المبحث الرابع: في إزالة الشيوع بالقسمة

تمهيد:
لا يعتبر الشيوع في المال قدراً مفروضاً على الشركاء، بل يمكن إزالته والخروج عنه وانفراد كل واحد منهم بحصته ساعة يشاء، ما لم يكن قد ارتبط بشرط لازم أو عقد شركة لازم بالنحو الذي سبق؛ ومهما كان نوع المال فإن لأحد الشركاء أن يطلب الاستقلال بحصته المشاعة منه والانفراد بها، فإن كان المال مما يمكن قسمته بواحدة من طرق القسمة المتعددة ـ بالتراضي أو بالإجبار ـ كان له ذلك، وإن كانت العين غير قابلة للقسمة، أو كانت قسمة تراض ولم يتراضيا على كيفيتها، جاز له أن يطلب بيعها واقتسام ثمنها، وتفصيل ذلك يقع في ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في تعريف القسمة وطرقها
وفيه مسائل:
مسألة 28: القسمة هي: (فعلُ ما يؤدي إلى تعيين الحصة المشاعة من المال المشترك في جزء معين منه)، وذلك إما بغرض إزالة الشيوع وانفراد كل شريك بحصته، أو بغرض تضييق دائرته، والأول واضح، والثاني: كما في المال المشترك بين أربعة، فيقسم إلى قسمين ويجعل لكل إثنين منهم قسماً معيناً منه.
وهي (إجراء) بالتراضي أو الإجبار يترتب عليه بنفسه تعيين الحق ولو بمعونة القرعة عند الاختلاف، فلا حاجة لتصحيح وضع كل من الشريكين ـ أو الشركاء ـ يده على هذه الحصة المفرزة من المال دون غيرها بأن يقال: (إن القسمة في حقيقتها نوع من تبادل الأجزاء، بحيث يكون كل جزء منها لهذا هو في مقابل كل جزء منها للآخر)، أو بما يشبه ذلك من المعاوضة. نعم، قد يستلزم تعديل السهام في بعض أنواع القسمة تعويض بعض الحصة المشاعة بما هو خارج عن المال المشترك فتحتاج إلى المصالحة أو نحوها كما سيأتي تفصيله لاحقاً.
والقسمة لازمة إذا وقعت عن تراض، فضلاً عما لو كانت قسمة إجبار، إلا إذا تبين خطؤها كما سيأتي؛ بل الظاهر أنه لا يصح الرجـوع عنهـا ـ أيضاً ـ بالتقايل، فلو تراضى المتقاسمون على إلغاء القسمة وإعادتها من جديد لم يرجع المال إلى الإشاعة، بل تكون إعادة تقسيمه معاملةً أخرى لا تجري عليها أحكام القسمة التي نذكرها هنا، بل تجري عليها أحكام المعاملة الجديدة، كالصلح أو غيره من المعاملات.
مسألة 29: تتقوم القسمة ـ من حيث الغـرض منها ـ بإعطاء كل شريك كامل حصته من العين، أو من المنفعة وحدها إذا كانت هي المشتركة دون العين، وفصلها عن حصص الآخرين، وهو أمر لا يتم إلا مع إمكان تجزأة العين في الأعيان، وكذا تجـزأة الانتفـاع في المنفعـة؛ فإن لـم يمكـن تجـزأة العيـن ـ بل ولا الانتفاع ـ وجب اللجوء إلى بيع العين بما يمكن قسمته، ثم قسمة الثمن، وهو أمر سوف نعرض له في مسألـة مستقلة لاحقاً. أما عندما تكون قسمة المال ـ عيناً أو منفعة ـ ممكنة ـ فإننا نلاحظ أنها تختلف في الأعيان عنها في المنافع، كما أنها تختلف في بعض الأعيان عنها في البعض الآخر، فهنا أمران:
الأمر الأول: في قسمة الأعيان
تختلف قسمة الأعيـان بحسب اختلافهـا ـ مـن حيـث طبيعتهـا ـ في كيفية الانقسام على أنحاء ثلاثة:
النحو الأول: قسمة الإفراز، وموردها ما كان من الأعيان قابلاً للإنقسام إلى سهام متساوية الكمية مما يُقَدَّر بالكيل أو الوزن أو العَدِّ أو المساحة، ومتساوية ـ أيضاً ـ بالقيمة والمالية، وذلك كالصنف الواحد من الحبوب والأدهان والألبان واللحوم والنقود، وما صنع بالآلات الحديثة من آلات وأواني ومنسوجات ونحوها، والأراضي المنبسطة المتساوية الأجزاء في الصفات المرغوبة، كنوع التربة والموقع ونحوهما؛ فإن كان في بعض هذه الأعيان ما يوجب اختلاف أجزائها في المالية، وذلك كأن:
أ ـ اختلفت مواقع أجزاء الأرض من حيث انبساطها وارتفاعها، أو من حيث قربها من الطريق العام أو بعدها عنه، أو من حيث جودة تربتها أو رداءتها، وما أشبه ذلك.
ب ـ اختلفت هيئة العين الصناعية، كالسجادة الواحدة، أو السيارة أو الطشت أو نحو ذلك مما ينظر إليه بما هو عليه من شكل خارجي ناتج عن الصنعة واجتماع الأجزاء.
فإن العين في هذين الموردين ـ وما شاكلهما من الموارد التي تشتمل فيها العين على بعض الاعتبارات التي تجعل أجزاءها مختلفة المالية ـ لا تكون قسمتها قسمة إفراز، بل تنقسم بواحد من النحوين الآخرين للقسمة اللذين سنذكرهما.
النحو الثاني: قسمة التعديل، وموردها ما إذا كان المال المشترك مشتملاً على أشياء متحدة في الجنس مختلفة في القيمة والمالية، كما إذا اشترك اثنان في ثلاثة أثواب أو أغنام أو كتب؛ أو كانت الأشياء مختلفة جنساً وقيمة، كما لو اشتركا في سيارة وسجادة وكتاب وكرسي، وكانت بحيث يمكن جمع بعضها بما يساوي في قيمته حصة أحد الشركاء، والباقي حصة الشريك الآخر، دون أن يبقى شيء منها مشتركاً بينهما. (والتعديل) مأخوذ من (عَدّل الشيء) بمعنى: أقامه وسواه وجعله عِدلين، أي شيئين متماثلين ومتساوين. وبناءً عليه فإنه إذا كانت قيمة كتابين في المثال الأول تعادل وتساوي قيمة كتاب واحد، أعطي أحد الشريكين الذي له نصف هذه الكتب الثلاثة كتاباً وأعطي الآخر كتابين؛ وفي المثال الثاني: لو فرض أن قيمة السيارة تساوي قيمة السجادة والكتاب والكرسي، أعطي أحد الشريكين مقابل حصته التي هي نصف هذه الأغراض السيارة وأعطي الآخر سائر الأغراض. وهكذا.
النحو الثالث: قسمة الرد، وموردها نفس مورد النحو الثاني، غير أنه إذا جمعت بعض الأشياء مع بعضها الآخر لتُعدَّل قِيَمُها بما يساوي حصة أحد الشريكين يبقى فيها ما هو أزيد أو أنقص من حصة الآخر، بنحو لا يمكن تعديله إلا ببذل مال خارج عن المال المشترك لتتعادل به الحصص، وذلك كما إذا كانت بين اثنين سيارتان، قيمة إحداهما ألفا دولار وقيمة الأخرى ألف دولار، أمكنت القسمة بينهما بأن يأخذ أحدهما مقابل حصته ـ وهي النصف ـ السيارة التي قيمتها ألفا دولار على أن يدفع للآخر مع السيارة الثانية خمسمئة دولار لتعادل حصته.
الأمر الثاني: في قسمة المنافع
تصح قسمة المنافع المشتركة بما يصطلح عليه بـ (المُهاياة) أو: (المُهايأَة) وهي بمعنى الموافقة؛ وذلك بأن يتراضى المشتركون في منفعة الدار على أن يسكنها كل منهم حسب حصته في وقت محدد بالأيام أو الأسابيع أو نحوهما، أو أن ينفردكل واحد بجزء منها إذا كان محققاً لغرضه، أو أن يستخدموها جميعاً في الغرض المشترك، أو نحو ذلك من وجوه التوافق على الانتفاع بالمال المشترك التي تختلف باختلاف طبيعته وباختلاف الأغراض المرادة منه.
ثم إنه إن كان الاشتراك في المنفعة وحدها دون العين، كما في الدار أو السيارة أو الشجرة إذا استأجرها أكثر من واحد للانتفاع بها، انحصرت قسمتها بالمهايأة نظراً لكون المنفعة أمراً اعتبارياً قائماً بالعين لا يقبل القسمة بدونها، فلا محيص للشركاء من التوافق على الانتفاع بها بالنحو الذي يرغبون؛ فإن لم يتراضوا وطلب بعضهم حل الشركة، أو تراضوا على حلها، أمكنهم ذلك بتأجيرها لغيرهم وتقاسم أجرتها بالنحو الذي يصلح للقسمة إذا أذن لهم المالك، وإلا رفعوا أمرهم للحاكم الشرعي الذي يحق له إجبارهم على ما يراه مصلحة لهم في تقاسم المنفعة.
وأما إن كانوا شركاء في العين والمنفعة معاً، ورغبوا في تقاسم المنفعة وحدها بطريقة المهايأة صح منهم ذلك ما داموا متراضين عليها؛ فإنْ منع بعضُهم منها ورَفَع الإذن عنهم، بطلت، إلا أن يكون ملزماً بها بشرط ونحوه؛ وحيث يرغب بعضُهم في الانتفاع بالعين ـ أو يُضطر إليه ـ ولا يأذن له شركاؤه، فإنَّ بإمكانه طلبَ قسمة العين وحلِّ الشركة من أصلها ما دامت العين مشتركة أيضاً.
