الفصل الرابع: في خصائص الزواج المؤقت

تمهيد:
نريد بالزواج المؤقت ما اشتهر بــ (زواج المتعة)، ويسمّى أيضاً بــ(الزواج المنقطع)، وهو الذي يُنَص في عقده على مدة معينة للزواج وينتهي بمجرد انتهائها دون طلاق؛ وذلك في قبال (الزواج الدائم) الذي يخلو عقده من ذكر مدة معينة، حتى لو كان في نيتهما أن يفترقا بعد مدة، والذي لا ينتهي إلا بالطلاق. ورغم اتفاق المسلمين على تشريعه والعمل به في زمن النبي w، فإن استمرار حليته وجواز العمل عليه قد أثارا جدلاً عنيفاً وحواراً واسعاً بين الصحابة والتابعين في العصر الإسلامي الأول ثم بين سائر علماء المسلمين في العصور التالية، وحتى يومنا هذا. وقد أجمع أئمـة أهل البيت i ـ واقتدى بهم جميع الفقهاء السائرين على نهجهم ـ على حلية زواج المتعة واستمرارها منذ زمن النبي (ص)، وظل القول بحليته والعمل به مستمريـن إلى يومنـا هـذا، بل إننا ـ وكلما توالت العصور ـ نرى دواعي الحلية تتعاضد وأهدافها تتجلى وتتأكد.
ثم إن الزواج المؤقت لا يختلف في جوهره ولا في الكثير من أحكامه عن الـزواج الدائـم، فهـو ـ كما الـزواج الدائـم ـ عقد زواج قائـم علـى القصـد والاختيار والتراضي وعلى نفس الشروط المعتبرة في الزوجين، وتترتب عليه آثار الزواج من المهر والقرابة بالمصاهرة والنسب والرضاع، وآثار القرابة من النفقة والولاية والحضانة للولد، وكذا التوارث بين غير الزوجين من الآباء والأبناء وغيرهم من الأقارب، وصلة الرحم، وهو علاقة زوجية يمكن إعلانها وإخضاعها لقوانين إجرائية لتنظيمها وتوظيفها في خدمة استقرار المجتمع وحفظه من الانحراف وتعزيز سعادة أفراده. لذا فإن معظم الأحكام التي ذكرناها في الفصول الثلاثة المتقدمة تجري بنفس النحو والتفصيل في الزواج بنوعية ـ المؤقت منه والدائم ـ، نعم، يختص الزواج المؤقت بعدة أحكام ترجع إلى التوقيت والنفقة والمفارقة والعِدَّة، وهي الأحكام التي مَيَّزته عن الزواج الدائم، وجعلته متوافقاً ومنسجماً مع الهدف المراد منه، وهو ـ على ما يبـدو لنا ـ التخفيف من تبعات العلاقة الزوجية الدائمة عند إلحاح الغريزة الجنسية واستبدالها بعلاقة شرعية ذات تبعات أقل، وذلك حيث لا يتيسر للمكلف ـ غالبـاً ـ إقامة علاقة زوجية دائمة ولا تأسيس حياة أسرية مستقرة. هذا، ولكنَّ حلية المتعة غير مقيدة بالعجز عن الزواج الدائم، ولا بعدم اكتفاء الرجل بزوجته الدائمة، بل تصح من كل رجل، متزوجاً كان أو عازباً، وإن كان الأفضل للمستغني بالزواج الدائم أن يستعفف عن الزواج المؤقت.
وفيما يلي نستعرض ما يتميز به الزواج المؤقت عن الزواج الدائم في عدة عناوين على النحو التالي:
الأول: في العقد والمتعاقدين
مسألة 861: لا تختلف صيغة عقد الزواج المؤقت عن صيغة الزواج الدائم إلا في أمرين:
الأول: يعتبر ذكر المهر في عقد المتعة، فلو تعاقدا بدون ذكر المهر، ولو جهلاً أو نسياناً، بطل العقد؛ في حين يصح الدائم بدون ذكر المهر على النحو الذي تقدم. (أنظر المسألة: 692).
الثاني: يعتبر ذكر الأجل في عقد المتعة، فلو تعاقدا بدون ذكر الأجل، ولو جهلاً أو نسياناً، صح العقد، لكنه يقع دائماً.
وبناءً عليه فإن الصيغة الفضلى لعقد المتعة هي ما يلي: تقول المرأة: «زوجتك نفسي بمهر قدره (كذا) لمدة (كذا)»، فيقول الرجل: «قبلت»، وذلك باللغة العربية الصحيحة والفصحى، مع كون الإيجاب من المرأة والقبول من الرجل، وتقديم الإيجاب على القبول. وإن كان يجوز خلاف ذلك، وبالنحو الذي عرضنا له تفصيلياً في مباحث العقد المتقدمة. (أنظر المسألة: 630 وما بعدها).
مسألة 862: يعتبر في المتعاقدين متعة توفر جميع الصفات التي يجب توفرها في المتعاقدين دواماً مما مر ذكره في مباحث (صفات الزوجين)، ما عدا أنه يجوز في الزواج المؤقت الجمع بين أكثر من أربع زوجات في وقت واحد، بخلاف الزواج الدائم. فيما لا يعتبر في المتعاقدين توفر كثير من الصفات التي ذكر الفقهاء استحباب توفرها في المتعاقدين دواماً، نعم يستحب اختيار المرأة المؤمنة العفيفة، كما يستحب أن يسأل عن حالها قبل التزوج منها إذا شك في كونها ذات بعل أو في العدة، وكانت متهمة بعدم المبالاة من هذه الجهة؛ ويكره التزوج من الزانية إذا لم تكن مشهورة بالزنى، فإن كانت مشهورة بالزنى كان الأجدر به أن يحتاط وجوباً بترك التزوج منها إلا بعد توبتها؛ وينبغي تجنب العقد على البكر الرشيدة من دون إذن أبيها أو جدها لأبيها، لما يكتنف مثل هذه العلاقة من سلبيات يعتد بها في مجتمعات عدة.
مسألة 863: يجب على المتعاقدين أن يتفقها في ما يكثر ابتلاؤهما به من أحكام الزواج بعامة والزواج المؤقت بخاصة، حذراً من وقوعهما في ما يخالف الشرع مع قدرتهما على التعلم؛ كما ينبغي لهما أن يُنشئآ عقداً واضحاً مفصلاً يراعيان في شروطه وتفاصيله ما قد يستجد عليهما من ظروف، وما يحيط حياتهما من ملابسات، هي ـ في أحيان كثيـرة ـ محرجة ومزعجة، بل وخطيرة أحياناً.
الثاني: في المهر
مسألة 864: لا يصح الزواج المؤقت إذا لم يُذكر المهر في عقده ولو عن نسيان أو جهل، ولو جَعَلَ المهرَ مما لا يملكه المسلم، كالخمر أو الخنزير، أو جعله من مالِ غيرِه مع عدم إذنه ورَدِّه بعد العقد، كان ذلك بمنزلة عدم ذكره، فيبطل به العقد ـ أيضاً ـ في الموردين. هذا ويكفي ذكر تفاصيله قبل العقد والإشارة إليه أثناء العقد بمثل قولها: «..بالمهر المتفق عليه» أو نحو ذلك.
مسألة 865: لا تختلف أحكام المهر المذكورة سابقاً في الزواج الدائم عنها في الزواج المؤقت، وتملك المرأة المتمتع بها المهر المسمى لها بمجرد العقد، ويجب على الزوج تسليمه لها إلا أن يشترط عليها التأجيل، أو يخاف عدم تمكينها في تمام المدة، فيجوز له ـ حينئذ ـ تقسيط المهر لها على حسب ما تمكنه من نفسها.
مسألة 866: يثبت للمتمتع بها تمام المهر إذا مات الزوج ولو قبل الدخول، وكذا لو ماتت هي أيضاً ولو قبل الدخول، وذلك بخلاف ما لو وهبها المدة، كما سيأتي في (المسألة: 880).
مسألة 867: إذا تبين فساد العقد وبطلان الزواج المؤقت به من الأصل، كأن تبين له أنها أخته من الرضاع أو أن لها زوجاً أو نحو ذلك، فلا مهر لها ما دام لم يدخل بها، وكان له أن يستعيد ما أقبضها منه ولو بعد تلفه، وكذا إن دخل بها وكانت عالمة بالفساد، وأما إن كانت جاهلة بفساد العقد فإن لها بالدخول بها أقل الأمرين من المهر المسمى ومهر المثل متعة لا دواماً. هذا، وسيأتي ذكر أمور أخرى لها علاقة بالمهر.
الثالث: في ذكر المدة
مسألة 868: لا يخفى أنه لا يكون الزواج مؤقتاً إلا مع ذكر المدة، فلو عقد عليها دون ذكر المدة، ولو جهلاً أو نسياناً، صح العقد ووقع دائماً، ولحقه حكم الزواج الدائم.
مسألة 869: لا تقدير للأجل من حيث القلة والكثرة، فيصح جعله ساعة كما يصح جعله خمسين سنة، نعم لا يصح جعله إلى مدة تزيد على العمر المحتمل للإنسان بحكم العادة الغالبة، فإذا جعله كذلك لغى التأجيل ووقع الزواج دائماً.
مسألة 870: لا بد من تعيين زمان الأجل بما لا يحتمل الزيادة والنقص، فيبطل العقد إذا وقته بزمن مجهول، كيوم من هذا الأسبوع، أو شهر من السنة، أو وقته بالزمن المردد، كشهر أو شهرين، ونحو ذلك. هذا، ولا بأس بتحديد أجل معين ولو لم يكن معلوماً عندهما أو عند أحدهما، كأن يجعلا المدة إلى آخر هذا اليوم، أو إلى آخر هذا الأسبوع، دون أن يعرفا كم بقي من اليوم من الساعات، ولا كم بقي من الأيام من الأسبوع. كما لا بأس بجعله شهراً هلالياً رغم تردده بين الثلاثين والتسع والعشرين.
مسألة 871: إذا جعل مدة معينة كأسبوع مثلاً، فنسي بدايته وشك في انتهائه وعدمه، جاز البناء على عدم بلوغ النهاية حتى يتيقن.
مسألة 872: إن إطلاق المدة يقتضي اتصالها بالعقد إلا أن تشترط عليه تأخير الاستمتـاع مـدة معينة بعد العقد، وينبغي ـ على سبيـل الاحتيـاط ـ ترك التوافق بينهما على تأخير بدء احتساب المدة حتى تمضي مدة معينة على العقد، وذلك بأن يجعلا المدة شهراً ويكون مبدؤه بعد أسبوع من وقوع العقد.
مسألة 873: لا يصح للزوج تجديد العقد على زوجته المتمتع بها دواماً أو متعة قبل انقضاء المدة أو إبرائها منها، فلو كانت المدة شهراً وأراد جعلها شهرين مثلاً لزمه أن يهبها المدة ثم يعقد عليها شهرين.
الرابع: في حق الاستمتاع
مسألة 874: يثبت لكل من الزوجين على الآخر في الزواج المؤقت حق الاستمتاع بنحو ثبوته عليه في الزواج الدائم، وذلك بالنحو الذي ذكرنا تفصيله سابقاً، غير أنه لما كانت المساكنة غير واجبة فيه فليس للزوج إلزام المتمتع بها بالبقاء عنده وترك الخروج من موضع اجتماعهما بدون إذنه ما دام لا يحتاجها لمتعته؛ كما أننا قد ذكرنا أنه يجوز العزل عن الزوجة المتمتع بها ولو لم ترض بذلك، بخلاف العزل عن الدائمة فإنه غير جائز إلا برضاها.
مسألة 875: يجوز لكل من الرجل والمرأة أن يشترط على الآخر أثناء العقد ما يشاء من تفاصيل الاستمتاع مما هو زيادة على حقه الشرعي أو نقص عنه، بما في ذلك ترك الدخول بها، فإذا كان الشرط سائغاً ووافق عليه الآخر لزمه الوفاء به وحرمت عليه مخالفته، إلا أن يسقطه بعد ذلك فيسقط، وليس له أن يرجع إليه ويلزمه به.
مسألة 876: إذا نشزت المتمتع بها فمنعت زوجها ـ من غير عذر ـ حقه في الاستمتاع، فلم تمكنه من جماعها قبلاً على النحو المتعارف مع ما له من المقدمات، أثمت وسقط من مهرها ما منعته منه، نصفاً أو سدساً أو غيرهما، ولو مكنته من الجماع بالنحو المذكور ومنعته ما دونه من الاستمتاعات أثمت ولم يسقط من مهرها شيء.
أما إذا كانت معذورة في إمتناعها، لحيض أو سفر لازم أو مرض مانع أو إحرام أو نحو ذلك، فإنه لا يسقط بامتناعها شيء من مهرها.
مسألة 877: إذا كانت باذلة لنفسها فمنع الزوجَ من استيفاء حقه منها مانعٌ، كالحبس أو السفر أو المرض، أو ترك الاستيفاء اختياراً، لزمه تمام المهر وإن كان ذلك قبل الدخول؛ وكذا لا يسقط شيء من المهر بموتها أو بموته ولو قبل الدخول، كما ذكرناه من قبل في (المسألة: 866).
الخامس: في المفارقة والعِدَّة
مسألة 878: تتحقّق المفارقة القهرية في الزواج المؤقت بانتهاء الأجل المحدد له في العقد، ثم ليس له عليها سبيل ما لم يُنشئآ عقداً جديداً. أما المفارقة الاختيارية فلا تتحقّق إلا بهبة الزوج ما بقي من المدة لزوجته وإبرائها منها، وهي حق الزوج وحده، فلو رغبت هي بمفارقته لم يكن لها ذلك إلا أن يوافقها رغبتها ويهبها المدة، أو تكون قد شرطت لنفسها أن تكون وكيلة عنه في هبة نفسها المدة، إما حيث تريد أو بكيفية معينة، فإذا جعلها وكيلة كذلك لزمه الشرط ولم يكن له عزلها عن الوكالة. وإذا وهبها المدة خرجت من عصمته بمجردها دون حاجة لقبولها، كما أنه ليس للزوج أن يرجع عنها بعد صدورها منه، فلا تحل له لو رجع عن هبة المدة إلا أن يُنشئآ عقداً جديداً. أما الطلاق فلا تتحقّق به المفارقة في الزواج المؤقت حتى لو تراضيا عليه وحققا شروطه وأوقعه الزوج، بل يقع لغواً لا تنفصم به عقدة النكاح.
مسألة 879: إبراء المدة من الإيقاعات، فيعتبر فيها أهلية المبرىء بالبلوغ وكمال العقل، وأن لا يكون مُعَلَّقاً على حدوث شيء أو تَحَقُّقِ شرط، فلو علقه على مثل قدوم زيد من السفر، أو على ولادة الهلال، أو نحو ذلك لم يقع؛ وإذا أبرأها مشترطاً عليها ـ مثلاً ـ دفع مبلغ من المال أو عدم التزوج من فلان أو نحو ذلك، صح الإبراء وبطل الشرط. غير أنه لو رغب في اشتراط شيء عليها في قبال ذلك الإبراء أمكنه التوسل إليه بالصلح، وذلك بأن يصالحها على أنها بريئة من المدة على أن لا تتزوج من زيد مثلاً، فيقع إبراءً ويحرم عليها التزوج من زيد؛ فيجب عليه الوفاء لها وإبراؤها، كما يجب عليها ترك التزوج من زيد، فلو خالف ولم يبرأها جاز لها إجباره عليه، ولو بالتوسل بالحاكم الشرعي، لكنَّها لو خالفت هي فتزوجت زيداً صح زواجها منه وأثمت لمخالفة مقتضى الصلح. هذا، ولا يعتبر في الإبراء حضور شاهدين عدلين، بل ولا أن تكون طاهرة من الحيض، ولا غير ذلك من شروط الطلاق.
