ونريد به بيان ما لكلٍ من الزوجين على الآخر من حق الاستمتاع به بأنواع الاستمتاعات الجنسية، بل وغيرها من أسباب الأنس بالآخر مما يرجع إلى المساكنة، كالمبيت عنده ونحوه، وهي ما يختلف فيه الزوج عن الزوجة بسبب اختلاف موقع كل منهما في حركة الأسرة ودوره فيها، وهو ما نستعرضه في ثلاثة مطالب وتتمة:
المطلب الأول: في حق الزوج على زوجته
وفيه مسائل:
مسألة 749: يجوز للزوج أن يستمتع بزوجته بجميع الاستمتاعات التي يرغبانها ما عدا جماعها في الدبر، فإن الأحوط وجوباً تركه، ولا سيما مع عدم رضاها، سواءً في حالتي حيضها ونفاسها أم في غيرهما. وذلك في جميع الحالات والأوقات عدا ما سبق ذكره من الموارد، وهي أربعة: الأول: في حالة إحرامهما ـ أو إحرام أحدهما ـ للحج أو للعمرة. الثاني: في حالتي حيض الزوجة أو نفاسها. الثالث: أثناء الصيام إجمالاً. الرابع: أثناء الاعتكاف. فيحرم في الموردين الأول والرابع جميع الاستمتاعات بها بشهوة، ويحرم في الموردين الثاني والثالث الجماع بخاصة، وذلك بالتفصيل الذي تقدّم منا في كتابيْ: دليل مناسك الحج والجزء الأول من فقه الشريعة. هذا، وكما يجوز الاستمتاع بها عن قرب بالمباشرة، فإنه يجوز الاستمتاع بها عن بعد بمثل النظر إليها بشهوة، أو بمحادثتها بالهاتف والتلذذ بسماع صوتها، حتى يحدث بسببهما القذف، شرط أن لا يساعد الرجل نفسه بيده بالنحو الذي يعتبر فيه استمناءً محرماً.
مسألة 750: يجب على الزوجة أن تفي لزوجها بحقه في الاستمتاع بها بالنحو المذكور في المسألة السابقة، حتى لو كانت غير راغبة في الاستمتاع حين رغبته فيه، ما عدا الموارد التالية:
الأول: ما لو اشترطت عليه عدم تمكينه من نفسها في جميع الاستمتاعات أو في بعضها، إما صريحاً أو ضمناً، ومن ذلك ترك تمكينه خلال فترة ما بعد العقد وقبل زفافها، وهي المعبَّر عنها في بعض البلاد بــ (فترة الخطوبة)، فإنه يكفي في عدم تمكين الزوجة من نفسها فيها ما لو استقر تباني العرف على عدم التمكين، بحيث صار ذلك حاضراً في ذهن المتعاقدين حين التعاقد، ويصير ذلك شرطاً ضمنياً ملزماً له في سقوط حقه عنها والاقتصار في الاستمتاع بها على الحدود الموافقة للشرط. أما سقوط نفقتها خلال فترة الخطوبة فهو أيضاً تابع للشرط الصريح أو الضمني، على ما تقدم ذكره. (أنظر المسألة: 730).
الثاني: أن يمنعها من ذلك، المرض، فإن كانت هي المريضة جاز لها الامتناع بالمقدار الذي يحجزها عنه المرض، ولزمها التمكين من نفسها في الباقي؛ وإن كان هو المريض فليس لها أن تمنعه نفسها إلا حيث تخاف انتقال العدوى إليها إذا كان مرضه معدياً.
الثالث: أن يكون الزوج غير قادر على الإنفاق عليها، أو ممتنعاً عنه مع قدرته عليه، فيجوز لها أن تمنعه نفسها حتى ينفق عليها هو بنفسه أو من خلال وكيله المفوض من قِبَلِه بالإنفاق عليها، فلا يكفي في لزوم التمكين ما لو بذل لها وليه نفقتها أو تبرع بها متبرع، سواء كان تبرعه لها لسد حاجتها، أو كان تبرعه عن زوجها ـ من دون تفويض منه ـ لمساعدته على الإنفاق عليها. كما أن لها الإمتناع إذا لم يدفع لها معجَّل مهرها.
الرابع: أن يكون ما يريده منها من أنواع الاستمتاع غير مألوف، فإنه رغم جواز جميع أنواع الاستمتاعات ـ ما عدا جماعها في الدبر على الأحوط وجوباً ـ لا يجب على الزوجة تمكين زوجها من نفسها ليستمتع بها بماهو غير مألوف ولو لم يكن مؤذياً لها، كما أنها لا يجب عليها فعل ما يوجب له المتعة من الأعمال الجنسية غير المألوفة. نعم ينبغي لها أن تطاوعه في رغباته من باب حسن العشرة وحفظ المودة بالنحو الذي يرضيهما.
مسألة 751: لا يكفي في تحقّـق (تمكيـن) الزوجـة بذلهـا لنفسهـا ـ بالنحـو السابق ـ ولو بعد المناكدة والامتنـاع، بل لا بـد ـ قبـل ذلـك ـ من (جهوزيتها) بأمرين:
الأول: أن يجدها زوجها إلى جواره حيث يريدها، فلا يجوز لها الخروج من بيته في الأوقات والحالات التي يرغب بوجودها إلى جانبه ولو لم يكن يريدها جنسياً، كأوقات راحته وعطلته ومبيته ونحوها، إلا أن يأذن لها بمفارقته، وهو ما يصطلح عليه بـ (الخروج المنافي لحق الاستمتاع)، وذلك بالمعنى الذي يتجاوز الاستمتاع الحسي الجنسي إلى الأنس بحضورها؛ وأما حيث لا يحتاجها زوجها فإنه يجوز لها الخروج من بيته بدون إذنه لشؤونها المختلفة حتى لو كان موجوداً في البيت لكنه منصرف عنها في قراءةٍ أو مجالسةِ ضيوفٍ أو نحوهما مما لا يكون خروجها في مثله منافياً لحقه في الاستمتاع.
الثاني: أن لا يظهر منها من الأعمال أو الأقوال، بل ولا يظهر على ملامحها وهيئتها، ما يوجب نفور الزوج منها وانصرافه عنها، بحيث تكون تلك المنفرات نوعاً من الإمتناع غير المباشر من قبل الزوجة من تمكين نفسها. بل إنه قد وردت الأحاديث باستحباب أن تتزين المرأة لزوجها وتتودد له وتعرض نفسها عليه.
مسألة 752: رغم أن المرأة غير ملزمة بالإنجاب من زوجها فليس لها أن تلزمه بالعزل عنها، وذلك لما فيه من منافاة لحقه في الاستمتاع، إلا أن تشترط عليه العزل.
مسألة 753: لا فرق في ما ذكرناه من حق الزوج في الاستمتاع بين الزوجة الدائمة والمتمتع بها، إلا في الخروج من بيته بإذنه، فإنه مختص بالدائمة لوجوب المساكنة في الزواج الدائم، دون المؤقت، ويترتب على ذلك أنه لا يجب على المتمتع بها المكث عنده ليأنس بها بعد انقضاء متعتهما الحسية، ولو كانت الفترة قصيرة، لأنه من لوازم المساكنة وهي غير واجبة عليها.
مسألة 754: ليس للزوج حق آخر على زوجته غير (حق الاستمتاع) بالنحو الذي ذكرناه، فلا يجب عليها خدمته ولا غيرها من سائر الأمور المتعلقة به أو بأسرته أو داره، كما أنه لا يملك أن يمنعها من الإنصراف لشؤونها المتعلقة بنفسها ومالها وأهلها وولدها وعلاقاتها العامة ما دامت غير منافية لحقه المذكور. نعم، ينبغي لها ويستحب منها أن تُصفيَهُ وُدَّها وتُولِيَهُ ثقتها وتشركَهُ في أمورها وتستأذنَه في المهم منها، وذلك تحقيقاً لمزيد من المودة والتعاون بينهما؛ كما يستحب لها أن تعينه على أموره، وتخدمه في نفسه وداره وعائلته وأولاده، بالنحو الذي تقدر عليه.
المطلب الثاني: في حق الزوجة على زوجها
مسألة 755: لا يقتصر حق الزوجة في الاستمتاع على جماعها مرة خلال كل أربعة أشهر كما هو المشهور عند الفقهاء، بل يجب على الزوج أن يستجيب لها بالنحو الذي تحتاجه مَنْ هي مثلُها عادة، سواء من حيث الفترة التي تفصل بين مواقعة وأخرى أو من حيث ما هو مألوف من الكيفية المناسبة من الملاعبة والإقبال عليها ونحو ذلك، حتى لو كانت قادرة على التعفف والصبر عن الحرام عند حرمانها.
مسألة 756: إنما يجب على الزوج القيام بحق زوجته في الاستمتاع مع قدرته وحضوره، فلو منعه منه انصرافه للمهم من أموره العادية الشخصية أو العامة، لم يكن لها إلزامه بالحضور عندها والقيام بحقها، وذلك من قبيل انشغاله بمتابعة أعماله الإنتاجية وصلة أرحامه وعلاقاته الإجتماعية واهتماماته الدينية والسياسية ونحو ذلك من الأمور التي يعني الرجلَ الإهتمامُ بها، بما فيها حاجته للإنفراد بنفسه للراحة أو الاستجمام أو التأمل، سواءً طالت فترة انقطاعه عنها أو قصرت، إلا أن يؤدي انصرافه إلى أموره العادية وإغفال رغبتها الجنسية إلى وقوعها في الحرج الشديد أو إلى خوف وقوعها في الحرام فتُقدَّمُ رغبتُها على حقه في الانصراف إلى شؤونه العادية.
وبعبارة أخرى: (لا يجوز للرجل إغفال حاجة زوجته إلى الاستمتاع المطلوب من قبلها ما لم يمنعه مانع ولو عادي من أموره التي يعتاد من مثله الإنصراف إليها، إلا أنْ يسبب انصرافه لمثلها حرجاً شديداً عليها أو خوفاً من وقوعها في الحرام، فتقدم رغبتها).
مسألة 757: يجوز للمرأة أن تستمتع من زوجها بجميع ما ذكرنا جواز استمتاعه به منها في المطلب الأول، كما يحرم عليها ما ذكرنا حرمته فيه من الموارد، وذلك بدون فرق بينهما في ذلك في إطار المتع المتبادلة بينهما.
مسألة 758: لا يجب على الزوج مساكنة زوجته الدائمة ولا المبيت عندها، فضلاً عن المتمتع بها، وكذا لو كان عنده أكثر من زوجة دائمة، فإنه لا يجب عليه ـ ابتداءً ـ أن يبيت عندهن ما شاء ذلك، لكنه إذا بات عند إحداهن وجب عليه أن يبيت ليلته التالية عند الثانية، ثم التي بعدها عند الثالثة، وهكذا، ثم ما فضل عن لياليه الأربع لا يلزم بالمبيت فيه عند إحداهن، لكنه لو رغب بذلك جاز له أن يخص بالزائد إحداهن دون أن يكون ملزماً بالمبيت عند الأخرى زيادة على نصيبها الأصلي مثل مبيته عند سابقتها، وهو ما يصطلح عليه بـ (القَسْم) بين الزوجات. فإذا انتهت دورة الليالي الأربع، كان بعد انتهائها بالخيار بين أن لا يبيبت عندهن وبين أن يبدأ دورة جديدة بمجرد مبيته عند إحداهن، فيلزمه المبيت عند سائرهن بالنحو المتقدم.
مسألة 759: إذا كان للرجل زوجة واحدة، وبات عندها، لم يجب عليه أن ينام معها في فراش واحد، أو في فراش مجاور لفراشها، مقبلاً عليها بوجهه بعض الوقت، وهو ما يصطلح عليه بـ (المضاجعة)، وإن كان ينبغي له ذلك من باب المعاشرة بالمعروف؛ وأما إذا كان عنده أكثر من زوجة، فإنه يجب عليه مضاجعة من يبيت عندها في ليلتها الواجبة لها من الليالي الأربع دون ليالي المبيت الزائدة التي يجعلها لهما أو لإحداهما، ذلك أن المضاجعة فرع المبيت، فلا تجب إلا حيث يكون واجباً. فيما لا يجب عليه ـ إضافة إلى مضاجعتها ـ إمتاعها بالجماع ونحوه إلا عند حاجتها وقدرته عليه بالنحو الذي تقدم، سواء في ذلك الزوجة الواحدة أو الأكثر.
مسألة 760: لا يثبت حق المبيت للمتمتع بها؛ وكذا يسقط حق المبيت للزوجة الدائمة إذا كانت ناشزة أو مجنونة حال جنونها، كما يسقط لسفر أحدهما، أو لغير ذلك من موانع المبيت، دون أن يلزمه قضاؤه، وكذا يسقط بإسقاطها له إذا رضي زوجها، وإلا لم يكن لها رفض مبيته عندها، كما أن لها أن تهب ليلتها لمن تشاء من ضراتها لكن لا يُلزم الزوج بالمبيت عند الموهوبة لها إلا أن يرضى بالهبة، وكذا يصح منها أن تهب ليلتها لزوجها، بعوض أو بدونه، فإذا قبل منها وضعها حيث يشاء.
مسألة 761: يستثنى من وجوب القَسْم في المبيت ما لو كانت إحدى زوجاته في ليلة عرسها فإنها تُفَضَّل على ضراتها بأنه يستحب لزوجها أن يخصها بسبع ليال متتالية إن كانت بكراً أو بثلاثٍ إن كانت ثيباً، وحينئذ لا يجب عليه قضاء ما فات نساءه الأخريات.
مسألة 762: إذا أراد الشروع في القسمة بين نسائه كان له الإبتداء بأيهن شاء، وإن كان الأولى ـ بل الأحوط استحباباً ـ التعيين بالقرعة.
مسألة 763: يستحب للرجل أن يأخذ نفسه بالأخلاق الفاضلة وآداب العشرة الحسنة في علاقته بزوجته، وبخاصة أن يقدّر رأيها ويداريها ويخلص لها وُدَّه ويصبر عليها ويوسّع عليها في الإنفاق ويهتم برعايتها، فإن كان عنده أكثر من زوجة استحب له المساواة بينهن في الإنفاق وحسن العشرة وفي موافقتهن في ما يرغبنه من ألوان المتع الجنسية، وبالأخص المواقعة، وأن يلتزم بحضوره عندهن بوقت ثابت، وهو أن يكون في صبيحة كل ليلة عند صاحبة تلك الليلة.
المطلب الثالث: في أحكام الأداء والنشوز
ونريد به بيان ما يترتب على كل منهما في صورة عجز الآخر أو تمرده عن الوفاء بحقه، وتفصيل ذلك يقع في فرعين:
الفرع الأول: في نشوز الزوج
مسألة 764: يجب على الرجل الوفاء للمرأة بحقها في الاستمتاع بالنحو الآنف الذكر، فإن تمرد عليها فمنعها حقها مع قدرته على الوفاء، تهاوناً بحقها أو نكاية فيها، أثم وعصى، وجاز للزوجة أن تسلك في علاج نشوزه عدة طرق:
الأول: أن تسلك سبيل الأخلاق الفاضلة المناسبة لحالها، من الصبر والحلم والمداراة والتودد ونحوها، وذلك في إطار حرصها على معرفة الأسباب وإزالتها بالحكمة وروح المحافظة على استمرار الحياة الزوجية وإنجاح تجربتها.
الثاني: حيث إن نشوز الزوج معصية، فإنه يجب على الزوجة أن تنهى زوجها عن المنكر وتأمره بالمعروف من خلال أحكامهما المناسبة لحالها، ومن خلال تقديرها لمدى تأثره بالأسلوب الناجع الذي يخدم هدفها.
الثالث: أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي وتشكوه له، وعلى الحاكم أن يستدعيه ويأمره بإنصافها وأداء حقها، فإن لم يرتدع لم يكن للحاكم تعزيره بالضرب أو الحبس ليجبره على إنصافها، بل تتخير الزوجة ـ حينئذ ـ بين الصبر عليه وبين طلب الطلاق، فإن طلبت الطلاق فطلقها كان خيراً، وإن لم يطلقها، وطلبت من الحاكم الطلاق، أمره الحاكم بالطلاق، فإن استجاب له كان خيراً وإلا طلقها الحاكم الشرعـي؛ وحيث يطلقهـا هـو ـ أو الحاكـم ـ بطلب منها لا يسقط مالها من المهر عنده.
مسألة 765: إذا ترك الزوج بعض حقوق زوجته الواجبة عليه كما في مقامنا هذا، أو آذاها بالشتم أو الضرب أو غير ذلك، فبذلت له مالاً ليقوم بما ترك من حقها، أو ليمسك عن أذيتها أو ليطلقها فتَخْلَص من يده، حرم عليه ما بذلت وإن لم يكن من قصده إلجاؤها إلى بذل المال، بل إن لها في صورة ما لو آذاها بالشتم أو الضرب أن تشكوه إلى الحاكم الشرعي ليأمره بحسن العشرة، فإن لم يرتدع عزرّه بما يراه من حبس أو ضرب أو نحوهما.
مسألة 766: إذا كان الزوج معذوراً في ترك حق الاستمتاع، فإن كان لعيب من العيوب الموجبة للفسخ جاز لها ـ مع عدم الصبر عليـه ـ أن تفسخ زواجها به بالنحو الذي تقدم تفصيله، وإن كان لعيب لا يوجب الفسخ، أو لمرض مزمن أو شبهه، أو لسفر أو حبس يطول أمدهما، ولم يمكنها الصبر لخوفها على نفسها من الوقوع في الحرام، جاز لها طلب الطلاق حتى لو حصلت على نفقتها، فإن استجاب لها كان خيراً، وإلا أمره الحاكم بالطلاق، فإن لم يمتثل طلقها الحاكم الشرعي؛ فيقع طلاق الحاكم بائناً أو رجعياً بما يناسب مورده. هذا، وسيأتي حكم المفقود في باب الطلاق إن شاء الله تعالى. (أنظر في ذلك المسألة: 952، وما بعدها).
الفرع الثاني: في نشوز الزوجة
مسألة 767: يجب على الزوجة القيام بحق زوجها في الاستمتاع بالنحو الآنف الذكر، فإن منعته حقه عامدة متمردة، أثمت وعصت وكان للزوج أن يعالج نشوزها بعدة طرق:
الأول: أن يسلك طريق الأخلاق الفاضلة، فيتحلى بالصبر والأناة ويعالج تمردها بالحكمة والمداراة، ويُوثِّق فيما بينه وبينها ما وهن من أسباب المودة.
الثاني: أن يعظها فيخوفها المعصية ويحذرها العقاب ويأمرها بتقوى الله تعالى، وينبغي له أن يكرر ذلك وينوع أساليبه، بل ويستعين بغيره من أهل المعرفة والعلم ممن يمكنه التأثير فيها، فيصبر عليها في ذلك حتى ييأس من تأثرها.
الثالث: أن يهجرها فيدع مضاجعتها، بأن ينام في غرفة غير غرفتها، أو ينام في غرفتها لكنه يدير لها ظهره فلا يعبأ بها، ورغم أن مضاجعة الزوجة غير واجبة دائماً كما سبق القول في (المسألة: 759)، فإن الهجـران ـ على كل حال ـ هو وسيلة ضغط نفسي مهمة لردع المتمرد، مقدمة لإعادة اللحمة وتوثيق عرى المودة، وحيث تكون المضاجعة واجبة فإن هجران الناشزة لا يجوز إلا بعد اليأس من ارتداعها بالموعظة، وإلا جاز اللجوء إليه قبل الموعظة.
الرابع: أن يَضْربَها، وهو خيار غير لازم، فإن شاء لجأ إليه وإن شاء عزف عنه، وحيث يرغب في اللجوء إليه يلزمه مراعاة ما يلي:
أولاً: أن يكون بعد الموعظة والهجران بحيث يظهر له إصرارُها على التمرد وفقدانها لكل عذر، وبخاصة مع حسن أخلاق الزوج وقيامه بحقوقها كافة.
ثانياً: أن يأمل تأثرها بذلك ورجوعها إلى الطاعة وترك النشوز، فلو علم من حالها أنها لا تتأثر بذلك البتة لم يجز له ضربها.
ثالثاً: أن يكون ضربها بقصد إصلاحها وحرصاً على مودتها لا بقصد التشفي والانتقام.
رابعاً: أن يقتصر على أقل مقدار يحتمل معه التأثير، وحَدُّه الأعلى أن يكون غير موجب لاحمرار الجلد واسوداده، وفي داخل هذا الحد يجب الترتُّب في مراتب الشدة، فلا يجوز اللجوء إلى الأشد مع حصول الغرض بالأقل منه، فإن أخذه الغضب فزاد عن ذلك الحد المسموح به، فضربها فاحمرَّ جلدها أو اسود أو أدماها كان ذلك منه جناية يأثم عليها ويضمن لها ديتها بالنحو المقرر في مباحث الديات.
الخامس: منعها من النفقة بعد سقوط حقها فيها بالنشوز، على ما ذكرناه في مبحث النفقة، فإن شاء الزوج أنفق عليها وإن شاء منع عنها النفقة، وسقوط النفقة وإن لم يُنص على كونه طريقاً من طرق ردعها، لكنه يتضمن قوة ردع فاعلة، ولا سيما حيث تعتمد الزوجة في عيشها على نفقة الزوج، فلا يمكنها ـ غالباً ـ الاستمرار في نشوزها فترة طويلة إذا لم يكن هدفها من النشوز إلجاء الزوج لطلاقها والخروج من حياته. وعلى كل حال فإن سقوط النفقة بمجرد النشوز إجراء يمكن إستخدامه مع جميع ما سبق ذكره من طرق علاج النشوز الآنفة الذكر، كما يمكن الاقتصار عليه وحده دون سائرها.
تتمة في الإيلاء:
(الإيلاء) مصدر (آلى، يؤلي)، بمعنى: حَلَف؛ وهو في الشرع: (أن يحلف الرجل على ترك مجامعة زوجته الدائمة المدخول بها مدة تزيد عن أربعة أشهر أو دائماً، بهدف الإضرار بها). ولما كان مدار أحكامه على سعي الزوج لحرمان زوجته من حقها في الاستمتاع، وإلزام الشرع له بالوفاء لها أو بطلاقها إذا امتنع عن الوفاء وطالبته بالطلاق، فإنه يعتبر من مباحث وشؤون حق الاستمتاع، فينبغي ذكره معها، لا في باب مستقل كما جرى عليه الفقهاء. وفيما يلي تفصيل أحكامه في مسائل:
مسألة 768: الإيلاء نحو خاص من اليمين، ويعتبر فيه جميع ما يعتبر فيه عدا أمرين:
الأول: لا يعتبر فيه أن يكون متعلقه راجحاً، فرغم أن المحلوف عليه هو ترك وطىء الزوجة من حيث هو حق لها، وبهدف الإضرار بها، فإنه ينعقد يميناً وتترتب عليه بعض آثاره.
الثاني: لا يأثم الحالف إذا حنث به، بل إنه يجب عليه الحنث به وفاءً للزوجة بحقها، لكن مع الكفارة.
مسألة 769: لا ينعقـد الإيــلاء ـ كمطلـق اليميـن ـ إلا باسـم الله تعالـى المختص به أو ما ينصرف إطلاقه إليه، ولا يعتبر فيه العربية، فضلاً عن اعتبار أن تكون العربية صحيحة وفصحى، وكذا لا يعتبر أن يكون اللفظ صريحاً في ترك الجماع، بل يكفي كل لفظ يفهم منه الحلف على ترك ذلك العمل، بمثل: «والله لا أجامعك»، أو «لا أمَسُّك»؛ بل يكفي قوله: «والله لا جمع رأسي ورأسك وسادة أو مخدة»، إذا قصد به ترك الجماع.
مسألة 770: لا بد لصدق الإيلاء بمعناه المصطلح من توفر العناصر التالية:
الأول: أن تكون الزوجة دائمة، فلا يتحقّق الإيلاء في المتمتَّع بها.
الثاني: أن تكون مدخولاً بها ولو دبراً، فلا إيلاء في غير المدخول بها.
الثالث: أن يكون المحلوف عليه ترك جماعها في الفرج، فلا يتحقّق في الحلف على ترك جماعها دبراً.
الرابع: أن تكون مدة الترك: إما مؤقتة بأربعة أشهر فصاعداً، أو كانت بحيث قد نَصَّ على كونه دائماً، أو حلف فاطلق كلامه من حيث المدة، فلم يذكرها، فإن حلف على ترك وطئها مدة هي أقل من أربعة أشهر لم يكن إيلاءً بالمعنى المصطلح، حتى لو كانت تتضرر بترك جماعها في تلك المدة.
الخامس: أن يكون هدفه من الحلف الإضرار بها، فلو كان حلفه لا بهذا الغرض، بل إما لغرض نافع لهما أو لأحدهما، أو بدون غرض البتة، لم يكن إيلاءً بالمعنى المصطلح.
مسألة 771: إذا فقد الإيلاء أحد العناصر المذكورة في المسألة السابقة لم يكن إيلاءً بالمعنى المصطلح، فلا يترتب عليه ما سنذكره له من أحكام في هذا المبحث، بل يجري عليه ما سبق ذكره من أحكام اليمين إذا اجتمعت شروطه، ومن شروطه أنه لا ينعقد يميناً إلا إذا كان متعلقه راجحاً، فلو حلف أن يترك مجامعة زوجته لمدة أقل من أربعة أشهر لم ينعقد يمينه، لأن لها عليه حق الاستمتاع كلما طلبته، فيكون حلفه منافياً لحقها عليه فيبطل؛ وهكذا يراعى في سائر موارده شروط اليمين التي سبق ذكرها في مباحث النذر والعهد واليمين.
مسألة 772: يعتبر في (المؤلي) أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً قاصداً، فلا يقع الإيلاء من الصغير والمجنون والمكره والهازل والسكران ومن اشتد به الغضب حتى سلبه قصده، بل ولا ممن لا يقدر على الجماع لجَبٍّ أو عننٍ بحيث لا يمكنه أن يحقق الجماع عند تخييره بينه وبين الطلاق بالنحو الذي سيأتي بيانه.
مسألة 773: إذا تم الإيلاء بالنحو الذي ذكرناه جاز له البقاء على يمينه وامتناعه إلى أربعة أشهر، فإن طلبته قبل ذلك جاز له الوفاء لها والحنث باليمين، فإن أجابها ـ حينئذ ـ فوطأها لزمته كفارة حنث اليمين دون أن يأثم في هذا الحنث، وهي نفس كفارة حنث اليمين، أي: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيام؛ وكذا لو كان قد حلف على ترك الوطىء دائماً أو مطلقاً، فوطأها بعد ذلك.
هذا إذا رجع عن يمينه من نفسه، أما إذا بقي على امتناعه، فلا هو رجع إليها ولا هو يريد طلاقها وتخلية سبيلها، ولم تقدر على الصبر عليه، جاز لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، فيستدعيه الحاكم الشرعي، ويحثه على إجابتها ويعظه حيث يكون آثماً بترك حقها، فإن لم ينفع وبقي على امتناعه، أَنْظَرَهُ أربعة أشهر تبدأ من حين الإيلاء، فإذا مضت مدة التربص، وكان قد رجع قبل مضيها فواقعها كان خيراً، وعليه كفارة حنث اليمين، وإن لم يرجع أجبره الحاكم على اختيارالرجوع أو الطلاق إن طلبته الزوجة وفضلته على الصبر على ما هي عليه، فإن فعل أحدهما كان خيراً، وإلا حبسه الحاكم وضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يختار أحدهما دون أن يجبره على أحدهما بعينه، فإن امتنع عن كليهما طلقها الحاكم، فيقع طلاقه رجعياً مع الدخول بها إن لم تكن يائسة، وإلا وقع بائناً.
ومهما كانت نتيجة المرافعة ومجرياتها فإنه حيث يرجع إلى زوجته فيواقعها في المدة التي حلف على ترك وطئها فيها يجب عليه كفارة الحنث باليمين، سواءً رجع إليها في مدة التربص التي عينها له الحاكم أو قبلها أو بعدها؛ وأما حيث يرجع إليها بعد انقضاء المدة التي حلف على ترك وطئها فيها فلا كفارة عليه لعدم الحنث، حتى لو كانت قد رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي فظل يدافعه المؤلي حتى انقضت مدة الإيلاء.
مسألة 774: لا يتحقّق الرجوع عن الإيلاء إلا بالمواقعة للقادر عليها، فلو صادف عجزه عنها حين رغبته في الرجوع كفاه العزم على مواقعتها حين قدرته عليها في تحقّق الرجوع وإنهاء الترافع إن كان.
مسألة 775: يزول حكم الإيلاء إذا طلقها المؤلي طلاقاً بائناً، وليس للحاكـم عليه شيء بعد ما طلق؛ كما وأنه لو عقد عليهـا ـ ولـو أثنـاء عدتهـا ـ فواقعها لم يكن ذلك حنث منه لزوال حكم الإيلاء السابق بالطلاق البائن حتى من هذه الجهة. فيما لا يزول حكم الإيلاء بالطلاق الرجعي إلا بانقضاء عدتها، فلو راجعها في العدة عاد إلى الحكم الأول، فلزوجته المطالبة بحقها، وعليه كفارة الحنث عند مواقعتها.
مسألة 776: من المفيد إلفات النظر إلى أن ما ذكرناه في هذه التتمة من توقف إجراء حكم الإيلاء بالتخيير بين الرجوع عنه أو الطلاق على انقضاء أربعة أشهر على صدور الإيلاء، إن هذا الحكم لا ينافي حكمنا السابق في (مبحث حق الاستمتاع) بوجوب الاستجابة لها قبل ذلك عند حاجتها إلى العلاقة الجنسية، ولا سيما إذا خافت الوقوع في الحرام، وذلك لخصوصية الإيلاء وكونه استثناءً من ذلك الحكم العام الذي ينظم العلاقة الجنسية بين الزوجين ويضع لها حدودها. (أنظر المسألة: 755 وما بعدها).
مسألة 777: لا تتكرر الكفارة بتكرر اليمين إذا كان الزمان المحلوف على ترك الوطىء فيه واحداً.
ونريد به بيان ما لكلٍ من الزوجين على الآخر من حق الاستمتاع به بأنواع الاستمتاعات الجنسية، بل وغيرها من أسباب الأنس بالآخر مما يرجع إلى المساكنة، كالمبيت عنده ونحوه، وهي ما يختلف فيه الزوج عن الزوجة بسبب اختلاف موقع كل منهما في حركة الأسرة ودوره فيها، وهو ما نستعرضه في ثلاثة مطالب وتتمة:
المطلب الأول: في حق الزوج على زوجته
وفيه مسائل:
مسألة 749: يجوز للزوج أن يستمتع بزوجته بجميع الاستمتاعات التي يرغبانها ما عدا جماعها في الدبر، فإن الأحوط وجوباً تركه، ولا سيما مع عدم رضاها، سواءً في حالتي حيضها ونفاسها أم في غيرهما. وذلك في جميع الحالات والأوقات عدا ما سبق ذكره من الموارد، وهي أربعة: الأول: في حالة إحرامهما ـ أو إحرام أحدهما ـ للحج أو للعمرة. الثاني: في حالتي حيض الزوجة أو نفاسها. الثالث: أثناء الصيام إجمالاً. الرابع: أثناء الاعتكاف. فيحرم في الموردين الأول والرابع جميع الاستمتاعات بها بشهوة، ويحرم في الموردين الثاني والثالث الجماع بخاصة، وذلك بالتفصيل الذي تقدّم منا في كتابيْ: دليل مناسك الحج والجزء الأول من فقه الشريعة. هذا، وكما يجوز الاستمتاع بها عن قرب بالمباشرة، فإنه يجوز الاستمتاع بها عن بعد بمثل النظر إليها بشهوة، أو بمحادثتها بالهاتف والتلذذ بسماع صوتها، حتى يحدث بسببهما القذف، شرط أن لا يساعد الرجل نفسه بيده بالنحو الذي يعتبر فيه استمناءً محرماً.
مسألة 750: يجب على الزوجة أن تفي لزوجها بحقه في الاستمتاع بها بالنحو المذكور في المسألة السابقة، حتى لو كانت غير راغبة في الاستمتاع حين رغبته فيه، ما عدا الموارد التالية:
الأول: ما لو اشترطت عليه عدم تمكينه من نفسها في جميع الاستمتاعات أو في بعضها، إما صريحاً أو ضمناً، ومن ذلك ترك تمكينه خلال فترة ما بعد العقد وقبل زفافها، وهي المعبَّر عنها في بعض البلاد بــ (فترة الخطوبة)، فإنه يكفي في عدم تمكين الزوجة من نفسها فيها ما لو استقر تباني العرف على عدم التمكين، بحيث صار ذلك حاضراً في ذهن المتعاقدين حين التعاقد، ويصير ذلك شرطاً ضمنياً ملزماً له في سقوط حقه عنها والاقتصار في الاستمتاع بها على الحدود الموافقة للشرط. أما سقوط نفقتها خلال فترة الخطوبة فهو أيضاً تابع للشرط الصريح أو الضمني، على ما تقدم ذكره. (أنظر المسألة: 730).
الثاني: أن يمنعها من ذلك، المرض، فإن كانت هي المريضة جاز لها الامتناع بالمقدار الذي يحجزها عنه المرض، ولزمها التمكين من نفسها في الباقي؛ وإن كان هو المريض فليس لها أن تمنعه نفسها إلا حيث تخاف انتقال العدوى إليها إذا كان مرضه معدياً.
الثالث: أن يكون الزوج غير قادر على الإنفاق عليها، أو ممتنعاً عنه مع قدرته عليه، فيجوز لها أن تمنعه نفسها حتى ينفق عليها هو بنفسه أو من خلال وكيله المفوض من قِبَلِه بالإنفاق عليها، فلا يكفي في لزوم التمكين ما لو بذل لها وليه نفقتها أو تبرع بها متبرع، سواء كان تبرعه لها لسد حاجتها، أو كان تبرعه عن زوجها ـ من دون تفويض منه ـ لمساعدته على الإنفاق عليها. كما أن لها الإمتناع إذا لم يدفع لها معجَّل مهرها.
الرابع: أن يكون ما يريده منها من أنواع الاستمتاع غير مألوف، فإنه رغم جواز جميع أنواع الاستمتاعات ـ ما عدا جماعها في الدبر على الأحوط وجوباً ـ لا يجب على الزوجة تمكين زوجها من نفسها ليستمتع بها بماهو غير مألوف ولو لم يكن مؤذياً لها، كما أنها لا يجب عليها فعل ما يوجب له المتعة من الأعمال الجنسية غير المألوفة. نعم ينبغي لها أن تطاوعه في رغباته من باب حسن العشرة وحفظ المودة بالنحو الذي يرضيهما.
مسألة 751: لا يكفي في تحقّـق (تمكيـن) الزوجـة بذلهـا لنفسهـا ـ بالنحـو السابق ـ ولو بعد المناكدة والامتنـاع، بل لا بـد ـ قبـل ذلـك ـ من (جهوزيتها) بأمرين:
الأول: أن يجدها زوجها إلى جواره حيث يريدها، فلا يجوز لها الخروج من بيته في الأوقات والحالات التي يرغب بوجودها إلى جانبه ولو لم يكن يريدها جنسياً، كأوقات راحته وعطلته ومبيته ونحوها، إلا أن يأذن لها بمفارقته، وهو ما يصطلح عليه بـ (الخروج المنافي لحق الاستمتاع)، وذلك بالمعنى الذي يتجاوز الاستمتاع الحسي الجنسي إلى الأنس بحضورها؛ وأما حيث لا يحتاجها زوجها فإنه يجوز لها الخروج من بيته بدون إذنه لشؤونها المختلفة حتى لو كان موجوداً في البيت لكنه منصرف عنها في قراءةٍ أو مجالسةِ ضيوفٍ أو نحوهما مما لا يكون خروجها في مثله منافياً لحقه في الاستمتاع.
الثاني: أن لا يظهر منها من الأعمال أو الأقوال، بل ولا يظهر على ملامحها وهيئتها، ما يوجب نفور الزوج منها وانصرافه عنها، بحيث تكون تلك المنفرات نوعاً من الإمتناع غير المباشر من قبل الزوجة من تمكين نفسها. بل إنه قد وردت الأحاديث باستحباب أن تتزين المرأة لزوجها وتتودد له وتعرض نفسها عليه.
مسألة 752: رغم أن المرأة غير ملزمة بالإنجاب من زوجها فليس لها أن تلزمه بالعزل عنها، وذلك لما فيه من منافاة لحقه في الاستمتاع، إلا أن تشترط عليه العزل.
مسألة 753: لا فرق في ما ذكرناه من حق الزوج في الاستمتاع بين الزوجة الدائمة والمتمتع بها، إلا في الخروج من بيته بإذنه، فإنه مختص بالدائمة لوجوب المساكنة في الزواج الدائم، دون المؤقت، ويترتب على ذلك أنه لا يجب على المتمتع بها المكث عنده ليأنس بها بعد انقضاء متعتهما الحسية، ولو كانت الفترة قصيرة، لأنه من لوازم المساكنة وهي غير واجبة عليها.
مسألة 754: ليس للزوج حق آخر على زوجته غير (حق الاستمتاع) بالنحو الذي ذكرناه، فلا يجب عليها خدمته ولا غيرها من سائر الأمور المتعلقة به أو بأسرته أو داره، كما أنه لا يملك أن يمنعها من الإنصراف لشؤونها المتعلقة بنفسها ومالها وأهلها وولدها وعلاقاتها العامة ما دامت غير منافية لحقه المذكور. نعم، ينبغي لها ويستحب منها أن تُصفيَهُ وُدَّها وتُولِيَهُ ثقتها وتشركَهُ في أمورها وتستأذنَه في المهم منها، وذلك تحقيقاً لمزيد من المودة والتعاون بينهما؛ كما يستحب لها أن تعينه على أموره، وتخدمه في نفسه وداره وعائلته وأولاده، بالنحو الذي تقدر عليه.
المطلب الثاني: في حق الزوجة على زوجها
مسألة 755: لا يقتصر حق الزوجة في الاستمتاع على جماعها مرة خلال كل أربعة أشهر كما هو المشهور عند الفقهاء، بل يجب على الزوج أن يستجيب لها بالنحو الذي تحتاجه مَنْ هي مثلُها عادة، سواء من حيث الفترة التي تفصل بين مواقعة وأخرى أو من حيث ما هو مألوف من الكيفية المناسبة من الملاعبة والإقبال عليها ونحو ذلك، حتى لو كانت قادرة على التعفف والصبر عن الحرام عند حرمانها.
مسألة 756: إنما يجب على الزوج القيام بحق زوجته في الاستمتاع مع قدرته وحضوره، فلو منعه منه انصرافه للمهم من أموره العادية الشخصية أو العامة، لم يكن لها إلزامه بالحضور عندها والقيام بحقها، وذلك من قبيل انشغاله بمتابعة أعماله الإنتاجية وصلة أرحامه وعلاقاته الإجتماعية واهتماماته الدينية والسياسية ونحو ذلك من الأمور التي يعني الرجلَ الإهتمامُ بها، بما فيها حاجته للإنفراد بنفسه للراحة أو الاستجمام أو التأمل، سواءً طالت فترة انقطاعه عنها أو قصرت، إلا أن يؤدي انصرافه إلى أموره العادية وإغفال رغبتها الجنسية إلى وقوعها في الحرج الشديد أو إلى خوف وقوعها في الحرام فتُقدَّمُ رغبتُها على حقه في الانصراف إلى شؤونه العادية.
وبعبارة أخرى: (لا يجوز للرجل إغفال حاجة زوجته إلى الاستمتاع المطلوب من قبلها ما لم يمنعه مانع ولو عادي من أموره التي يعتاد من مثله الإنصراف إليها، إلا أنْ يسبب انصرافه لمثلها حرجاً شديداً عليها أو خوفاً من وقوعها في الحرام، فتقدم رغبتها).
مسألة 757: يجوز للمرأة أن تستمتع من زوجها بجميع ما ذكرنا جواز استمتاعه به منها في المطلب الأول، كما يحرم عليها ما ذكرنا حرمته فيه من الموارد، وذلك بدون فرق بينهما في ذلك في إطار المتع المتبادلة بينهما.
مسألة 758: لا يجب على الزوج مساكنة زوجته الدائمة ولا المبيت عندها، فضلاً عن المتمتع بها، وكذا لو كان عنده أكثر من زوجة دائمة، فإنه لا يجب عليه ـ ابتداءً ـ أن يبيت عندهن ما شاء ذلك، لكنه إذا بات عند إحداهن وجب عليه أن يبيت ليلته التالية عند الثانية، ثم التي بعدها عند الثالثة، وهكذا، ثم ما فضل عن لياليه الأربع لا يلزم بالمبيت فيه عند إحداهن، لكنه لو رغب بذلك جاز له أن يخص بالزائد إحداهن دون أن يكون ملزماً بالمبيت عند الأخرى زيادة على نصيبها الأصلي مثل مبيته عند سابقتها، وهو ما يصطلح عليه بـ (القَسْم) بين الزوجات. فإذا انتهت دورة الليالي الأربع، كان بعد انتهائها بالخيار بين أن لا يبيبت عندهن وبين أن يبدأ دورة جديدة بمجرد مبيته عند إحداهن، فيلزمه المبيت عند سائرهن بالنحو المتقدم.
مسألة 759: إذا كان للرجل زوجة واحدة، وبات عندها، لم يجب عليه أن ينام معها في فراش واحد، أو في فراش مجاور لفراشها، مقبلاً عليها بوجهه بعض الوقت، وهو ما يصطلح عليه بـ (المضاجعة)، وإن كان ينبغي له ذلك من باب المعاشرة بالمعروف؛ وأما إذا كان عنده أكثر من زوجة، فإنه يجب عليه مضاجعة من يبيت عندها في ليلتها الواجبة لها من الليالي الأربع دون ليالي المبيت الزائدة التي يجعلها لهما أو لإحداهما، ذلك أن المضاجعة فرع المبيت، فلا تجب إلا حيث يكون واجباً. فيما لا يجب عليه ـ إضافة إلى مضاجعتها ـ إمتاعها بالجماع ونحوه إلا عند حاجتها وقدرته عليه بالنحو الذي تقدم، سواء في ذلك الزوجة الواحدة أو الأكثر.
مسألة 760: لا يثبت حق المبيت للمتمتع بها؛ وكذا يسقط حق المبيت للزوجة الدائمة إذا كانت ناشزة أو مجنونة حال جنونها، كما يسقط لسفر أحدهما، أو لغير ذلك من موانع المبيت، دون أن يلزمه قضاؤه، وكذا يسقط بإسقاطها له إذا رضي زوجها، وإلا لم يكن لها رفض مبيته عندها، كما أن لها أن تهب ليلتها لمن تشاء من ضراتها لكن لا يُلزم الزوج بالمبيت عند الموهوبة لها إلا أن يرضى بالهبة، وكذا يصح منها أن تهب ليلتها لزوجها، بعوض أو بدونه، فإذا قبل منها وضعها حيث يشاء.
مسألة 761: يستثنى من وجوب القَسْم في المبيت ما لو كانت إحدى زوجاته في ليلة عرسها فإنها تُفَضَّل على ضراتها بأنه يستحب لزوجها أن يخصها بسبع ليال متتالية إن كانت بكراً أو بثلاثٍ إن كانت ثيباً، وحينئذ لا يجب عليه قضاء ما فات نساءه الأخريات.
مسألة 762: إذا أراد الشروع في القسمة بين نسائه كان له الإبتداء بأيهن شاء، وإن كان الأولى ـ بل الأحوط استحباباً ـ التعيين بالقرعة.
مسألة 763: يستحب للرجل أن يأخذ نفسه بالأخلاق الفاضلة وآداب العشرة الحسنة في علاقته بزوجته، وبخاصة أن يقدّر رأيها ويداريها ويخلص لها وُدَّه ويصبر عليها ويوسّع عليها في الإنفاق ويهتم برعايتها، فإن كان عنده أكثر من زوجة استحب له المساواة بينهن في الإنفاق وحسن العشرة وفي موافقتهن في ما يرغبنه من ألوان المتع الجنسية، وبالأخص المواقعة، وأن يلتزم بحضوره عندهن بوقت ثابت، وهو أن يكون في صبيحة كل ليلة عند صاحبة تلك الليلة.
المطلب الثالث: في أحكام الأداء والنشوز
ونريد به بيان ما يترتب على كل منهما في صورة عجز الآخر أو تمرده عن الوفاء بحقه، وتفصيل ذلك يقع في فرعين:
الفرع الأول: في نشوز الزوج
مسألة 764: يجب على الرجل الوفاء للمرأة بحقها في الاستمتاع بالنحو الآنف الذكر، فإن تمرد عليها فمنعها حقها مع قدرته على الوفاء، تهاوناً بحقها أو نكاية فيها، أثم وعصى، وجاز للزوجة أن تسلك في علاج نشوزه عدة طرق:
الأول: أن تسلك سبيل الأخلاق الفاضلة المناسبة لحالها، من الصبر والحلم والمداراة والتودد ونحوها، وذلك في إطار حرصها على معرفة الأسباب وإزالتها بالحكمة وروح المحافظة على استمرار الحياة الزوجية وإنجاح تجربتها.
الثاني: حيث إن نشوز الزوج معصية، فإنه يجب على الزوجة أن تنهى زوجها عن المنكر وتأمره بالمعروف من خلال أحكامهما المناسبة لحالها، ومن خلال تقديرها لمدى تأثره بالأسلوب الناجع الذي يخدم هدفها.
الثالث: أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي وتشكوه له، وعلى الحاكم أن يستدعيه ويأمره بإنصافها وأداء حقها، فإن لم يرتدع لم يكن للحاكم تعزيره بالضرب أو الحبس ليجبره على إنصافها، بل تتخير الزوجة ـ حينئذ ـ بين الصبر عليه وبين طلب الطلاق، فإن طلبت الطلاق فطلقها كان خيراً، وإن لم يطلقها، وطلبت من الحاكم الطلاق، أمره الحاكم بالطلاق، فإن استجاب له كان خيراً وإلا طلقها الحاكم الشرعـي؛ وحيث يطلقهـا هـو ـ أو الحاكـم ـ بطلب منها لا يسقط مالها من المهر عنده.
مسألة 765: إذا ترك الزوج بعض حقوق زوجته الواجبة عليه كما في مقامنا هذا، أو آذاها بالشتم أو الضرب أو غير ذلك، فبذلت له مالاً ليقوم بما ترك من حقها، أو ليمسك عن أذيتها أو ليطلقها فتَخْلَص من يده، حرم عليه ما بذلت وإن لم يكن من قصده إلجاؤها إلى بذل المال، بل إن لها في صورة ما لو آذاها بالشتم أو الضرب أن تشكوه إلى الحاكم الشرعي ليأمره بحسن العشرة، فإن لم يرتدع عزرّه بما يراه من حبس أو ضرب أو نحوهما.
مسألة 766: إذا كان الزوج معذوراً في ترك حق الاستمتاع، فإن كان لعيب من العيوب الموجبة للفسخ جاز لها ـ مع عدم الصبر عليـه ـ أن تفسخ زواجها به بالنحو الذي تقدم تفصيله، وإن كان لعيب لا يوجب الفسخ، أو لمرض مزمن أو شبهه، أو لسفر أو حبس يطول أمدهما، ولم يمكنها الصبر لخوفها على نفسها من الوقوع في الحرام، جاز لها طلب الطلاق حتى لو حصلت على نفقتها، فإن استجاب لها كان خيراً، وإلا أمره الحاكم بالطلاق، فإن لم يمتثل طلقها الحاكم الشرعي؛ فيقع طلاق الحاكم بائناً أو رجعياً بما يناسب مورده. هذا، وسيأتي حكم المفقود في باب الطلاق إن شاء الله تعالى. (أنظر في ذلك المسألة: 952، وما بعدها).
الفرع الثاني: في نشوز الزوجة
مسألة 767: يجب على الزوجة القيام بحق زوجها في الاستمتاع بالنحو الآنف الذكر، فإن منعته حقه عامدة متمردة، أثمت وعصت وكان للزوج أن يعالج نشوزها بعدة طرق:
الأول: أن يسلك طريق الأخلاق الفاضلة، فيتحلى بالصبر والأناة ويعالج تمردها بالحكمة والمداراة، ويُوثِّق فيما بينه وبينها ما وهن من أسباب المودة.
الثاني: أن يعظها فيخوفها المعصية ويحذرها العقاب ويأمرها بتقوى الله تعالى، وينبغي له أن يكرر ذلك وينوع أساليبه، بل ويستعين بغيره من أهل المعرفة والعلم ممن يمكنه التأثير فيها، فيصبر عليها في ذلك حتى ييأس من تأثرها.
الثالث: أن يهجرها فيدع مضاجعتها، بأن ينام في غرفة غير غرفتها، أو ينام في غرفتها لكنه يدير لها ظهره فلا يعبأ بها، ورغم أن مضاجعة الزوجة غير واجبة دائماً كما سبق القول في (المسألة: 759)، فإن الهجـران ـ على كل حال ـ هو وسيلة ضغط نفسي مهمة لردع المتمرد، مقدمة لإعادة اللحمة وتوثيق عرى المودة، وحيث تكون المضاجعة واجبة فإن هجران الناشزة لا يجوز إلا بعد اليأس من ارتداعها بالموعظة، وإلا جاز اللجوء إليه قبل الموعظة.
الرابع: أن يَضْربَها، وهو خيار غير لازم، فإن شاء لجأ إليه وإن شاء عزف عنه، وحيث يرغب في اللجوء إليه يلزمه مراعاة ما يلي:
أولاً: أن يكون بعد الموعظة والهجران بحيث يظهر له إصرارُها على التمرد وفقدانها لكل عذر، وبخاصة مع حسن أخلاق الزوج وقيامه بحقوقها كافة.
ثانياً: أن يأمل تأثرها بذلك ورجوعها إلى الطاعة وترك النشوز، فلو علم من حالها أنها لا تتأثر بذلك البتة لم يجز له ضربها.
ثالثاً: أن يكون ضربها بقصد إصلاحها وحرصاً على مودتها لا بقصد التشفي والانتقام.
رابعاً: أن يقتصر على أقل مقدار يحتمل معه التأثير، وحَدُّه الأعلى أن يكون غير موجب لاحمرار الجلد واسوداده، وفي داخل هذا الحد يجب الترتُّب في مراتب الشدة، فلا يجوز اللجوء إلى الأشد مع حصول الغرض بالأقل منه، فإن أخذه الغضب فزاد عن ذلك الحد المسموح به، فضربها فاحمرَّ جلدها أو اسود أو أدماها كان ذلك منه جناية يأثم عليها ويضمن لها ديتها بالنحو المقرر في مباحث الديات.
الخامس: منعها من النفقة بعد سقوط حقها فيها بالنشوز، على ما ذكرناه في مبحث النفقة، فإن شاء الزوج أنفق عليها وإن شاء منع عنها النفقة، وسقوط النفقة وإن لم يُنص على كونه طريقاً من طرق ردعها، لكنه يتضمن قوة ردع فاعلة، ولا سيما حيث تعتمد الزوجة في عيشها على نفقة الزوج، فلا يمكنها ـ غالباً ـ الاستمرار في نشوزها فترة طويلة إذا لم يكن هدفها من النشوز إلجاء الزوج لطلاقها والخروج من حياته. وعلى كل حال فإن سقوط النفقة بمجرد النشوز إجراء يمكن إستخدامه مع جميع ما سبق ذكره من طرق علاج النشوز الآنفة الذكر، كما يمكن الاقتصار عليه وحده دون سائرها.
تتمة في الإيلاء:
(الإيلاء) مصدر (آلى، يؤلي)، بمعنى: حَلَف؛ وهو في الشرع: (أن يحلف الرجل على ترك مجامعة زوجته الدائمة المدخول بها مدة تزيد عن أربعة أشهر أو دائماً، بهدف الإضرار بها). ولما كان مدار أحكامه على سعي الزوج لحرمان زوجته من حقها في الاستمتاع، وإلزام الشرع له بالوفاء لها أو بطلاقها إذا امتنع عن الوفاء وطالبته بالطلاق، فإنه يعتبر من مباحث وشؤون حق الاستمتاع، فينبغي ذكره معها، لا في باب مستقل كما جرى عليه الفقهاء. وفيما يلي تفصيل أحكامه في مسائل:
مسألة 768: الإيلاء نحو خاص من اليمين، ويعتبر فيه جميع ما يعتبر فيه عدا أمرين:
الأول: لا يعتبر فيه أن يكون متعلقه راجحاً، فرغم أن المحلوف عليه هو ترك وطىء الزوجة من حيث هو حق لها، وبهدف الإضرار بها، فإنه ينعقد يميناً وتترتب عليه بعض آثاره.
