كنا قد ذكرنا في المبحث الثاني ـ إجمالاً ـ «إن الغصب يقـع علـى المنافع ـ منفردة ومع العين ـ وعلى الحقوق المتعلقة بالعين، مثلما يقع على العين، وإن ما يفوت منها مضمون ـ إجمالاً ـ على الغاصب»، وقد أجلّنا تفصيل ذلك إلى محله، وهو هنا في هذا المبحث؛ ذلك أنـه ـ إضافة إلى وجوب رد المغصوب إلى مالكه بالنحو الذي ذكرناه في المبحث السابق ـ لا تبرأ ذمة الغاصب ومن بحكمه من عهدة المغصوب إلا بضمان المنافع التي تفوت ويخسرها المالك خلال مدة الغصب، وهو أمر يجري ـ أيضاً ـ عند تلف العين وضمان الغاصب لمثلها أو قيمتها؛ وكذلك الأمر ـ إجمالاً ـ في الحقوق؛ وتفصيل ذلك يقع في مطلبين:
المطلب الأول: في ضمان المنافع
مسألة 392: المنافع المضمونة ثلاث:
الأولى: المنفعة المملوكة بمثل الإجارة أو العارية أو نحوهما، فيغتصبها غاصب مع العين أو بدونها، ومع انتفاع مالكها (أي: المستأجر والمستعير) بها أو عدمه، بحيث يكون المنظور إليه هنا هو نفس المنفعة المغتصبة من مالكها مهما كانت، لا المنفعة التي تفوت تبعاً لغصب العين؛ فيضمن الغاصب قيمة تلك المنفعة مقدرة بأجرة مثل العين المغصوبة في مدة الغصب، سواءً زادت عن الأجرة المسماة للمغصوب منه أو نقصت عنها، وسواءً كانت المنفعة المغتصبة متعارفة في مثل العين، كالسكنى للدار والركوب للسيارة، أو كانت غير متعارفة، كجعل الدار معرضاً للرسوم أو التحف الأثرية وجعل السيارة حقلاً لتعليم كيفية صنعها أو نحو ذلك.
الثانية: المنفعة التي تفوت تبعاً لغصب العين، وهي اثنتان:
1 ـ المنفعة المفوَّتة، وهي: (المنفعة التي يبذل بإزائها المال، متعارفة كانت أو غير متعارفة)؛ ولا يضمن الغاصب منها إلا المنفعة المتعارفة، فمثل الدار التي تستخدم في منافع متعددة يُهتم بها ويُبذل المال بإزائها، لا يضمن الغاصب من منافعها إلا السكنى لأنها هي المتعارفة، دون سائر المنافع المفوَّتة على المالك ولو كانت أعلى قيمة من المتعارفة، سواء استوفاها الغاصب بنفسه أو بغيره أو تركها معطلة.
2 ـ المنفعة الفائتة، وهي: (المنفعة التي لا يبذل المال بإزائها)، كالاستظلال في الشجرة، والقراءة في الكتاب، ونحو ذلك، وهذه المنافع غير مضمونة على الغاصب إلا إذا استوفاها من العين واستخدمها فيها بنفسه أو بغيره.
الثالثة: منفعة الإنسان، وهي المنفعة التي يتحقّق غصبها بحبس الإنسان الكسوب وإعاقته عن بذل جهده في الكسب الذي يحسنه. فإذا كان المحبوس ممن يعمل لحسابه الخاص، ضمن الغاصب أجرة مثل عمله الذي منعه من القيام به؛ وإذا كان أجيراً لشخص، فمنعه من القيام له بما استؤجر عليه، ضمن للمستأجر ما فاته من منفعة الأجير؛ وإذا أجبره الغاصب على أن يعمل له: فإن كان في عمله الذي يحسنه ضمن له أجرة مثل عمله، وإن كان في غير ما يحسنه، ضمن له أجرة مثل ما عمل له، وأيضاً أجرة مثل ما فات من عمله الذي يحسنه. هذا إذا كان كسوباً، أما إذا لم يكن كسوباً، فليس له منفعة كي تفوت بحبسه، لكنَّ حبسه ـ رغم ذلك ـ هو من الظلم المعدود من كبائر المحرمات؛ كما أنّ الحابس يضمن ما يقع على المحبوس من تلف في النفس أو الأعضاء إذا كان وقوعه عليه بسبب ذلك الحبس.
مسألة 393: إذا تعددت منافع العين المفوَّتة المتعارفة، كبعض العقارات التي يتعارف استخدامها موقفاً للسيارات تارة وملعباً رياضياً تارة أخرى، ضمن الغاصب منفعةً واحدةً منها، سواء استوفاها جميعاً أو لم يستوفها كذلك، أو اقتصر في الاستيفاء على بعضها دون الآخر، فإن تساوت أجرة مثل تلك المنافع دفع قيمة إحداها واكتفى بها، وإن لم تتساوَ أجرتها دفع قيمة أعلاها ولو لم تكن هي التي استوفاها، ومثال ذلك ما لو كانت أجرة العقار ملعباً أو موقفاً في اليوم عشرة دولارات، لزمه دفع عشرة، وإذا كانت أجرته ملعباً عشرة وأجرته موقفاً خمسة عشر لزمه دفع الخمسة عشر، حتى لو كان قد استخدمه ملعباً أو كان قد تركه معطلاً دون استخدام.
مسألة 394: إذا استخدم الغاصب العين في منفعة مفوَّتة غير متعارفة، كفاه ضمان المنفعة المتعارفة غير المستوفاة حتى لو كانت أقل قيمة من المنفعة المستوفاة غير المتعارفة.
المطلب الثاني: في ضمان الحقوق
مسألة 395: يجب على مغتصب كل حق مهما كان نوعه رده إلى صاحبه والتخلية بينه وبينه، فمَنْ مَنَع غيره من حقه في المرور في ملكه ليصل ذلك الغير إلى عقاره أو داره، وجب عليه تمكينه من المرور وإزالة المانع منه، وكذا يجب على مَنْ منع أمَّ ولدٍ من حضانته، أو منع السابقَ إلى مكان عام من التواجد فيه، تمكينُ الأم من ولدها وصاحبِ المكان من التواجد فيه، وهكذا أشباهه.
أما ضمانُها (ضمانَ يدٍ) عند تلف أعيان متعلقاتها فإنه لا يُضمن بهذا النحو من الحقوق المغتصبة إلا ما كان له شَبَهٌ بالملك، بحيث يفقد صاحبه بغصبه شيئاً يخصه، فمن غصب الميتة أو الخنزير من المسلم لزمه ضمانه برده له إن كان ما يزال موجوداً أو بدفع قيمته إن كان تالفاً، وكذا من حجَّر مكاناً قاصداً إحياءه فغصبه منه غاصب وجب عليه رده برفع يده عنه وتخليته له، فإن عرض عليه ـ وهو تحت يده ـ ما أوجب تلفه وبطلان الانتفاع به، كأن أغرقه الماء، ضمن له الغاصب قيمته محجرَّاً إن كانت له قيمة عند العرف؛ وهكذا أشباه ذلك.
أما ما لا شَبَهَ له بالملك، كالعين المرهونة، فإنَّ غَصْبَ حقِّ الرهانة فيها يكون بمنع المرتهن من أخذ دينه منها، ولو كان الغاصب لها بهذا النحو هو الراهن أو المالك، فلو تلفت العين ـ حينئذ ـ فإنها تتلف على صاحبها لا على المرتهن لتكون مضمونة له، فيما يبقى الراهن مشغول الذمة له بالدين. (أنظر فقرة «الثالث» من المسألة: 372).
كنا قد ذكرنا في المبحث الثاني ـ إجمالاً ـ «إن الغصب يقـع علـى المنافع ـ منفردة ومع العين ـ وعلى الحقوق المتعلقة بالعين، مثلما يقع على العين، وإن ما يفوت منها مضمون ـ إجمالاً ـ على الغاصب»، وقد أجلّنا تفصيل ذلك إلى محله، وهو هنا في هذا المبحث؛ ذلك أنـه ـ إضافة إلى وجوب رد المغصوب إلى مالكه بالنحو الذي ذكرناه في المبحث السابق ـ لا تبرأ ذمة الغاصب ومن بحكمه من عهدة المغصوب إلا بضمان المنافع التي تفوت ويخسرها المالك خلال مدة الغصب، وهو أمر يجري ـ أيضاً ـ عند تلف العين وضمان الغاصب لمثلها أو قيمتها؛ وكذلك الأمر ـ إجمالاً ـ في الحقوق؛ وتفصيل ذلك يقع في مطلبين:
المطلب الأول: في ضمان المنافع
مسألة 392: المنافع المضمونة ثلاث:
الأولى: المنفعة المملوكة بمثل الإجارة أو العارية أو نحوهما، فيغتصبها غاصب مع العين أو بدونها، ومع انتفاع مالكها (أي: المستأجر والمستعير) بها أو عدمه، بحيث يكون المنظور إليه هنا هو نفس المنفعة المغتصبة من مالكها مهما كانت، لا المنفعة التي تفوت تبعاً لغصب العين؛ فيضمن الغاصب قيمة تلك المنفعة مقدرة بأجرة مثل العين المغصوبة في مدة الغصب، سواءً زادت عن الأجرة المسماة للمغصوب منه أو نقصت عنها، وسواءً كانت المنفعة المغتصبة متعارفة في مثل العين، كالسكنى للدار والركوب للسيارة، أو كانت غير متعارفة، كجعل الدار معرضاً للرسوم أو التحف الأثرية وجعل السيارة حقلاً لتعليم كيفية صنعها أو نحو ذلك.
الثانية: المنفعة التي تفوت تبعاً لغصب العين، وهي اثنتان:
1 ـ المنفعة المفوَّتة، وهي: (المنفعة التي يبذل بإزائها المال، متعارفة كانت أو غير متعارفة)؛ ولا يضمن الغاصب منها إلا المنفعة المتعارفة، فمثل الدار التي تستخدم في منافع متعددة يُهتم بها ويُبذل المال بإزائها، لا يضمن الغاصب من منافعها إلا السكنى لأنها هي المتعارفة، دون سائر المنافع المفوَّتة على المالك ولو كانت أعلى قيمة من المتعارفة، سواء استوفاها الغاصب بنفسه أو بغيره أو تركها معطلة.
2 ـ المنفعة الفائتة، وهي: (المنفعة التي لا يبذل المال بإزائها)، كالاستظلال في الشجرة، والقراءة في الكتاب، ونحو ذلك، وهذه المنافع غير مضمونة على الغاصب إلا إذا استوفاها من العين واستخدمها فيها بنفسه أو بغيره.
الثالثة: منفعة الإنسان، وهي المنفعة التي يتحقّق غصبها بحبس الإنسان الكسوب وإعاقته عن بذل جهده في الكسب الذي يحسنه. فإذا كان المحبوس ممن يعمل لحسابه الخاص، ضمن الغاصب أجرة مثل عمله الذي منعه من القيام به؛ وإذا كان أجيراً لشخص، فمنعه من القيام له بما استؤجر عليه، ضمن للمستأجر ما فاته من منفعة الأجير؛ وإذا أجبره الغاصب على أن يعمل له: فإن كان في عمله الذي يحسنه ضمن له أجرة مثل عمله، وإن كان في غير ما يحسنه، ضمن له أجرة مثل ما عمل له، وأيضاً أجرة مثل ما فات من عمله الذي يحسنه. هذا إذا كان كسوباً، أما إذا لم يكن كسوباً، فليس له منفعة كي تفوت بحبسه، لكنَّ حبسه ـ رغم ذلك ـ هو من الظلم المعدود من كبائر المحرمات؛ كما أنّ الحابس يضمن ما يقع على المحبوس من تلف في النفس أو الأعضاء إذا كان وقوعه عليه بسبب ذلك الحبس.
مسألة 393: إذا تعددت منافع العين المفوَّتة المتعارفة، كبعض العقارات التي يتعارف استخدامها موقفاً للسيارات تارة وملعباً رياضياً تارة أخرى، ضمن الغاصب منفعةً واحدةً منها، سواء استوفاها جميعاً أو لم يستوفها كذلك، أو اقتصر في الاستيفاء على بعضها دون الآخر، فإن تساوت أجرة مثل تلك المنافع دفع قيمة إحداها واكتفى بها، وإن لم تتساوَ أجرتها دفع قيمة أعلاها ولو لم تكن هي التي استوفاها، ومثال ذلك ما لو كانت أجرة العقار ملعباً أو موقفاً في اليوم عشرة دولارات، لزمه دفع عشرة، وإذا كانت أجرته ملعباً عشرة وأجرته موقفاً خمسة عشر لزمه دفع الخمسة عشر، حتى لو كان قد استخدمه ملعباً أو كان قد تركه معطلاً دون استخدام.
مسألة 394: إذا استخدم الغاصب العين في منفعة مفوَّتة غير متعارفة، كفاه ضمان المنفعة المتعارفة غير المستوفاة حتى لو كانت أقل قيمة من المنفعة المستوفاة غير المتعارفة.
المطلب الثاني: في ضمان الحقوق
مسألة 395: يجب على مغتصب كل حق مهما كان نوعه رده إلى صاحبه والتخلية بينه وبينه، فمَنْ مَنَع غيره من حقه في المرور في ملكه ليصل ذلك الغير إلى عقاره أو داره، وجب عليه تمكينه من المرور وإزالة المانع منه، وكذا يجب على مَنْ منع أمَّ ولدٍ من حضانته، أو منع السابقَ إلى مكان عام من التواجد فيه، تمكينُ الأم من ولدها وصاحبِ المكان من التواجد فيه، وهكذا أشباهه.
أما ضمانُها (ضمانَ يدٍ) عند تلف أعيان متعلقاتها فإنه لا يُضمن بهذا النحو من الحقوق المغتصبة إلا ما كان له شَبَهٌ بالملك، بحيث يفقد صاحبه بغصبه شيئاً يخصه، فمن غصب الميتة أو الخنزير من المسلم لزمه ضمانه برده له إن كان ما يزال موجوداً أو بدفع قيمته إن كان تالفاً، وكذا من حجَّر مكاناً قاصداً إحياءه فغصبه منه غاصب وجب عليه رده برفع يده عنه وتخليته له، فإن عرض عليه ـ وهو تحت يده ـ ما أوجب تلفه وبطلان الانتفاع به، كأن أغرقه الماء، ضمن له الغاصب قيمته محجرَّاً إن كانت له قيمة عند العرف؛ وهكذا أشباه ذلك.
أما ما لا شَبَهَ له بالملك، كالعين المرهونة، فإنَّ غَصْبَ حقِّ الرهانة فيها يكون بمنع المرتهن من أخذ دينه منها، ولو كان الغاصب لها بهذا النحو هو الراهن أو المالك، فلو تلفت العين ـ حينئذ ـ فإنها تتلف على صاحبها لا على المرتهن لتكون مضمونة له، فيما يبقى الراهن مشغول الذمة له بالدين. (أنظر فقرة «الثالث» من المسألة: 372).