مسألة 30: لما كان المناط في اقتسام العين بواحد من تلك الأنحاء الثلاثة هو ما تقتضيه طبيعة العين، فإنها كما تقتضي انحصار قسمتها بواحد من الأنحاء الثلاثة بخصوصه، قد تقتضي صلاحيتها للإنقسام بأكثر من نحو واحد منها، وذلك كما لو اشتركا في ثلاث سيارات، قيمة إحداها ألفا دولار وقيمة كل من الآخريتين ألف دولار، فتصح فيها قسمة التعديل، بأن يأخذ أحدهما السيارة التي قيمتها ألفا دولار والآخر السيارتين اللتين قيمتهما ألفا دولار؛ كما تصح فيها قسمة الرد، بأن يأخذ أحدهما السيارة التي قيمتها ألفا دولار مع سيارة قيمتها ألف دولار ويأخذ الآخر السيارة الثانية التي قيمتها ألف دولار أيضاً مع ألف دولار نقداً.
أو كما لو اشتركا في حاصل موسم زراعي متنوع، وكان حاصله مئة كيلو حُمُّصاً بقيمة ثلاثين دولاراً، مع مئة كيلو قمحاً بعشرين دولاراً، مع مئة كيلو شعيراً بعشرة دولارات، فإذا أخذ كل واحد منهما نصف كل نوع من الحاصل كان ذلك قسمة إفراز، وإذا أخذ أحدهما الحمص والآخر القمح والشعير كان ذلك قسمة تعديل، وإذا أخذ أحدهما الحمص والشعير والآخر القمح مع عشرة دولارات نقداً كان ذلك قسمة رد؛ وهكذا.
مسألة 31: لا يشترط في قسمة الإفراز العلم بمقدار كل حصة، فلو أخذ كل واحد نصف القمح الموجود بمكيال مجهول صحٍّ؛ وكذا يصح فرز قطعة أرض إلى أجزاء متساوية بحبلٍ أو خشبة مجهولي المقدار. فيما لا بد لتعديل الحصص في قسمتي التعديل والرد من العلم بمقدار حصة كل منهما بما يكفل إعطاء كل ذي حق حقه.
المطلب الثاني: في قسمتي الإجبار والتراضي
وفيه مسائل:
مسألة 32: قد تقدم منا القول: «إن الشيوع في المال ليس قدراً مفروضاً على الشركاء، بل إن للشريك إزالته والخروج عنه ساعة يشاء، ما لم يكن قد ارتبط بشرط أو عقد لازم»، وقد عالجنا موضوع فض الشركة فيما سبق في إطار الشركة العقدية من حيث اللزوم والجواز في (المسألة: 25) وما بعدها، فيما نعالجه هنا في إطار إزالة الشيوع وحل التشارك القائم بين الشركاء من حيث أصله، بغض النظر عن توافقهم على استثمـار المال وعدمـه. وبعدمـا بيَّنا ـ فيما سبق من مسائل ـ أن حل التشارك من أصله لا يكون إلا بالقسمة، وبعدما بيَّنا أنحاء القسمة، صار لزاماً علينا بيان أحكام طلب أحد الشركة القسمة، فنقول:
رغم أن للشريك أن يفرض القسمة على سائـر الشركـاء ـ مـع إمكانهـا ـ ويطلب الانفراد بحصته، فليس له دائماً أن يفرض نحواً محدداً من أنحائها الثلاثة التي تقدمت، بل يختلف حال القسمة من هذه الجهة بين ما يصطلح عليها بـ (قسمة الإجبار) وبين ما يصطلح عليها بـ (قسمة التراضي):
أما قسمة الإجبار فلها ثلاثة موارد:
الأول: ما إذا كانت العين صالحة لقسمة الإفراز دون قسمة التعديل، أو معها، ولم يكن فيها ضرر على الآخر، فإذا طلب قسمة الإفراز وجبت إجابته وأجبر الممتنع.
الثاني: ما إذا كانت العين صالحة لقسمة التعديل دون الإفراز، ولم يكن فيها ضرر على الآخر، فتجب إجابة طالبها، ويجبر عليها الممتنع.
الثالث: ما إذا صلحت العين لقسمتي الإفراز والتعديل، وكان في الإفراز ضرر على طالب التعديل دون أن يكون في التعديل ضرر على المطلوب منه، فتجب إجابة طالب التعديل ويجبر الممتنع.
وأما قسمة التراضي فلها ثلاثة موارد ـ أيضاً ـ:
الأول: ما إذا كانت العين صالحة لقسمة الرد، فإذا طلبها أحد الشريكين لم يجب على الآخر إجابته، سواءً انحصرت بها القسمة أو لم تنحصر، وسواءً ترتب على الآخر ضرر منها أو لم يترتب.
الثاني: ما إذا كانت العين صالحة لقسمة التعديل دون غيرها، أو لقسمة الإفراز كذلك، وكان فيها ضرر على المطلوب منه، لم تجب عليه إجابة شريكه إليها.
الثالث: ما إذا كانت العين صالحة لقسمتي الإفراز والتعديل، ولم يكن في كليهما ضرر على أحدهما، فإذا طلب قسمة التعديل بخصوصها لم يجب عليه إجابته.
فيحق للشريك المطلوب منه أن يمتنع في هذه الموارد الثلاثة عن تلبية رغبة شريكه؛ وحينئذ فإن تراضيا على حل كان خيراً، وإن لم يتراضيا، جاز للطالب رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي، سواءً كان متضرراً من ترك القسمة أو غير متضرر، فإن رضيا عنده كان خيراً، وإلاأجبرهما الحاكم على ما هو المقبول في نظر العقلاء، دون أن تصل النوبة إلى إجبارهما على بيعها واقتسام ثمنها، إذ إنهما لايلزمان به إلا في صورة عدم إمكان قسمة العين، كما سيأتي.
وبعبارة جامعة:
كلما كانت القسمة لا تستلزم الرد ولم يكن فيها ضرر على أحدهما، وانحصرت بها، صح إجباره على ما انحصرت به إفرازاً أو تعديلاً إذا طلبه الآخر؛ كما يصح إجباره على الإفراز دون التعديل مع إمكانهما وعدم تضرر الآخر من الإفراز، وإلا أُجبر الشريك على التعديل إذا طلبه الآخر؛ وهذه هي موارد قسمة الإجبار.
وكلما كانت القسمة مستلزمة للرد، أو كانت إفرازاً أو تعديلاً وكانت بحيث يتضرر بها المطلوب منه، أو كانت تعديلاً مع إمكان الإفراز دون ضرر على أحدهما، لم يلزم الشريك بالقسمة إلا أن يتراضيا عليها؛ فإن لم يتراضيا جاز لطالب القسمة رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي، فإن أرضاهما كان خيراً، وإلا صح منه إجبار الممتنع على ما هو المقبول في نظر العقلاء، وبخاصة مع عدم تضرره وتضرر الطالب، وهو يشمل ما تنحصر قسمته بالرد، وموارد عدم إمكان قسمة العين ولجوئهما إلى بيع العين لتقاسم ثمنها، كما سيأتي بيانه.
وبهذه العبارة الجامعة يمكننا استخلاص ما يلي: إن كون القسمة بالإجبار أو التراضي يتقوم بعنصرين:
الأول: توافق طريقة القسمة مع طبيعة العين المشتركة، من كونها بالإفراز أو التعديل أو الرد.
الثاني: تضرر المطلوب منه بها وعدمه.
مسألة 33: قد يدخـل في كـون القسمة بالإجبـار أو التراضـي ـ إضافة إلى العنصرين المذكوين في خاتمة المسألة السابقة ـ عنصر ثالث هو: تناسب القسمة المطلوبة مع (العنوان) و(الهيئة) التي تكون عليها العين؛ ففي مثل البستان المزروع شجراً تكون قسمته بالإجبار إذا كانت العين غير صالحة إلا للتعديل ولم يكن المطلوب منه متضرراً بها، لكن لو كان مطلوبه هو قسمة الأرض وحدها والأشجار وحدها لم يُجبر شريكه عليها، لمنافاتها لعنوان البستانية الذي صارت فيه الأرض والأشجار وحدة تامة لا تنفصل، فيما يبقى مجبوراً عليها لو طلب شريكه قسمة الأرض مع الأشجار لتناسبها مع عنوان البستانية، وهكذا ما يشبهه من سائر الموارد.
مسألة 34: إنما يجبر الشريك على القسمة إذا لم يكن قد اشترط على طالبها تأجيلها إلى وقت معين، أو كان قد اشترط ومضى الأجل، فإن كان قد اشترط عليه تأجيلها إلى مدة معينة لم يكن له جبره أثناءها حتى تنقضي مدة التأجيل.
مسألة 35: المراد من الضرر المانع من الإجبار على القسمة هو النقص الواقع في العين أو القيمة بسبب القسمة، وذلك بمقدار لا يتسامح فيه في العادة وإن لم يسقط به المال عن قابلية الانتفاع بالمرة. كذلك فإن تأثير الضرر في عدم الإجبار إنما هو حيث يرغب المتضرر في تجنبه، أما لو فرض تعلق رغبته في موضوع الضرر لغرض صحيح ولم يكن الآخر متضرراً صح منه إجباره حينئذ، ومن موارده ما لو كان شريكاً في عُشر دارٍ، وكان من الصغر بحيث لا يصلح للسكن إذا استقل به، فإنه ـ رغم تضرره منها من هذه الجهة ـ يجب على شريكه إجابته إذا طلب القسمة بغرض صحيح، فيما ليس لشريكه إجباره على القسمة إذا امتنع عنها لتضرره بها.
مسألة 36: تكتنـف عمليـة القسمـة ـ غالبـاً ـ صعوباتٌ كثيرةٌ، بحيث لا يستغنى عندها عن تدخل أهل الخبرة ومساهمتهم فيها، سواءً من حيث تحديد نوع القسمة أو من حيث إقناع الأطراف بحل مُرضٍ بعد استعراض الخيارات الممكنة؛ بل كثيراً ما يتعاسر الشركاء ويختلفون فيما بينهم، فيحتاج فض النزاع وإصلاح ذات البين إلى تدخل الحاكم الشرعي؛ ورغم وضوح ما سبق ذكره من أنواع القسمة وموارد الإجبار عليها أو التراضي، ورغم صلاح ذلك قاعدة يمكن تطبيقها على مواردها، فإنه لا غنى عن تطبيق ذلك على بعض مواردها التي جرى ذكرها في كتب الفقهاء، وذلك في فرعين:
الفرع الأول: في قسمة الدور وشبهها، وله موارد:
الأول: الأبنية السكنية ذات الطبقات المتعددة، فإنها إذا كانت متماثلة مساحة وهندسة وقيمة انقسمت جبراً قسمة إفراز مع تساوي الحصص إذا طلبها أحد الشركاء، فيتراضون بينهم على أن يكون توزيع الحصص: إما أفقياً، بأن يأخذ كل شريك طابقاً بشقتين ـ مثلاً ـ، أو يكون توزيعها عمودياً، بأن يأخذ كل شريك شقة في كل طابق صعوداً.
وأما إذا اختلفت الطوابق مساحةً وهندسةً وقيمةً، واقتضى ذلك تعديل السهام ما بين كل طابق وطابق وما بين كل شقة وشقة، بحيث انحصرت قسمتها بالتعديل، وطلب بعض الشركاء قسمتها كذلك، وجبت إجابته.
وفي كلا الحالتين يناط الجبر بعدم الضرر، وخاصة لجهة الإجراءات القانونية التي يخضع لها نظام الطبقات، وأيضاً لجهة كون كل وحدة سكنية كياناً متماسكاً غير قابل لأن تفرز كل غرفة فيه بين الشركاء، فلا تصلح بعدها لانفراد كل واحد منهم بحصته.
الثاني: الدار الواحدة ذات الطبقتين المتكاملتين، كالقصر وما أشبهه، فإن أمكن قسمته بالإفراز أفقياً وعمودياً، بحيث يأخذ كل واحد منهما حصة مساوية للآخر من كل طبقة؛ وأمكن ـ أيضاً ـ قسمته بالتعديل أفقياً وعمودياً، بأن يأخذ كل واحد منهما حصة معدلـة من كل طبقة، وأمكن ـ أيضـاً ـ قسمته بالتعديل أفقياً، بأن يأخذ أحدهما تمام الطبقة العليا والآخر تمام السفلى؛ كانت قسمتها جبراً بالإفراز مع طلبها من قبل أحد الشركاء وعدم تضرر الآخر؛ ومع عدم إمكانها بالإفراز، أو مع تضرر الآخر بها، وانحصارها بقسمتي التعديل والرد مع إمكانهما معاً،يجبر الممتنع إذا طلب شريكه قسمتها بالتعديل مع عدم الضرر عليه، دون ما لو طلب قسمتها بالرد، إلا أن تنحصر القسمة بها ويطلبها الشريك ولا يكون فيها ضرر على الآخر فيجب عليه إجابته.
الثالث: المنشآت ذات الغرف المتعددة، ومنها الدور التي يُرغب في اقتسامها ولو غرفة غرفة، وكذا الفندق والمدرسة الداخلية والمحلَّات التجارية، فإنه ـ حيث لا يترتب ضرر ـ يجبر الشركاء على تقاسم كل غرفة فيها فيما بينهم قسمة إفراز إذا طلبها أحد الشركاء، وهي مقدَّمة على قسمة التعديل التي يهدف منها إلى استقلال كل منهم بغرفة تامة أو دكان مع اختلافها في الصفات والقيمة؛ وإن كان الغالب في مثله قسمته قسمة تعديل لتعلق الرغبة بها وتحقّق الضرر من قسمة كل غرفة منها قسمة إفراز، إلا في حالات قليلة تكون الغرفة فيها واسعة جداً ومرغوبة بذاتها. هذا، ولكن حيث تكون الغرف متساوية في الصفات والقيمة، وحيث تكون الحصص مستوعبة لها بدون تجزأة، فإنها تنقسم جبراً قسمة إفراز، فيعطى كل واحد غرفة أو أكثر، تماماً كما لو كان عندهم عشر سيارات متماثلة ومتساوية القيمة، وذلك كما أسلفنا القول في المورد الأول.
الرابع: المطبخ أو الحمام أو ما أشبههما من المنشآت ذات التجهيز الخاص، فإنه لما كان غيرَ قابل للقسمة الخالية من الضرر، لا يجبر الممتنع على قسمته إلا إذا كان واسعاً بحيث يصلح قَسيمُه ليكون مطبخاً بعد إحداث التجهيز المناسب فيه، فتجب إجابته ـ حينئذ ـ وتكون قسمته قسمة تعديل غالباً، وبخاصة ما لو اكتفى طالب القسمة به بدون صفته مطبخاً أو حماماً.
الفرع الثاني: في قسمة الأرضين والزُرُوع، وله موردان:
الأول: البستان المشتمل على أشجار؛ وهو ينقسم قسمة إجبـار ـ بالتعديل أو الإفراز ـ إذا طلب أحد الشركاء قسمته مع أشجاره، لأن ذلك هو الأنسب والأقرب للوضـع الطبيعـي لعنـوان البستـان؛ وينقسم بالتراضي ـ بالتعديـل أو الإفـراز أو الـرد ـ إذا طلب أحد الشركاء قسمة الأرض وحدها والأشجار وحدها، لأنه على خلاف الوضع الطبيعي، وبخاصة ما لو كانت رغبته اقتسام أحدهما دون الآخـر؛ وذلك ـ طبعاً ـ بالإضافة إلى العناصر الأخرى التي لها دخالة في كون القسمة بالإجبار أو التراضي، مما سبق ذكره. أنظر (المسألة: 32).
الثاني: الأرض المزروعـة حباً؛ وهي ـ على عكس البستان ـ تنقسم جبراً بالتعديل أو الإفراز إذا طلب أحد الشريكين قسمة الأرض وحدها والزرع وحده إذا كان قصيلا أو سنبلاً، وتنقسم مع الزرع بالتراضي، إلا أن تنحصر القسمة الخالية من الضرر بقسمتهما معاً فيجبر عليها الممتنع إذا طلبها شريكه؛ أما إذا كان الزرع ما يزال حباً لم ينبت، أو كان ما يزال خَضِراً لم يَقْصل، بحيث لم يمكن تعديل السهام معه، فإنه يصح ـ حينئذ ـ تقسيم الأرض وحدها بما يناسبها من أنحاء القسمة، جبراً أو مع التراضي، واعتبار وجود الزرع كعدمه من هذه الجهة؛ كما تصح قسمتها مع الزرع بنفس النحو بحيث يعتبر الزرع تابعاً لها؛ فيما لا تصح قسمة الزرع وحده وهو على تلك الحال، لجهالته.
مسألة 37: لا تصح قسمة الديون المشتركة قبل استيفائها، فلو رغب الشريكان في قسمة ما لهما من ديون مشتركة على الناس بسبب يوجب الشركة، كالميراث أو الهبة، فاتفقا ـ مثلاً ـ على أنَّ ما هو دين على أهل الحي الفلاني لزيد، وما هو دين على أهل الحي الآخر لسعيد، لم يملك كل منهما ما عُيِّن له، فإذا استوفى أحدهما شيئاً كان لهما معاً. ومن ذلك ما لو كان لهما دين على شخص واحد، فقصد الدائن والمدين أن يكون ما يدفعه لشريكه من الدين هو من حصته من الدين المشترك، فـإن المدفـوع هنا ـ أيضاً ـ لا يتعين له بل يبقى مشتركاً بينهما.
مسألة 38: في كل مورد لا تصلح فيه العين للقسمة، كمثل الكتاب والسيارة والقلم ونحوها، فقسمته ببيعه واقتسام ثمنه؛ فإذا طلبها الشريك وجب على الآخر إجابته، ومع امتناعه يجبر عليها ولو برفع الأمر إلى الحاكم الشرعي؛ ثم ينظر في الثمن من حيث ما يناسب طبيعته من طرق القسمة، بين ما يكون موزوناً أو معدوداً أو ممسوحاً، وبين ما يكون متساوياً في القيمة أو غير متساوٍ، فيتقاسمانه حتى كأنهما ـ في الأصل ـ كانا شريكين فيه.
مسألة 39: رغم كون العين الموقوفة قابلة بطبيعتها للقسمة بالنحو الذي سلف فإنه لا تصح قسمتها بين الموقوف عليهم بالوقف الخاص، بنحو يختص كل واحد منهم بحصته من العين، إلا إذا اشترطها الواقف عند وقوع النزاع بينهم، أو مطلقاً. وكنا قد ذكرنا فروعاً أخرى لهذه المسألة في مباحث الوقف من الجزء الثاني، فانظر فيه (المسألة: 559).
المطلب الثالث: في تعديل السهام وتوزيعها
وذلك أنـه ـ بعدمـا بيّنـا أنـواع القسمـة ـ لا بد لإنجاز عملية القسمة واستكمالها من قطع مرحلتين، الأولى: تجزأة العين المشتركة إلى سهام مناسبة لعدد الشركاء وصالحة للتوزيع عليهم، وهي ما يصطلح عليه بـ (تعديل السهام)، أي: تسويتها وفرزها على قدر حصص الشركاء. الثانية: توزيع السهام على الشركاء واختصاص كل شريك بحصته منها، وهي المرحلة الأخيرة والنهائية، وهو ما سوف نبحثه في هذا المطلب تحت هذين العنوانين:
المرحلة الأولى: تعديل السهام
مسألة 40: تعديل السهام هو: (قيام المشرف على القسمة بتجزأة العين بأحد أنحاء القسمة وطرقها الآنفة الذكر بما يتناسب مع طبيعة العين، بالإفراز أو التعديل أو الرد؛ وذلك لجهة انحصار القسمة بواحدة منها أو صلاحها لأكثر من واحدة، ولجهة تحديد وجه معين من كل طريقة إذا تعددت الوجوه التي يمكن تجزأة العين بها في كل نحو من أنحاء القسمة، ثم اعتبار كل جزء منها سهماً، والقيام بتمييزه عن سائر الأجزاء، وذلك مقدمة لتسَلُّم كل شريك حُصته).
وهو ما يتم في خطوات نفصلها على النحو التالي:
أولاً: إذا كانت الطريقة منحصرة بأحد أنحاء القسمة، وكانت وجوه الطريقة منحصرة بوجه واحد منها، وكانت القسمة بالإجبار أو التراضي، فلا إشكال.
ثانياً: إذا كان كل شيء واضحاً، غير أن القسمة التي اعتمدها الشركاء جبراً أو بالتراضي كان لها وجوه متعددة، وذلك كالأرض التي يراد قسمتها بالإفراز، فإنهـا يمكـن اقتسامهـا ـ مثـلاً ـ أجزاءً مربعة أو مستطيلـة متساويـة المساحة، أو أجزاءً مثلثة ومستطيلة ومربعة متساوية المساحة، أو نحو ذلك؛ فهنا لا بد لهم من التراضي على أحد هذه الوجوه، فإن اتفقوا كان خيراً وإلا أقرِعَ بينها.
ثالثاً: إذا تمت جميع مقدمات القسمة لزم الشروع بتجزأة العين:
فإن كانت حصص الشركاء متساوية في نسبتها إلى المال المشترك لزم جَعْلُ السهام بعدد الرؤوس، فإن كانوا اثنين ولكلٍ منهما النصف، فالسهام اثنان متساويان، وإن كانوا أربعة فالسهام أربعة متساوية، وهكذا لو كانوا ألفاً فإن السهام تكون ألفاً.
وإن كانت حصص الشركاء متفاوتة، بأن كانوا ثلاثة، وكان لأحدهم نصف، وللثاني ثلث، وللثالث سدس، كان المعتمد في التجزأة هو السهام لا عدد الشركاء، فيؤخذ أصغر السهـام منها بخاصـة ـ وهو بحسب المثال المتقدم السدس ـ وتجعل العين ستة سهام متساوية.
المرحلة الثانية: توزيع السهام بالقرعة أو بدونها
مسألة 41: إذا تراضى الشركاء على أن يأخذ كل واحد منهم أي سهم منها لم يُحتج إلى شيء سوى أن يختاركل واحد من السهام ما يساوي حصته ويتسلمه، فإذا تسلَّمه ملكه، ولم يجز لغيره منازعته فيه وانتهت به القسمة.
وإن لم يتراض الشركاء على أشخاص السهام رغم تساويها قيمة، بل رغب أكثر من واحد ـ مثلاً ـ بالسهم المثلث من الأرض دون المربع، أو رغب أكثر من واحد منهم بكتاب معين موجود في جملة كتب موزعة سهاماً، أو رغب بعضهم بنفس الطراز من الثياب الذي رغب فيه غيره، فلا بد من (القرعة) لحسم الأمر وتوزيع السهام على أصحاب الحصص.
مسألة 42: القرعة في اللغة: فعل ما يُعيَّنُ به نصيبُ أو حصةُ أحد الشركاء. وفي اصطلاح الفقهاء هي: (فعلُ ما ينكشف به خيارٌ عمليٌ للمكلف في أمر مبهم لا واقع له، أو له واقع لا طريقَ لانكشافه من شرع أو عقل).
وإنما وجب الرجوع إلى القرعة هنا لأن عدم تراضي الشركاء على اختصاص كل واحد منهم بسهم بعينه يُبقي الجميع شركاء على نحو الإشاعة في كل سهم قد تم فرزه، وتكون القسمة بمجردها غير كافية في إزالة الشيوع ما لم يرض كل واحد منهم باختصاص كل واحد منهم بسهم بعينه، فحصة كل شريك واقع قائم في العين ولكن تشخيصها أمر مبهم من أصله، أي: لا واقع له، ولا طريق لتعيينه من شرع أو عقل، وحيث لا بد من جلاء الأمر، فلا محيص عن اللجوء إلى القرعة لتعيين حصة كلِّ شريك.
مسألة 43: لما كان الهدف من القرعة تعيين الأمر الملتبس وكشف إبهامه، فالظاهر أنه لا يشترط فيها كيفية خاصة مرادة بذاتها، بل يكفي فيها كل طريقة توصل إلى الهدف إذا اجتمع فيها عنصران، الأول: توافق الأطراف عليها. والثاني: عدم تدخل الإرادة البشرية بتعيين الأمر وكشف المبهم، بل يكون الملحوظ فيها تفويض الأمر إلى الله تعالى اتكالاً على دقيق لطفه وجميل اختياره. وفي مقامنا هذا يكفي تسجيل أسماء الشركاء في قطع من الورق متشابهة حجماً ولوناً، ثم تطوى ليَخْفى الإسم على المقترع، ثم تُؤخذ ورقة بعد ورقة، فمن خرج السهم باسمه يعطى له، طبق تفاصيل يتفقون عليها كما سنذكر أنموذجه في المسألة التالية؛ وبناءً عليه فإنه يصح استخدام كل ما يؤدي هذا الغرض ويوصل إلى تلك النتيجة إذا توفر فيها العنصران الآنفا الذكر.
مسألة 44: إن الكيفية المناسبة لإقراع السهام المفرزة بين الشركاء عند قسمة المال المشترك على نحو الإشاعة هي كما يلي:
أولاً: جعل علامة على كل سهم مفرز عند عزله على حده، من أجل الإشارة إليه بها حين القرعة، ويكفي في ذلك كل علامة موضحة يتراضون عليها، وذلك باستخدام العدد، مثل: الأول والثاني والثالث، أو الألوان، كالثوب الأحمر والأصفر والأخضر، أو باستخدام الجهة، كالجزء الغربي من الدار ـ أو العقار ـ والجزء الجنوبي، وغير ذلك من العلامات التي لا تحصى كثرة.
ثانياً: يُنظَرُ في حصص الشركاء بعدما عُدِّلتْ السهام، وفُرِز كلُّ سهم على حدة، ومُيِّز كل منها بعلامة:
فإن كانت الحصص متساوية، فهو يعني أن السهام بعدد الشركاء، فيُكتفى لتعيين صاحب كل حصة بالإقراع له مرة واحدة؛ وبيان ذلك: أنه يؤخذ رقاعٌ من ورق ـ مثلاً ـ بعدد الشركاء، إثنتين إن كانوا اثنين، وثلاث إن كانوا ثلاثة، وهكذا، ثم يكتب إسم كل شريك على رقعة، ثم يستر ما كتب بمثل طي الورقة ونحوه، ثم تُشَوَّش كي ينعدم ما يمكن أن تتميز به إحداهما عن الأخرى البتة، ثم يَقصدُ المقترعون أنَّ السهـم الذي عليـه علامـة (الأول) ـ مثـلاً ـ هو الذي يجري عليه الاقتراع، ثم يأخذ المقترعُ رقعة منها، فمن كان فيها إسمه كان ذلك السهم (الأول) له، ثم تكرر القرعـة، فيؤتى بالسهـم الآخر الذي عليه ـ مثـلاً ـ علامة (الثاني)، ويُقصد أنَّ الإقراع عليه، فتؤخذ رقعة أخرى، فمن كان فيها إسمه كان ذلك السهم (الثاني) له، وهكذا نستمر إلى ما قبل الأخير، فإذا بقي سهم واحد وشريك واحد تعين ذلك السهم له دون حاجة إلى القرعة.
هذا، وتصح القرعة في هذا المورد إذا كتب على الرقاع أسماء الأسهم بدلاً لأسماء الشركاء، وقصد حين أخذ كل رقعة إسم واحد من الشركاء، إذ إن النتيجة واحدة.
أما إذا كانت الحصص متفاوتة، وكان عدد السهام أكثر من عدد رؤوس الشركاء، فإنه يمكننا إعتماد طريقة كتابة أسماء الشركاء في الرقاع والإقراع على الأسهم، فإذا كان الشركاء ثلاثة، وكان المال بينهم نصفاً وثلثاً وسدساً، كانت السهام ستـة أخـذاً لهـا علـى أقلهـا ـ وهو السـدس ـ كما سلف القـول فـي (المسألة: 40، فقرة «ثالثاً»)؛ فتُوخذ رقاعٌ ثلاث بأسماء الشركاء، وتستر وتشوش، ويقصد أنَّ من خرج اسمه على سهم كان له وحده إن تمت به حصته، وكان له مع ما يليه حتى تتم به حصته، ثم يقرع على السهم الأول، فإن خرج إسم من له السدس كان هذا السهم له واكتفى به، ثم يقرع على السهم الثاني، فإن خرج إسم من له الثلث أعطي ذلك السهم الثاني الذي اقترع عليه مع السهم الثالث الذي يليه، وذلك تبعاً له لإتمام حصته، ثم ما يبقى من السهام، وهي ثلاثة، تدفع إلى من له النصف دون حاجة إلى القرعة، وهكذا نجري على ما يشبه ذلك إذا خرج إسم من له النصف عند الإقراع على السهم الأول، فيعطى ذلك السهم مع السهم الثاني والثالث لإتمام حصته، وهكذا.
مسألة 45: لا يشترط في صحة القرعة إجراؤها من قبل الحاكم الشرعي، بل تصح من كل أحد ما دامت موافقة لما يعتبر فيها.
مسألة 46: إذا تم تعديل السهام، وتم فرز العين سهاماً، وتم تشخيص كل سهم لصاحبه بالقرعة مع عدم التراضي، أو أخذ كل شريك حصته بدون القرعة مع التراضي، فحيث تصير حصة كل شريك معه يصير مالكاً لها بخصوصها دون أن يحتاج معها إلى التراضي على الاختصاص بما أخذه بإنشائه بصيغة مُفْهمة أو بدونه، ما عدا قسمة الرد، فإنه لما كان فيها تعويضٌ بالمال لبعض حصة الشريك لزم التراضي بينهما عليها بمثل الصلح أو الهبة المعوضة أو نحوهما من عقود المعاوضة.
فائدة فيها مسألتان:
مسألة 47: لا ينتفي بالقسمة الحق المتعلق بإحدى الحصتين لصاحب الحصة الأخرى، وذلك كما لو كان لحصة الشريك في الدار أو العقار ممر من حصة الآخر، فليس له منعه من المرور عليه، إلا أن يشترط عليه التخلي عن حقه هذا دون عوض، أو في قبال شيءٍ من حصته أو من غيرها عوضاً له.
مسألة 48: إذا ادّعى أحد الشريكين الغلط في القسمة، أو عدم التعديل فيها، وأنكر الآخر، لم تسمع دعواه إلا بالبيّنة، فإن أقام البيّنة على مدّعاه انتقضت القسمة وأعيدت من جديد، وإن لم يكن له بيّنة كان له إحلاف الشريك، فإن لم يحلف حلف هو وانتقضت به القسمة وأعيدت من جديد.

تمهيد:
لا يعتبر الشيوع في المال قدراً مفروضاً على الشركاء، بل يمكن إزالته والخروج عنه وانفراد كل واحد منهم بحصته ساعة يشاء، ما لم يكن قد ارتبط بشرط لازم أو عقد شركة لازم بالنحو الذي سبق؛ ومهما كان نوع المال فإن لأحد الشركاء أن يطلب الاستقلال بحصته المشاعة منه والانفراد بها، فإن كان المال مما يمكن قسمته بواحدة من طرق القسمة المتعددة ـ بالتراضي أو بالإجبار ـ كان له ذلك، وإن كانت العين غير قابلة للقسمة، أو كانت قسمة تراض ولم يتراضيا على كيفيتها، جاز له أن يطلب بيعها واقتسام ثمنها، وتفصيل ذلك يقع في ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في تعريف القسمة وطرقها
وفيه مسائل:
مسألة 28: القسمة هي: (فعلُ ما يؤدي إلى تعيين الحصة المشاعة من المال المشترك في جزء معين منه)، وذلك إما بغرض إزالة الشيوع وانفراد كل شريك بحصته، أو بغرض تضييق دائرته، والأول واضح، والثاني: كما في المال المشترك بين أربعة، فيقسم إلى قسمين ويجعل لكل إثنين منهم قسماً معيناً منه.
وهي (إجراء) بالتراضي أو الإجبار يترتب عليه بنفسه تعيين الحق ولو بمعونة القرعة عند الاختلاف، فلا حاجة لتصحيح وضع كل من الشريكين ـ أو الشركاء ـ يده على هذه الحصة المفرزة من المال دون غيرها بأن يقال: (إن القسمة في حقيقتها نوع من تبادل الأجزاء، بحيث يكون كل جزء منها لهذا هو في مقابل كل جزء منها للآخر)، أو بما يشبه ذلك من المعاوضة. نعم، قد يستلزم تعديل السهام في بعض أنواع القسمة تعويض بعض الحصة المشاعة بما هو خارج عن المال المشترك فتحتاج إلى المصالحة أو نحوها كما سيأتي تفصيله لاحقاً.
والقسمة لازمة إذا وقعت عن تراض، فضلاً عما لو كانت قسمة إجبار، إلا إذا تبين خطؤها كما سيأتي؛ بل الظاهر أنه لا يصح الرجـوع عنهـا ـ أيضاً ـ بالتقايل، فلو تراضى المتقاسمون على إلغاء القسمة وإعادتها من جديد لم يرجع المال إلى الإشاعة، بل تكون إعادة تقسيمه معاملةً أخرى لا تجري عليها أحكام القسمة التي نذكرها هنا، بل تجري عليها أحكام المعاملة الجديدة، كالصلح أو غيره من المعاملات.
مسألة 29: تتقوم القسمة ـ من حيث الغـرض منها ـ بإعطاء كل شريك كامل حصته من العين، أو من المنفعة وحدها إذا كانت هي المشتركة دون العين، وفصلها عن حصص الآخرين، وهو أمر لا يتم إلا مع إمكان تجزأة العين في الأعيان، وكذا تجـزأة الانتفـاع في المنفعـة؛ فإن لـم يمكـن تجـزأة العيـن ـ بل ولا الانتفاع ـ وجب اللجوء إلى بيع العين بما يمكن قسمته، ثم قسمة الثمن، وهو أمر سوف نعرض له في مسألـة مستقلة لاحقاً. أما عندما تكون قسمة المال ـ عيناً أو منفعة ـ ممكنة ـ فإننا نلاحظ أنها تختلف في الأعيان عنها في المنافع، كما أنها تختلف في بعض الأعيان عنها في البعض الآخر، فهنا أمران:
الأمر الأول: في قسمة الأعيان
تختلف قسمة الأعيـان بحسب اختلافهـا ـ مـن حيـث طبيعتهـا ـ في كيفية الانقسام على أنحاء ثلاثة:
النحو الأول: قسمة الإفراز، وموردها ما كان من الأعيان قابلاً للإنقسام إلى سهام متساوية الكمية مما يُقَدَّر بالكيل أو الوزن أو العَدِّ أو المساحة، ومتساوية ـ أيضاً ـ بالقيمة والمالية، وذلك كالصنف الواحد من الحبوب والأدهان والألبان واللحوم والنقود، وما صنع بالآلات الحديثة من آلات وأواني ومنسوجات ونحوها، والأراضي المنبسطة المتساوية الأجزاء في الصفات المرغوبة، كنوع التربة والموقع ونحوهما؛ فإن كان في بعض هذه الأعيان ما يوجب اختلاف أجزائها في المالية، وذلك كأن:
أ ـ اختلفت مواقع أجزاء الأرض من حيث انبساطها وارتفاعها، أو من حيث قربها من الطريق العام أو بعدها عنه، أو من حيث جودة تربتها أو رداءتها، وما أشبه ذلك.
ب ـ اختلفت هيئة العين الصناعية، كالسجادة الواحدة، أو السيارة أو الطشت أو نحو ذلك مما ينظر إليه بما هو عليه من شكل خارجي ناتج عن الصنعة واجتماع الأجزاء.
فإن العين في هذين الموردين ـ وما شاكلهما من الموارد التي تشتمل فيها العين على بعض الاعتبارات التي تجعل أجزاءها مختلفة المالية ـ لا تكون قسمتها قسمة إفراز، بل تنقسم بواحد من النحوين الآخرين للقسمة اللذين سنذكرهما.
النحو الثاني: قسمة التعديل، وموردها ما إذا كان المال المشترك مشتملاً على أشياء متحدة في الجنس مختلفة في القيمة والمالية، كما إذا اشترك اثنان في ثلاثة أثواب أو أغنام أو كتب؛ أو كانت الأشياء مختلفة جنساً وقيمة، كما لو اشتركا في سيارة وسجادة وكتاب وكرسي، وكانت بحيث يمكن جمع بعضها بما يساوي في قيمته حصة أحد الشركاء، والباقي حصة الشريك الآخر، دون أن يبقى شيء منها مشتركاً بينهما. (والتعديل) مأخوذ من (عَدّل الشيء) بمعنى: أقامه وسواه وجعله عِدلين، أي شيئين متماثلين ومتساوين. وبناءً عليه فإنه إذا كانت قيمة كتابين في المثال الأول تعادل وتساوي قيمة كتاب واحد، أعطي أحد الشريكين الذي له نصف هذه الكتب الثلاثة كتاباً وأعطي الآخر كتابين؛ وفي المثال الثاني: لو فرض أن قيمة السيارة تساوي قيمة السجادة والكتاب والكرسي، أعطي أحد الشريكين مقابل حصته التي هي نصف هذه الأغراض السيارة وأعطي الآخر سائر الأغراض. وهكذا.
النحو الثالث: قسمة الرد، وموردها نفس مورد النحو الثاني، غير أنه إذا جمعت بعض الأشياء مع بعضها الآخر لتُعدَّل قِيَمُها بما يساوي حصة أحد الشريكين يبقى فيها ما هو أزيد أو أنقص من حصة الآخر، بنحو لا يمكن تعديله إلا ببذل مال خارج عن المال المشترك لتتعادل به الحصص، وذلك كما إذا كانت بين اثنين سيارتان، قيمة إحداهما ألفا دولار وقيمة الأخرى ألف دولار، أمكنت القسمة بينهما بأن يأخذ أحدهما مقابل حصته ـ وهي النصف ـ السيارة التي قيمتها ألفا دولار على أن يدفع للآخر مع السيارة الثانية خمسمئة دولار لتعادل حصته.
الأمر الثاني: في قسمة المنافع
تصح قسمة المنافع المشتركة بما يصطلح عليه بـ (المُهاياة) أو: (المُهايأَة) وهي بمعنى الموافقة؛ وذلك بأن يتراضى المشتركون في منفعة الدار على أن يسكنها كل منهم حسب حصته في وقت محدد بالأيام أو الأسابيع أو نحوهما، أو أن ينفردكل واحد بجزء منها إذا كان محققاً لغرضه، أو أن يستخدموها جميعاً في الغرض المشترك، أو نحو ذلك من وجوه التوافق على الانتفاع بالمال المشترك التي تختلف باختلاف طبيعته وباختلاف الأغراض المرادة منه.
ثم إنه إن كان الاشتراك في المنفعة وحدها دون العين، كما في الدار أو السيارة أو الشجرة إذا استأجرها أكثر من واحد للانتفاع بها، انحصرت قسمتها بالمهايأة نظراً لكون المنفعة أمراً اعتبارياً قائماً بالعين لا يقبل القسمة بدونها، فلا محيص للشركاء من التوافق على الانتفاع بها بالنحو الذي يرغبون؛ فإن لم يتراضوا وطلب بعضهم حل الشركة، أو تراضوا على حلها، أمكنهم ذلك بتأجيرها لغيرهم وتقاسم أجرتها بالنحو الذي يصلح للقسمة إذا أذن لهم المالك، وإلا رفعوا أمرهم للحاكم الشرعي الذي يحق له إجبارهم على ما يراه مصلحة لهم في تقاسم المنفعة.
وأما إن كانوا شركاء في العين والمنفعة معاً، ورغبوا في تقاسم المنفعة وحدها بطريقة المهايأة صح منهم ذلك ما داموا متراضين عليها؛ فإنْ منع بعضُهم منها ورَفَع الإذن عنهم، بطلت، إلا أن يكون ملزماً بها بشرط ونحوه؛ وحيث يرغب بعضُهم في الانتفاع بالعين ـ أو يُضطر إليه ـ ولا يأذن له شركاؤه، فإنَّ بإمكانه طلبَ قسمة العين وحلِّ الشركة من أصلها ما دامت العين مشتركة أيضاً.
مسألة 30: لما كان المناط في اقتسام العين بواحد من تلك الأنحاء الثلاثة هو ما تقتضيه طبيعة العين، فإنها كما تقتضي انحصار قسمتها بواحد من الأنحاء الثلاثة بخصوصه، قد تقتضي صلاحيتها للإنقسام بأكثر من نحو واحد منها، وذلك كما لو اشتركا في ثلاث سيارات، قيمة إحداها ألفا دولار وقيمة كل من الآخريتين ألف دولار، فتصح فيها قسمة التعديل، بأن يأخذ أحدهما السيارة التي قيمتها ألفا دولار والآخر السيارتين اللتين قيمتهما ألفا دولار؛ كما تصح فيها قسمة الرد، بأن يأخذ أحدهما السيارة التي قيمتها ألفا دولار مع سيارة قيمتها ألف دولار ويأخذ الآخر السيارة الثانية التي قيمتها ألف دولار أيضاً مع ألف دولار نقداً.
أو كما لو اشتركا في حاصل موسم زراعي متنوع، وكان حاصله مئة كيلو حُمُّصاً بقيمة ثلاثين دولاراً، مع مئة كيلو قمحاً بعشرين دولاراً، مع مئة كيلو شعيراً بعشرة دولارات، فإذا أخذ كل واحد منهما نصف كل نوع من الحاصل كان ذلك قسمة إفراز، وإذا أخذ أحدهما الحمص والآخر القمح والشعير كان ذلك قسمة تعديل، وإذا أخذ أحدهما الحمص والشعير والآخر القمح مع عشرة دولارات نقداً كان ذلك قسمة رد؛ وهكذا.
مسألة 31: لا يشترط في قسمة الإفراز العلم بمقدار كل حصة، فلو أخذ كل واحد نصف القمح الموجود بمكيال مجهول صحٍّ؛ وكذا يصح فرز قطعة أرض إلى أجزاء متساوية بحبلٍ أو خشبة مجهولي المقدار. فيما لا بد لتعديل الحصص في قسمتي التعديل والرد من العلم بمقدار حصة كل منهما بما يكفل إعطاء كل ذي حق حقه.
المطلب الثاني: في قسمتي الإجبار والتراضي
وفيه مسائل:
مسألة 32: قد تقدم منا القول: «إن الشيوع في المال ليس قدراً مفروضاً على الشركاء، بل إن للشريك إزالته والخروج عنه ساعة يشاء، ما لم يكن قد ارتبط بشرط أو عقد لازم»، وقد عالجنا موضوع فض الشركة فيما سبق في إطار الشركة العقدية من حيث اللزوم والجواز في (المسألة: 25) وما بعدها، فيما نعالجه هنا في إطار إزالة الشيوع وحل التشارك القائم بين الشركاء من حيث أصله، بغض النظر عن توافقهم على استثمـار المال وعدمـه. وبعدمـا بيَّنا ـ فيما سبق من مسائل ـ أن حل التشارك من أصله لا يكون إلا بالقسمة، وبعدما بيَّنا أنحاء القسمة، صار لزاماً علينا بيان أحكام طلب أحد الشركة القسمة، فنقول:
رغم أن للشريك أن يفرض القسمة على سائـر الشركـاء ـ مـع إمكانهـا ـ ويطلب الانفراد بحصته، فليس له دائماً أن يفرض نحواً محدداً من أنحائها الثلاثة التي تقدمت، بل يختلف حال القسمة من هذه الجهة بين ما يصطلح عليها بـ (قسمة الإجبار) وبين ما يصطلح عليها بـ (قسمة التراضي):
أما قسمة الإجبار فلها ثلاثة موارد:
الأول: ما إذا كانت العين صالحة لقسمة الإفراز دون قسمة التعديل، أو معها، ولم يكن فيها ضرر على الآخر، فإذا طلب قسمة الإفراز وجبت إجابته وأجبر الممتنع.
الثاني: ما إذا كانت العين صالحة لقسمة التعديل دون الإفراز، ولم يكن فيها ضرر على الآخر، فتجب إجابة طالبها، ويجبر عليها الممتنع.
الثالث: ما إذا صلحت العين لقسمتي الإفراز والتعديل، وكان في الإفراز ضرر على طالب التعديل دون أن يكون في التعديل ضرر على المطلوب منه، فتجب إجابة طالب التعديل ويجبر الممتنع.
وأما قسمة التراضي فلها ثلاثة موارد ـ أيضاً ـ:
الأول: ما إذا كانت العين صالحة لقسمة الرد، فإذا طلبها أحد الشريكين لم يجب على الآخر إجابته، سواءً انحصرت بها القسمة أو لم تنحصر، وسواءً ترتب على الآخر ضرر منها أو لم يترتب.
الثاني: ما إذا كانت العين صالحة لقسمة التعديل دون غيرها، أو لقسمة الإفراز كذلك، وكان فيها ضرر على المطلوب منه، لم تجب عليه إجابة شريكه إليها.
الثالث: ما إذا كانت العين صالحة لقسمتي الإفراز والتعديل، ولم يكن في كليهما ضرر على أحدهما، فإذا طلب قسمة التعديل بخصوصها لم يجب عليه إجابته.
فيحق للشريك المطلوب منه أن يمتنع في هذه الموارد الثلاثة عن تلبية رغبة شريكه؛ وحينئذ فإن تراضيا على حل كان خيراً، وإن لم يتراضيا، جاز للطالب رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي، سواءً كان متضرراً من ترك القسمة أو غير متضرر، فإن رضيا عنده كان خيراً، وإلاأجبرهما الحاكم على ما هو المقبول في نظر العقلاء، دون أن تصل النوبة إلى إجبارهما على بيعها واقتسام ثمنها، إذ إنهما لايلزمان به إلا في صورة عدم إمكان قسمة العين، كما سيأتي.
وبعبارة جامعة:
كلما كانت القسمة لا تستلزم الرد ولم يكن فيها ضرر على أحدهما، وانحصرت بها، صح إجباره على ما انحصرت به إفرازاً أو تعديلاً إذا طلبه الآخر؛ كما يصح إجباره على الإفراز دون التعديل مع إمكانهما وعدم تضرر الآخر من الإفراز، وإلا أُجبر الشريك على التعديل إذا طلبه الآخر؛ وهذه هي موارد قسمة الإجبار.
وكلما كانت القسمة مستلزمة للرد، أو كانت إفرازاً أو تعديلاً وكانت بحيث يتضرر بها المطلوب منه، أو كانت تعديلاً مع إمكان الإفراز دون ضرر على أحدهما، لم يلزم الشريك بالقسمة إلا أن يتراضيا عليها؛ فإن لم يتراضيا جاز لطالب القسمة رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي، فإن أرضاهما كان خيراً، وإلا صح منه إجبار الممتنع على ما هو المقبول في نظر العقلاء، وبخاصة مع عدم تضرره وتضرر الطالب، وهو يشمل ما تنحصر قسمته بالرد، وموارد عدم إمكان قسمة العين ولجوئهما إلى بيع العين لتقاسم ثمنها، كما سيأتي بيانه.
وبهذه العبارة الجامعة يمكننا استخلاص ما يلي: إن كون القسمة بالإجبار أو التراضي يتقوم بعنصرين:
الأول: توافق طريقة القسمة مع طبيعة العين المشتركة، من كونها بالإفراز أو التعديل أو الرد.
الثاني: تضرر المطلوب منه بها وعدمه.
مسألة 33: قد يدخـل في كـون القسمة بالإجبـار أو التراضـي ـ إضافة إلى العنصرين المذكوين في خاتمة المسألة السابقة ـ عنصر ثالث هو: تناسب القسمة المطلوبة مع (العنوان) و(الهيئة) التي تكون عليها العين؛ ففي مثل البستان المزروع شجراً تكون قسمته بالإجبار إذا كانت العين غير صالحة إلا للتعديل ولم يكن المطلوب منه متضرراً بها، لكن لو كان مطلوبه هو قسمة الأرض وحدها والأشجار وحدها لم يُجبر شريكه عليها، لمنافاتها لعنوان البستانية الذي صارت فيه الأرض والأشجار وحدة تامة لا تنفصل، فيما يبقى مجبوراً عليها لو طلب شريكه قسمة الأرض مع الأشجار لتناسبها مع عنوان البستانية، وهكذا ما يشبهه من سائر الموارد.
مسألة 34: إنما يجبر الشريك على القسمة إذا لم يكن قد اشترط على طالبها تأجيلها إلى وقت معين، أو كان قد اشترط ومضى الأجل، فإن كان قد اشترط عليه تأجيلها إلى مدة معينة لم يكن له جبره أثناءها حتى تنقضي مدة التأجيل.
مسألة 35: المراد من الضرر المانع من الإجبار على القسمة هو النقص الواقع في العين أو القيمة بسبب القسمة، وذلك بمقدار لا يتسامح فيه في العادة وإن لم يسقط به المال عن قابلية الانتفاع بالمرة. كذلك فإن تأثير الضرر في عدم الإجبار إنما هو حيث يرغب المتضرر في تجنبه، أما لو فرض تعلق رغبته في موضوع الضرر لغرض صحيح ولم يكن الآخر متضرراً صح منه إجباره حينئذ، ومن موارده ما لو كان شريكاً في عُشر دارٍ، وكان من الصغر بحيث لا يصلح للسكن إذا استقل به، فإنه ـ رغم تضرره منها من هذه الجهة ـ يجب على شريكه إجابته إذا طلب القسمة بغرض صحيح، فيما ليس لشريكه إجباره على القسمة إذا امتنع عنها لتضرره بها.
مسألة 36: تكتنـف عمليـة القسمـة ـ غالبـاً ـ صعوباتٌ كثيرةٌ، بحيث لا يستغنى عندها عن تدخل أهل الخبرة ومساهمتهم فيها، سواءً من حيث تحديد نوع القسمة أو من حيث إقناع الأطراف بحل مُرضٍ بعد استعراض الخيارات الممكنة؛ بل كثيراً ما يتعاسر الشركاء ويختلفون فيما بينهم، فيحتاج فض النزاع وإصلاح ذات البين إلى تدخل الحاكم الشرعي؛ ورغم وضوح ما سبق ذكره من أنواع القسمة وموارد الإجبار عليها أو التراضي، ورغم صلاح ذلك قاعدة يمكن تطبيقها على مواردها، فإنه لا غنى عن تطبيق ذلك على بعض مواردها التي جرى ذكرها في كتب الفقهاء، وذلك في فرعين:
الفرع الأول: في قسمة الدور وشبهها، وله موارد:
الأول: الأبنية السكنية ذات الطبقات المتعددة، فإنها إذا كانت متماثلة مساحة وهندسة وقيمة انقسمت جبراً قسمة إفراز مع تساوي الحصص إذا طلبها أحد الشركاء، فيتراضون بينهم على أن يكون توزيع الحصص: إما أفقياً، بأن يأخذ كل شريك طابقاً بشقتين ـ مثلاً ـ، أو يكون توزيعها عمودياً، بأن يأخذ كل شريك شقة في كل طابق صعوداً.
وأما إذا اختلفت الطوابق مساحةً وهندسةً وقيمةً، واقتضى ذلك تعديل السهام ما بين كل طابق وطابق وما بين كل شقة وشقة، بحيث انحصرت قسمتها بالتعديل، وطلب بعض الشركاء قسمتها كذلك، وجبت إجابته.
وفي كلا الحالتين يناط الجبر بعدم الضرر، وخاصة لجهة الإجراءات القانونية التي يخضع لها نظام الطبقات، وأيضاً لجهة كون كل وحدة سكنية كياناً متماسكاً غير قابل لأن تفرز كل غرفة فيه بين الشركاء، فلا تصلح بعدها لانفراد كل واحد منهم بحصته.
الثاني: الدار الواحدة ذات الطبقتين المتكاملتين، كالقصر وما أشبهه، فإن أمكن قسمته بالإفراز أفقياً وعمودياً، بحيث يأخذ كل واحد منهما حصة مساوية للآخر من كل طبقة؛ وأمكن ـ أيضاً ـ قسمته بالتعديل أفقياً وعمودياً، بأن يأخذ كل واحد منهما حصة معدلـة من كل طبقة، وأمكن ـ أيضـاً ـ قسمته بالتعديل أفقياً، بأن يأخذ أحدهما تمام الطبقة العليا والآخر تمام السفلى؛ كانت قسمتها جبراً بالإفراز مع طلبها من قبل أحد الشركاء وعدم تضرر الآخر؛ ومع عدم إمكانها بالإفراز، أو مع تضرر الآخر بها، وانحصارها بقسمتي التعديل والرد مع إمكانهما معاً،يجبر الممتنع إذا طلب شريكه قسمتها بالتعديل مع عدم الضرر عليه، دون ما لو طلب قسمتها بالرد، إلا أن تنحصر القسمة بها ويطلبها الشريك ولا يكون فيها ضرر على الآخر فيجب عليه إجابته.
الثالث: المنشآت ذات الغرف المتعددة، ومنها الدور التي يُرغب في اقتسامها ولو غرفة غرفة، وكذا الفندق والمدرسة الداخلية والمحلَّات التجارية، فإنه ـ حيث لا يترتب ضرر ـ يجبر الشركاء على تقاسم كل غرفة فيها فيما بينهم قسمة إفراز إذا طلبها أحد الشركاء، وهي مقدَّمة على قسمة التعديل التي يهدف منها إلى استقلال كل منهم بغرفة تامة أو دكان مع اختلافها في الصفات والقيمة؛ وإن كان الغالب في مثله قسمته قسمة تعديل لتعلق الرغبة بها وتحقّق الضرر من قسمة كل غرفة منها قسمة إفراز، إلا في حالات قليلة تكون الغرفة فيها واسعة جداً ومرغوبة بذاتها. هذا، ولكن حيث تكون الغرف متساوية في الصفات والقيمة، وحيث تكون الحصص مستوعبة لها بدون تجزأة، فإنها تنقسم جبراً قسمة إفراز، فيعطى كل واحد غرفة أو أكثر، تماماً كما لو كان عندهم عشر سيارات متماثلة ومتساوية القيمة، وذلك كما أسلفنا القول في المورد الأول.
الرابع: المطبخ أو الحمام أو ما أشبههما من المنشآت ذات التجهيز الخاص، فإنه لما كان غيرَ قابل للقسمة الخالية من الضرر، لا يجبر الممتنع على قسمته إلا إذا كان واسعاً بحيث يصلح قَسيمُه ليكون مطبخاً بعد إحداث التجهيز المناسب فيه، فتجب إجابته ـ حينئذ ـ وتكون قسمته قسمة تعديل غالباً، وبخاصة ما لو اكتفى طالب القسمة به بدون صفته مطبخاً أو حماماً.
الفرع الثاني: في قسمة الأرضين والزُرُوع، وله موردان:
الأول: البستان المشتمل على أشجار؛ وهو ينقسم قسمة إجبـار ـ بالتعديل أو الإفراز ـ إذا طلب أحد الشركاء قسمته مع أشجاره، لأن ذلك هو الأنسب والأقرب للوضـع الطبيعـي لعنـوان البستـان؛ وينقسم بالتراضي ـ بالتعديـل أو الإفـراز أو الـرد ـ إذا طلب أحد الشركاء قسمة الأرض وحدها والأشجار وحدها، لأنه على خلاف الوضع الطبيعي، وبخاصة ما لو كانت رغبته اقتسام أحدهما دون الآخـر؛ وذلك ـ طبعاً ـ بالإضافة إلى العناصر الأخرى التي لها دخالة في كون القسمة بالإجبار أو التراضي، مما سبق ذكره. أنظر (المسألة: 32).
الثاني: الأرض المزروعـة حباً؛ وهي ـ على عكس البستان ـ تنقسم جبراً بالتعديل أو الإفراز إذا طلب أحد الشريكين قسمة الأرض وحدها والزرع وحده إذا كان قصيلا أو سنبلاً، وتنقسم مع الزرع بالتراضي، إلا أن تنحصر القسمة الخالية من الضرر بقسمتهما معاً فيجبر عليها الممتنع إذا طلبها شريكه؛ أما إذا كان الزرع ما يزال حباً لم ينبت، أو كان ما يزال خَضِراً لم يَقْصل، بحيث لم يمكن تعديل السهام معه، فإنه يصح ـ حينئذ ـ تقسيم الأرض وحدها بما يناسبها من أنحاء القسمة، جبراً أو مع التراضي، واعتبار وجود الزرع كعدمه من هذه الجهة؛ كما تصح قسمتها مع الزرع بنفس النحو بحيث يعتبر الزرع تابعاً لها؛ فيما لا تصح قسمة الزرع وحده وهو على تلك الحال، لجهالته.
مسألة 37: لا تصح قسمة الديون المشتركة قبل استيفائها، فلو رغب الشريكان في قسمة ما لهما من ديون مشتركة على الناس بسبب يوجب الشركة، كالميراث أو الهبة، فاتفقا ـ مثلاً ـ على أنَّ ما هو دين على أهل الحي الفلاني لزيد، وما هو دين على أهل الحي الآخر لسعيد، لم يملك كل منهما ما عُيِّن له، فإذا استوفى أحدهما شيئاً كان لهما معاً. ومن ذلك ما لو كان لهما دين على شخص واحد، فقصد الدائن والمدين أن يكون ما يدفعه لشريكه من الدين هو من حصته من الدين المشترك، فـإن المدفـوع هنا ـ أيضاً ـ لا يتعين له بل يبقى مشتركاً بينهما.
مسألة 38: في كل مورد لا تصلح فيه العين للقسمة، كمثل الكتاب والسيارة والقلم ونحوها، فقسمته ببيعه واقتسام ثمنه؛ فإذا طلبها الشريك وجب على الآخر إجابته، ومع امتناعه يجبر عليها ولو برفع الأمر إلى الحاكم الشرعي؛ ثم ينظر في الثمن من حيث ما يناسب طبيعته من طرق القسمة، بين ما يكون موزوناً أو معدوداً أو ممسوحاً، وبين ما يكون متساوياً في القيمة أو غير متساوٍ، فيتقاسمانه حتى كأنهما ـ في الأصل ـ كانا شريكين فيه.
مسألة 39: رغم كون العين الموقوفة قابلة بطبيعتها للقسمة بالنحو الذي سلف فإنه لا تصح قسمتها بين الموقوف عليهم بالوقف الخاص، بنحو يختص كل واحد منهم بحصته من العين، إلا إذا اشترطها الواقف عند وقوع النزاع بينهم، أو مطلقاً. وكنا قد ذكرنا فروعاً أخرى لهذه المسألة في مباحث الوقف من الجزء الثاني، فانظر فيه (المسألة: 559).
المطلب الثالث: في تعديل السهام وتوزيعها
وذلك أنـه ـ بعدمـا بيّنـا أنـواع القسمـة ـ لا بد لإنجاز عملية القسمة واستكمالها من قطع مرحلتين، الأولى: تجزأة العين المشتركة إلى سهام مناسبة لعدد الشركاء وصالحة للتوزيع عليهم، وهي ما يصطلح عليه بـ (تعديل السهام)، أي: تسويتها وفرزها على قدر حصص الشركاء. الثانية: توزيع السهام على الشركاء واختصاص كل شريك بحصته منها، وهي المرحلة الأخيرة والنهائية، وهو ما سوف نبحثه في هذا المطلب تحت هذين العنوانين:
المرحلة الأولى: تعديل السهام
مسألة 40: تعديل السهام هو: (قيام المشرف على القسمة بتجزأة العين بأحد أنحاء القسمة وطرقها الآنفة الذكر بما يتناسب مع طبيعة العين، بالإفراز أو التعديل أو الرد؛ وذلك لجهة انحصار القسمة بواحدة منها أو صلاحها لأكثر من واحدة، ولجهة تحديد وجه معين من كل طريقة إذا تعددت الوجوه التي يمكن تجزأة العين بها في كل نحو من أنحاء القسمة، ثم اعتبار كل جزء منها سهماً، والقيام بتمييزه عن سائر الأجزاء، وذلك مقدمة لتسَلُّم كل شريك حُصته).
وهو ما يتم في خطوات نفصلها على النحو التالي:
أولاً: إذا كانت الطريقة منحصرة بأحد أنحاء القسمة، وكانت وجوه الطريقة منحصرة بوجه واحد منها، وكانت القسمة بالإجبار أو التراضي، فلا إشكال.
ثانياً: إذا كان كل شيء واضحاً، غير أن القسمة التي اعتمدها الشركاء جبراً أو بالتراضي كان لها وجوه متعددة، وذلك كالأرض التي يراد قسمتها بالإفراز، فإنهـا يمكـن اقتسامهـا ـ مثـلاً ـ أجزاءً مربعة أو مستطيلـة متساويـة المساحة، أو أجزاءً مثلثة ومستطيلة ومربعة متساوية المساحة، أو نحو ذلك؛ فهنا لا بد لهم من التراضي على أحد هذه الوجوه، فإن اتفقوا كان خيراً وإلا أقرِعَ بينها.
ثالثاً: إذا تمت جميع مقدمات القسمة لزم الشروع بتجزأة العين:
فإن كانت حصص الشركاء متساوية في نسبتها إلى المال المشترك لزم جَعْلُ السهام بعدد الرؤوس، فإن كانوا اثنين ولكلٍ منهما النصف، فالسهام اثنان متساويان، وإن كانوا أربعة فالسهام أربعة متساوية، وهكذا لو كانوا ألفاً فإن السهام تكون ألفاً.
وإن كانت حصص الشركاء متفاوتة، بأن كانوا ثلاثة، وكان لأحدهم نصف، وللثاني ثلث، وللثالث سدس، كان المعتمد في التجزأة هو السهام لا عدد الشركاء، فيؤخذ أصغر السهـام منها بخاصـة ـ وهو بحسب المثال المتقدم السدس ـ وتجعل العين ستة سهام متساوية.
المرحلة الثانية: توزيع السهام بالقرعة أو بدونها
مسألة 41: إذا تراضى الشركاء على أن يأخذ كل واحد منهم أي سهم منها لم يُحتج إلى شيء سوى أن يختاركل واحد من السهام ما يساوي حصته ويتسلمه، فإذا تسلَّمه ملكه، ولم يجز لغيره منازعته فيه وانتهت به القسمة.
وإن لم يتراض الشركاء على أشخاص السهام رغم تساويها قيمة، بل رغب أكثر من واحد ـ مثلاً ـ بالسهم المثلث من الأرض دون المربع، أو رغب أكثر من واحد منهم بكتاب معين موجود في جملة كتب موزعة سهاماً، أو رغب بعضهم بنفس الطراز من الثياب الذي رغب فيه غيره، فلا بد من (القرعة) لحسم الأمر وتوزيع السهام على أصحاب الحصص.
مسألة 42: القرعة في اللغة: فعل ما يُعيَّنُ به نصيبُ أو حصةُ أحد الشركاء. وفي اصطلاح الفقهاء هي: (فعلُ ما ينكشف به خيارٌ عمليٌ للمكلف في أمر مبهم لا واقع له، أو له واقع لا طريقَ لانكشافه من شرع أو عقل).
وإنما وجب الرجوع إلى القرعة هنا لأن عدم تراضي الشركاء على اختصاص كل واحد منهم بسهم بعينه يُبقي الجميع شركاء على نحو الإشاعة في كل سهم قد تم فرزه، وتكون القسمة بمجردها غير كافية في إزالة الشيوع ما لم يرض كل واحد منهم باختصاص كل واحد منهم بسهم بعينه، فحصة كل شريك واقع قائم في العين ولكن تشخيصها أمر مبهم من أصله، أي: لا واقع له، ولا طريق لتعيينه من شرع أو عقل، وحيث لا بد من جلاء الأمر، فلا محيص عن اللجوء إلى القرعة لتعيين حصة كلِّ شريك.
مسألة 43: لما كان الهدف من القرعة تعيين الأمر الملتبس وكشف إبهامه، فالظاهر أنه لا يشترط فيها كيفية خاصة مرادة بذاتها، بل يكفي فيها كل طريقة توصل إلى الهدف إذا اجتمع فيها عنصران، الأول: توافق الأطراف عليها. والثاني: عدم تدخل الإرادة البشرية بتعيين الأمر وكشف المبهم، بل يكون الملحوظ فيها تفويض الأمر إلى الله تعالى اتكالاً على دقيق لطفه وجميل اختياره. وفي مقامنا هذا يكفي تسجيل أسماء الشركاء في قطع من الورق متشابهة حجماً ولوناً، ثم تطوى ليَخْفى الإسم على المقترع، ثم تُؤخذ ورقة بعد ورقة، فمن خرج السهم باسمه يعطى له، طبق تفاصيل يتفقون عليها كما سنذكر أنموذجه في المسألة التالية؛ وبناءً عليه فإنه يصح استخدام كل ما يؤدي هذا الغرض ويوصل إلى تلك النتيجة إذا توفر فيها العنصران الآنفا الذكر.
مسألة 44: إن الكيفية المناسبة لإقراع السهام المفرزة بين الشركاء عند قسمة المال المشترك على نحو الإشاعة هي كما يلي:
أولاً: جعل علامة على كل سهم مفرز عند عزله على حده، من أجل الإشارة إليه بها حين القرعة، ويكفي في ذلك كل علامة موضحة يتراضون عليها، وذلك باستخدام العدد، مثل: الأول والثاني والثالث، أو الألوان، كالثوب الأحمر والأصفر والأخضر، أو باستخدام الجهة، كالجزء الغربي من الدار ـ أو العقار ـ والجزء الجنوبي، وغير ذلك من العلامات التي لا تحصى كثرة.
ثانياً: يُنظَرُ في حصص الشركاء بعدما عُدِّلتْ السهام، وفُرِز كلُّ سهم على حدة، ومُيِّز كل منها بعلامة:
فإن كانت الحصص متساوية، فهو يعني أن السهام بعدد الشركاء، فيُكتفى لتعيين صاحب كل حصة بالإقراع له مرة واحدة؛ وبيان ذلك: أنه يؤخذ رقاعٌ من ورق ـ مثلاً ـ بعدد الشركاء، إثنتين إن كانوا اثنين، وثلاث إن كانوا ثلاثة، وهكذا، ثم يكتب إسم كل شريك على رقعة، ثم يستر ما كتب بمثل طي الورقة ونحوه، ثم تُشَوَّش كي ينعدم ما يمكن أن تتميز به إحداهما عن الأخرى البتة، ثم يَقصدُ المقترعون أنَّ السهـم الذي عليـه علامـة (الأول) ـ مثـلاً ـ هو الذي يجري عليه الاقتراع، ثم يأخذ المقترعُ رقعة منها، فمن كان فيها إسمه كان ذلك السهم (الأول) له، ثم تكرر القرعـة، فيؤتى بالسهـم الآخر الذي عليه ـ مثـلاً ـ علامة (الثاني)، ويُقصد أنَّ الإقراع عليه، فتؤخذ رقعة أخرى، فمن كان فيها إسمه كان ذلك السهم (الثاني) له، وهكذا نستمر إلى ما قبل الأخير، فإذا بقي سهم واحد وشريك واحد تعين ذلك السهم له دون حاجة إلى القرعة.
هذا، وتصح القرعة في هذا المورد إذا كتب على الرقاع أسماء الأسهم بدلاً لأسماء الشركاء، وقصد حين أخذ كل رقعة إسم واحد من الشركاء، إذ إن النتيجة واحدة.
أما إذا كانت الحصص متفاوتة، وكان عدد السهام أكثر من عدد رؤوس الشركاء، فإنه يمكننا إعتماد طريقة كتابة أسماء الشركاء في الرقاع والإقراع على الأسهم، فإذا كان الشركاء ثلاثة، وكان المال بينهم نصفاً وثلثاً وسدساً، كانت السهام ستـة أخـذاً لهـا علـى أقلهـا ـ وهو السـدس ـ كما سلف القـول فـي (المسألة: 40، فقرة «ثالثاً»)؛ فتُوخذ رقاعٌ ثلاث بأسماء الشركاء، وتستر وتشوش، ويقصد أنَّ من خرج اسمه على سهم كان له وحده إن تمت به حصته، وكان له مع ما يليه حتى تتم به حصته، ثم يقرع على السهم الأول، فإن خرج إسم من له السدس كان هذا السهم له واكتفى به، ثم يقرع على السهم الثاني، فإن خرج إسم من له الثلث أعطي ذلك السهم الثاني الذي اقترع عليه مع السهم الثالث الذي يليه، وذلك تبعاً له لإتمام حصته، ثم ما يبقى من السهام، وهي ثلاثة، تدفع إلى من له النصف دون حاجة إلى القرعة، وهكذا نجري على ما يشبه ذلك إذا خرج إسم من له النصف عند الإقراع على السهم الأول، فيعطى ذلك السهم مع السهم الثاني والثالث لإتمام حصته، وهكذا.
مسألة 45: لا يشترط في صحة القرعة إجراؤها من قبل الحاكم الشرعي، بل تصح من كل أحد ما دامت موافقة لما يعتبر فيها.
مسألة 46: إذا تم تعديل السهام، وتم فرز العين سهاماً، وتم تشخيص كل سهم لصاحبه بالقرعة مع عدم التراضي، أو أخذ كل شريك حصته بدون القرعة مع التراضي، فحيث تصير حصة كل شريك معه يصير مالكاً لها بخصوصها دون أن يحتاج معها إلى التراضي على الاختصاص بما أخذه بإنشائه بصيغة مُفْهمة أو بدونه، ما عدا قسمة الرد، فإنه لما كان فيها تعويضٌ بالمال لبعض حصة الشريك لزم التراضي بينهما عليها بمثل الصلح أو الهبة المعوضة أو نحوهما من عقود المعاوضة.
فائدة فيها مسألتان:
مسألة 47: لا ينتفي بالقسمة الحق المتعلق بإحدى الحصتين لصاحب الحصة الأخرى، وذلك كما لو كان لحصة الشريك في الدار أو العقار ممر من حصة الآخر، فليس له منعه من المرور عليه، إلا أن يشترط عليه التخلي عن حقه هذا دون عوض، أو في قبال شيءٍ من حصته أو من غيرها عوضاً له.
مسألة 48: إذا ادّعى أحد الشريكين الغلط في القسمة، أو عدم التعديل فيها، وأنكر الآخر، لم تسمع دعواه إلا بالبيّنة، فإن أقام البيّنة على مدّعاه انتقضت القسمة وأعيدت من جديد، وإن لم يكن له بيّنة كان له إحلاف الشريك، فإن لم يحلف حلف هو وانتقضت به القسمة وأعيدت من جديد.

ص
40
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية