والهدف من عقد هذا المبحث هو ذكر كل عمل وجب الإتيان به كفارة، مستقلاً عن غيره من الأعمال الأخرى، وبيان الأحكام المتعلقة به لجهة كيفية أدائه أو العجز عنه ونحوهما، وهي تلك الأعمال التي يصطلح عليها الفقهاء بـ(خصال الكفارة)، وهو ما سوف نستعرضه في ستة مطالب على النحو التالي:
المطلب الأول: في عتق الرقبة
مسألة 507: المراد من الرقبة العبد المملوك ذكراً أو أنثى؛ ولا يخفى أنها غير متيسرة في هذا الزمان، كما أنه قد كان لهذه الخصلة من الكفارات دور مهم في تحرير العبيد وفي إظهار مدى عناية التشريع الإسلامي في القضاء على ظاهرة الرق تدريجياً.
وحيث يكون المكلف مخيراً بينها وبين غيرها من الخصال فإن له أن يختار غيرها حتى مع توفرها، وحيث تكون واجبة عليه بعينها كما في كفارة الجمع فيعجز عنها ـ كما في زماننا ـ فإن عليه أن يستغفر الله تعالى بدلاً عنها كما سلف القول في المبحث الأول، ثم يأتي ببقية الخصال الواجبة، وحيث يكون لها بديل عند العجز عنها ـ كما في كفارة قتل الخطأ ـ فإنه يأتي ببديلها، وهكذا.
ولما لم تَعُد موضع ابتلاء المكلف فإنه لا ضرورة لذكر ما لَها من أحكام وفروع.
المطلب الثاني: في صيام الكفارة
مسألة 508: يجب صوم شهرين متتابعين تعييناً في كفارة قتل العمد؛ ويجب عند العجز عن العتق في كفارة قتل الخطأ وإفساد الاعتكاف بالجماع ليلاً ومظاهرة الزوجة؛ ويجب على نحو التخيير بينه وبين الإطعام في كفارة الإفطار عمداً في شهر رمضان وفي الحنث بالعهد، كما أنه يستحب مخيَّراً بينه وبين غيره من الخصال في كفارة جز المرأة شعرها في المصاب.
ويجب صيام ثمانية عشر يوماً تعييناً عند العجز عن إطعام ستين مسكيناً في كفارة قتل الخطأ وإفساد الاعتكاف بالجماع ليلاً ومظاهرة الزوجة، ويجب مخيراً بينه وبين التصدق بما يطيق في حال العجز عن الإطعام وعن صيام الشهرين في كفارة الإفطار عمداً في شهر رمضان وفي الحنث بالعهد.
ويجب صوم ثلاثة أيام عند العجز عن إطعام عشرة مساكين في إفطار صوم قضاء شهر رمضان، وعند العجز عن عتق الرقبة وعن إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم في حنث اليمين أو النذر.
ويستحب صوم ثلاثة أيام عند نتف المرأة شعرها أو خدش وجهها مع الإدماء، في المصاب، وعند شق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته، وذلك عند عجزهما عن التكفير استحباباً بعتق الرقبة أو بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم؛ كما يستحب احتياطاً صيام اليوم التالي لمن نام عن صلاة العشاء.
مسألة 509: لا يختلف الصوم الواجب كفارة في وقته عن غيره من أنواع الصوم، فيجب فيه الإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وليس له وقت معين في الأيام والشهور إلا في كفارة قتل العمد أو الخطأ إذا وقع منه القتل في الأشهر الحرم، فإنه يجب عليه صيام كفارته في الأشهر الحرم، وحيث إنه في كفارة العمد يجب أن يتابع بين الأيام الستين حتى نهايتها ـ بما في ذلك صوم يوم العيد الذي سيقع ضمنها حتماً ـ فإنه يختص من الأشهر الحرم بذي القعدة وذي الحجة ومحرم، وحينئذ فإن عليه أن يبدأ صيام كفارة العمد بذي القعدة وينهيه في آخر ذي الحجة، أو يبدأه في أول ذي الحجة وينهيه في آخر محرم، أما في القتل الخطأ، وحيث يكفيه في التتابع أن يصوم شهراً ويوماً أو يومين من الشهر الثاني، فإنَّ بإمكانه أن يصوم يوماً أو يومين من آخر ذي الحجة وتمام شهر محرم ويكمل ما بقي في شهر رجب.
ثم إنه لما كان وقت نية صوم الكفارة ممتداً إلى ما قبل الزوال ـ كما سنبيّنه في المسألة التالية ـ فإن معنى ذلك أنه يجوز لمن أصبح صائماً كفارة أن يعدل عن صومه ويتناول المفطر قبل الظهر لا بعده، إلا أن يكون الصوم متتابعاً فلا يجوز له الإفطار ـ حينئذ ـ ولو قبل الظهر، غير أنه إذا أفطر حيث لا يجوز له، أثمَ ولا كفارة عليه، ولغى ما صامه من أيام التتابع.
مسألة 510: يجب في صوم الكفارة ـ كغيره من أنواع الصيام ـ نية التقرب به إلى الله تعالى؛ ويمتدّ وقتها إلى ما قبل الظهر، والأحوط وجوباً عدم الاكتفاء بها لو صدرت منه بعد الظهـر. كمـا يجب فيه ـ إضافـة إلى قصد التقرّب ـ قصد كونه كفارة إذا كان في ذمته صومٌ واجبٌ غيرها، كالنذر ونحوه، نعم لو علم إجمالاً أن في ذمته صوم شهرين متتابعين ـ مثلاً ـ دون أن يعلم أنه واجب بالنذر أو الكفارة، كفاه قصد ما في ذمته إجمالاً، فيصح عن الكفارة حتى لو تبين فيما بعد أنه كفارة فعلاً. هذا، ويجب قصد نوع الكفارة عند وجوب أكثر من كفارة عليه بأسباب مختلفة إذا اختلفت في المقدار، كما في كفارة الحنث بالعهد والحنث باليمين، فإن تساوت في المقدار لم يجب قصد النوع إلا حيث يكون للكفارة خصوصية قصدية مأخوذة في متعلقها، وذلك كما في كفارة الظهار من جهة كونها مُحلِّلَةً لوطىء الزوجة ومراجعتها؛ فإذا كان عليه كفارة أخرى مثلها، ككفارة قتل الخطأ، لزمه حين الصوم عن كفارة الظهار، قصد كونه عنها بخصوصها.
مسألة 511: يجب التتابع في صيام الشهرين، ويكفي فيه التتابع في أيام الشهر الأول مع يوم من الشهر الثاني دون ما عداه من أيامه، فيصح أن يأتي بها غير متتابعة إلا في كفارة قتل العمد التي يجب فيها التتابع بين الأيام الستين بتمامها، تشديداً في العقوبة، كما أن الأحوط وجوباً التتابع في صيام الأيام الثلاثة؛ أما صيام الأيام الثماني عشرة، التي يؤتى بها عند العجز عن الإطعام في بعض الحالات التي تقدمت فلا يجب التوالي فيه.
هذا، وكنا قد ذكرنا بقية أحكام التتابع في مباحث الصوم (أنظر في ذلك المسائل: 1004، 1007، 1008).
مسألة 512: يجوز الشروع في صوم الشهرين المتتابعين أثناء الشهر، وحينئذ يلزمه صيام ستين يوماً على الأحوط وجوباً، فيوالي بين واحد وثلاثين يوماً في غير كفارة قتل العمد، وله أن يفرق باقي الأيام بالنحو الذي يشاء، فيما يوالي بين الأيام الستين بتمامها في قتل العمد.
مسألة 513: المراد بالشهرين في صوم الكفارة الشهران القمريان، ناقصين كانا أو تامين، فإذا شرع بالصيام من أول الشهر جرى معه حتى يتمه واكتفى به ولو كان ناقصاً، وأما إذا شرع فيه في أثنائه فإنه لا يكفيه احتسابه ناقصاً بل لا بد من إتمامه ثلاثين يوماً، كما ذكرنا في المسألة السابقة.
المطلب الثالث: في الإطعام
مسألة 514: يجب إطعام ستين مسكيناً تعييناً في كفارة الجمع، ويجب عند العجز عن الصيام في كفارة الظهار وقتل الخطأ وإفساد الاعتكاف بالجماع ليلاً، ويجب على نحو التخيير في كفارة الإفطار في شهر رمضان والحنث بالعهد، ويستحب في جز المرأة شعرها في المصاب تخييراً. ويجب إطعام عشرة مساكين تعييناً في إفطار قضاء شهر رمضان، ومخيراً بينه وبين كسوتهم وبين عتق الرقبة في الحنث باليمين أو النذر أو الإيلاء، ويستحب في نتف المرأة شعرها أو إدماء وجهها بالخمش في المصاب، وكذا في شق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته، وذلك على نحو التخيير في الجميع.كما أنه يستحب إطعام عشرة مساكين عند الحنث بيمين البراءة من الله تعالى ورسوله w.
مسألة 515: لا بد حين الإطعام من نية قصد التقرب به إلى الله تعالى، وأنه كفارة، وأن سببها ـ مع اختلاف المقدار ـ هو الإفطار عمداً في شهر رمضان أو في قضائه، أو غير ذلك. وكنا قد ذكرنا أحكام الإطعام تفصيلياً في مباحث الصوم، وهي لا تختلف عما هو واجب في غير الإفطار عمداً من الأمور الموجبة للكفارة، سوى أنه لا بد من الالتفات إلى أنه يجزي في الإطعام كل ما يعدّ قوتاً من الحبوب واللحوم ونحوهما، وذلك في جميع الكفارات عدا كفارة اليمين والنذر والإيلاء فإن الأحوط وجوباً فيها الاقتصار على الحنطة ودقيقها. (أنظر من الجزء الأول المسائل: 997 وما بعدها إلى المسألة: 1003).
مسألة 516: لا يجب تخصيص الإطعام بفقراء البلد الذي دفعت فيه ولا بفقراء بلد الدافع، بل يجوز صرفها على فقراء أي بلد، وإذا رغب الدافع بصرفها على فقراء بلده فنقصوا عن الستين أو عن العشرة لم يكن ذلك مُبرِّراً لتكرار الدفع لهم حتى يكتمل العدد، بل يجب عليه إكمال العدد من بلد آخر، فإذا تعذر توزيعها على العدد المطلـوب ـ ولـو من بلـد آخـر ـ لم يجب الإنتظار حتى يكتمل العدد بل يجوز له ـ حينئذ ـ إعادة توزيع ما تبقى على الموجودين حتى يستوفي المطلوب منه، كما يجوز له ـ مع السعة ـ أن ينتظر اكتمال العدد.
