المهر: (مال يعطيه الرجل للمرأة عند الزواج)، وهو من تقاليد الزواج التي عرفها الإنسان منذ قديم الزمان، وقد أكّد عليه الإسلام واعتبره جزءاً مهماً في نظام العلاقة الزوجية، ربما لما يرمز إليه من مودة الرجل للمرأة وكفالته لها، وأيضاً لأثره الفاعل في ضمان توازن العلاقة الزوجية، بل وضمان مستقبل المرأة إذا فارقها زوجها، ولأمور أخرى غير ذلك تنسجم مع نظرة الإسلام إلى طبيعة العلاقة الزوجية وأهدافها. ومهما يكن من أمر، فإن الإسلام قد شرَّع للمهر من عدة جوانب نعرض لها في هذا المبحث في مطالب ثلاثة:
المطلب الأول: في لزوم المهر وعدمه
وفيه مسائل:
مسألة 692: يعتبر جَعْل المهر شرطاً في صحة الزواج المنقطع، فلو لم يذكره عمداً أو غفلة أو نسياناً بطل العقد، فيما لا يعتبر جَعْل المهر في صحة عقد الزواج الدائم، فلو عقد عليها دواماً وتعمد عدم ذكر مهر لها، أو صرّحت هي في العقد بعدم المهر، صح العقد ونفذ، لكن، رغم تصريحها برفض المهر، ورغم صحة العقد، فإن للمرأة على الرجل (مهراً) مفروضاً شرعاً هو مهر المثل إن دخل بها، أو ما يصطلح عليه بـ (المتعة) من أمواله التي تُقدَّر بحسب حاله في الغنى والفقر إن فارقها قبل الدخول بالطلاق بخاصة، فإن فارقها قبله بغيره، كالفسخ أو اللعان أو غيرهما ـ مما سبق ذكره في مطلب (آثار بطلان العقد وانفساخه وفسخه) ـ لم يكن لها مهر حينئذ؛ وحيث يثبت لها على الرجل ـ إلزاماً ـ أحد هذين (المهرين) فإن المرأة بالخيار بين أخذه منه أو إبرائه منه ومسامحته به.
مسألة 693: إذا وقع العقد بدون مهر جاز أن يتراضيا بعد العقد على أن يعطيها شيئاً مهراً، سواءً أكان بقدر مهر المثل أو أقل أو أكثر، فيتعين ذلك مهراً ويُلزم الرجل بدفعه.
مسألة 694: إذا تزوج امرأة على مهر معين، وكان من نيته أن لا يدفعه إليها، صح العقد ووجب عليه دفع المهر الذي عيّنه.
مسألة 695: تستحق المرأة المهر المسمّى لها وتملكه بمجرد العقد، فلها التصرف فيه بالنحو الذي تشاء ولو قبل أن تقبضه، نعم لا تستقر ملكيتها لتمامه إلا بالدخول ـ قبلاً أو دبراً ـ أو بما هو بحكمه، وهو ما لو أزال بكارتها بغير الجماع، كإصبعه ونحوها، من دون رضاها.
مسألة 696: إذا طلَّق الرجل زوجته قبل الدخول سقط نصف المهر المسمى وبقي نصفه، فإن كان ما يزال ديناً عليه برئت ذمته من نصفه، وإن كان قد جعله عيناً مشخصة فإنها تصير مشتركة بينه وبينها؛ ثم إنه إذا كان قد دفعه إليها استعاد نصفه إن كان باقياً، وإن كان تالفاً استعاد نصف مثله إن كان مثلياً ونصف قيمته إن كان قيمياً، وفي حكم التلف نقلُه إلى الغير بناقل لازم، وأما لو كان انتقاله منها إلى الغير بناقل جائز كالهبة أو كالبيع بخيار، تخيّرت: بين الرجوع بالمعاملة ودفع نصف العين، وبين دفع بدل النصف، وإن كان الأحوط استحباباً هو الأول فيما إذا أراد الزوج عين ماله.
هذا، ويجري نفس الحكم بنفس التفصيل إذا مات عنها قبل الدخول.
مسألة 697: في كل مورد يشتبه الأمر فيه على المرأة فتبذل نفسها للرجل باعتقاد أنه زوجها، فيدخل بها الرجل قبلاً أو دبراً، يثبت لها مهر المثل، بدون فرق بين ما لو كان الرجل عالماً بالحال أو جاهلاً به، ولا بين ما لو كان الدخول بعقد أو بدون عقد، ولا بين ما لو كانت خلية من غيره أو متزوجة، أما إذا كان الواطىء مشتبهاً دونها، بحيث مكنته من نفسها مع علمها بأنه ليس زوجاً لها، فلا مهر لها.
مسألة 698: إذا زنى بامرأة على كُرْهٍ منها، فإن كانت ثَيِّباً ودخل بها، لزمه مهر مثلها ثيباً، لما استحل منها، وإن كانت بكراً فأزال بكارتها بالجماع أو بغيره، كإصبعه ونحوها، كان لها عليه مهر المثل؛ إضافة إلى استحقاقه حد الزنى بالإكراه ـ وهو القتل ـ ثيِّباً كانت أو بكراً؛ وذلك بدون فرق بين ما لو كانت متزوجة من غيره أو غير متزوجة، ولا بين ما لو كانت كبيرة أو صغيرة، مسلمة أو كافرة.
المطلب الثاني: في ما يعتبر في المهر
وفيه مسائل:
مسألة 699: يصح جعل المهر عيناً من النقد أو العروض، ومنفعة عين أو منفعة نفس، وحقاً قابلاً للنقل والانتقال؛ فيصح أن يكون المهر ذهباً أو فضة أو عملة ورقية مستحدثة أو داراً أو عقاراً أو ماشية، أو منفعة دار أو عقار أو نجارةً أو فلاحةً أو تعليماً، أو حقاً كحق التحجير والتأليف والإختراع، بل وكحق الاستيراد والتصدير ونحوها من الحقوق المستحدثة؛ ومهما كان نوع المهر فإنه يعتبر فيه أمور:
الأول: أن يكون مما له قيمة مالية عند العرف، فلا يصح أن يكون المهرقَشَّة أو حبة قمح أو نحوهما مما لا يعتد به عند العرف.
الثاني: أن تكون العين مما يصح تملكها من المسلم، فلا يصح جعل المهر خمراً أو نحوه.
الثالث: أن يكون العمل المبذول مهراً، محللاً، فلا يصح أن يجعل مهرها تعليمها الغناء المحرم أو نحوه.
الرابع: تعيين المهر بما يخرجه عن الإبهام والترديد، فلو جعل مهرها إما الدار أو السيارة لم يصح، بل يجب تعيين أيهما هو المهر من حيث نوعه. فيما لا يجب تعيين ذلك النوع في فرد خاص معلوم الأوصاف بالمشاهدة أو الوصف كما سيأتي بيانه في المسألة التالية.
مسألة 700: لا يعتبر في المهر أن يكون معلوم الصنف والمقدار بالنحو الذي ذكرناه في البيع وغيره من المعاوضات، بل يكفي جعل المهر عيناً حاضرة مشاهدة، كهذه الكَوْمة من القمح أو هذه اللفافة من القماش أو هذه القطعة من الذهب، ولو جهل مقدارها بالكيل أو الوزن أو العد؛ كما يكفي جعل المهر داراً أو سيارة أو أثاث غرفة نوم دون تحديد أوصاف صنف منها، ويغنـي ـ حينئـذ ـ عند الدفع بذلُ الصنف المتعارف لمثل حال الزوجين إن اتفق أفراد الصنف في القيمة، وإلا كان الخيار للزوجة في اختيار أحدها، ومن ذلك ما لو جعل مهرها أن يبذل لها نفقة حجها، وغير ذلك مما لا يحصى كثرة.
نعم، إذا كانت جهالة الوصف موقعةً في الإبهام، لزم اقترانه بما يرفع إبهامه ويجعله أكثر وضوحاً، ويظهر الأمر من خلال المثال التالي:
إذا جعل مهرها هذه القطعة الذهبية المشاهدة، أو ما يشتمل عليه هذا الكيس من الدنانير الذهبية، صح رغم جهلها بوزن قطعة الذهب، وبعدد ما في الكيس من الدنانير، وذلك لكفاية المشاهدة في رفع اللبس والغرر، فيما لا يصح أن يجعل مهرها (كمية من الدنانير) أو (قطعة ما من الذهب)؛ لأن عدم المشاهدة تجعل الكلام صادقاً على المتناهي في القلة أو الكثرة، ومبهماً من هذه الجهة رغم معرفة النوع. لكنَّ الأفضل والأحوط استحباباً تعيين المهر من جميع جوانبه بما يزيل منه كل لبس وغرر ما دام الأمر متيسراً.
مسألة 701: يصح للزوجين أن يجعلا مهر الزواج في أدنى حد تصدق معه المالية، كقلم رصاص، أو خاتم فضة، أو نحوهما، كما يصح أن يجعلاه في أعلى حد من الكثرة، وإن كان يستحب لهما عدم تجاوز قيمة مهر السنة النبوية الشريفة المقدرة بخمسمئة درهـم، والتـي تسـاوي في الـوزن المستحدث حوالي: (1250) غراماً من الفضة. ثم إن شاء الزوج الزيادة عليه وهبها ما يشاء بعد العقد.
مسألة 702: يجوز أن يستعاض عن تعيين المهر بأن يُوكِلَه أحدُ الزوجين إلى حكم الآخر، أو إلى حكم غيره، كأبيها أو أخيها أو أجنبي، سواءً توافقا على تحكيمه قبل العقد ـ بحيث وقع العقد مبتنياً عليه ـ أو نصّا عليه في العقد، فإن كان الحاكم هو الزوج أو شخصاً آخر غير الزوجة صح حكمه ونفذ مهما كان مقداره قلة وكثرة، ما لم يكن ثمة ارتكاز عرفي للحد الأقصى الذي لا ينبغي تجاوزه في القلة أو الكثرة، وإلا وجب أن يبقى ما يُعيِّنه غَيْرُ الزوج من المهر في داخل ذلك الحد. وأما إن كان الحاكم هو الزوجة فإنه يصح حكمها في طرف القلة بما شـاءت وفي طـرف الكثـرة بما لا يتجـاوز مهـر السنَّـة ـ على الأحوط وجوباً ـ إذا لم يكن هناك عرف خاص أو عام ينصرف التحكيم إليه.
وإذا مات الحاكم قبل الحُكم وتقدير المهر وقبل الدخول فللزوجة المتعة، وإن مات بعد الدخول فلها مهر المثل إن كان الحُكم إلى الزوج أو إلى شخص آخر غير الزوجة، بل وكذا لو كان الحكم للزوجة.
مسألة 703: يجوز لأحد الزوجين في العقد الدائم أن يجعل الخيار لنفسه في فسخ المهر الذي جعلاه في عقد زواجهما، وذلك لمدة معينة، فإذا فسخ صاحب الخيار سقط المهر المسمى وصار أمرهما كما لو لم يذكرا مهراً، فيرجع الزوج إلى مهر المثل مع الدخول، وإلى المتعة بدونه؛ فيما لا يصح اشتراط خيار الفسخ في مهر الزواج المنقطع، وذلك لعدم صحة خلوه من المهر على تقدير الفسخ، فإذا شُرط الخيارُ فيه صح العقد وبطل الشرط.
مسألة 704: إذا جعل مهر امرأة نكاح امرأة أخرى، ومهر الأخرى نكاح المرأة الأولى، بطل النكاحان، وهذا ما يسمى بـ (نكاح الشغار)، وهو: (أن تتزوج امرأتان برجلين، على أن يكون مهر كل واحدة منهما نكاح الأخرى، من دون أن يكون بينهما مهر غير النكاحين)، مثل أن يقول أحد الرجلين للآخر: (زوَّجتُكَ بنتي، أو أختي، على أن تزوّجني بنتَكَ أو أختَكَ، ويكون صداق كل منهما نكاح الأخرى) ويقول الآخر: (قبلت وزوجتك بنتي، أو أختي، هكذا).
وحيث يكون العاقد مفوَّضاً من قبل أخته أو بنته البالغة الرشيدة فإنه لو زوج إحداهما لآخر بمهر معلوم، وشرط عليه أن يزوجـه أختـه أو بنتـه ـ مثلاً ـ بمهر معلوم أيضاً، صح العقدان مع توفر شروط الصحة، مثل أن يقول: (زوجتُكَ بنتي، أو أختي على صداق مئة دينار على أن تُزوجني أختك، أو بنتك، هكذا) ويقول الآخر: (قبلتُ وزوجتك بنتي، أو أختي، على مئة دينار)، بل وكذا لو شرط أن يزوجه أخته أو بنته ـ مثلاً ـ ولم يذكر مهراً أصلاً، مثل أن يقول: (زوجتك بنتي على أن تُزوجني بنتك) فقال: (قبلت وزوجتك بنتي)، فإنه يصح العقدان مع توفر سائر الشروط، لكن حيث إنه لم يذكر المهر تستحق كل منهما مهر المثل بالدخول كما تقدم.
مسألة 705: لا يصح أن يشرك مع زوجته في المهر الذي سماه لها شخصاً آخر غيرها، كأبيها أو أمها أو أجنبي، فإذا جعل له مقداراً في المهر، كأن قال: «تزوجتك على مهر قدره ألف ليرة ذهباً لك وخمسمئة لأبيك»، أو قال: «تزوجتكِ على مهر قدره ألف ليرة ذهباً على أن يكون منها مئتان لأبيك»، لم يثبت لأبيها شيء، وكان الجميع مهراً لها؛ بل وكذا لا يصح إعطاؤه شيئاً زائداً على المهر إذا شرطه الزوج على نفسه ابتداءً، بأن قال: «تزوجتك على مهر قدره ألف ليرة ذهباً، ولأبيك عليّ مئتا ليرة ذهباً»، فإنه يبطل الشرط ولا تثبت عليه تلك الزيادة. فيما يصح للزوج أن يشرط عليها أن تعطي القريب شيئاً من مهرها، وكذا يصح أن تشرط على زوجها أن يعطيه شيئاً زائداً على مهرها.
هذا إذا أشركه معها أو شرط إشراكه، أما إذا بادر الرجل فدفع من نفسه مالاً لبعض أقارب الزوجة لا بعنوان أنه جزء من المهر، فلا بأس به إن كان بعنوان الجعالة على خدمات قد أداها ذلك القريب للزوج، أو بعنوان الهبة تحبباً إليه واسترضاءً له؛ أما إذا كان دفعه له عن غير رضا منه ولا بطيب نفس، بل من أجل كونه مانعاً من زواجها مع رضاها به زوجاً، فيدفع لذلك القريب كي يرضى بزواجه منها، فإنه يحرم على القريب أخذ المال والتصرف به، وللزوج الرجوع عليه بما أخذه، باقياً كان أو تالفاً.
مسألة 706: إذا بطل المهر المسمَّى بسبب الإبهام والترديد، أو لكونه مما لا يملكه المسلم، أو لكونه عملاً غير محلل، لزم الزوجَ مهرُ المثل مع الدخول، إلا أن يكون المهر المسمَّى أقل قيمة منه فيتصالحان في مقدار التفاوت.
وحيث تستحق المرأة مهر المثل فإنه يجب دفعه لها بالنقد المتعارف في بلد العقد، إلا أن يتراضيا على غيره من الأعيان أو المنافع أو النقود الأخرى، والمعيار في تقدير مهر المثل هو: ملاحظة المهر الذي يعطى في غالب الأحيان لمن هي على مثل حال المرأة وصفاتها، من السن والبكارة والوعي والثقافة والجمال والشرف والعشيرة والبلد وغيرها من الأمور التي يرى العرف أن لها دخالة في تقدير المهر، بما في ذلك دخالة حال الزوج المتقدم لخطبتها.
مسألة 707: يجوز جعل المهر كلِّه حالاًّ غير مؤجل، أو كلّه مؤجلاً، كما يجوز أن يجعل بعضه حالاًّ والبعض الآخر مؤجلاً؛ ولا بد في المؤجل من تعيين الأجل بما لا يكون معه مبهماً تماماً، فيكفي كونه مثل: عودة الحجاج، أو موسم الحصاد، بل يصح أن يكون بما هو أقل وضوحاً، كجعل الأجل حدوث الطلاق أو موت أحدهما، وهو المتعارف عليه في بعض البلدان بـ (أقرب الأجلين)، أو جعل الأجل وقت القدرة والاستطاعة، وجميع ذلك إنما يصح في قبال المبهم البحت، كالتأجيل إلى (زمان ما) أو إلى (ورود مسافر ما) أو نحو ذلك، فإنْ أجَّلهُ كذلك صحَّ العقدُ والمهرُ ولغى التأجيل، فيجوز للمرأة طلبه ساعة تشاء.
المطلب الثالث: في الأداء والتسليم
وفيه مسائل:
مسألة 708: إذا تم العقد مستكملاً لشروطه، فإن كان حالاًّ وجب عليه مع القدرة تسليمها تمام المهر الذي سماه لها ولو لم يدخل بها بعد، ويترتب على عدم تسليمه لها أمران:
الأول: يعتبر المهر مضموناً عليه حتى يسلمه إذا كان معيناً أو من قبيل الكلي في المعين، فإن تلف قبل تسليمه ضمن لها مثله إن كان مثلياً، وقيمته إن كان قيمياً أو مثلياً لا فرد له؛ سواءً كان تلفه مع التعدي أو التفريط أو بدونهما. نعم، لو كان التلف بفعل الأجنبي تخيرت بين الرجوع على المتلف أو على الزوج، فإذا رجعت على الزوج كان لزوجها أن يرجع على الأجنبي.
الثاني: يحق للزوجة أن تمتنع عن تمكينه من الاستمتاع بها ولو بما دون الجماع من الاستمتاعات حتى لو كان معذوراً في ترك التسليم، فإن رضيت بأن يستمتع بها ـ والحال هذه ـ ومكنته من الدخول بمحض اختيارها، لم يكن لها أنْ تمنعه نفسها بعد ذلك، وأما لو مكنته من نفسها بما دون الدخول فإن لها أن تمنعه من الدخول. وأما إذا استمتع بها من دون رضاها، كما لو كانت مجبرة أو مكرهة أو نائمة، فلا أثر له ولا يسقط به حقها بالامتناع عن تمكينه منها بعد ذلك.
هذا إذا كان المهر حالاًّ، فإن كان بعضه حالاًّ والبعض الآخر مؤجلاً: فإنْ منعها من الجزء الحال ـ ولو لعجزه عن تسليمه ـ جرى عليها حكم ما لو كان المهر كله حالاًّ بنفس النحو الذي ذكرناه آنفاً؛ وأما إن دفع لها الجزء الحالَّ، أو كان المهر كله مؤجلاً، فليس لها أن تمنعه نفسها بالنحو المطلوب منها.
مسألة 709: إذا تولى الأب أو الجد للأب تزويج الصغير، فإن لم يكن للصغير مال حين العقد كان المهر على الولي، وكذا لو كان له مال وكان الولي قد ضمن المهر من ماله، وأما إذا لم يضمنه فالمهر على الصغير إذا لم يكن أزيد من مهر المثل، أو كانت مصلحة في تزويجه بأكثر منه، وإلا صح العقد وتوقف ثبوت المهر المسمى في مال الطفل على إجازته بعد البلوغ، فإن لم يجز ثبت عليه مهر المثل، ولم يكن للزوجة الرجوع بالزائد عنه على الولي.
مسألة 710: لا يعتبر أن يكون المهر من الزوج أو من وليه، بل يجوز أن يتبرع به غيرهما، قريباً كان أو غريباً، فإن امتنع المتبرع عن دفع المهر لها بعد العقد وقبل التمكين، كان لها أن تمنع زوجها من نفسها حتى يدفع لها المتبرع أو غيره، في حين لا يحق لها أن تطالب به الزوج ولو بعد أن مكنته من نفسها.
مسألة 711: إذا كان المهر المدفوع للزوجة متبَرَّعاً به من غير الزوج، ولياً كان ذلك الغير أو أجنبياً، وصادف أن طلق الزوج زوجته قبل الدخول واسترجع منها نصف المهر، كان ذلك المُسْتَرجع للزوج لا لمن تبرع به، لكونه ـ حين التبرع ـ بمثابة الهبة له عرفاً، وإن كان لا بأس بالاحتياط بالتراضي عليه بين الزوج والمتبرع به.
مسألة 712: إذا دفع لها المهر المعين، كهذه السيارة أو الدار، فوجدت به عيباً منذ أصدقها إياه ـ أو بعد أن أصدقهـا إيـاه ولكـن قبـل القبـض ـ لم يسقط مهرها المسمى كي يستعاض عنه بمهر المثل، بل تتخير بين رده بالعيب والمطالبة ببدله من المثل أو القيمة وبين القبول به على ما هو عليه من العيب دون أن تطالب بالأرش.
مسألة 713: إذا حصل للصداق نمـاء متصل ـ كسمن الدابة وكبر الشجرة ـ ثم طلقها قبل الدخول، لزمها أن ترد له نصف مثله أو نصف قيمته بالحالة التي هو عليها من النمو لا بالحالة التي كان عليها حين دفعه مهراً؛ وأما النماء المنفصل ـ كالولد واللبن ـ فإنه بتمامه للزوجة إلا ما كان منه حملاً حين أصدقها إياه بحيث كان الحمـل جـزءاً من الصـداق، فإنَّ عليهـا ـ حينئذ ـ رد النصف من الأم والولد إن ولدته عندها.
مسألة 714: في كل مورد يكون فيه الصداق عيناً، ويطلقها قبل الدخول، وتكون فيه العين قابلة للقسمة فإنهما يقتسمانها ويذهب كل منهما بنصفها، وإن لم تكن قابلة للقسمة فإن عليهما أن يتراضيا على حلٍ بشأنها، مثلهما فيها مثل كل شريكين في العين الواحدة، وهو ما سبق ذكره مفصّلاً في باب الشركة من هذا الجزء.
مسألة 715: إذا جعل مهرها تعليمها الخياطة أو الكتابة أو نحوهما من الحِرَف أو المعارف، ثم طلقها قبل الدخول، كان لها عليه نصف أجرة تعليمها، ولو كان قد علمها قبل طلاقها رجع عليها بنصف الأجرة.
مسألة 716: يصح للمرأة البالغة الرشيدة أن تعفو عن جميع مهرها أو عن بعضه، وذلك بأن تسامحه به وتبرأ ذمته منه إن كان ديناً، أو بهبته له إن كان عيناً، فإن كان إبراءً لزمها، ولم يكن لها أن تتراجع عنه، وإن كان هبة جرى عليها ـ من هذه الجهة وغيرها ـ حكم الهبة، ومما يحسن الالتفات إليه في هذا المقام أمران:
الأول: لو فرض أنها أبرأته من جميع مهرها، ثم طلقها قبل الدخول، كان له أن يطالبها ـ رغم ذلك الإبراء ـ بنصف مهرها الذي سماه لها، ولم ينفعها ذلك الإبراء في سقوط حقه بأخذ نصف المهر منها؛ لأن إبراءها له منه بمنزلة ما لو كانت قد أتلفته أو وهبته لغيره وأتلفه. ولو فرض أنها أبرأته من نصف المهر ـ لا من جميعه ـ ثم طلقها قبل الدخول، جاز له الرجوع بالنصف الباقي.
الثاني: لو فرض أن مهرها كان عيناً، فوهبتها له جميعها ثم طلقها قبل الدخول، جاز له الرجوع عليها بنصف مثلها في المثلي، ونصف قيمتها في القيمي؛ وذلك لنفس ما ذكرناه في الإبراء الآنف الذكر. ولو فرض أنها وهبته نصف العين مشاعاً أو معيناً ثم طلقها قبل الدخول، كان النصف الباقي بينهما، وكان له ـ إضافة لذلك ـ مطالبتها بنصف مثل الموهوب أو نصف قيمته.
هذا، ولكن حالها مع الهبة في هذا الأمر الثاني مختلف عن حالها مع الإبراء، إذ إن لها أن ترجع بما وهبته من مهرها إذا كانت عينه ما تزال موجودة عنده، ولم يكن زوجها من أرحامها، فيما لا يصح لها أن ترجع بما أبرأته منه، فليلتفت إلى ذلك.
مسألة 717: يجوز لولي الزوجة القاصرة لصغر أو جنون أو سفه، أباً كان الولي أو جداً أو غيرهما، أن يعفو عن بعض المهر، بل عن جميعه، مع وجود مصلحة لها لا تتأدى بغير ذلك؛ أما الوكيل عن البالغة الرشيدة، أو عن ولي القاصرة، فإنه يقتصر على ما حدَّه له الموكِّل في ذلك من العفو ومقداره أو عدم العفو.
مسألة 718: إذا دفع الزوج لزوجته شيئاً آخر عوضاً عن المهر المسمى، ثم طلقها قبل الدخول، لزمه الرجوع عليها بنصف المهر لا بنصف العوض.
مسألة 719: إذا اختلف الزوجان بعدما طلّقها في تحقّق الدخول وعدمه، فادّعت الزوجة تحقّقه وأنكر الزوج ذلك، فإن كان قولها موافقاً للظاهر ـ كما إذا عاشا معاً مدة من دون وجود مانع شرعي أو غيـره لأيّ منهمـا عن الدخـول ـ فالقول قولها بيمينها، وإلاّ كان القول قول الزوج بيمينه. وله أن يدفع اليمين عن نفسه بإقامة البيّنة على العدم إن كانت له بيّنة عليه ـ بناءً على ما هو الأقوى من إغناء بيِّنة المدعى عليه عن يمينه ـ فتشهد البيّنة على عدم التلاقي بينهما بعد العقد لسفر أو نحوه، أو تشهد على بقاء بكارتها فيما إذا ادعت الدخول قُبُلاً وفرض المنافاة بين الدخول وبين بقائها كما هو الغالب.
مسألة 720: إذا اختلف الزوجان في أصل المهر فادّعته الزوجة وأنكره الزوج، فإن كان ذلك قبل الدخول ولم يكن لها بيّنة، فالقول قوله بيمينه، وكذا إذا كان بعد الدخول وادعت عليه أزيد من مهر المثل، وأما إذا ادعت عليه مهر المثل أو ما هو أقل منه فالقول قولها بيمينها، إلاّ أن يقيم الزوج البيّنة على أدائه إليها أو عفوها عنه أو تكفل الغير به ونحو ذلك، فإن أقام البينة حكم له وإلاّ فله عليها اليمين، فإن حلفت حكم لها، وإن نكلت عن الحلف ولم تردَّه على المدعي جاز للحاكم أن يحكم عليها، كما أن له أن يرد الحلف على المدعي استظهاراً، فإن ردت الزوجة اليمين على الزوج أو ردها الحاكم عليه فحلف حكم له، وإن نكل حكم عليه.
مسألة 721: إذا توافقا على أصل المهر واختلفا في مقداره، كان القول قول الزوج بيمينه، إلاّ إذا أثبتت الزوجة دعواها بالموازين الشرعية، وكذا إذا ادعت كون عين من الأعيان ـ كدار أو بستان ـ مهراً لها وأنكر الزوج، فإن القول قوله بيمينه إذا لم تكن عندها بينة.
مسألة 722: إذا اختلفا في التعجيل والتأجيل، فقالت المرأة: إنه حال معجّل. وقال الزوج: إنه مؤجل، ولم تكن بيّنة، كان القول قولها بيمينها، وكذا لو اختلفا في زيادة الأجل، كما إذا ادعت أنه سنة وادعى أنه سنتان.
مسألة 723: إذا توافقا على المهر وادعى تسليمه ولا بيّنة، فالقول قولها بيمينها.