الثاني: لا يأثم الحالف إذا حنث به، بل إنه يجب عليه الحنث به وفاءً للزوجة بحقها، لكن مع الكفارة.
مسألة 769: لا ينعقـد الإيــلاء ـ كمطلـق اليميـن ـ إلا باسـم الله تعالـى المختص به أو ما ينصرف إطلاقه إليه، ولا يعتبر فيه العربية، فضلاً عن اعتبار أن تكون العربية صحيحة وفصحى، وكذا لا يعتبر أن يكون اللفظ صريحاً في ترك الجماع، بل يكفي كل لفظ يفهم منه الحلف على ترك ذلك العمل، بمثل: «والله لا أجامعك»، أو «لا أمَسُّك»؛ بل يكفي قوله: «والله لا جمع رأسي ورأسك وسادة أو مخدة»، إذا قصد به ترك الجماع.
مسألة 770: لا بد لصدق الإيلاء بمعناه المصطلح من توفر العناصر التالية:
الأول: أن تكون الزوجة دائمة، فلا يتحقّق الإيلاء في المتمتَّع بها.
الثاني: أن تكون مدخولاً بها ولو دبراً، فلا إيلاء في غير المدخول بها.
الثالث: أن يكون المحلوف عليه ترك جماعها في الفرج، فلا يتحقّق في الحلف على ترك جماعها دبراً.
الرابع: أن تكون مدة الترك: إما مؤقتة بأربعة أشهر فصاعداً، أو كانت بحيث قد نَصَّ على كونه دائماً، أو حلف فاطلق كلامه من حيث المدة، فلم يذكرها، فإن حلف على ترك وطئها مدة هي أقل من أربعة أشهر لم يكن إيلاءً بالمعنى المصطلح، حتى لو كانت تتضرر بترك جماعها في تلك المدة.
الخامس: أن يكون هدفه من الحلف الإضرار بها، فلو كان حلفه لا بهذا الغرض، بل إما لغرض نافع لهما أو لأحدهما، أو بدون غرض البتة، لم يكن إيلاءً بالمعنى المصطلح.
مسألة 771: إذا فقد الإيلاء أحد العناصر المذكورة في المسألة السابقة لم يكن إيلاءً بالمعنى المصطلح، فلا يترتب عليه ما سنذكره له من أحكام في هذا المبحث، بل يجري عليه ما سبق ذكره من أحكام اليمين إذا اجتمعت شروطه، ومن شروطه أنه لا ينعقد يميناً إلا إذا كان متعلقه راجحاً، فلو حلف أن يترك مجامعة زوجته لمدة أقل من أربعة أشهر لم ينعقد يمينه، لأن لها عليه حق الاستمتاع كلما طلبته، فيكون حلفه منافياً لحقها عليه فيبطل؛ وهكذا يراعى في سائر موارده شروط اليمين التي سبق ذكرها في مباحث النذر والعهد واليمين.
مسألة 772: يعتبر في (المؤلي) أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً قاصداً، فلا يقع الإيلاء من الصغير والمجنون والمكره والهازل والسكران ومن اشتد به الغضب حتى سلبه قصده، بل ولا ممن لا يقدر على الجماع لجَبٍّ أو عننٍ بحيث لا يمكنه أن يحقق الجماع عند تخييره بينه وبين الطلاق بالنحو الذي سيأتي بيانه.
مسألة 773: إذا تم الإيلاء بالنحو الذي ذكرناه جاز له البقاء على يمينه وامتناعه إلى أربعة أشهر، فإن طلبته قبل ذلك جاز له الوفاء لها والحنث باليمين، فإن أجابها ـ حينئذ ـ فوطأها لزمته كفارة حنث اليمين دون أن يأثم في هذا الحنث، وهي نفس كفارة حنث اليمين، أي: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيام؛ وكذا لو كان قد حلف على ترك الوطىء دائماً أو مطلقاً، فوطأها بعد ذلك.
هذا إذا رجع عن يمينه من نفسه، أما إذا بقي على امتناعه، فلا هو رجع إليها ولا هو يريد طلاقها وتخلية سبيلها، ولم تقدر على الصبر عليه، جاز لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، فيستدعيه الحاكم الشرعي، ويحثه على إجابتها ويعظه حيث يكون آثماً بترك حقها، فإن لم ينفع وبقي على امتناعه، أَنْظَرَهُ أربعة أشهر تبدأ من حين الإيلاء، فإذا مضت مدة التربص، وكان قد رجع قبل مضيها فواقعها كان خيراً، وعليه كفارة حنث اليمين، وإن لم يرجع أجبره الحاكم على اختيارالرجوع أو الطلاق إن طلبته الزوجة وفضلته على الصبر على ما هي عليه، فإن فعل أحدهما كان خيراً، وإلا حبسه الحاكم وضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يختار أحدهما دون أن يجبره على أحدهما بعينه، فإن امتنع عن كليهما طلقها الحاكم، فيقع طلاقه رجعياً مع الدخول بها إن لم تكن يائسة، وإلا وقع بائناً.
ومهما كانت نتيجة المرافعة ومجرياتها فإنه حيث يرجع إلى زوجته فيواقعها في المدة التي حلف على ترك وطئها فيها يجب عليه كفارة الحنث باليمين، سواءً رجع إليها في مدة التربص التي عينها له الحاكم أو قبلها أو بعدها؛ وأما حيث يرجع إليها بعد انقضاء المدة التي حلف على ترك وطئها فيها فلا كفارة عليه لعدم الحنث، حتى لو كانت قد رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي فظل يدافعه المؤلي حتى انقضت مدة الإيلاء.
مسألة 774: لا يتحقّق الرجوع عن الإيلاء إلا بالمواقعة للقادر عليها، فلو صادف عجزه عنها حين رغبته في الرجوع كفاه العزم على مواقعتها حين قدرته عليها في تحقّق الرجوع وإنهاء الترافع إن كان.
مسألة 775: يزول حكم الإيلاء إذا طلقها المؤلي طلاقاً بائناً، وليس للحاكـم عليه شيء بعد ما طلق؛ كما وأنه لو عقد عليهـا ـ ولـو أثنـاء عدتهـا ـ فواقعها لم يكن ذلك حنث منه لزوال حكم الإيلاء السابق بالطلاق البائن حتى من هذه الجهة. فيما لا يزول حكم الإيلاء بالطلاق الرجعي إلا بانقضاء عدتها، فلو راجعها في العدة عاد إلى الحكم الأول، فلزوجته المطالبة بحقها، وعليه كفارة الحنث عند مواقعتها.
مسألة 776: من المفيد إلفات النظر إلى أن ما ذكرناه في هذه التتمة من توقف إجراء حكم الإيلاء بالتخيير بين الرجوع عنه أو الطلاق على انقضاء أربعة أشهر على صدور الإيلاء، إن هذا الحكم لا ينافي حكمنا السابق في (مبحث حق الاستمتاع) بوجوب الاستجابة لها قبل ذلك عند حاجتها إلى العلاقة الجنسية، ولا سيما إذا خافت الوقوع في الحرام، وذلك لخصوصية الإيلاء وكونه استثناءً من ذلك الحكم العام الذي ينظم العلاقة الجنسية بين الزوجين ويضع لها حدودها. (أنظر المسألة: 755 وما بعدها).
مسألة 777: لا تتكرر الكفارة بتكرر اليمين إذا كان الزمان المحلوف على ترك الوطىء فيه واحداً.