مسألة 517: يجوز لغير الهاشمي إعطاء كفارة الإطعام للهاشمي. كذلك فإنه لا يشترط فيها كون الفقير مؤمناً إلا على نحو الاحتياط الاستحبابي.
مسألة 518: لا يملك الفقير ـ عند دعوته إلى الطعام لإشباعـه ـ ما يوضع أمامه من طعام على المائدة، بل إن عليه أن يتناول منه مقدار حاجته، فإذا شبع قام عنه؛ فيما يملك الفقير الطعام الذي يُسلَّم إليه، مما هو من القوت الذي يعطى له، وتبرأ ذمة المكلف بمجرد ذلك دون أن تتوقف البراءة على أكله الطعام، بل يجوز له بيع مثل القمح أو التمر أو غيرهما وأخذ ثمنه، سواءً باعه لنفس المكفِّر أو لغيره.
مسألة 519: يتساوى الصغير والكبير في صدق عنوان الفقير على كل منهما إن كان الإطعام بنحو التسليم، فيعطي الصغير مداً من الطعام كما يعطي الكبير، رغم أنه يجب في الصغير التسليم لوليه؛ وأما إن كان الإطعام بنحو الإشباع فاللازم احتساب الإثنين من الصغار بواحد إن كان جميع المدعوين صغاراً، وهو الأحوط وجوباً إن اجتمع الصغار مع الكبار. ثم إنه لا يعتبر في دعوة الصغير إلى الطعام إذن من له الولاية عليه إلا أن يكون في دعوته منافاة لحق الولي، وذلك كما لو لزم من خروج الصغير إلى المائدة الإخلال بمقتضيات المحافظة على صحته أو أمنه أو كرامته أو نحوها، فيلزم إذنه حينئذ.
المطلب الرابع: في الكسوة
مسألة 520: تجب كسوة الفقير مخيراً بينها وبين عتق الرقبة والإطعام في كفارة اليمين والنذر والإيلاء دون غيرها من الكفارات، وهي مختصة بعشرة مساكين لا أكثر، وتستحب مخيراً في نتف المرأة شعرها في المصاب أو إدماء وجهها بالخمش، وكذا في شق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته. ورغم أنها أكثر قيمة من الإطعام ـ إجمالاً ـ فإنها لا تغني عن الإطعام في غير هذه الموارد الثلاثة.
مسألة 521: يعتبر في الكسوة أمور:
الأول: أن تكون بما يعدّ ـ من الثياب ـ لباساً عرفاً، وحَدُّه أن يكون الثوب ساتراً لما يتعارف ستره من جسد الرجل عند قيامه بشؤونه العادية، وكذا من جسد المرأة ولو حين تبذلها في بيتها، فضلاً عما لو ستر جميع بدنها عند خروجها للناس، فلا يكتفى بمثل الجورب والقلنسوة، ولا ما أشبههما من الملابس الداخلية القصيرة المتعارفة في زماننا. هذا، ولا يخفى أن شكل وعدد قطع اللباس تختلف ما بين المجتمعات والأزمنة، فمع التعارف قد يكتفى بالمئزر وقد لا يكتفى إلا بقطعتين كالقميص والسروال وهكذا.
الثاني: أن يكون سليماً من الثقوب والرثاثة، ولو لم يكن جديداً.
الثالث: أن يكون مخيطاً أو ما بحكمه كالملبد والمنسوج، فلا يُجزي تسليم قماشٍ غير مخيط إلا أن يَدْفعَ معه أجرة الخياطة لمن يحرز قيامه بذلك.
الرابع: أن يكون اللباس موافقاً لجنس الفقير وعمره، فلا يجزي لباس الذكر للأنثى، أو لباس الكبير للصغير، ولا العكس.
هذا، ولا فرق في جنس الثوب بين كونه من صوف أو كتان أو غيرهما، بل وكذا لو كان من الحرير للنساء، وفي إجزائه للرجال إشكال. كما لا فرق في دفع ما يلبس في الشتاء في الصيف أو العكس. كما وأنه لا يعتبر فيه أن يكون مما يقي من البرد أو مما يمكن البروز فيه للناس، بل يكفي مثل الألبسة القطنية الداخلية الساترة رغم كونها مما تلبس تحت الثياب.
مسألة 522: يكتفى في الكسوة بثوب واحد لكل فقير، كالدشداشة أو القميص مع السروال، ويستحب إكساؤه ثوبين، بل هو الأحوط إستحباباً مع القدرة. وكما ذكرنا في الإطعام فإنه لا تجزي قيمة الكسوة عن دفعها بعينها، كما وأنه لا بد من إعطاء كل فقير ثوباً، فلا يجزي توزيع عشرة أثواب على أقل من عشرة فقراء. كما وأنه لا بد من نية القربة ومن توفر الشروط المعتبرة في الفقير ونحو ذلك مما مر ذكره. نعم يختلف الإكساء عن الإطعام في مورد واحد هو أنه عند تعذر العدد المطلوب في البلد وخارجه لا يكفي في الكسوة تكرار الإعطاء للموجودين منهم، بل يجب الإنتظار حتى يتمكن من باقي العدد فيكسوهم، فيما يكتفى بالتكرار في الإطعام.
المطلب الخامس: في الاستغفار
مسألة 523: يجب الاستغفار عند العجز عن الخصال الأساسية وعن بديل بعضها وهو صيام الثماني عشرة يوماً بما فيها كفارة الجمع، وتختص كفارة الجمع بأنه يجب فيها الاستغفار عوضاً عن كل خصلة يعجز عنها، ولكن، إذا عجز عن الجميع كفاه استغفار واحد؛ وجميع ذلك بالنحو الذي قد مرَّ تفصيله (أنظر المسألة: 502). ولا تعتبر فيه صيغة خاصة، بل يكفي قول: «أستغفر الله» وكلما حَسَّن استغفاره كان أفضل. ولا بد فيه من نية القربة، ومن قصد كونه كفارة؛ نعم لا يعتبر فيه قصد البدلية.
المطلب السادس: في ما به يتحقّق العجز عن كل خصلة
مسألة 524: يتحقّق العجز عن الصيام الموجب لتعيُّن الإطعام بتضرره من الصيام بما يوجب حدوث مرض أو زيادته أو شدة ألمه أو طول مدة الشفاء منه، وكذا يتحقّق بكون الصوم شاقّاً عليه مشقة لا تتحمل، ومنه ما لو استلزم تعطله عن عمله اللازم لمعاشه مع انحصاره به.
وكنا قد ذكرنا في الحديث عن التتابع أن طروء الحيض أو النفاس أو السفر لا يضر بالتتابع، ومعه لا يكون عاجزاً عن الصيام حتى يجوز له العدول إلى الإطعام.
أما العجز عن الإطعام أو الإكساء الموجب للإنتقال إلى البديل الأصلي، كما في الصيام في حنث اليمين، أو البديل الاستثنائي، كما في صيام ثمانية عشر يوماً أو الاستغفار في الإفطار عمداً في شهر رمضان، فيتحقّق بعدم تيسر الطعام أو الكسوة عنده، إما لعدم قدرته على تحصيله أو لعدم وجود ثمنه أو لحاجته إليه في نفقته، كما يتحقّق بفقدان المسكين المستحق لهما.
مسألة 525: المعتبر في العجز والقدرة هو حالة المكلف حين رغبته في أداء الكفارة، لا حاله حين وجوبها عليه، فمن وجبت عليه كفارة مرتبة، وكان حينها قادراً على الصوم، فلما أراد التكفير وجد نفسه عاجزاً عنه، كفاه الإطعام وصح منه ولم يستقر الصوم في ذمته لعجزه عنه بعد القدرة.
كما أنه يكفي في تحقّق العجز عن الصوم ما لو كان السبب طارئاً يرجى زواله مستقبلاً، كالمرض، فإنه يجوز معه الإنتقال إلى الإطعام رغم ذلك ولا يجب عليه الانتظار حتى يشفى ويتمكن من الصوم، إلا أن يكون العجز لفترة قصيرة لا تتعدى بضعة أيام كالأسبوع ونحوه. وإذا أخَّر الإتيان بالبديل عند تحقّق العجز حتى صار قادراً على المبدل منه وجب عليه المبدل منه حينئذ.
مسألة 526: إذا تجددت قدرة المكلف على المبدل منه بعدما كان قد شرع في البديل لم يجب عليه العود إلى المبدل منه وأجزأه إتمام البديل، فمن عجز عن الصيام في كفارة القتل الخطأ ثم قدر عليه بعدما كان قد شرع في الإطعام اجتزأ بإتمام الإطعام؛ ومثله ما لو عجز عن الإطعام والإكساء في كفارة حنث اليمين ثم قدر عليهما ـ أو على أحدهما ـ بعدما كان قد شرع في الصيام، فإنه يجتزأ بإتمام الصيام، إلا أن يعرض عليه أثناء صيامه ما يوجب بطلان التتابع واستئناف الصوم، فيتعين عليه ـ حينئذ ـ إتيان المبدل منه.
مسألة 527: إذا كان المكلف قادراً على أداء ما عليه من الكفارة أثناء حياته فمات دون أن يؤديها، أو فاجأه الموت قبل أدائها، لم يجب على الوارث ـ ولو كان هو ولده الأكبر ـ أداء الكفارة البدنية عنه، أي: الصيام، بل ولا يجب عليه إخراجها ولا إخراج الكفارة المالية، كالعتق والإطعام، من أصل التركة، بل تخرج من الثلث إن أوصى بها ووسعها الثلث، وإن لم يسعْها أخرج منها بمقدار الثلث إلا أن يرضى غير القاصر من الورثة بإخراج الزائد من حصته؛ فيما لا يجب إخراجها من ثلث التركة ولا من غيره إذا لم يكن قد أوصى بها، إلا أن يتراضى غير القاصر من الورثة على إخراجها من نصيبهم.
مسألة 528: يجوز التوكيل في أداء الكفارات المالية من مال الموكِّل، وحينئذ فإنه تجزي نية الموكل حين التوكيل بأن يقصد التكفير متقرباً إلى الله تعالى بالعمل الصادر من الوكيل المنتسب إليه بموجب وكالته.
مسألة 529: يجوز التبرع بأداء الكفارة عن الميت صياماً وغيره، كالإطعام والعتق، وكذا عن الحي في الإطعام والعتق دون الصيام.
والهدف من عقد هذا المبحث هو ذكر كل عمل وجب الإتيان به كفارة، مستقلاً عن غيره من الأعمال الأخرى، وبيان الأحكام المتعلقة به لجهة كيفية أدائه أو العجز عنه ونحوهما، وهي تلك الأعمال التي يصطلح عليها الفقهاء بـ(خصال الكفارة)، وهو ما سوف نستعرضه في ستة مطالب على النحو التالي:
المطلب الأول: في عتق الرقبة
مسألة 507: المراد من الرقبة العبد المملوك ذكراً أو أنثى؛ ولا يخفى أنها غير متيسرة في هذا الزمان، كما أنه قد كان لهذه الخصلة من الكفارات دور مهم في تحرير العبيد وفي إظهار مدى عناية التشريع الإسلامي في القضاء على ظاهرة الرق تدريجياً.
وحيث يكون المكلف مخيراً بينها وبين غيرها من الخصال فإن له أن يختار غيرها حتى مع توفرها، وحيث تكون واجبة عليه بعينها كما في كفارة الجمع فيعجز عنها ـ كما في زماننا ـ فإن عليه أن يستغفر الله تعالى بدلاً عنها كما سلف القول في المبحث الأول، ثم يأتي ببقية الخصال الواجبة، وحيث يكون لها بديل عند العجز عنها ـ كما في كفارة قتل الخطأ ـ فإنه يأتي ببديلها، وهكذا.
ولما لم تَعُد موضع ابتلاء المكلف فإنه لا ضرورة لذكر ما لَها من أحكام وفروع.
المطلب الثاني: في صيام الكفارة
مسألة 508: يجب صوم شهرين متتابعين تعييناً في كفارة قتل العمد؛ ويجب عند العجز عن العتق في كفارة قتل الخطأ وإفساد الاعتكاف بالجماع ليلاً ومظاهرة الزوجة؛ ويجب على نحو التخيير بينه وبين الإطعام في كفارة الإفطار عمداً في شهر رمضان وفي الحنث بالعهد، كما أنه يستحب مخيَّراً بينه وبين غيره من الخصال في كفارة جز المرأة شعرها في المصاب.
ويجب صيام ثمانية عشر يوماً تعييناً عند العجز عن إطعام ستين مسكيناً في كفارة قتل الخطأ وإفساد الاعتكاف بالجماع ليلاً ومظاهرة الزوجة، ويجب مخيراً بينه وبين التصدق بما يطيق في حال العجز عن الإطعام وعن صيام الشهرين في كفارة الإفطار عمداً في شهر رمضان وفي الحنث بالعهد.
ويجب صوم ثلاثة أيام عند العجز عن إطعام عشرة مساكين في إفطار صوم قضاء شهر رمضان، وعند العجز عن عتق الرقبة وعن إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم في حنث اليمين أو النذر.
ويستحب صوم ثلاثة أيام عند نتف المرأة شعرها أو خدش وجهها مع الإدماء، في المصاب، وعند شق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته، وذلك عند عجزهما عن التكفير استحباباً بعتق الرقبة أو بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم؛ كما يستحب احتياطاً صيام اليوم التالي لمن نام عن صلاة العشاء.
مسألة 509: لا يختلف الصوم الواجب كفارة في وقته عن غيره من أنواع الصوم، فيجب فيه الإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وليس له وقت معين في الأيام والشهور إلا في كفارة قتل العمد أو الخطأ إذا وقع منه القتل في الأشهر الحرم، فإنه يجب عليه صيام كفارته في الأشهر الحرم، وحيث إنه في كفارة العمد يجب أن يتابع بين الأيام الستين حتى نهايتها ـ بما في ذلك صوم يوم العيد الذي سيقع ضمنها حتماً ـ فإنه يختص من الأشهر الحرم بذي القعدة وذي الحجة ومحرم، وحينئذ فإن عليه أن يبدأ صيام كفارة العمد بذي القعدة وينهيه في آخر ذي الحجة، أو يبدأه في أول ذي الحجة وينهيه في آخر محرم، أما في القتل الخطأ، وحيث يكفيه في التتابع أن يصوم شهراً ويوماً أو يومين من الشهر الثاني، فإنَّ بإمكانه أن يصوم يوماً أو يومين من آخر ذي الحجة وتمام شهر محرم ويكمل ما بقي في شهر رجب.
ثم إنه لما كان وقت نية صوم الكفارة ممتداً إلى ما قبل الزوال ـ كما سنبيّنه في المسألة التالية ـ فإن معنى ذلك أنه يجوز لمن أصبح صائماً كفارة أن يعدل عن صومه ويتناول المفطر قبل الظهر لا بعده، إلا أن يكون الصوم متتابعاً فلا يجوز له الإفطار ـ حينئذ ـ ولو قبل الظهر، غير أنه إذا أفطر حيث لا يجوز له، أثمَ ولا كفارة عليه، ولغى ما صامه من أيام التتابع.
مسألة 510: يجب في صوم الكفارة ـ كغيره من أنواع الصيام ـ نية التقرب به إلى الله تعالى؛ ويمتدّ وقتها إلى ما قبل الظهر، والأحوط وجوباً عدم الاكتفاء بها لو صدرت منه بعد الظهـر. كمـا يجب فيه ـ إضافـة إلى قصد التقرّب ـ قصد كونه كفارة إذا كان في ذمته صومٌ واجبٌ غيرها، كالنذر ونحوه، نعم لو علم إجمالاً أن في ذمته صوم شهرين متتابعين ـ مثلاً ـ دون أن يعلم أنه واجب بالنذر أو الكفارة، كفاه قصد ما في ذمته إجمالاً، فيصح عن الكفارة حتى لو تبين فيما بعد أنه كفارة فعلاً. هذا، ويجب قصد نوع الكفارة عند وجوب أكثر من كفارة عليه بأسباب مختلفة إذا اختلفت في المقدار، كما في كفارة الحنث بالعهد والحنث باليمين، فإن تساوت في المقدار لم يجب قصد النوع إلا حيث يكون للكفارة خصوصية قصدية مأخوذة في متعلقها، وذلك كما في كفارة الظهار من جهة كونها مُحلِّلَةً لوطىء الزوجة ومراجعتها؛ فإذا كان عليه كفارة أخرى مثلها، ككفارة قتل الخطأ، لزمه حين الصوم عن كفارة الظهار، قصد كونه عنها بخصوصها.
مسألة 511: يجب التتابع في صيام الشهرين، ويكفي فيه التتابع في أيام الشهر الأول مع يوم من الشهر الثاني دون ما عداه من أيامه، فيصح أن يأتي بها غير متتابعة إلا في كفارة قتل العمد التي يجب فيها التتابع بين الأيام الستين بتمامها، تشديداً في العقوبة، كما أن الأحوط وجوباً التتابع في صيام الأيام الثلاثة؛ أما صيام الأيام الثماني عشرة، التي يؤتى بها عند العجز عن الإطعام في بعض الحالات التي تقدمت فلا يجب التوالي فيه.
هذا، وكنا قد ذكرنا بقية أحكام التتابع في مباحث الصوم (أنظر في ذلك المسائل: 1004، 1007، 1008).
مسألة 512: يجوز الشروع في صوم الشهرين المتتابعين أثناء الشهر، وحينئذ يلزمه صيام ستين يوماً على الأحوط وجوباً، فيوالي بين واحد وثلاثين يوماً في غير كفارة قتل العمد، وله أن يفرق باقي الأيام بالنحو الذي يشاء، فيما يوالي بين الأيام الستين بتمامها في قتل العمد.
مسألة 513: المراد بالشهرين في صوم الكفارة الشهران القمريان، ناقصين كانا أو تامين، فإذا شرع بالصيام من أول الشهر جرى معه حتى يتمه واكتفى به ولو كان ناقصاً، وأما إذا شرع فيه في أثنائه فإنه لا يكفيه احتسابه ناقصاً بل لا بد من إتمامه ثلاثين يوماً، كما ذكرنا في المسألة السابقة.
المطلب الثالث: في الإطعام
مسألة 514: يجب إطعام ستين مسكيناً تعييناً في كفارة الجمع، ويجب عند العجز عن الصيام في كفارة الظهار وقتل الخطأ وإفساد الاعتكاف بالجماع ليلاً، ويجب على نحو التخيير في كفارة الإفطار في شهر رمضان والحنث بالعهد، ويستحب في جز المرأة شعرها في المصاب تخييراً. ويجب إطعام عشرة مساكين تعييناً في إفطار قضاء شهر رمضان، ومخيراً بينه وبين كسوتهم وبين عتق الرقبة في الحنث باليمين أو النذر أو الإيلاء، ويستحب في نتف المرأة شعرها أو إدماء وجهها بالخمش في المصاب، وكذا في شق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته، وذلك على نحو التخيير في الجميع.كما أنه يستحب إطعام عشرة مساكين عند الحنث بيمين البراءة من الله تعالى ورسوله w.
مسألة 515: لا بد حين الإطعام من نية قصد التقرب به إلى الله تعالى، وأنه كفارة، وأن سببها ـ مع اختلاف المقدار ـ هو الإفطار عمداً في شهر رمضان أو في قضائه، أو غير ذلك. وكنا قد ذكرنا أحكام الإطعام تفصيلياً في مباحث الصوم، وهي لا تختلف عما هو واجب في غير الإفطار عمداً من الأمور الموجبة للكفارة، سوى أنه لا بد من الالتفات إلى أنه يجزي في الإطعام كل ما يعدّ قوتاً من الحبوب واللحوم ونحوهما، وذلك في جميع الكفارات عدا كفارة اليمين والنذر والإيلاء فإن الأحوط وجوباً فيها الاقتصار على الحنطة ودقيقها. (أنظر من الجزء الأول المسائل: 997 وما بعدها إلى المسألة: 1003).
مسألة 516: لا يجب تخصيص الإطعام بفقراء البلد الذي دفعت فيه ولا بفقراء بلد الدافع، بل يجوز صرفها على فقراء أي بلد، وإذا رغب الدافع بصرفها على فقراء بلده فنقصوا عن الستين أو عن العشرة لم يكن ذلك مُبرِّراً لتكرار الدفع لهم حتى يكتمل العدد، بل يجب عليه إكمال العدد من بلد آخر، فإذا تعذر توزيعها على العدد المطلـوب ـ ولـو من بلـد آخـر ـ لم يجب الإنتظار حتى يكتمل العدد بل يجوز له ـ حينئذ ـ إعادة توزيع ما تبقى على الموجودين حتى يستوفي المطلوب منه، كما يجوز له ـ مع السعة ـ أن ينتظر اكتمال العدد.
مسألة 517: يجوز لغير الهاشمي إعطاء كفارة الإطعام للهاشمي. كذلك فإنه لا يشترط فيها كون الفقير مؤمناً إلا على نحو الاحتياط الاستحبابي.
مسألة 518: لا يملك الفقير ـ عند دعوته إلى الطعام لإشباعـه ـ ما يوضع أمامه من طعام على المائدة، بل إن عليه أن يتناول منه مقدار حاجته، فإذا شبع قام عنه؛ فيما يملك الفقير الطعام الذي يُسلَّم إليه، مما هو من القوت الذي يعطى له، وتبرأ ذمة المكلف بمجرد ذلك دون أن تتوقف البراءة على أكله الطعام، بل يجوز له بيع مثل القمح أو التمر أو غيرهما وأخذ ثمنه، سواءً باعه لنفس المكفِّر أو لغيره.
مسألة 519: يتساوى الصغير والكبير في صدق عنوان الفقير على كل منهما إن كان الإطعام بنحو التسليم، فيعطي الصغير مداً من الطعام كما يعطي الكبير، رغم أنه يجب في الصغير التسليم لوليه؛ وأما إن كان الإطعام بنحو الإشباع فاللازم احتساب الإثنين من الصغار بواحد إن كان جميع المدعوين صغاراً، وهو الأحوط وجوباً إن اجتمع الصغار مع الكبار. ثم إنه لا يعتبر في دعوة الصغير إلى الطعام إذن من له الولاية عليه إلا أن يكون في دعوته منافاة لحق الولي، وذلك كما لو لزم من خروج الصغير إلى المائدة الإخلال بمقتضيات المحافظة على صحته أو أمنه أو كرامته أو نحوها، فيلزم إذنه حينئذ.
المطلب الرابع: في الكسوة
مسألة 520: تجب كسوة الفقير مخيراً بينها وبين عتق الرقبة والإطعام في كفارة اليمين والنذر والإيلاء دون غيرها من الكفارات، وهي مختصة بعشرة مساكين لا أكثر، وتستحب مخيراً في نتف المرأة شعرها في المصاب أو إدماء وجهها بالخمش، وكذا في شق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته. ورغم أنها أكثر قيمة من الإطعام ـ إجمالاً ـ فإنها لا تغني عن الإطعام في غير هذه الموارد الثلاثة.
مسألة 521: يعتبر في الكسوة أمور:
الأول: أن تكون بما يعدّ ـ من الثياب ـ لباساً عرفاً، وحَدُّه أن يكون الثوب ساتراً لما يتعارف ستره من جسد الرجل عند قيامه بشؤونه العادية، وكذا من جسد المرأة ولو حين تبذلها في بيتها، فضلاً عما لو ستر جميع بدنها عند خروجها للناس، فلا يكتفى بمثل الجورب والقلنسوة، ولا ما أشبههما من الملابس الداخلية القصيرة المتعارفة في زماننا. هذا، ولا يخفى أن شكل وعدد قطع اللباس تختلف ما بين المجتمعات والأزمنة، فمع التعارف قد يكتفى بالمئزر وقد لا يكتفى إلا بقطعتين كالقميص والسروال وهكذا.
الثاني: أن يكون سليماً من الثقوب والرثاثة، ولو لم يكن جديداً.
الثالث: أن يكون مخيطاً أو ما بحكمه كالملبد والمنسوج، فلا يُجزي تسليم قماشٍ غير مخيط إلا أن يَدْفعَ معه أجرة الخياطة لمن يحرز قيامه بذلك.
الرابع: أن يكون اللباس موافقاً لجنس الفقير وعمره، فلا يجزي لباس الذكر للأنثى، أو لباس الكبير للصغير، ولا العكس.
هذا، ولا فرق في جنس الثوب بين كونه من صوف أو كتان أو غيرهما، بل وكذا لو كان من الحرير للنساء، وفي إجزائه للرجال إشكال. كما لا فرق في دفع ما يلبس في الشتاء في الصيف أو العكس. كما وأنه لا يعتبر فيه أن يكون مما يقي من البرد أو مما يمكن البروز فيه للناس، بل يكفي مثل الألبسة القطنية الداخلية الساترة رغم كونها مما تلبس تحت الثياب.
مسألة 522: يكتفى في الكسوة بثوب واحد لكل فقير، كالدشداشة أو القميص مع السروال، ويستحب إكساؤه ثوبين، بل هو الأحوط إستحباباً مع القدرة. وكما ذكرنا في الإطعام فإنه لا تجزي قيمة الكسوة عن دفعها بعينها، كما وأنه لا بد من إعطاء كل فقير ثوباً، فلا يجزي توزيع عشرة أثواب على أقل من عشرة فقراء. كما وأنه لا بد من نية القربة ومن توفر الشروط المعتبرة في الفقير ونحو ذلك مما مر ذكره. نعم يختلف الإكساء عن الإطعام في مورد واحد هو أنه عند تعذر العدد المطلوب في البلد وخارجه لا يكفي في الكسوة تكرار الإعطاء للموجودين منهم، بل يجب الإنتظار حتى يتمكن من باقي العدد فيكسوهم، فيما يكتفى بالتكرار في الإطعام.
المطلب الخامس: في الاستغفار
مسألة 523: يجب الاستغفار عند العجز عن الخصال الأساسية وعن بديل بعضها وهو صيام الثماني عشرة يوماً بما فيها كفارة الجمع، وتختص كفارة الجمع بأنه يجب فيها الاستغفار عوضاً عن كل خصلة يعجز عنها، ولكن، إذا عجز عن الجميع كفاه استغفار واحد؛ وجميع ذلك بالنحو الذي قد مرَّ تفصيله (أنظر المسألة: 502). ولا تعتبر فيه صيغة خاصة، بل يكفي قول: «أستغفر الله» وكلما حَسَّن استغفاره كان أفضل. ولا بد فيه من نية القربة، ومن قصد كونه كفارة؛ نعم لا يعتبر فيه قصد البدلية.
المطلب السادس: في ما به يتحقّق العجز عن كل خصلة
مسألة 524: يتحقّق العجز عن الصيام الموجب لتعيُّن الإطعام بتضرره من الصيام بما يوجب حدوث مرض أو زيادته أو شدة ألمه أو طول مدة الشفاء منه، وكذا يتحقّق بكون الصوم شاقّاً عليه مشقة لا تتحمل، ومنه ما لو استلزم تعطله عن عمله اللازم لمعاشه مع انحصاره به.
وكنا قد ذكرنا في الحديث عن التتابع أن طروء الحيض أو النفاس أو السفر لا يضر بالتتابع، ومعه لا يكون عاجزاً عن الصيام حتى يجوز له العدول إلى الإطعام.
أما العجز عن الإطعام أو الإكساء الموجب للإنتقال إلى البديل الأصلي، كما في الصيام في حنث اليمين، أو البديل الاستثنائي، كما في صيام ثمانية عشر يوماً أو الاستغفار في الإفطار عمداً في شهر رمضان، فيتحقّق بعدم تيسر الطعام أو الكسوة عنده، إما لعدم قدرته على تحصيله أو لعدم وجود ثمنه أو لحاجته إليه في نفقته، كما يتحقّق بفقدان المسكين المستحق لهما.
مسألة 525: المعتبر في العجز والقدرة هو حالة المكلف حين رغبته في أداء الكفارة، لا حاله حين وجوبها عليه، فمن وجبت عليه كفارة مرتبة، وكان حينها قادراً على الصوم، فلما أراد التكفير وجد نفسه عاجزاً عنه، كفاه الإطعام وصح منه ولم يستقر الصوم في ذمته لعجزه عنه بعد القدرة.
كما أنه يكفي في تحقّق العجز عن الصوم ما لو كان السبب طارئاً يرجى زواله مستقبلاً، كالمرض، فإنه يجوز معه الإنتقال إلى الإطعام رغم ذلك ولا يجب عليه الانتظار حتى يشفى ويتمكن من الصوم، إلا أن يكون العجز لفترة قصيرة لا تتعدى بضعة أيام كالأسبوع ونحوه. وإذا أخَّر الإتيان بالبديل عند تحقّق العجز حتى صار قادراً على المبدل منه وجب عليه المبدل منه حينئذ.
مسألة 526: إذا تجددت قدرة المكلف على المبدل منه بعدما كان قد شرع في البديل لم يجب عليه العود إلى المبدل منه وأجزأه إتمام البديل، فمن عجز عن الصيام في كفارة القتل الخطأ ثم قدر عليه بعدما كان قد شرع في الإطعام اجتزأ بإتمام الإطعام؛ ومثله ما لو عجز عن الإطعام والإكساء في كفارة حنث اليمين ثم قدر عليهما ـ أو على أحدهما ـ بعدما كان قد شرع في الصيام، فإنه يجتزأ بإتمام الصيام، إلا أن يعرض عليه أثناء صيامه ما يوجب بطلان التتابع واستئناف الصوم، فيتعين عليه ـ حينئذ ـ إتيان المبدل منه.
مسألة 527: إذا كان المكلف قادراً على أداء ما عليه من الكفارة أثناء حياته فمات دون أن يؤديها، أو فاجأه الموت قبل أدائها، لم يجب على الوارث ـ ولو كان هو ولده الأكبر ـ أداء الكفارة البدنية عنه، أي: الصيام، بل ولا يجب عليه إخراجها ولا إخراج الكفارة المالية، كالعتق والإطعام، من أصل التركة، بل تخرج من الثلث إن أوصى بها ووسعها الثلث، وإن لم يسعْها أخرج منها بمقدار الثلث إلا أن يرضى غير القاصر من الورثة بإخراج الزائد من حصته؛ فيما لا يجب إخراجها من ثلث التركة ولا من غيره إذا لم يكن قد أوصى بها، إلا أن يتراضى غير القاصر من الورثة على إخراجها من نصيبهم.
مسألة 528: يجوز التوكيل في أداء الكفارات المالية من مال الموكِّل، وحينئذ فإنه تجزي نية الموكل حين التوكيل بأن يقصد التكفير متقرباً إلى الله تعالى بالعمل الصادر من الوكيل المنتسب إليه بموجب وكالته.
مسألة 529: يجوز التبرع بأداء الكفارة عن الميت صياماً وغيره، كالإطعام والعتق، وكذا عن الحي في الإطعام والعتق دون الصيام.