المهر: (مال يعطيه الرجل للمرأة عند الزواج)، وهو من تقاليد الزواج التي عرفها الإنسان منذ قديم الزمان، وقد أكّد عليه الإسلام واعتبره جزءاً مهماً في نظام العلاقة الزوجية، ربما لما يرمز إليه من مودة الرجل للمرأة وكفالته لها، وأيضاً لأثره الفاعل في ضمان توازن العلاقة الزوجية، بل وضمان مستقبل المرأة إذا فارقها زوجها، ولأمور أخرى غير ذلك تنسجم مع نظرة الإسلام إلى طبيعة العلاقة الزوجية وأهدافها. ومهما يكن من أمر، فإن الإسلام قد شرَّع للمهر من عدة جوانب نعرض لها في هذا المبحث في مطالب ثلاثة:
المطلب الأول: في لزوم المهر وعدمه
وفيه مسائل:
مسألة 692: يعتبر جَعْل المهر شرطاً في صحة الزواج المنقطع، فلو لم يذكره عمداً أو غفلة أو نسياناً بطل العقد، فيما لا يعتبر جَعْل المهر في صحة عقد الزواج الدائم، فلو عقد عليها دواماً وتعمد عدم ذكر مهر لها، أو صرّحت هي في العقد بعدم المهر، صح العقد ونفذ، لكن، رغم تصريحها برفض المهر، ورغم صحة العقد، فإن للمرأة على الرجل (مهراً) مفروضاً شرعاً هو مهر المثل إن دخل بها، أو ما يصطلح عليه بـ (المتعة) من أمواله التي تُقدَّر بحسب حاله في الغنى والفقر إن فارقها قبل الدخول بالطلاق بخاصة، فإن فارقها قبله بغيره، كالفسخ أو اللعان أو غيرهما ـ مما سبق ذكره في مطلب (آثار بطلان العقد وانفساخه وفسخه) ـ لم يكن لها مهر حينئذ؛ وحيث يثبت لها على الرجل ـ إلزاماً ـ أحد هذين (المهرين) فإن المرأة بالخيار بين أخذه منه أو إبرائه منه ومسامحته به.
مسألة 693: إذا وقع العقد بدون مهر جاز أن يتراضيا بعد العقد على أن يعطيها شيئاً مهراً، سواءً أكان بقدر مهر المثل أو أقل أو أكثر، فيتعين ذلك مهراً ويُلزم الرجل بدفعه.
مسألة 694: إذا تزوج امرأة على مهر معين، وكان من نيته أن لا يدفعه إليها، صح العقد ووجب عليه دفع المهر الذي عيّنه.
مسألة 695: تستحق المرأة المهر المسمّى لها وتملكه بمجرد العقد، فلها التصرف فيه بالنحو الذي تشاء ولو قبل أن تقبضه، نعم لا تستقر ملكيتها لتمامه إلا بالدخول ـ قبلاً أو دبراً ـ أو بما هو بحكمه، وهو ما لو أزال بكارتها بغير الجماع، كإصبعه ونحوها، من دون رضاها.
مسألة 696: إذا طلَّق الرجل زوجته قبل الدخول سقط نصف المهر المسمى وبقي نصفه، فإن كان ما يزال ديناً عليه برئت ذمته من نصفه، وإن كان قد جعله عيناً مشخصة فإنها تصير مشتركة بينه وبينها؛ ثم إنه إذا كان قد دفعه إليها استعاد نصفه إن كان باقياً، وإن كان تالفاً استعاد نصف مثله إن كان مثلياً ونصف قيمته إن كان قيمياً، وفي حكم التلف نقلُه إلى الغير بناقل لازم، وأما لو كان انتقاله منها إلى الغير بناقل جائز كالهبة أو كالبيع بخيار، تخيّرت: بين الرجوع بالمعاملة ودفع نصف العين، وبين دفع بدل النصف، وإن كان الأحوط استحباباً هو الأول فيما إذا أراد الزوج عين ماله.
هذا، ويجري نفس الحكم بنفس التفصيل إذا مات عنها قبل الدخول.
مسألة 697: في كل مورد يشتبه الأمر فيه على المرأة فتبذل نفسها للرجل باعتقاد أنه زوجها، فيدخل بها الرجل قبلاً أو دبراً، يثبت لها مهر المثل، بدون فرق بين ما لو كان الرجل عالماً بالحال أو جاهلاً به، ولا بين ما لو كان الدخول بعقد أو بدون عقد، ولا بين ما لو كانت خلية من غيره أو متزوجة، أما إذا كان الواطىء مشتبهاً دونها، بحيث مكنته من نفسها مع علمها بأنه ليس زوجاً لها، فلا مهر لها.
مسألة 698: إذا زنى بامرأة على كُرْهٍ منها، فإن كانت ثَيِّباً ودخل بها، لزمه مهر مثلها ثيباً، لما استحل منها، وإن كانت بكراً فأزال بكارتها بالجماع أو بغيره، كإصبعه ونحوها، كان لها عليه مهر المثل؛ إضافة إلى استحقاقه حد الزنى بالإكراه ـ وهو القتل ـ ثيِّباً كانت أو بكراً؛ وذلك بدون فرق بين ما لو كانت متزوجة من غيره أو غير متزوجة، ولا بين ما لو كانت كبيرة أو صغيرة، مسلمة أو كافرة.
المطلب الثاني: في ما يعتبر في المهر
وفيه مسائل:
مسألة 699: يصح جعل المهر عيناً من النقد أو العروض، ومنفعة عين أو منفعة نفس، وحقاً قابلاً للنقل والانتقال؛ فيصح أن يكون المهر ذهباً أو فضة أو عملة ورقية مستحدثة أو داراً أو عقاراً أو ماشية، أو منفعة دار أو عقار أو نجارةً أو فلاحةً أو تعليماً، أو حقاً كحق التحجير والتأليف والإختراع، بل وكحق الاستيراد والتصدير ونحوها من الحقوق المستحدثة؛ ومهما كان نوع المهر فإنه يعتبر فيه أمور:
الأول: أن يكون مما له قيمة مالية عند العرف، فلا يصح أن يكون المهرقَشَّة أو حبة قمح أو نحوهما مما لا يعتد به عند العرف.
الثاني: أن تكون العين مما يصح تملكها من المسلم، فلا يصح جعل المهر خمراً أو نحوه.
الثالث: أن يكون العمل المبذول مهراً، محللاً، فلا يصح أن يجعل مهرها تعليمها الغناء المحرم أو نحوه.
الرابع: تعيين المهر بما يخرجه عن الإبهام والترديد، فلو جعل مهرها إما الدار أو السيارة لم يصح، بل يجب تعيين أيهما هو المهر من حيث نوعه. فيما لا يجب تعيين ذلك النوع في فرد خاص معلوم الأوصاف بالمشاهدة أو الوصف كما سيأتي بيانه في المسألة التالية.
مسألة 700: لا يعتبر في المهر أن يكون معلوم الصنف والمقدار بالنحو الذي ذكرناه في البيع وغيره من المعاوضات، بل يكفي جعل المهر عيناً حاضرة مشاهدة، كهذه الكَوْمة من القمح أو هذه اللفافة من القماش أو هذه القطعة من الذهب، ولو جهل مقدارها بالكيل أو الوزن أو العد؛ كما يكفي جعل المهر داراً أو سيارة أو أثاث غرفة نوم دون تحديد أوصاف صنف منها، ويغنـي ـ حينئـذ ـ عند الدفع بذلُ الصنف المتعارف لمثل حال الزوجين إن اتفق أفراد الصنف في القيمة، وإلا كان الخيار للزوجة في اختيار أحدها، ومن ذلك ما لو جعل مهرها أن يبذل لها نفقة حجها، وغير ذلك مما لا يحصى كثرة.
نعم، إذا كانت جهالة الوصف موقعةً في الإبهام، لزم اقترانه بما يرفع إبهامه ويجعله أكثر وضوحاً، ويظهر الأمر من خلال المثال التالي:
إذا جعل مهرها هذه القطعة الذهبية المشاهدة، أو ما يشتمل عليه هذا الكيس من الدنانير الذهبية، صح رغم جهلها بوزن قطعة الذهب، وبعدد ما في الكيس من الدنانير، وذلك لكفاية المشاهدة في رفع اللبس والغرر، فيما لا يصح أن يجعل مهرها (كمية من الدنانير) أو (قطعة ما من الذهب)؛ لأن عدم المشاهدة تجعل الكلام صادقاً على المتناهي في القلة أو الكثرة، ومبهماً من هذه الجهة رغم معرفة النوع. لكنَّ الأفضل والأحوط استحباباً تعيين المهر من جميع جوانبه بما يزيل منه كل لبس وغرر ما دام الأمر متيسراً.
مسألة 701: يصح للزوجين أن يجعلا مهر الزواج في أدنى حد تصدق معه المالية، كقلم رصاص، أو خاتم فضة، أو نحوهما، كما يصح أن يجعلاه في أعلى حد من الكثرة، وإن كان يستحب لهما عدم تجاوز قيمة مهر السنة النبوية الشريفة المقدرة بخمسمئة درهـم، والتـي تسـاوي في الـوزن المستحدث حوالي: (1250) غراماً من الفضة. ثم إن شاء الزوج الزيادة عليه وهبها ما يشاء بعد العقد.
مسألة 702: يجوز أن يستعاض عن تعيين المهر بأن يُوكِلَه أحدُ الزوجين إلى حكم الآخر، أو إلى حكم غيره، كأبيها أو أخيها أو أجنبي، سواءً توافقا على تحكيمه قبل العقد ـ بحيث وقع العقد مبتنياً عليه ـ أو نصّا عليه في العقد، فإن كان الحاكم هو الزوج أو شخصاً آخر غير الزوجة صح حكمه ونفذ مهما كان مقداره قلة وكثرة، ما لم يكن ثمة ارتكاز عرفي للحد الأقصى الذي لا ينبغي تجاوزه في القلة أو الكثرة، وإلا وجب أن يبقى ما يُعيِّنه غَيْرُ الزوج من المهر في داخل ذلك الحد. وأما إن كان الحاكم هو الزوجة فإنه يصح حكمها في طرف القلة بما شـاءت وفي طـرف الكثـرة بما لا يتجـاوز مهـر السنَّـة ـ على الأحوط وجوباً ـ إذا لم يكن هناك عرف خاص أو عام ينصرف التحكيم إليه.
وإذا مات الحاكم قبل الحُكم وتقدير المهر وقبل الدخول فللزوجة المتعة، وإن مات بعد الدخول فلها مهر المثل إن كان الحُكم إلى الزوج أو إلى شخص آخر غير الزوجة، بل وكذا لو كان الحكم للزوجة.
مسألة 703: يجوز لأحد الزوجين في العقد الدائم أن يجعل الخيار لنفسه في فسخ المهر الذي جعلاه في عقد زواجهما، وذلك لمدة معينة، فإذا فسخ صاحب الخيار سقط المهر المسمى وصار أمرهما كما لو لم يذكرا مهراً، فيرجع الزوج إلى مهر المثل مع الدخول، وإلى المتعة بدونه؛ فيما لا يصح اشتراط خيار الفسخ في مهر الزواج المنقطع، وذلك لعدم صحة خلوه من المهر على تقدير الفسخ، فإذا شُرط الخيارُ فيه صح العقد وبطل الشرط.
مسألة 704: إذا جعل مهر امرأة نكاح امرأة أخرى، ومهر الأخرى نكاح المرأة الأولى، بطل النكاحان، وهذا ما يسمى بـ (نكاح الشغار)، وهو: (أن تتزوج امرأتان برجلين، على أن يكون مهر كل واحدة منهما نكاح الأخرى، من دون أن يكون بينهما مهر غير النكاحين)، مثل أن يقول أحد الرجلين للآخر: (زوَّجتُكَ بنتي، أو أختي، على أن تزوّجني بنتَكَ أو أختَكَ، ويكون صداق كل منهما نكاح الأخرى) ويقول الآخر: (قبلت وزوجتك بنتي، أو أختي، هكذا).
وحيث يكون العاقد مفوَّضاً من قبل أخته أو بنته البالغة الرشيدة فإنه لو زوج إحداهما لآخر بمهر معلوم، وشرط عليه أن يزوجـه أختـه أو بنتـه ـ مثلاً ـ بمهر معلوم أيضاً، صح العقدان مع توفر شروط الصحة، مثل أن يقول: (زوجتُكَ بنتي، أو أختي على صداق مئة دينار على أن تُزوجني أختك، أو بنتك، هكذا) ويقول الآخر: (قبلتُ وزوجتك بنتي، أو أختي، على مئة دينار)، بل وكذا لو شرط أن يزوجه أخته أو بنته ـ مثلاً ـ ولم يذكر مهراً أصلاً، مثل أن يقول: (زوجتك بنتي على أن تُزوجني بنتك) فقال: (قبلت وزوجتك بنتي)، فإنه يصح العقدان مع توفر سائر الشروط، لكن حيث إنه لم يذكر المهر تستحق كل منهما مهر المثل بالدخول كما تقدم.
مسألة 705: لا يصح أن يشرك مع زوجته في المهر الذي سماه لها شخصاً آخر غيرها، كأبيها أو أمها أو أجنبي، فإذا جعل له مقداراً في المهر، كأن قال: «تزوجتك على مهر قدره ألف ليرة ذهباً لك وخمسمئة لأبيك»، أو قال: «تزوجتكِ على مهر قدره ألف ليرة ذهباً على أن يكون منها مئتان لأبيك»، لم يثبت لأبيها شيء، وكان الجميع مهراً لها؛ بل وكذا لا يصح إعطاؤه شيئاً زائداً على المهر إذا شرطه الزوج على نفسه ابتداءً، بأن قال: «تزوجتك على مهر قدره ألف ليرة ذهباً، ولأبيك عليّ مئتا ليرة ذهباً»، فإنه يبطل الشرط ولا تثبت عليه تلك الزيادة. فيما يصح للزوج أن يشرط عليها أن تعطي القريب شيئاً من مهرها، وكذا يصح أن تشرط على زوجها أن يعطيه شيئاً زائداً على مهرها.
هذا إذا أشركه معها أو شرط إشراكه، أما إذا بادر الرجل فدفع من نفسه مالاً لبعض أقارب الزوجة لا بعنوان أنه جزء من المهر، فلا بأس به إن كان بعنوان الجعالة على خدمات قد أداها ذلك القريب للزوج، أو بعنوان الهبة تحبباً إليه واسترضاءً له؛ أما إذا كان دفعه له عن غير رضا منه ولا بطيب نفس، بل من أجل كونه مانعاً من زواجها مع رضاها به زوجاً، فيدفع لذلك القريب كي يرضى بزواجه منها، فإنه يحرم على القريب أخذ المال والتصرف به، وللزوج الرجوع عليه بما أخذه، باقياً كان أو تالفاً.
مسألة 706: إذا بطل المهر المسمَّى بسبب الإبهام والترديد، أو لكونه مما لا يملكه المسلم، أو لكونه عملاً غير محلل، لزم الزوجَ مهرُ المثل مع الدخول، إلا أن يكون المهر المسمَّى أقل قيمة منه فيتصالحان في مقدار التفاوت.
وحيث تستحق المرأة مهر المثل فإنه يجب دفعه لها بالنقد المتعارف في بلد العقد، إلا أن يتراضيا على غيره من الأعيان أو المنافع أو النقود الأخرى، والمعيار في تقدير مهر المثل هو: ملاحظة المهر الذي يعطى في غالب الأحيان لمن هي على مثل حال المرأة وصفاتها، من السن والبكارة والوعي والثقافة والجمال والشرف والعشيرة والبلد وغيرها من الأمور التي يرى العرف أن لها دخالة في تقدير المهر، بما في ذلك دخالة حال الزوج المتقدم لخطبتها.
مسألة 707: يجوز جعل المهر كلِّه حالاًّ غير مؤجل، أو كلّه مؤجلاً، كما يجوز أن يجعل بعضه حالاًّ والبعض الآخر مؤجلاً؛ ولا بد في المؤجل من تعيين الأجل بما لا يكون معه مبهماً تماماً، فيكفي كونه مثل: عودة الحجاج، أو موسم الحصاد، بل يصح أن يكون بما هو أقل وضوحاً، كجعل الأجل حدوث الطلاق أو موت أحدهما، وهو المتعارف عليه في بعض البلدان بـ (أقرب الأجلين)، أو جعل الأجل وقت القدرة والاستطاعة، وجميع ذلك إنما يصح في قبال المبهم البحت، كالتأجيل إلى (زمان ما) أو إلى (ورود مسافر ما) أو نحو ذلك، فإنْ أجَّلهُ كذلك صحَّ العقدُ والمهرُ ولغى التأجيل، فيجوز للمرأة طلبه ساعة تشاء.
المطلب الثالث: في الأداء والتسليم
وفيه مسائل:
مسألة 708: إذا تم العقد مستكملاً لشروطه، فإن كان حالاًّ وجب عليه مع القدرة تسليمها تمام المهر الذي سماه لها ولو لم يدخل بها بعد، ويترتب على عدم تسليمه لها أمران:
الأول: يعتبر المهر مضموناً عليه حتى يسلمه إذا كان معيناً أو من قبيل الكلي في المعين، فإن تلف قبل تسليمه ضمن لها مثله إن كان مثلياً، وقيمته إن كان قيمياً أو مثلياً لا فرد له؛ سواءً كان تلفه مع التعدي أو التفريط أو بدونهما. نعم، لو كان التلف بفعل الأجنبي تخيرت بين الرجوع على المتلف أو على الزوج، فإذا رجعت على الزوج كان لزوجها أن يرجع على الأجنبي.
الثاني: يحق للزوجة أن تمتنع عن تمكينه من الاستمتاع بها ولو بما دون الجماع من الاستمتاعات حتى لو كان معذوراً في ترك التسليم، فإن رضيت بأن يستمتع بها ـ والحال هذه ـ ومكنته من الدخول بمحض اختيارها، لم يكن لها أنْ تمنعه نفسها بعد ذلك، وأما لو مكنته من نفسها بما دون الدخول فإن لها أن تمنعه من الدخول. وأما إذا استمتع بها من دون رضاها، كما لو كانت مجبرة أو مكرهة أو نائمة، فلا أثر له ولا يسقط به حقها بالامتناع عن تمكينه منها بعد ذلك.
هذا إذا كان المهر حالاًّ، فإن كان بعضه حالاًّ والبعض الآخر مؤجلاً: فإنْ منعها من الجزء الحال ـ ولو لعجزه عن تسليمه ـ جرى عليها حكم ما لو كان المهر كله حالاًّ بنفس النحو الذي ذكرناه آنفاً؛ وأما إن دفع لها الجزء الحالَّ، أو كان المهر كله مؤجلاً، فليس لها أن تمنعه نفسها بالنحو المطلوب منها.
مسألة 709: إذا تولى الأب أو الجد للأب تزويج الصغير، فإن لم يكن للصغير مال حين العقد كان المهر على الولي، وكذا لو كان له مال وكان الولي قد ضمن المهر من ماله، وأما إذا لم يضمنه فالمهر على الصغير إذا لم يكن أزيد من مهر المثل، أو كانت مصلحة في تزويجه بأكثر منه، وإلا صح العقد وتوقف ثبوت المهر المسمى في مال الطفل على إجازته بعد البلوغ، فإن لم يجز ثبت عليه مهر المثل، ولم يكن للزوجة الرجوع بالزائد عنه على الولي.
مسألة 710: لا يعتبر أن يكون المهر من الزوج أو من وليه، بل يجوز أن يتبرع به غيرهما، قريباً كان أو غريباً، فإن امتنع المتبرع عن دفع المهر لها بعد العقد وقبل التمكين، كان لها أن تمنع زوجها من نفسها حتى يدفع لها المتبرع أو غيره، في حين لا يحق لها أن تطالب به الزوج ولو بعد أن مكنته من نفسها.
مسألة 711: إذا كان المهر المدفوع للزوجة متبَرَّعاً به من غير الزوج، ولياً كان ذلك الغير أو أجنبياً، وصادف أن طلق الزوج زوجته قبل الدخول واسترجع منها نصف المهر، كان ذلك المُسْتَرجع للزوج لا لمن تبرع به، لكونه ـ حين التبرع ـ بمثابة الهبة له عرفاً، وإن كان لا بأس بالاحتياط بالتراضي عليه بين الزوج والمتبرع به.
مسألة 712: إذا دفع لها المهر المعين، كهذه السيارة أو الدار، فوجدت به عيباً منذ أصدقها إياه ـ أو بعد أن أصدقهـا إيـاه ولكـن قبـل القبـض ـ لم يسقط مهرها المسمى كي يستعاض عنه بمهر المثل، بل تتخير بين رده بالعيب والمطالبة ببدله من المثل أو القيمة وبين القبول به على ما هو عليه من العيب دون أن تطالب بالأرش.
مسألة 713: إذا حصل للصداق نمـاء متصل ـ كسمن الدابة وكبر الشجرة ـ ثم طلقها قبل الدخول، لزمها أن ترد له نصف مثله أو نصف قيمته بالحالة التي هو عليها من النمو لا بالحالة التي كان عليها حين دفعه مهراً؛ وأما النماء المنفصل ـ كالولد واللبن ـ فإنه بتمامه للزوجة إلا ما كان منه حملاً حين أصدقها إياه بحيث كان الحمـل جـزءاً من الصـداق، فإنَّ عليهـا ـ حينئذ ـ رد النصف من الأم والولد إن ولدته عندها.
مسألة 714: في كل مورد يكون فيه الصداق عيناً، ويطلقها قبل الدخول، وتكون فيه العين قابلة للقسمة فإنهما يقتسمانها ويذهب كل منهما بنصفها، وإن لم تكن قابلة للقسمة فإن عليهما أن يتراضيا على حلٍ بشأنها، مثلهما فيها مثل كل شريكين في العين الواحدة، وهو ما سبق ذكره مفصّلاً في باب الشركة من هذا الجزء.
مسألة 715: إذا جعل مهرها تعليمها الخياطة أو الكتابة أو نحوهما من الحِرَف أو المعارف، ثم طلقها قبل الدخول، كان لها عليه نصف أجرة تعليمها، ولو كان قد علمها قبل طلاقها رجع عليها بنصف الأجرة.
مسألة 716: يصح للمرأة البالغة الرشيدة أن تعفو عن جميع مهرها أو عن بعضه، وذلك بأن تسامحه به وتبرأ ذمته منه إن كان ديناً، أو بهبته له إن كان عيناً، فإن كان إبراءً لزمها، ولم يكن لها أن تتراجع عنه، وإن كان هبة جرى عليها ـ من هذه الجهة وغيرها ـ حكم الهبة، ومما يحسن الالتفات إليه في هذا المقام أمران:
الأول: لو فرض أنها أبرأته من جميع مهرها، ثم طلقها قبل الدخول، كان له أن يطالبها ـ رغم ذلك الإبراء ـ بنصف مهرها الذي سماه لها، ولم ينفعها ذلك الإبراء في سقوط حقه بأخذ نصف المهر منها؛ لأن إبراءها له منه بمنزلة ما لو كانت قد أتلفته أو وهبته لغيره وأتلفه. ولو فرض أنها أبرأته من نصف المهر ـ لا من جميعه ـ ثم طلقها قبل الدخول، جاز له الرجوع بالنصف الباقي.
الثاني: لو فرض أن مهرها كان عيناً، فوهبتها له جميعها ثم طلقها قبل الدخول، جاز له الرجوع عليها بنصف مثلها في المثلي، ونصف قيمتها في القيمي؛ وذلك لنفس ما ذكرناه في الإبراء الآنف الذكر. ولو فرض أنها وهبته نصف العين مشاعاً أو معيناً ثم طلقها قبل الدخول، كان النصف الباقي بينهما، وكان له ـ إضافة لذلك ـ مطالبتها بنصف مثل الموهوب أو نصف قيمته.
هذا، ولكن حالها مع الهبة في هذا الأمر الثاني مختلف عن حالها مع الإبراء، إذ إن لها أن ترجع بما وهبته من مهرها إذا كانت عينه ما تزال موجودة عنده، ولم يكن زوجها من أرحامها، فيما لا يصح لها أن ترجع بما أبرأته منه، فليلتفت إلى ذلك.
مسألة 717: يجوز لولي الزوجة القاصرة لصغر أو جنون أو سفه، أباً كان الولي أو جداً أو غيرهما، أن يعفو عن بعض المهر، بل عن جميعه، مع وجود مصلحة لها لا تتأدى بغير ذلك؛ أما الوكيل عن البالغة الرشيدة، أو عن ولي القاصرة، فإنه يقتصر على ما حدَّه له الموكِّل في ذلك من العفو ومقداره أو عدم العفو.
مسألة 718: إذا دفع الزوج لزوجته شيئاً آخر عوضاً عن المهر المسمى، ثم طلقها قبل الدخول، لزمه الرجوع عليها بنصف المهر لا بنصف العوض.
مسألة 719: إذا اختلف الزوجان بعدما طلّقها في تحقّق الدخول وعدمه، فادّعت الزوجة تحقّقه وأنكر الزوج ذلك، فإن كان قولها موافقاً للظاهر ـ كما إذا عاشا معاً مدة من دون وجود مانع شرعي أو غيـره لأيّ منهمـا عن الدخـول ـ فالقول قولها بيمينها، وإلاّ كان القول قول الزوج بيمينه. وله أن يدفع اليمين عن نفسه بإقامة البيّنة على العدم إن كانت له بيّنة عليه ـ بناءً على ما هو الأقوى من إغناء بيِّنة المدعى عليه عن يمينه ـ فتشهد البيّنة على عدم التلاقي بينهما بعد العقد لسفر أو نحوه، أو تشهد على بقاء بكارتها فيما إذا ادعت الدخول قُبُلاً وفرض المنافاة بين الدخول وبين بقائها كما هو الغالب.
مسألة 720: إذا اختلف الزوجان في أصل المهر فادّعته الزوجة وأنكره الزوج، فإن كان ذلك قبل الدخول ولم يكن لها بيّنة، فالقول قوله بيمينه، وكذا إذا كان بعد الدخول وادعت عليه أزيد من مهر المثل، وأما إذا ادعت عليه مهر المثل أو ما هو أقل منه فالقول قولها بيمينها، إلاّ أن يقيم الزوج البيّنة على أدائه إليها أو عفوها عنه أو تكفل الغير به ونحو ذلك، فإن أقام البينة حكم له وإلاّ فله عليها اليمين، فإن حلفت حكم لها، وإن نكلت عن الحلف ولم تردَّه على المدعي جاز للحاكم أن يحكم عليها، كما أن له أن يرد الحلف على المدعي استظهاراً، فإن ردت الزوجة اليمين على الزوج أو ردها الحاكم عليه فحلف حكم له، وإن نكل حكم عليه.
مسألة 721: إذا توافقا على أصل المهر واختلفا في مقداره، كان القول قول الزوج بيمينه، إلاّ إذا أثبتت الزوجة دعواها بالموازين الشرعية، وكذا إذا ادعت كون عين من الأعيان ـ كدار أو بستان ـ مهراً لها وأنكر الزوج، فإن القول قوله بيمينه إذا لم تكن عندها بينة.
مسألة 722: إذا اختلفا في التعجيل والتأجيل، فقالت المرأة: إنه حال معجّل. وقال الزوج: إنه مؤجل، ولم تكن بيّنة، كان القول قولها بيمينها، وكذا لو اختلفا في زيادة الأجل، كما إذا ادعت أنه سنة وادعى أنه سنتان.
مسألة 723: إذا توافقا على المهر وادعى تسليمه ولا بيّنة، فالقول قولها بيمينها.