مسألة 880: إذا وهبها المدة قبل الدخول لزمه نصف المهر الذي سماه لها، وإن وهبها إياها بعد الدخول لزمه تمام المهر، حتى لو كان قد فارقها بعد ما مضى من المدة زمن قليل وبقي منها أسابيع أو شهور.
مسألة 881: إذا فارق الرجل زوجته المتمتع بها بانتهاء المدة أو بإبرائها منها، فإن لم يكن قد دخل بها جاز لها التزوج من غيره مباشرة دون حاجة للاعتداد منه، وكذا إذا كانت مدخولاً بها وكانت قد بلغت سن اليأس، وهو تمام الخمسين عاماً قمرية، وأما إذا كانت مدخولاً بها ولمَّا تبلغ سن اليأس بعدُ لم يجز لها الإقتران بغيره ـ دواماً أو متعة ـ إلا بعد مضي عدتها؛ فإن كانت حائلاً (أي: غير حامل)، وكانت تحيض، فعدتها حيضتان على الأحوط وجوباً، وإن كان لا يأتيها الحيض لعارض أو خِلقة فعِدَّتُها خمسة وأربعون يوماً؛ وإن كانت حاملاً من زوجها الذي تمتع بها فعدتها وَضْعُ الحمل، وكذا لو كانت حاملاً من غيره بوطىء الشبهة كما سيأتي تفصيله في مباحث العدة. (أنظر في عدة الحامل المسألة: 934 وما بعدها. وفي عدة وطىء الشبهة المسألة: 941 وما بعدها).
مسألة 882: لا تختص الحيضتان بوقت معين، فيكفي في كل حيضة الحد الأدنى منها، وهو ثلاثة أيام إذا تحقّق النقاء بعدها، كما يكفي في الطهر الفاصل بينما حده الأدنى وهو عشرة أيام إذا جاءتها الحيضة الثانية بعدها، سواء حدث ذلك من نفسه وعلى وفق عادتها الطبيعية أو تدخلت هي وافتعلته بدواء ونحوه على خلاف عادتها، إذ المهم أن ينطبق على ما تراه من الدم شروط الحيض الشرعية.
ومن جهة أخرى، فإنه يجب انتظار انتهاء تمام مدة الحيضة الثانية على الأحوط وجوباً لمن تحتسب عدتها بالحيضتين، فلا يكفي مجرد شروعها فيها لتخرج بها من العدة؛ كما أنها لو فارقته وكانت حائضاً حينها لم يحتسب لها ذلك الحيض حيضة أولى.
مسألة 883: إذا جدد الرجل عقده المؤقت على المرأة التي كان قد دخل بها، خلال عدتها منه، ثم وهبها المدة قبل الدخول، لم تعتبر المرأة غير ذات عدة لعدم دخوله بها في عقده الثاني عليها، بل يبقى حكمها الأول في لزوم اعتدادها منه من عقده الأول معها سارياً، فلا يجوز لها التزوج من غيره حتى تكمل عدتها من ذلك العقد الأول.
مسألة 884: إذا مات زوج المتمتع بها فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت حائلاً، وأبعد الأجلين من تلك المدة ومن وضع حملها إن كانت حاملاً، ومعنى ذلك أنه إذا حدث أحد الأمرين قبل الآخر لزمها انتظار حدوث الآخر، حكمها في ذلك حكم الزوجة الدائمة. هذا، إضافة إلى ما سوف يأتي من وجوب الحداد عليها خلال فترة العدة.
السادس: في خصائص أخرى
مسألة 885: لا تجب نفقة المتمتع بها على زوجها وإن حملت منه، كما لا تستحق عليه المبيت عندها، نعم إذا شرطت عليه ذلك لزمه الوفاء لها.
مسألة 886: لا يثبت بالزواج المؤقت توارث بين الزوجين إذا مات أحدهما أثناء المدة، ولو شرطا التوارث بطل الشرط وصح العقد.
مسألة 887: يثبت النسب بالزواج المؤقت بنحو ثبوته في الزواج الدائم، سوى أنه قد يجوز له نفي الولد عنه في بعض الموارد، فإذا نفاه عنه انتفى بدون لعان على ما هو المعروف بين الفقهاء، ولكن ذلك مشكل فلا بد من الأخذ بالاحتياط. (أنظر الفقرة «الخامسة» من المسألة: 804).
السابع: في التنازع
مسألة 888: إذا ادَّعت الزوجة دوام العقد وطالبت بالنفقة، فادعى الزوج الإنقطاع وأنكر استحقاقها للنفقة، كان القول قول الزوج مع يمينه إن لم يكن للزوجة بيّنة. وإذا ادّعى الزوج الإنقطاع مطالباً إياها برد بعض المهر لإخلالها بالتمكين في بعض المدة، فادعت الزوجة الدوام وأنكرت استحقاقه لبعض المهر رغم اعترافها بالإخلال بالتمكين، فالقول قولها مع يمينها إذا لم يكن للزوج بيّنة، أما إذا ادّعت الزوجة الدوام وطالبته بالنفقة بعد ادّعائه الإنقطاع ومطالبته إياها برد شيء من المهر لإخلالها بالتمكين، كان ذلك من باب التداعي وجرى عليه حكمه.
تمهيد:
نريد بالزواج المؤقت ما اشتهر بــ (زواج المتعة)، ويسمّى أيضاً بــ(الزواج المنقطع)، وهو الذي يُنَص في عقده على مدة معينة للزواج وينتهي بمجرد انتهائها دون طلاق؛ وذلك في قبال (الزواج الدائم) الذي يخلو عقده من ذكر مدة معينة، حتى لو كان في نيتهما أن يفترقا بعد مدة، والذي لا ينتهي إلا بالطلاق. ورغم اتفاق المسلمين على تشريعه والعمل به في زمن النبي w، فإن استمرار حليته وجواز العمل عليه قد أثارا جدلاً عنيفاً وحواراً واسعاً بين الصحابة والتابعين في العصر الإسلامي الأول ثم بين سائر علماء المسلمين في العصور التالية، وحتى يومنا هذا. وقد أجمع أئمـة أهل البيت i ـ واقتدى بهم جميع الفقهاء السائرين على نهجهم ـ على حلية زواج المتعة واستمرارها منذ زمن النبي (ص)، وظل القول بحليته والعمل به مستمريـن إلى يومنـا هـذا، بل إننا ـ وكلما توالت العصور ـ نرى دواعي الحلية تتعاضد وأهدافها تتجلى وتتأكد.
ثم إن الزواج المؤقت لا يختلف في جوهره ولا في الكثير من أحكامه عن الـزواج الدائـم، فهـو ـ كما الـزواج الدائـم ـ عقد زواج قائـم علـى القصـد والاختيار والتراضي وعلى نفس الشروط المعتبرة في الزوجين، وتترتب عليه آثار الزواج من المهر والقرابة بالمصاهرة والنسب والرضاع، وآثار القرابة من النفقة والولاية والحضانة للولد، وكذا التوارث بين غير الزوجين من الآباء والأبناء وغيرهم من الأقارب، وصلة الرحم، وهو علاقة زوجية يمكن إعلانها وإخضاعها لقوانين إجرائية لتنظيمها وتوظيفها في خدمة استقرار المجتمع وحفظه من الانحراف وتعزيز سعادة أفراده. لذا فإن معظم الأحكام التي ذكرناها في الفصول الثلاثة المتقدمة تجري بنفس النحو والتفصيل في الزواج بنوعية ـ المؤقت منه والدائم ـ، نعم، يختص الزواج المؤقت بعدة أحكام ترجع إلى التوقيت والنفقة والمفارقة والعِدَّة، وهي الأحكام التي مَيَّزته عن الزواج الدائم، وجعلته متوافقاً ومنسجماً مع الهدف المراد منه، وهو ـ على ما يبـدو لنا ـ التخفيف من تبعات العلاقة الزوجية الدائمة عند إلحاح الغريزة الجنسية واستبدالها بعلاقة شرعية ذات تبعات أقل، وذلك حيث لا يتيسر للمكلف ـ غالبـاً ـ إقامة علاقة زوجية دائمة ولا تأسيس حياة أسرية مستقرة. هذا، ولكنَّ حلية المتعة غير مقيدة بالعجز عن الزواج الدائم، ولا بعدم اكتفاء الرجل بزوجته الدائمة، بل تصح من كل رجل، متزوجاً كان أو عازباً، وإن كان الأفضل للمستغني بالزواج الدائم أن يستعفف عن الزواج المؤقت.
وفيما يلي نستعرض ما يتميز به الزواج المؤقت عن الزواج الدائم في عدة عناوين على النحو التالي:
الأول: في العقد والمتعاقدين
مسألة 861: لا تختلف صيغة عقد الزواج المؤقت عن صيغة الزواج الدائم إلا في أمرين:
الأول: يعتبر ذكر المهر في عقد المتعة، فلو تعاقدا بدون ذكر المهر، ولو جهلاً أو نسياناً، بطل العقد؛ في حين يصح الدائم بدون ذكر المهر على النحو الذي تقدم. (أنظر المسألة: 692).
الثاني: يعتبر ذكر الأجل في عقد المتعة، فلو تعاقدا بدون ذكر الأجل، ولو جهلاً أو نسياناً، صح العقد، لكنه يقع دائماً.
وبناءً عليه فإن الصيغة الفضلى لعقد المتعة هي ما يلي: تقول المرأة: «زوجتك نفسي بمهر قدره (كذا) لمدة (كذا)»، فيقول الرجل: «قبلت»، وذلك باللغة العربية الصحيحة والفصحى، مع كون الإيجاب من المرأة والقبول من الرجل، وتقديم الإيجاب على القبول. وإن كان يجوز خلاف ذلك، وبالنحو الذي عرضنا له تفصيلياً في مباحث العقد المتقدمة. (أنظر المسألة: 630 وما بعدها).
مسألة 862: يعتبر في المتعاقدين متعة توفر جميع الصفات التي يجب توفرها في المتعاقدين دواماً مما مر ذكره في مباحث (صفات الزوجين)، ما عدا أنه يجوز في الزواج المؤقت الجمع بين أكثر من أربع زوجات في وقت واحد، بخلاف الزواج الدائم. فيما لا يعتبر في المتعاقدين توفر كثير من الصفات التي ذكر الفقهاء استحباب توفرها في المتعاقدين دواماً، نعم يستحب اختيار المرأة المؤمنة العفيفة، كما يستحب أن يسأل عن حالها قبل التزوج منها إذا شك في كونها ذات بعل أو في العدة، وكانت متهمة بعدم المبالاة من هذه الجهة؛ ويكره التزوج من الزانية إذا لم تكن مشهورة بالزنى، فإن كانت مشهورة بالزنى كان الأجدر به أن يحتاط وجوباً بترك التزوج منها إلا بعد توبتها؛ وينبغي تجنب العقد على البكر الرشيدة من دون إذن أبيها أو جدها لأبيها، لما يكتنف مثل هذه العلاقة من سلبيات يعتد بها في مجتمعات عدة.
مسألة 863: يجب على المتعاقدين أن يتفقها في ما يكثر ابتلاؤهما به من أحكام الزواج بعامة والزواج المؤقت بخاصة، حذراً من وقوعهما في ما يخالف الشرع مع قدرتهما على التعلم؛ كما ينبغي لهما أن يُنشئآ عقداً واضحاً مفصلاً يراعيان في شروطه وتفاصيله ما قد يستجد عليهما من ظروف، وما يحيط حياتهما من ملابسات، هي ـ في أحيان كثيـرة ـ محرجة ومزعجة، بل وخطيرة أحياناً.
الثاني: في المهر
مسألة 864: لا يصح الزواج المؤقت إذا لم يُذكر المهر في عقده ولو عن نسيان أو جهل، ولو جَعَلَ المهرَ مما لا يملكه المسلم، كالخمر أو الخنزير، أو جعله من مالِ غيرِه مع عدم إذنه ورَدِّه بعد العقد، كان ذلك بمنزلة عدم ذكره، فيبطل به العقد ـ أيضاً ـ في الموردين. هذا ويكفي ذكر تفاصيله قبل العقد والإشارة إليه أثناء العقد بمثل قولها: «..بالمهر المتفق عليه» أو نحو ذلك.
مسألة 865: لا تختلف أحكام المهر المذكورة سابقاً في الزواج الدائم عنها في الزواج المؤقت، وتملك المرأة المتمتع بها المهر المسمى لها بمجرد العقد، ويجب على الزوج تسليمه لها إلا أن يشترط عليها التأجيل، أو يخاف عدم تمكينها في تمام المدة، فيجوز له ـ حينئذ ـ تقسيط المهر لها على حسب ما تمكنه من نفسها.
مسألة 866: يثبت للمتمتع بها تمام المهر إذا مات الزوج ولو قبل الدخول، وكذا لو ماتت هي أيضاً ولو قبل الدخول، وذلك بخلاف ما لو وهبها المدة، كما سيأتي في (المسألة: 880).
مسألة 867: إذا تبين فساد العقد وبطلان الزواج المؤقت به من الأصل، كأن تبين له أنها أخته من الرضاع أو أن لها زوجاً أو نحو ذلك، فلا مهر لها ما دام لم يدخل بها، وكان له أن يستعيد ما أقبضها منه ولو بعد تلفه، وكذا إن دخل بها وكانت عالمة بالفساد، وأما إن كانت جاهلة بفساد العقد فإن لها بالدخول بها أقل الأمرين من المهر المسمى ومهر المثل متعة لا دواماً. هذا، وسيأتي ذكر أمور أخرى لها علاقة بالمهر.
الثالث: في ذكر المدة
مسألة 868: لا يخفى أنه لا يكون الزواج مؤقتاً إلا مع ذكر المدة، فلو عقد عليها دون ذكر المدة، ولو جهلاً أو نسياناً، صح العقد ووقع دائماً، ولحقه حكم الزواج الدائم.
مسألة 869: لا تقدير للأجل من حيث القلة والكثرة، فيصح جعله ساعة كما يصح جعله خمسين سنة، نعم لا يصح جعله إلى مدة تزيد على العمر المحتمل للإنسان بحكم العادة الغالبة، فإذا جعله كذلك لغى التأجيل ووقع الزواج دائماً.
مسألة 870: لا بد من تعيين زمان الأجل بما لا يحتمل الزيادة والنقص، فيبطل العقد إذا وقته بزمن مجهول، كيوم من هذا الأسبوع، أو شهر من السنة، أو وقته بالزمن المردد، كشهر أو شهرين، ونحو ذلك. هذا، ولا بأس بتحديد أجل معين ولو لم يكن معلوماً عندهما أو عند أحدهما، كأن يجعلا المدة إلى آخر هذا اليوم، أو إلى آخر هذا الأسبوع، دون أن يعرفا كم بقي من اليوم من الساعات، ولا كم بقي من الأيام من الأسبوع. كما لا بأس بجعله شهراً هلالياً رغم تردده بين الثلاثين والتسع والعشرين.
مسألة 871: إذا جعل مدة معينة كأسبوع مثلاً، فنسي بدايته وشك في انتهائه وعدمه، جاز البناء على عدم بلوغ النهاية حتى يتيقن.
مسألة 872: إن إطلاق المدة يقتضي اتصالها بالعقد إلا أن تشترط عليه تأخير الاستمتـاع مـدة معينة بعد العقد، وينبغي ـ على سبيـل الاحتيـاط ـ ترك التوافق بينهما على تأخير بدء احتساب المدة حتى تمضي مدة معينة على العقد، وذلك بأن يجعلا المدة شهراً ويكون مبدؤه بعد أسبوع من وقوع العقد.
مسألة 873: لا يصح للزوج تجديد العقد على زوجته المتمتع بها دواماً أو متعة قبل انقضاء المدة أو إبرائها منها، فلو كانت المدة شهراً وأراد جعلها شهرين مثلاً لزمه أن يهبها المدة ثم يعقد عليها شهرين.
الرابع: في حق الاستمتاع
مسألة 874: يثبت لكل من الزوجين على الآخر في الزواج المؤقت حق الاستمتاع بنحو ثبوته عليه في الزواج الدائم، وذلك بالنحو الذي ذكرنا تفصيله سابقاً، غير أنه لما كانت المساكنة غير واجبة فيه فليس للزوج إلزام المتمتع بها بالبقاء عنده وترك الخروج من موضع اجتماعهما بدون إذنه ما دام لا يحتاجها لمتعته؛ كما أننا قد ذكرنا أنه يجوز العزل عن الزوجة المتمتع بها ولو لم ترض بذلك، بخلاف العزل عن الدائمة فإنه غير جائز إلا برضاها.
مسألة 875: يجوز لكل من الرجل والمرأة أن يشترط على الآخر أثناء العقد ما يشاء من تفاصيل الاستمتاع مما هو زيادة على حقه الشرعي أو نقص عنه، بما في ذلك ترك الدخول بها، فإذا كان الشرط سائغاً ووافق عليه الآخر لزمه الوفاء به وحرمت عليه مخالفته، إلا أن يسقطه بعد ذلك فيسقط، وليس له أن يرجع إليه ويلزمه به.
مسألة 876: إذا نشزت المتمتع بها فمنعت زوجها ـ من غير عذر ـ حقه في الاستمتاع، فلم تمكنه من جماعها قبلاً على النحو المتعارف مع ما له من المقدمات، أثمت وسقط من مهرها ما منعته منه، نصفاً أو سدساً أو غيرهما، ولو مكنته من الجماع بالنحو المذكور ومنعته ما دونه من الاستمتاعات أثمت ولم يسقط من مهرها شيء.
أما إذا كانت معذورة في إمتناعها، لحيض أو سفر لازم أو مرض مانع أو إحرام أو نحو ذلك، فإنه لا يسقط بامتناعها شيء من مهرها.
مسألة 877: إذا كانت باذلة لنفسها فمنع الزوجَ من استيفاء حقه منها مانعٌ، كالحبس أو السفر أو المرض، أو ترك الاستيفاء اختياراً، لزمه تمام المهر وإن كان ذلك قبل الدخول؛ وكذا لا يسقط شيء من المهر بموتها أو بموته ولو قبل الدخول، كما ذكرناه من قبل في (المسألة: 866).
الخامس: في المفارقة والعِدَّة
مسألة 878: تتحقّق المفارقة القهرية في الزواج المؤقت بانتهاء الأجل المحدد له في العقد، ثم ليس له عليها سبيل ما لم يُنشئآ عقداً جديداً. أما المفارقة الاختيارية فلا تتحقّق إلا بهبة الزوج ما بقي من المدة لزوجته وإبرائها منها، وهي حق الزوج وحده، فلو رغبت هي بمفارقته لم يكن لها ذلك إلا أن يوافقها رغبتها ويهبها المدة، أو تكون قد شرطت لنفسها أن تكون وكيلة عنه في هبة نفسها المدة، إما حيث تريد أو بكيفية معينة، فإذا جعلها وكيلة كذلك لزمه الشرط ولم يكن له عزلها عن الوكالة. وإذا وهبها المدة خرجت من عصمته بمجردها دون حاجة لقبولها، كما أنه ليس للزوج أن يرجع عنها بعد صدورها منه، فلا تحل له لو رجع عن هبة المدة إلا أن يُنشئآ عقداً جديداً. أما الطلاق فلا تتحقّق به المفارقة في الزواج المؤقت حتى لو تراضيا عليه وحققا شروطه وأوقعه الزوج، بل يقع لغواً لا تنفصم به عقدة النكاح.
مسألة 879: إبراء المدة من الإيقاعات، فيعتبر فيها أهلية المبرىء بالبلوغ وكمال العقل، وأن لا يكون مُعَلَّقاً على حدوث شيء أو تَحَقُّقِ شرط، فلو علقه على مثل قدوم زيد من السفر، أو على ولادة الهلال، أو نحو ذلك لم يقع؛ وإذا أبرأها مشترطاً عليها ـ مثلاً ـ دفع مبلغ من المال أو عدم التزوج من فلان أو نحو ذلك، صح الإبراء وبطل الشرط. غير أنه لو رغب في اشتراط شيء عليها في قبال ذلك الإبراء أمكنه التوسل إليه بالصلح، وذلك بأن يصالحها على أنها بريئة من المدة على أن لا تتزوج من زيد مثلاً، فيقع إبراءً ويحرم عليها التزوج من زيد؛ فيجب عليه الوفاء لها وإبراؤها، كما يجب عليها ترك التزوج من زيد، فلو خالف ولم يبرأها جاز لها إجباره عليه، ولو بالتوسل بالحاكم الشرعي، لكنَّها لو خالفت هي فتزوجت زيداً صح زواجها منه وأثمت لمخالفة مقتضى الصلح. هذا، ولا يعتبر في الإبراء حضور شاهدين عدلين، بل ولا أن تكون طاهرة من الحيض، ولا غير ذلك من شروط الطلاق.
مسألة 880: إذا وهبها المدة قبل الدخول لزمه نصف المهر الذي سماه لها، وإن وهبها إياها بعد الدخول لزمه تمام المهر، حتى لو كان قد فارقها بعد ما مضى من المدة زمن قليل وبقي منها أسابيع أو شهور.
مسألة 881: إذا فارق الرجل زوجته المتمتع بها بانتهاء المدة أو بإبرائها منها، فإن لم يكن قد دخل بها جاز لها التزوج من غيره مباشرة دون حاجة للاعتداد منه، وكذا إذا كانت مدخولاً بها وكانت قد بلغت سن اليأس، وهو تمام الخمسين عاماً قمرية، وأما إذا كانت مدخولاً بها ولمَّا تبلغ سن اليأس بعدُ لم يجز لها الإقتران بغيره ـ دواماً أو متعة ـ إلا بعد مضي عدتها؛ فإن كانت حائلاً (أي: غير حامل)، وكانت تحيض، فعدتها حيضتان على الأحوط وجوباً، وإن كان لا يأتيها الحيض لعارض أو خِلقة فعِدَّتُها خمسة وأربعون يوماً؛ وإن كانت حاملاً من زوجها الذي تمتع بها فعدتها وَضْعُ الحمل، وكذا لو كانت حاملاً من غيره بوطىء الشبهة كما سيأتي تفصيله في مباحث العدة. (أنظر في عدة الحامل المسألة: 934 وما بعدها. وفي عدة وطىء الشبهة المسألة: 941 وما بعدها).
مسألة 882: لا تختص الحيضتان بوقت معين، فيكفي في كل حيضة الحد الأدنى منها، وهو ثلاثة أيام إذا تحقّق النقاء بعدها، كما يكفي في الطهر الفاصل بينما حده الأدنى وهو عشرة أيام إذا جاءتها الحيضة الثانية بعدها، سواء حدث ذلك من نفسه وعلى وفق عادتها الطبيعية أو تدخلت هي وافتعلته بدواء ونحوه على خلاف عادتها، إذ المهم أن ينطبق على ما تراه من الدم شروط الحيض الشرعية.
ومن جهة أخرى، فإنه يجب انتظار انتهاء تمام مدة الحيضة الثانية على الأحوط وجوباً لمن تحتسب عدتها بالحيضتين، فلا يكفي مجرد شروعها فيها لتخرج بها من العدة؛ كما أنها لو فارقته وكانت حائضاً حينها لم يحتسب لها ذلك الحيض حيضة أولى.
مسألة 883: إذا جدد الرجل عقده المؤقت على المرأة التي كان قد دخل بها، خلال عدتها منه، ثم وهبها المدة قبل الدخول، لم تعتبر المرأة غير ذات عدة لعدم دخوله بها في عقده الثاني عليها، بل يبقى حكمها الأول في لزوم اعتدادها منه من عقده الأول معها سارياً، فلا يجوز لها التزوج من غيره حتى تكمل عدتها من ذلك العقد الأول.
مسألة 884: إذا مات زوج المتمتع بها فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت حائلاً، وأبعد الأجلين من تلك المدة ومن وضع حملها إن كانت حاملاً، ومعنى ذلك أنه إذا حدث أحد الأمرين قبل الآخر لزمها انتظار حدوث الآخر، حكمها في ذلك حكم الزوجة الدائمة. هذا، إضافة إلى ما سوف يأتي من وجوب الحداد عليها خلال فترة العدة.
السادس: في خصائص أخرى
مسألة 885: لا تجب نفقة المتمتع بها على زوجها وإن حملت منه، كما لا تستحق عليه المبيت عندها، نعم إذا شرطت عليه ذلك لزمه الوفاء لها.
مسألة 886: لا يثبت بالزواج المؤقت توارث بين الزوجين إذا مات أحدهما أثناء المدة، ولو شرطا التوارث بطل الشرط وصح العقد.
مسألة 887: يثبت النسب بالزواج المؤقت بنحو ثبوته في الزواج الدائم، سوى أنه قد يجوز له نفي الولد عنه في بعض الموارد، فإذا نفاه عنه انتفى بدون لعان على ما هو المعروف بين الفقهاء، ولكن ذلك مشكل فلا بد من الأخذ بالاحتياط. (أنظر الفقرة «الخامسة» من المسألة: 804).
السابع: في التنازع
مسألة 888: إذا ادَّعت الزوجة دوام العقد وطالبت بالنفقة، فادعى الزوج الإنقطاع وأنكر استحقاقها للنفقة، كان القول قول الزوج مع يمينه إن لم يكن للزوجة بيّنة. وإذا ادّعى الزوج الإنقطاع مطالباً إياها برد بعض المهر لإخلالها بالتمكين في بعض المدة، فادعت الزوجة الدوام وأنكرت استحقاقه لبعض المهر رغم اعترافها بالإخلال بالتمكين، فالقول قولها مع يمينها إذا لم يكن للزوج بيّنة، أما إذا ادّعت الزوجة الدوام وطالبته بالنفقة بعد ادّعائه الإنقطاع ومطالبته إياها برد شيء من المهر لإخلالها بالتمكين، كان ذلك من باب التداعي وجرى عليه حكمه.
ص
580
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية