميراثه دون الكافر من سائر ذوي قرابته نسباً وسبباً، فيجري الأمر على هذا النحو ما لم يُسلم ـ بعد موته ـ أحد الورثة الكفار؛ فإن أسلم أحد ورثته الكفار، إضافة إلى وارثه المسلم فِعْلاً أو الكافر، فإنَّ حكمَ هذه المسألة هو ما يلي:
أولاً: إذا أسلم الكافر بعدما أخذ الوارث المسلم أو الكافر التركة لم ينفع ذلك الذي أسلم إسلامُه، سواءً كان الوارث واحداً أو متعدداً، وسواءً كان هو الإمام أو غيره. هذا، وإنما يتحقّق الأخذ من الإمام بقبض المال وجعله في بيت المال، فإن كان الإمام قد قبضه ولم يجعله في بيت المال بعدُ، كان ذلك الذي أسلم من الورثة أولى بما في يد الإمام فيدفعه إليه.
ثانياً: إذا أسلم الكافر قبل اقتسام التركة من قِبَل الوارثِ الكافر أو المسلم فِعْلاً، دخل ذلك الذي أسلم في الميراث، فإن كان المورث كافراً، وكان جميع الورثة كفاراً انفرد ذلك الذي أسلم بالتركة، وأما إذا كان في الورثة مسلم، سواءً كان المورث كافراً أو مسلماً، نُظِر في ذلك الذي أسلم، فإن كان شريكاً للمسلم في طبقته ودرجته شاركه في ميراثه، وإن كان أولى منه انفرد بالتركة دونه، سواءً كان الوارث المسلم واحداً أو متعدداً، نعم لو كان ذلك الوارثُ الواحد هو الإمام، فقد قلنا سابقاً: «إنه إذا كان المورِّث كافراً، وكان ورثته ـ جميعـاً ـ كفاراً، لم يرثه الإمام، وإذا كان المورِّث مسلماً، وكان ورثته ـ جميعاً ـ كفاراً، ورثه الإمام دونهم»، وبناءً عليه فإن فَرْضَ ما لو كان المورِّث كافراً خارج عن موضوع الكلام، لأن الإمام عليه السلام لا يرثه ـ أصلاً ـ مع وجود ورثته الكفار كي يكون شريكاً لمن أسلم منهم بعد ذلك أو منافساً له. وأما فرضُ ما لو كان المورِّث مسلماً فهو الذي يعنينا، إذ لو فرض أن أحدَ ورثة هذا المسلم قد أسلم قبل أن يأخذ الإمام التركة كان هذا الذي أسلم أولى من الإمام، سواءً كان الذي أسلمَ واحداً أو متعدداً.
هذا، ولا يضر في توريث من أسلم كونُ إسلامه حالَ القسمة، أي حين جلوسهم وشروعهم في تحديد السهام مقدمةً لتوزيعها، فإنها في الحكم لا تختلف عما لو أسلم قبل القسمة.
ثالثاً: لو أسلم الكافر أثناء اقتسام التركة، بحيث قُسِّم بعضها فَتَسَلَّمَهُ أصحابه وبقي بعضها لمَّا يوزع بعدُ، ورثَ من أسلم مما بقي ولم يرث مما وُزِّع.
رابعاً: لا فرق في جميع ما ذكر في الفقرات الثلاث الآنفة الذكر بين ما لو كان الوارث المسلمُ ممن يرث الميت بالقرابة وبين ما لو كان ممن يرثه بسبب الزوجية، فلو مات المسلم عن زوج أو زوجة مسلمين، أو ماتت المرأة الكتابية عن زوج مسلم، وكان مع هذا الزوج المسلم ـ أو الزوجة ـ ورثة كفار، إضافة إلى الإمام، فإذا أسلم الكافر قبل أن يستبد الإمام بما يبقى عن فرض الزوجة، أو قبل أن يستبد الزوج المسلم بتمام التركة فرضاً ورداً، ورث هذا الذي أسلم ما بقي من التركة دون الإمام ودون الزوج، وإلا لم ينفعه إسلامه في استحقاق ما ضمه الإمام إلى بيت المال، ولا في شيء مما ضمه الزوج إليه. وهكذا سائر فروع هذه المسألة بالنسبة للزوجية أو ضمان الجريرة.
الرابع: التولد من نكاح شرعي
مسألة 1019: لا بد في التوارث بالقرابة من كون النسب ناشئاً عن نكاح شرعي لا عن زناً وسفاح، ويشمل النكاحُ الشرعيُّ الزواجَ القائم على عقد صحيح والوطىءَ الحادث بين الرجل والمرأة بسبب الخطأ والإشتباه، بدون فرق بين ما لو انعقدت نطفته بجماع محلَّل أو محرَّم، وذلك كما لو قارب زوجته أو الموطوءة شبهة أثناء حيضها أو إحرام أحدهما، إذ لا يضر ذلك في كونه ولداً شرعياً؛ وبناءً عليه فإن كان التولد ناشئاً من الزنى لم يرث الولدُ أبويه الزانيين ولا أحداً من أقربائهما مهما علوا، ولم يرثا ولدَهما من الزنا ولا أحداً ممن تولد منه من أحفاد وأسباط مهما نزلوا.
مسألة 1020: كما يمنع زنى الأبوين من التوارث بينهما وبين ولدهما من الزنى، فإن زنى أحد الأبوين مع اشتباه الآخر يمنع من التوارث بين الزاني منهما وبين المتولد من نكاحهما هذا، كما يمنع من التوارث بين الولد وبين أقارب الزاني منهما؛ فيما لا يمنعُ من التوارث بينه وبين المُشْتَبِهِ من أبويه ولا من يتقرب بالمشتبه منهما.
مسألة 1021: لا يضر كون الولد ابن زنى بالتوارث بينه وبين من يتصل به بنسب من غير الزنى أو بسبب، كالولد والزوج والزوجة، إضافة إلى ضامن الجريرة ثم الإمام، عند فقد الوارث.
مسألة 1022: لمَّا كان اللعان نتيجةً لاتهام الزوجة بالزنى، فإنه يترتب عليه ـ في جملة ما يترتب عليه مما ذكرناه في محلـه مـن مباحـث الطـلاق ـ نفيُ الولد، وهذا النفي مرتكز من جانب الزوج على اعتقاد كونه من الزنى، وبذلك فإنه يكون ابنَ زنى من جهة الأب وحدَه لتكذيب أمِّه زوجَها وإصرارِها على براءتها من الزنى، وعلى أن ولدها متولدٌ من زوجها لا من غيره، وأنها أمُّه من نكاح صحيح لا من زناً وسفاح. ويترتب على ذلك أن اللعان يمنع من التوارث بين الولد ووالده، وكذا بينه وبين أقاربه من قِبَل والده كالأعمام والأجداد والإخوة للأب، ولا يمنع من التوارث بين الولد وأمه، وكذا بينه وبين أقاربه من قبلها من إخوة وأخوال وخالات ونحوهم.
فولد الملاعنة ترثه أمه ومن يتقرب بها وأولاده والزوج والزوجة، ولا يرثه الأب ولا من يتقرب به وحده، فإن ترك أُمه منفردةً كان لها الثلث فرضاً والباقي يردّ عليها على الأقوى؛ وإن ترك مع الأم أولاداً كان لها السدس والباقي لهم للذكر ضعف حظ الأنثى، إلاّ إذا كان الولد بنتاً فلها النصف ويردّ الباقي أرباعاً عليها وعلى الأم؛ وإذا ترك زوجاً أو زوجة كان له نصيبه كغيره، وهكذا تجري الأحكام الآتية في طبقات الإرث جميعاً، إذ لا فرق بينه وبين غيره من الأموات إلاّ في عدم التوارث بينه وبين الأب ومن يتقرب به وحده.
مسألة 1023: لو كان بعض إخوته أو أخواته من الأبوين وبعضهم من الأم بخاصة، ورثوه بالسوية من جهة انتسابهم إلى الأم بخاصة، ولا أثر للانتساب إلى الأب.
مسألة 1024: لو اعترف الرجل بعد اللعان بأن الولد له، لحق به فيما عليه لا فيما له، فيرثه الولدُ ولا يرثه الأبُ ولا من يتقرب به؛ كما أنه لا يرث الولدُ من يَتَقرَّبُ بالأب قبل أن يعترف الأبُ به، بل، ولا إذا اعترف به. هذا، ولا أثر لإقرار الولد ببنوته لمن نفاه، ولا لإقرار سائر الأقارب بقرابته منهم، في التوارث بينهم في اللعان، فيُقتصر في المقام على أثر إقرار الأب في وراثة ولده منه، فقط.
فائدة:
إذا تبرأ الوالد من جريرة ولده، أي: مِنْ تحمل مسؤولية دية جناية ولده على غيره خطأً بالقتل، لم يكن لتبرؤه أثر، ولزمه نصيبُه من الدية مع العاقلة؛ وكذا لا أثر لتبرؤ الوالد من ميراث ولده، بل يتوارثان على النحو المقرر في الشريعة.

ص
671
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية